بيوت الله


الحلقة مفرغة

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

فضل الذهاب إلى المساجد

معاشر المؤمنين: إن المساجد في دين الإسلام لها مكانةٌ عظيمة ودورٌ عظيم لما فضلها الله سبحانه وتعالى، وجعلها بيوت إقامة الشعائر والعبادة، وجعلها مكان اجتماع للمصلين، وجعلها مهابط نزول ملائكته، حيث تشهد العباد، ملائكته النهار تشهد العباد مصلين، وتفارقهم وهم يصلون، وملائكة الليل تشهد العباد مصلين، وتفارقهم وهم يصلون، ولذا كان لهذه المساجد فضلٌ ومكانةٌ، ودورٌ عظيمٌ في دين الإسلام وفي نفوس المسلمين أجمعين، ولقد جاءت السنة النبوية المطهرة بما يزيد دلالة على مكانة هذه المساجد، وبما يزيد دلالة على فضلها وعظيم لزومها، ومكانة وحسن الأجر والثواب لمن أكثر الخطا إليها، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح) متفقٌ عليه. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة) رواه الإمام مسلم.

فضل العناية بالمساجد

ولا عجب في ذلك يا عباد الله! فهي بيوت الطاعة، ومهابط الملائكة، وأماكن اجتماع الموحدين، ولذا كان للعناية بها فضلٌ عظيم، وكان للذين يعتنون بها مزيد مكانةٍ حتى في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه سأل عن امرأةٍ عجوزٍ سوداء كانت تقم المسجد ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، قالوا: توفيت، قال: هلَّا أخبرتموني بها؟ ثم قال: دلوني على قبرها، فذهب وصلى عليها) وما ذاك إلا لمكانتها من هذا الفعل الذي فعلته؛ وهو اهتمامها بنظافة المسجد.

واعلموا يا عباد الله! أن تنظيف بيوت الله هو مهر الحور العين في الجنة، ولا شك معاشر المسلمين أن المساجد في بلادنا ولله الحمد تحظى من المحسنين والجهات المسئولة ما لا يحظى به غيرها في كثيرٍ من البلدان، وهذه من أعظم نعم الله على هذه المملكة، حيث يعتنى بإعداد الأئمة والمؤذنين والخدم، ويعتنى بنظافتها وإعداد مرافقها، كل ذلك لتحقيق الهدف الأول والأسمى، وهو تهيئة المساجد لعُمَّارها المصلين فيها.

النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بالمسجد

وقبل أن نخوض في دور المسجد ورسالته نود أن نذكر شيئاً عن مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم وبنائه.

فقد روى أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة مهاجراً، فنـزل في علوها في حيٍ يقال له: حي بني عمرو بن عوف، فأقام عندهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأٍ من بني النجار، فجاءوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر رديفه، وملأٌ من بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حيثما أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد، قال: فأرسل إلى ملأٍ من بني النجار، فجاءوا فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا -أي: ساوموني على شرائه منكم- قالوا: لا والله ما نطلب ثمنه يا رسول الله إلا من الله، قال أنس : فكان فيه ما أقول، كان فيه نخلٌ، وقبور المشركين، وخرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقُطع، وأمر بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، قال: وصفوا النخل قبلةً، وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وهم يقولون:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة     فارحم الأنصار والمهاجرة

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود .

فتأملوا وانظروا يا عباد الله! عنايته صلى الله عليه وسلم بالمسجد حيث جعله أول عملٍ بدأ به بعد هجرته من مكة إلى المدينة، وتأملوا مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في البناء معهم بيده الشريفة، فقد ورد في بعض الروايات: (أنه صلى الله عليه وسلم لقيه رجلٌ وهو ينقل اللبن بنفسه، فقال: يا رسول الله! ناولني لبنتك أحملها عنك، فقال: اذهب فخذ غير هذا، فلست بأفقر مني إلى الله) يقوله صلى الله عليه وسلم، قال: (وجاء رجلٌ كان يحسن عجن الطين، وكان من حضرموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله امرأً أحسن صنعته، وقال له: الزم أنت هذا الشغل، فإني أراك تحسنه) فهذه دلالة عظيمة على فضل المساجد وأهميتها، والمشاركة في بنائها بالنفس والمال، ولهذا كان لهذه الآمال أعظم الثواب عند الله سبحانه وتعالى، ففي البخاري وأحمد والترمذي عن عثمان رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة)، وفي روايةٍ: (بنى الله له في الجنة مثله)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى مسجداً صغيراً كان أو كبيراً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة) أخرجه الترمذي.

فهذا يا عباد الله طرفٌ من الحديث عن أهمية هذه المساجد ومكانتها وفضيلة عمارتها وبنائها، ولما كانت المساجد بهذا القدر من الشرف والمكانة شُرع للمسلمين نظافتها والعناية بها، وورد النهي عن إحداث الأذى والقذى والقذر فيها، يدل على ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: أنه غضب حتى عرف ذلك في وجهه يوم أن رأى نخامةً في القبلة؛ فشق ذلك عليه، فقام فحكها بيده صلى الله عليه وسلم.

فتأملوا يا عباد الله قيام النبي صلى الله عليه وسلم لحك النخامة بيده الشريفة عن جدار المسجد، فهل بعد هذا يتورع أو يترفع أحد من المسلمين عن إماطة القذر وإزالة الأذى من المسجد حينما يراه، والرسول صلى الله عليه وسلم يزيل الأذى بنفسه، ولم يأمر أحداً بإزالته؟!

ويدخل في هذا ما يفعله بعض المصلين حينما يستعمل السواك في فمه، فيتفتت شيءٌ من قطع السواك في فمه فيبصقها أو فيتفلها من طرف شفاهه وهو في الصلاة أو وهو في المسجد على فراش المسجد، وهذا لا يليق، ولا يجوز فعله في المسجد، وإن كنا نراه في كثيرٍ من المسلمين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة) أخرجه الجماعة.

حث الشرع على ذهاب النساء إلى المساجد

ومما ينبغي العلم به من الأحكام المتعلقة بالمساجد: أن النساء يجوز لهن دخول المساجد والصلاة بها، وحضور الندوات والمحاضرات فيها، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)، وفي روايةٍ: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) إلا أنه ورد في بعض الروايات أن صلاة المرأة في بيتها أفضل.

وعلى أية حال، ففي هذا دلالة على مشروعية تهيئة الأماكن المناسبة والمخصصة للنساء في المساجد لمصالح عديدة، أهمها: حضور الخطب والمحاضرات والندوات والدروس الشرعية التي تعود عليهن بأكبر الأثر نفعاً وفائدة، وتزداد الحاجة إلى تخصيص الأماكن للنساء في المساجد في هذا الزمان؛ لقوة الحملة الموجهة إلى النساء الداعية لهن إلى السفور، وترك الحجاب، والاختلاط في الأعمال والتعليم والانحلال، وليس هذا أمراً بدعاً من المتأخرين، ليس مشروعية تهيئة الأماكن المناسبة للنساء أمراً بدعاً من المتأخرين، ولقد مرَّ معنا من الأحاديث ما يشهد لمشروعيته، بل قد ورد ما يدل على تخصيص مداخل معينة للنساء لا يشاركهن الرجال فيه، ففي سنن أبي داود عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع: [فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات] وعن نافع قال: [كان عمر رضي الله عنه ينهى أن يدخل المسجد من باب النساء] أخرجه أبو داود.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

معاشر المؤمنين: إن المساجد في دين الإسلام لها مكانةٌ عظيمة ودورٌ عظيم لما فضلها الله سبحانه وتعالى، وجعلها بيوت إقامة الشعائر والعبادة، وجعلها مكان اجتماع للمصلين، وجعلها مهابط نزول ملائكته، حيث تشهد العباد، ملائكته النهار تشهد العباد مصلين، وتفارقهم وهم يصلون، وملائكة الليل تشهد العباد مصلين، وتفارقهم وهم يصلون، ولذا كان لهذه المساجد فضلٌ ومكانةٌ، ودورٌ عظيمٌ في دين الإسلام وفي نفوس المسلمين أجمعين، ولقد جاءت السنة النبوية المطهرة بما يزيد دلالة على مكانة هذه المساجد، وبما يزيد دلالة على فضلها وعظيم لزومها، ومكانة وحسن الأجر والثواب لمن أكثر الخطا إليها، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح) متفقٌ عليه. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة) رواه الإمام مسلم.

ولا عجب في ذلك يا عباد الله! فهي بيوت الطاعة، ومهابط الملائكة، وأماكن اجتماع الموحدين، ولذا كان للعناية بها فضلٌ عظيم، وكان للذين يعتنون بها مزيد مكانةٍ حتى في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه سأل عن امرأةٍ عجوزٍ سوداء كانت تقم المسجد ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، قالوا: توفيت، قال: هلَّا أخبرتموني بها؟ ثم قال: دلوني على قبرها، فذهب وصلى عليها) وما ذاك إلا لمكانتها من هذا الفعل الذي فعلته؛ وهو اهتمامها بنظافة المسجد.

واعلموا يا عباد الله! أن تنظيف بيوت الله هو مهر الحور العين في الجنة، ولا شك معاشر المسلمين أن المساجد في بلادنا ولله الحمد تحظى من المحسنين والجهات المسئولة ما لا يحظى به غيرها في كثيرٍ من البلدان، وهذه من أعظم نعم الله على هذه المملكة، حيث يعتنى بإعداد الأئمة والمؤذنين والخدم، ويعتنى بنظافتها وإعداد مرافقها، كل ذلك لتحقيق الهدف الأول والأسمى، وهو تهيئة المساجد لعُمَّارها المصلين فيها.

وقبل أن نخوض في دور المسجد ورسالته نود أن نذكر شيئاً عن مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم وبنائه.

