كتاب المناسك [7]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين .

أما بعد:

وبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب التحصيب.

قال: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة، قالت: ( إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة، فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله ).

حدثنا أحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة المعنى، (ح) وحدثنا مسدد، قالوا: قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا صالح بن كيسان عن سليمان بن يسار، قال: قال أبو رافع: ( لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزله ولكن ضربت قبته فنزله ).

قال مسدد: وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عثمان: يعني: في الأبطح.

حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد، قال: ( قلت: يا رسول الله! أين تنزل غداً؟ في حجته. قال: هل ترك لنا عقيل منزلاً! ثم قال: نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر، يعني: المحصب، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشاً على بني هاشم ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يئووهم ) قال الزهري: والخيف الوادي.

حدثنا محمود بن خالد، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا أبو عمرو - يعني: الأوزاعي- عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى: نحن نازلون غداً ) فذكر نحوه ولم يذكر أوله ولا ذكر الخيف الوادي.

حدثنا موسى أبو سلمة، قال: حدثنا حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله وأيوب عن نافع: ( أن ابن عمر كان يهجع هجعة بالبطحاء ثم يدخل مكة ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ) ].

وفي حرص النبي صلى الله عليه وسلم في نزوله ببني كنانة وهو موضع تم فيه التقاسم على الكفر والتواطؤ عليه؛ لإظهار منة الله عز وجل ونصرته أن استعملوا هذا المكان الذي كان فيه تقاسم على الكفر لاجتماع الناس على توحيد الله سبحانه وتعالى بعد ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع هجعة ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه.

حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه قال: ( وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى يسألونه، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله! إني لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذبح ولا حرج، وجاء رجل آخر فقال: يا رسول الله! لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج، قال: فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال: اصنع ولا حرج ) ].

وهذا خاص بأفعال يوم النحر، والدليل على ذلك في قوله: قال: (ما سئل يومئذٍ)، يعني: يوم النحر عن أعمال يوم النحر وما عداها فإنه يفتقر إلى دليل خاص.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك، قال: ( خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً فكان الناس يأتونه، فمن قال: يا رسول الله! سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً أو أخرت شيئاً، فكان يقول: لا حرج لا حرج إلا على رجل اقترض عرض رجل مسلم وهو ظالم، فذلك الذي حرج وهلك )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مكة.

حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثني كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده: ( أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة ).

قال سفيان: ليس بينه وبين الكعبة سترة.

قال سفيان: كان ابن جريج أخبرنا عنه، قال: أخبرنا كثير عن أبيه، قال: فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي ].

وهذا الحديث تفرد به كثير وبه أعل، وهذا خبر منكر، وجاء له متابع من حديث ياسين الزيات وهو كذلك متروك، ولا يصح هذا الحديث، وجاء في بعض الروايات مفسراً قال: ( والرجال والنساء يمرون بين يديه لا يسترهم منه شيء ).

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تحريم حرم مكة.

حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى -يعني: ابن أبي كثير- عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: ( لما فتح الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، فقام عباس أو قال: قال العباس: يا رسول الله! إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر ).

قال أبو داود: وزادنا فيه ابن المصفى عن الوليد: ( فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن - فقال: يا رسول الله! اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لـأبي شاه ).

قلت للأوزاعي: ما قوله: (اكتبوا لـأبي شاه)؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في هذه القصة: ( ولا يختلى خلاها ) ].

وفي هذا من طلب الصحابة عليهم رضوان الله الاستثناء مع ثبوت الوحي في ذلك وقراره إلا أنهم راجعوا وبينوا حاجتهم يلتمسون من ذلك تخفيفاً وتيسيراً، وطلبوا استثناء الإذخر مما حرمه الله سبحانه وتعالى، فأعطاهم الله عز وجل سؤلهم وخفف عنهم، فإذا كان كذلك فإنه فيما دونه من باب أولى من النظم والقوانين وولاة الأمر إذا سئلوا حاجةً من المشاق التي تكون على الناس فإنهم يخففون وييسيرون وليسوا هم بأولى ولا نصوصهم بأحتم من كلام الله سبحانه وتعالى.

قال: [ حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أمه عن عائشة قالت: ( قلت: يا رسول الله! ألا نبني لك بمنى بيتاً أو بناء يظلك من الشمس؟ فقال: لا إنما هو مناخ من سبق إليه ).

حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان، قال: أخبرني عمارة بن ثوبان، قال: حدثني موسى بن باذان، قال: أتيت يعلى بن أمية فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في نبيذ السقاية.

حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا خالد عن حميد عن بكر بن عبد الله، قال: قال رجل لـابن عباس: ( ما بال أهل هذا البيت يسقون النبيذ وبنو عمهم يسقون اللبن والعسل والسويق، أبخل بهم أم حاجة؟ قال ابن عباس: ما بنا من بخل ولا بنا من حاجة، ولكن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة بن زيد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب فأتي بنبيذ فشرب منه ودفع فضله إلى أسامة بن زيد فشرب منه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنتم وأجملتم كذلك فافعلوا، فنحن هكذا لا نريد أن نغير ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز - يعني: الدراوردي - عن عبد الرحمن بن حميد: أنه سمع عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد: ( هل سمعت في الإقامة بمكة شيئاً؟ قال: أخبرني ابن الحضرمي: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثاً ) ].

وهذا إذا كان في مكة فإنه في غيرها من باب أولى، وهي أشرف البقاع، فإن الإنسان إذا ورد إليها بعد الهجرة منها كما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ( ولا هجرة بعد الفتح ) فإنه لا يرجع إليها إلا ثلاثة أيام بعد قضاء حاجته ونسكه، وهذا يكون أيضاً في سائر البلدان التي يهاجر منها الإنسان، إذا هاجر الإنسان من بلد وخرج منها فلا يعود إليها إلا لحاجة ولو فتحت وأصبحت من بلدان المسلمين فلا يرجع إليها لأنه خرج منها لله سبحانه وتعالى فلا يعود إليها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في دخول الكعبة.

حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي وبلال فأغلقها عليه فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالاً حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: جعل عموداً عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى ).

حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بهذا الحديث لم يذكر السواري، قال: ( ثم صلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث القعنبي، قال: ونسيت أن أسأله كم صلى؟

حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان، قال: قلت لـعمر بن الخطاب: ( كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين ).

حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، قال: حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت، قال: فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله، والله! لقد علموا ما استقسما بها قط، قال: ثم دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه ثم خرج ولم يصل فيه )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحجر.

حدثنا القعنبي، قال: حدثنا عبد العزيز عن علقمة عن أمه عن عائشة: أنها قالت: ( كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر، فقال: صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت ).

حدثنا مسدد، قال: حدثنا عبد الله بن داود عن إسماعيل بن عبد الملك عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور ثم رجع إلي وهو كئيب، فقال: إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها، إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي ).

حدثنا ابن السرح، وسعيد بن منصور، ومسدد، قالوا: حدثنا سفيان عن منصور الحجبي، قال: حدثني خالي عن أمي صفية بنت شيبة، قالت: ( سمعت الأسلمية تقول: قلت لـعثمان: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاك؟ قال: إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين، فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي ).

قال ابن السرح: خالي مسافع بن شيبة ].

وفي حديث عائشة من احتياط القدوة ألا يتأسى به بشيء ربما يشق على الناس، فربما يترك الإنسان من الأمور الحسنة خشية أن تكون تبعتها على الناس شديدة من جهة الاقتداء والتأسي، فربما يطيق شيئاً لا يطيقه الناس، وهذا ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، يقول: ( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها )، يعني: الكعبة.

وليس ثمة فضل خاص للصلاة في جوف الكعبة، وفعل النبي عليه الصلاة والسلام كفعله في سائر البقاع، فالصلاة إلى الكعبة قريباً منها كالصلاة في جوفها، ومن صلى كذلك في الحجر كأنما دخلها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في مال الكعبة.

حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الشيباني عن واصل الأحدب عن شقيق عن شيبة -يعني: ابن عثمان- قال: ( قعد عمر بن الخطاب في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: بلى لأفعلن، قال: قلت: ما أنت بفاعل، قال: لم؟ قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه، فقام فخرج ).

باب.

حدثنا حامد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الله بن الحارث عن محمد بن عبد الله بن إنسان الطائفي عن أبيه عن عروة بن الزبير عن الزبير، قال: ( لما أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لية حتى إذا كنا عند السدرة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في طرف القرن الأسود حذوها فاستقبل نخباً ببصره، وقال مرة واديه، ووقف حتى اتقف الناس كلهم، ثم قال: إن صيد وج وعضاهه حرام محرم، وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إتيان المدينة.

حدثنا مسدد، قال: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )].