الشرك قديماً وحديثاً [1]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

وبعد:

كنا بفضل الله تبارك وتعالى ومنه وكرمه قد تعرضنا في الأسبوع الماضي إلى موضوع الرجاء، وإلى نقد ما قيل فيه من أنه أضعف المنازل، وعلى هذا الأساس كان المفروض أن يكون موضوعنا في هذا اليوم هو نماذج من حياة السلف الصالح ممن غلب عليهم جانب الرجاء أو عرفوا به؛ لنعرف الفرق بين رجائهم ورجاء غيرهم عملياً.. الفرق بين الرجاء الإيماني الشرعي، وبين مجرد الغرور والأماني والكسل وترك الطاعة، هذا شيء وذاك شيء آخر.

وهذا الكتاب كما تلاحظون هو مجموع ومنقول من عدة كتب، وفيه إضافات من المؤلف رحمه الله تعالى، فلذلك يحتاج إلى شيء من الترتيب، وشيء من تجميع كل القضايا أو الجزئيات المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد.

فموضوع الرجاء مثلاً تكلم عنه الشيخ هنا، ثم دخل في بيان الأسباب التي تسقط العقوبة، ولها علاقة بالرجاء لا شك، لكن بعد ذلك أتبعه بفقره أخرى وهي قوله: (والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام) ثم عاد فذكر الخوف والرجاء، والمحبة، وذكر كلام الهروي الذي نقدناه في درس متقدم.

فلذلك يحسن أن نؤخر أيضاً بقية الحديث في الرجاء إلى حيث أخره المؤلف في الفقرة القادمة إن شاء الله.

وهاهنا اليوم موضوع عظيم جداً، بل هو أعظم أبواب العقيدة كلها، وهو يستحق الحديث عنه لذاته دون أن يكون تابعاً لأي موضوع آخر، بل كل موضوع في العقيدة هو تابع له، وهو معرفة الشرك وخطره وضرره، وفي المقابل معرفة التوحيد الذي هو حق الله تبارك وتعالى على العبيد.

التوحيد دعوة الرسل جميعاً

فالتوحيد أعظم ما دعا إليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وكل نبي بعثه الله تبارك وتعالى وقص علينا ما جرى بينه وبين قومه نجد أن أول وأعظم ما يدعو قومه إليه هو قوله: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، فقد دعا إليه نوح وهود وصالح وشعيب، وكذلك دعا موسى صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا، وكذلك دعا عيسى عليه السلام: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:36] حتى جاء داعية التوحيد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فجاهد الناس جهاداً عظيماً على التوحيد، وعلى ترك الشرك، ونبذ عبادة ما سوى الله تبارك وتعالى، ونبذ اتخاذ الأنداد من دون الله أو مع الله عز وجل.

الشرك محبط لجميع الأعمال ومخلد في النار

والشيخ هنا إنما ذكر الشرك ليبين من الذي لا يرجو رحمة الله، فالذي لا يرجو رحمة الله هو المشرك، أما من عداه فإنه وإن كان من أهل الكبائر فإن له أملاً ورجاءً في رحمة الله، ولا يجوز أن يقطع هذا الأمل، أما الذين لا أمل لهم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ [هود:16] فهم المشركون، لماذا؟

لأن أعمالهم لا تقبل جميعاً، كما قال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39].. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].. كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18] فلا تقبل أعمالهم لأن الشرك هو أقبح القبائح، وأعظم الذنوب، وأكبر الجرائم، وأكبر الكبائر، فهو الذي يحبط الأعمال كلها، ولا يقبل معه أي عمل من الأعمال كائناً ما كان، وإن كانت صلاةً أو صياماً، أو صدقةً، أو دعوةً، أو جهاداً، أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، مهما بلغ جهد من يجتهد، مهما كانت عبادته، مهما توسل إلى الله تبارك وتعالى بأي نوع من أنواع القربات وهو مشرك فلا يقبل الله تبارك وتعالى منه صرفاً ولا عدلاً.

والشيخ رحمه الله تعالى يقول هنا: وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ذكر أن المشرك لا ترجى له المغفرة؛ لأن الله نفى عنه المغفرة، فلا ترجى له ولا يرجوها لنفسه، ولا يرجوها أحد له مهما كانت قرابته أو صلته، فإن أقرب قريب لأعظم رسول وحبيب هو أبو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك هل نفعه ذلك، هل نفعته قرابته، هل يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل النار؟ لا.

في صحيح مسلم أن رجلاً سأله عن أبيه، وفيه قال: (أبي وأبوك في النار) وليس لأحد عليك من حق أعظم من والديك، وليس أحد له قيمة عند الله سبحانه وتعالى ووجاهة أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، فلو أن أحداً ينفع أباه لنفع النبي صلى الله عليه وسلم أباه، وإنما شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب أن يخفف عنه، لا أن يمنع من دخول النار أو أن يدخل الجنة، لا يدخلها أبداً.. إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

أيها الإخوة الكرام: هذا الشرك بابه عظيم، وشأنه جلل، وهو خطير، ولابد من معرفته والحذر منه، والتنبه له كبيره وصغيره، دقيقه وجليله.

ومن أوفى ما كتب في هذا الموضوع.. عن الشرك -وقد أحببت أن أقرأه لكم، ونستفيد منه جميعاً ونرجع إليه- هو كتاب: الجواب الكافي لـابن القيم رحمه الله، الذي له عنوان آخر هو: الداء والدواء، والكتاب في الأصل هو عبارة عن جواب لسؤال عن كبيرة، عن سبب الذنوب التي تأتي من قبل الشهوة؛ لأن الذنوب إما أن تأتي من قبل الشهوة أو من قبل الشبهة، والذنوب الشهوانية مرجعها إلى مرض القلب، وأعظم مرض يصيب القلب من جهة الشهوة مرض العشق، فناسب أن يستطرد رحمه الله في الكلام عن الذنوب وخطرها وضررها، فتوسع في ذلك، ثم استطرد في بيان الذنوب التي لا يرجى معها خير أبداً وهو الشرك، أي: عند حديثه عن آثار الذنوب وخطرها وضررها ناسب أن يذكر أعظم الذنوب وأخطرها، وأشدها ضرراً على الإنسان في دينه ودنياه؛ لأنه إذا كانت الفواحش دون الشرك بتلك المنزلة من الخطر، إذا كان عقوق الوالدين.. إذا كانت الغيبة.. إذا كانت النميمة.. إذا كانت السرقة.. إذا كان الزنا.. إذا كان ظلم الناس، كل هذه الكبائر والموبقات توعد الله تبارك وتعالى عليها من الوعيد ما توعد، فما بالكم بالذنب الأعظم الذي ترجع إليه هذه الذنوب جميعاً، والذي لا ينفع معه عمل صالح ؟!!

فالتوحيد أعظم ما دعا إليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].. وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] وكل نبي بعثه الله تبارك وتعالى وقص علينا ما جرى بينه وبين قومه نجد أن أول وأعظم ما يدعو قومه إليه هو قوله: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، فقد دعا إليه نوح وهود وصالح وشعيب، وكذلك دعا موسى صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا، وكذلك دعا عيسى عليه السلام: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [مريم:36] حتى جاء داعية التوحيد الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فجاهد الناس جهاداً عظيماً على التوحيد، وعلى ترك الشرك، ونبذ عبادة ما سوى الله تبارك وتعالى، ونبذ اتخاذ الأنداد من دون الله أو مع الله عز وجل.

والشيخ هنا إنما ذكر الشرك ليبين من الذي لا يرجو رحمة الله، فالذي لا يرجو رحمة الله هو المشرك، أما من عداه فإنه وإن كان من أهل الكبائر فإن له أملاً ورجاءً في رحمة الله، ولا يجوز أن يقطع هذا الأمل، أما الذين لا أمل لهم فهم الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ [هود:16] فهم المشركون، لماذا؟

لأن أعمالهم لا تقبل جميعاً، كما قال تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39].. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23].. كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ [إبراهيم:18] فلا تقبل أعمالهم لأن الشرك هو أقبح القبائح، وأعظم الذنوب، وأكبر الجرائم، وأكبر الكبائر، فهو الذي يحبط الأعمال كلها، ولا يقبل معه أي عمل من الأعمال كائناً ما كان، وإن كانت صلاةً أو صياماً، أو صدقةً، أو دعوةً، أو جهاداً، أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، مهما بلغ جهد من يجتهد، مهما كانت عبادته، مهما توسل إلى الله تبارك وتعالى بأي نوع من أنواع القربات وهو مشرك فلا يقبل الله تبارك وتعالى منه صرفاً ولا عدلاً.

والشيخ رحمه الله تعالى يقول هنا: وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] ذكر أن المشرك لا ترجى له المغفرة؛ لأن الله نفى عنه المغفرة، فلا ترجى له ولا يرجوها لنفسه، ولا يرجوها أحد له مهما كانت قرابته أو صلته، فإن أقرب قريب لأعظم رسول وحبيب هو أبو الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك هل نفعه ذلك، هل نفعته قرابته، هل يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل النار؟ لا.

في صحيح مسلم أن رجلاً سأله عن أبيه، وفيه قال: (أبي وأبوك في النار) وليس لأحد عليك من حق أعظم من والديك، وليس أحد له قيمة عند الله سبحانه وتعالى ووجاهة أعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، فلو أن أحداً ينفع أباه لنفع النبي صلى الله عليه وسلم أباه، وإنما شفاعته صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب أن يخفف عنه، لا أن يمنع من دخول النار أو أن يدخل الجنة، لا يدخلها أبداً.. إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].

أيها الإخوة الكرام: هذا الشرك بابه عظيم، وشأنه جلل، وهو خطير، ولابد من معرفته والحذر منه، والتنبه له كبيره وصغيره، دقيقه وجليله.

ومن أوفى ما كتب في هذا الموضوع.. عن الشرك -وقد أحببت أن أقرأه لكم، ونستفيد منه جميعاً ونرجع إليه- هو كتاب: الجواب الكافي لـابن القيم رحمه الله، الذي له عنوان آخر هو: الداء والدواء، والكتاب في الأصل هو عبارة عن جواب لسؤال عن كبيرة، عن سبب الذنوب التي تأتي من قبل الشهوة؛ لأن الذنوب إما أن تأتي من قبل الشهوة أو من قبل الشبهة، والذنوب الشهوانية مرجعها إلى مرض القلب، وأعظم مرض يصيب القلب من جهة الشهوة مرض العشق، فناسب أن يستطرد رحمه الله في الكلام عن الذنوب وخطرها وضررها، فتوسع في ذلك، ثم استطرد في بيان الذنوب التي لا يرجى معها خير أبداً وهو الشرك، أي: عند حديثه عن آثار الذنوب وخطرها وضررها ناسب أن يذكر أعظم الذنوب وأخطرها، وأشدها ضرراً على الإنسان في دينه ودنياه؛ لأنه إذا كانت الفواحش دون الشرك بتلك المنزلة من الخطر، إذا كان عقوق الوالدين.. إذا كانت الغيبة.. إذا كانت النميمة.. إذا كانت السرقة.. إذا كان الزنا.. إذا كان ظلم الناس، كل هذه الكبائر والموبقات توعد الله تبارك وتعالى عليها من الوعيد ما توعد، فما بالكم بالذنب الأعظم الذي ترجع إليه هذه الذنوب جميعاً، والذي لا ينفع معه عمل صالح ؟!!

يقول الشيخ رحمه الله تعالى: (إن الله عز وجل أرسل رسله، وأنزل كتبه، وخلق السماوات والأرض؛ ليعرف ويعبد ويوحد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له) قاعدة عظيمة، يعرف .. ويعبد .. ويوحد، ويكون الدين كله له، والطاعة كلها له، هذا الذي من أجله خلق الله تبارك وتعالى الثقلين، وأنزل كتبه وأرسل رسله، والذي كثير من المسلمين يتكلمون في كل شيء إلا فيه، قد يتكلمون في الرقائق والفضائل، في النوافل.. في الأخلاق.. في المعاملات، ولا يتكلمون على هذا الذي هو الأساس والأصل.

عبادة الله سبحانه وتعالى

معرفة صفات الله رب العالمين

وأعداء التوحيد يتهاونون في الأسماء والصفات، ولا يريدون أن يعرِّفوا الناس بالله سبحانه وتعالى، ولا أن يحببوا رب العالمين إلى العبيد، ولكن أهل السنة والجماعة من عقيدتهم أن أعظم شيء في هذا الدين أن يعرف الناس رب العالمين ويوحدوه، والاستدلال على ذلك جلي في كتاب الله، فأعظم سورة في كتاب الله هي الفاتحة، وهي تعريف بالله كما بينا فيما مضى، وأعظم آية في كتاب الله آية الكرسي، وهي أيضاً تعريف بالله وصفاته سبحانه وتعالى.

وكما قال في المائدة: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97] فالذي لا يعلم ذلك لا خير فيه ولا في عبادته، فإنما شرعت هذه الشرائع، وفرضت هذه الفرائض ليعرف الله تبارك وتعالى، ويعبد وحده لا شريك له.

قال: فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] يعني: القصد والغرض من خلق العباد، ومن أمرهم ونهيهم؛ أن يعرف بأسمائه وصفاته، وأن يعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط -وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض- ويتركوا الظلم.

أعظم العدل هو التوحيد

قال: ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، والشرك هو أعظم الظلم، كما في قول العبد الصالح لقمان الحكيم : يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فأعظم أنواع الظلم هو الشرك، كما أن أعظم أنواع الأمر بالمعروف هو الأمر بالتوحيد، فقول الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ [الحج:41] أعظم ما يؤمر به هو توحيد الله عز وجل، وأعظم منكر يجب أن ينهى عنه هو الشرك بالله عز وجل.

فأعظم عدل ذكَّرنا الله تعالى وأمرنا به.. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] هو توحيد الله سبحانه وتعالى.

ثم بعد ذلك العدل فيما ولي الإنسان، حتى في بيته، وكل إنسان له ولاية بقدر حاله كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكل راعٍ مسئول عن رعيته) ولهذا كان المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين؛ لأنهم يعدلون في أهليهم وما وُلوا.

قال: (فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر)، أي: ما كان فيه منافاة لما خلق الله سبحانه وتعالى من أجله الناس ولما أمرهم به، فهو أكبر الكبائر، وإنما تتفاوت الكبائر بحسب قربها من الشرك؛ فكل معصية تمس جانب العقيدة فبقدر ما يكون فيها من الإخلال بجانب العقيدة تكون أكبر.

وعلي فأيهما أعظم: الذنوب التي يفعلها العبد ويرتكبها من جهة الشهوة، أم التي يرتكبها من جهة الشبهة والبدعة؟

الشبهة والبدعة!

لأن البدع والشبهات أقرب إلى الشرك، فمن هنا كانت أخطر من الذنوب التي لا يقترن بها شبهة ولا بدعة.

على أن البدع درجات، كما أن الذنوب الشهوانية العملية درجات أيضاً كما سبق ذلك.

وأعداء التوحيد يتهاونون في الأسماء والصفات، ولا يريدون أن يعرِّفوا الناس بالله سبحانه وتعالى، ولا أن يحببوا رب العالمين إلى العبيد، ولكن أهل السنة والجماعة من عقيدتهم أن أعظم شيء في هذا الدين أن يعرف الناس رب العالمين ويوحدوه، والاستدلال على ذلك جلي في كتاب الله، فأعظم سورة في كتاب الله هي الفاتحة، وهي تعريف بالله كما بينا فيما مضى، وأعظم آية في كتاب الله آية الكرسي، وهي أيضاً تعريف بالله وصفاته سبحانه وتعالى.

وكما قال في المائدة: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97] فالذي لا يعلم ذلك لا خير فيه ولا في عبادته، فإنما شرعت هذه الشرائع، وفرضت هذه الفرائض ليعرف الله تبارك وتعالى، ويعبد وحده لا شريك له.

قال: فأخبر سبحانه أن القصد بالخلق والأمر في قوله: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] يعني: القصد والغرض من خلق العباد، ومن أمرهم ونهيهم؛ أن يعرف بأسمائه وصفاته، وأن يعبد وحده لا يشرك به، وأن يقوم الناس بالقسط -وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض- ويتركوا الظلم.

قال: ومن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وقوامه، والشرك هو أعظم الظلم، كما في قول العبد الصالح لقمان الحكيم : يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] فأعظم أنواع الظلم هو الشرك، كما أن أعظم أنواع الأمر بالمعروف هو الأمر بالتوحيد، فقول الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ [الحج:41] أعظم ما يؤمر به هو توحيد الله عز وجل، وأعظم منكر يجب أن ينهى عنه هو الشرك بالله عز وجل.

فأعظم عدل ذكَّرنا الله تعالى وأمرنا به.. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] هو توحيد الله سبحانه وتعالى.

ثم بعد ذلك العدل فيما ولي الإنسان، حتى في بيته، وكل إنسان له ولاية بقدر حاله كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكل راعٍ مسئول عن رعيته) ولهذا كان المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين؛ لأنهم يعدلون في أهليهم وما وُلوا.

قال: (فالشرك أظلم الظلم، والتوحيد أعدل العدل، فما كان أشد منافاة لهذا المقصود فهو أكبر الكبائر)، أي: ما كان فيه منافاة لما خلق الله سبحانه وتعالى من أجله الناس ولما أمرهم به، فهو أكبر الكبائر، وإنما تتفاوت الكبائر بحسب قربها من الشرك؛ فكل معصية تمس جانب العقيدة فبقدر ما يكون فيها من الإخلال بجانب العقيدة تكون أكبر.

وعلي فأيهما أعظم: الذنوب التي يفعلها العبد ويرتكبها من جهة الشهوة، أم التي يرتكبها من جهة الشبهة والبدعة؟

الشبهة والبدعة!

لأن البدع والشبهات أقرب إلى الشرك، فمن هنا كانت أخطر من الذنوب التي لا يقترن بها شبهة ولا بدعة.

على أن البدع درجات، كما أن الذنوب الشهوانية العملية درجات أيضاً كما سبق ذلك.

يقول: (فتأمل هذا الأصل حق التأمل، واعتبر به وبتفاصيله، تعرف به أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين فيما فرضه على عباده وحرمه عليهم، وتفاوت مراتب الطاعات والمعاصي، فلما كان الشرك بالله منافياً بالذات لهذا المقصود كان أكبر الكبائر على الإطلاق، وحرم الله الجنة على كل مشرك أياً كان، وأباح دمه وماله لأهل التوحيد) هذا الذي رفض وأبى واستكبر أن يكون عبداً لرب العالمين يستحق من العقوبة في الدنيا أن يكون عبداً لمن يعبد رب العالمين، لا ننخدع بمن يقول: الإسلام ليس فيه رق، وأن الرق هذا يتنافى مع الحضارة، أو يقول: لا يعقل أن يوجد في القرن العشرين رق، وأن الإنسان يستعبد الإنسان؟!

فيأتي المدافعون المغرورون المهزومون، فيقولون: الإسلام ليس فيه رق أبداً، لأن القرون الأولى أيام الرومان واليونان كانت الحروب بينهم فيها رق وعبودية، فجاء الإسلام على وضع من قبله فأقره، وبعضهم ينكر على استحياء فيتخافتون بها، سبحان الله!! هل في ديننا ما نستحيي منه؟. هل في ديننا ما نخافت به؟. هل في ديننا ما نداري الخلق من أجله؟!! فهذا الرق مما شرعه الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على فضل التوحيد وأهله، وعلى إهانة الله تبارك وتعالى للشرك وأهله، فلا مكرم لهم، ولا قيمة لهم عند الله سبحانه وتعالى.

حقوق الإنسان التي يعبرون عنها بالميثاق الدولي لحقوق الإنسان، أسطورة الكاذبة، فلم يأت دين بمثل ما جاء به هذا الدين والحمد لله، الله تعالى هو الذي خلق البشر وجعل لهم هذه الحقوق، وأعظم حق للإنسان أن يعبد الله وحده لا شريك له، ولا يعبد شيئاً من دونه، هذا هو أعظم حق؛ لأنه الذي من أجله خلق، ومن أجله قامت السموات والأرض وبه قامت.

أما أن يكون من حقوق الإنسان -كما جاء في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان- أن يغير الإنسان دينه كما يشاء، حتى لو كان مسلماً يرتد ولا أحد يملك شيئاً من ذلك ولا يمنعه، فهذا غير مقبول.

أبداً، هذه إضاعة لأعظم وأكبر حق وهو حق الله تبارك وتعالى، فلو كان هذا الميثاق يدعو الناس إلى أن يكونوا جميعاً مسلمين موحدين لله عبيداً له فنعم، هذا هو الحق، ومن ارتد منهم فإنه يقتل إلا أن يعود إلى إيمانه، أما هذه الحقوق فزيف وكذب، وإنما عرفها الغرب بعد الثورة الفرنسية، عرفتها أوروبا لأنها عاشت في ظلام وظلمات لم يخرجها منها أحد، لماذا؟

لأنها لم تدخل في دين الله، ولم تعتنق الإسلام، أما المسلمون فهم في غنىً عن أن يقال: إن لك حرية التنقل، وحرية العمل مكفولة، وحرية العيش الكريم، وحرية صيانة المنازل، هذه بدهيات في ديننا، لا تحتاج إلى أن تقرر ولا أن تقال، فمنذ أن بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وهذه الحريات والحقوق مكفولة مضمونة، ومن انتهكها خالف أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأثم في الدنيا والآخرة، فهي لا تحتاج إلى تأكيد، لكن لا ننسى الحق الأعظم، وهو أن هذا الإنسان له الحق والحرية أن يعبد الله تعالى كما يشاء، أي: أن يكون حراً في أن يتدين بدين الله عز وجل، وأن يعبد الله سبحانه وتعالى كما أنزل وكما بعث رسوله صلى الله عليه وسلم دون أن توضع عليه القيود، التي منها: لا تتحجبي أيتها المرأة.. لا تفعل كذا.. لا تحج.. -كما فعلت دول أوروبا الشرقية إلى حدٍ قريب- لا تبنوا المساجد، لا تطالبوا بالاحتكام إلى الكتاب والسنة.

فالحرية في داخل الكتاب والسنة، فهو دين الحرية الحق، الذي يحرر الإنسان من الشهوات ومن عبادة الشيطان، ومن عبادة الأنداد والبشر، والأحبار، والرهبان، والكهان، والأباطرة، وغير ذلك ممن ادعى الألوهية أو الربوبية مع الله سبحانه وتعالى.

فهؤلاء لما تركوا القيام بعبودية الله استحقوا أن يكونوا عبيداً لمن قام بحق العبودية لله وهم المؤمنون، ولذلك انظروا إذا ترك المؤمنون التوحيد سُلط الكافرون عليهم عقوبة لهم أيضاً؛ لأنهم عرفوا الحق وتركوه وتنكبوا طريقه.