فقد روى أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة مهاجراً، فنـزل في علوها في حيٍ يقال له: حي بني عمرو بن عوف، فأقام عندهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأٍ من بني النجار، فجاءوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر رديفه، وملأٌ من بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حيثما أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد، قال: فأرسل إلى ملأٍ من بني النجار، فجاءوا فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا -أي: ساوموني على شرائه منكم- قالوا: لا والله ما نطلب ثمنه يا رسول الله إلا من الله، قال أنس : فكان فيه ما أقول، كان فيه نخلٌ، وقبور المشركين، وخرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقُطع، وأمر بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، قال: وصفوا النخل قبلةً، وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وهم يقولون:

اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة     فارحم الأنصار والمهاجرة

أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود .

فتأملوا وانظروا يا عباد الله! عنايته صلى الله عليه وسلم بالمسجد حيث جعله أول عملٍ بدأ به بعد هجرته من مكة إلى المدينة، وتأملوا مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في البناء معهم بيده الشريفة، فقد ورد في بعض الروايات: (أنه صلى الله عليه وسلم لقيه رجلٌ وهو ينقل اللبن بنفسه، فقال: يا رسول الله! ناولني لبنتك أحملها عنك، فقال: اذهب فخذ غير هذا، فلست بأفقر مني إلى الله) يقوله صلى الله عليه وسلم، قال: (وجاء رجلٌ كان يحسن عجن الطين، وكان من حضرموت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله امرأً أحسن صنعته، وقال له: الزم أنت هذا الشغل، فإني أراك تحسنه) فهذه دلالة عظيمة على فضل المساجد وأهميتها، والمشاركة في بنائها بالنفس والمال، ولهذا كان لهذه الآمال أعظم الثواب عند الله سبحانه وتعالى، ففي البخاري وأحمد والترمذي عن عثمان رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة)، وفي روايةٍ: (بنى الله له في الجنة مثله)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى مسجداً صغيراً كان أو كبيراً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة) أخرجه الترمذي.

فهذا يا عباد الله طرفٌ من الحديث عن أهمية هذه المساجد ومكانتها وفضيلة عمارتها وبنائها، ولما كانت المساجد بهذا القدر من الشرف والمكانة شُرع للمسلمين نظافتها والعناية بها، وورد النهي عن إحداث الأذى والقذى والقذر فيها، يدل على ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: أنه غضب حتى عرف ذلك في وجهه يوم أن رأى نخامةً في القبلة؛ فشق ذلك عليه، فقام فحكها بيده صلى الله عليه وسلم.

فتأملوا يا عباد الله قيام النبي صلى الله عليه وسلم لحك النخامة بيده الشريفة عن جدار المسجد، فهل بعد هذا يتورع أو يترفع أحد من المسلمين عن إماطة القذر وإزالة الأذى من المسجد حينما يراه، والرسول صلى الله عليه وسلم يزيل الأذى بنفسه، ولم يأمر أحداً بإزالته؟!

ويدخل في هذا ما يفعله بعض المصلين حينما يستعمل السواك في فمه، فيتفتت شيءٌ من قطع السواك في فمه فيبصقها أو فيتفلها من طرف شفاهه وهو في الصلاة أو وهو في المسجد على فراش المسجد، وهذا لا يليق، ولا يجوز فعله في المسجد، وإن كنا نراه في كثيرٍ من المسلمين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة) أخرجه الجماعة.

ومما ينبغي العلم به من الأحكام المتعلقة بالمساجد: أن النساء يجوز لهن دخول المساجد والصلاة بها، وحضور الندوات والمحاضرات فيها، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)، وفي روايةٍ: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) إلا أنه ورد في بعض الروايات أن صلاة المرأة في بيتها أفضل.

وعلى أية حال، ففي هذا دلالة على مشروعية تهيئة الأماكن المناسبة والمخصصة للنساء في المساجد لمصالح عديدة، أهمها: حضور الخطب والمحاضرات والندوات والدروس الشرعية التي تعود عليهن بأكبر الأثر نفعاً وفائدة، وتزداد الحاجة إلى تخصيص الأماكن للنساء في المساجد في هذا الزمان؛ لقوة الحملة الموجهة إلى النساء الداعية لهن إلى السفور، وترك الحجاب، والاختلاط في الأعمال والتعليم والانحلال، وليس هذا أمراً بدعاً من المتأخرين، ليس مشروعية تهيئة الأماكن المناسبة للنساء أمراً بدعاً من المتأخرين، ولقد مرَّ معنا من الأحاديث ما يشهد لمشروعيته، بل قد ورد ما يدل على تخصيص مداخل معينة للنساء لا يشاركهن الرجال فيه، ففي سنن أبي داود عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع: [فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات] وعن نافع قال: [كان عمر رضي الله عنه ينهى أن يدخل المسجد من باب النساء] أخرجه أبو داود.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2805 استماع
حقوق ولاة الأمر 2669 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2654 استماع
توديع العام المنصرم 2649 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2556 استماع
من هنا نبدأ 2497 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2463 استماع
أنواع الجلساء 2462 استماع
إلى الله المشتكى 2438 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع