كتاب الطهارة [9]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

فبأسانيدكم إلى أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه، قال: [ باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة.

حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: ( كان الناس مهان أنفسهم فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم ).

حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة (أن أناساً من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا ابن عباس! أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل: كان الناس مجهودين يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضاً، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه. قال ابن عباس: ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق) .

حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل ) ].

الحديث روي مرسلاً، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن مرسلاً، وبعضهم صوب الوجهين، وبعضهم أعل الموصول بالمرسل.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يسلم فيؤمر بالغسل

حدثنا محمد بن كثير العبدي قال: أخبرنا سفيان قال: حدثنا الأغر عن خليفة بن حصين عن جده قيس بن عاصم قال: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر ).

حدثنا مخلد بن خالد قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألق عنك شعر الكفر ) . يقول: احلق، قال: وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر معه: ( ألق عنك شعر الكفر واختتن )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المرأة ثوبها الذي تلبسه في حيضها

حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي قال: حدثتني أم الحسن يعني: جدة أبي بكر العدوي عن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبها الدم قالت: تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة. قالت: ولقد كنت أحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً ) .

حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع قال: سمعت الحسن يعني: ابن مسلم يذكر عن مجاهد قال: قالت عائشة: ( ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها ).

حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مهدي قال: حدثنا بكار بن يحيى قال: حدثتني جدتي قالت: دخلت على أم سلمة فسألتها امرأة من قريش عن الصلاة في ثوب الحائض فقالت أم سلمة: ( قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلبث إحدانا أيام حيضها، ثم تطهر فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه، فإذا أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه، وأما الممتشطة فكانت إحدانا تكون ممتشطة، فإذا اغتسلت لم تنقض ذلك ولكنها تحفن على رأسها ثلاث حفنات، فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها ) ].

بكار بن يحيى وجدته مجهولان، وقد تفردا برواية هذا الحديث.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: (سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه؟ قال: تنظر فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتصل فيه ).

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: ( سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ قال: إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه، ثم لتنضحه بالماء، ثم لتصل ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد، ح وحدثنا مسدد قال: حدثنا عيسى بن يونس، ح وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد يعني: ابن سلمة عن هشام بهذا المعنى: قال: ( حتيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد القطان عن سفيان قال: حدثني ثابت الحداد قال: حدثني عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال: حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر ).

حدثنا النفيلي قال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة قالت: ( قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض قد تصيبها الجنابة، ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها ).

حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة: ( أن خولة بنت يسار: أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه

حدثنا عيسى بن حماد المصري قال: أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عن معاوية بن أبي سفيان: ( أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: نعم إذا لم ير فيه أذًى )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة في شعر النساء

حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصل في شعرنا، أو في لحفنا ). قال عبيد الله: شك أبي

حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا ). قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمداً عنه فلم يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري ممن سمعته، ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا فسلوا عنه].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب المني يصيب الثوب

حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن همام بن الحارث ( أنه كان عند عائشة رضي الله عنها فاحتلم، فأبصرته جارية لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه، أو يغسل ثوبه، فأخبرت عائشة فقالت: لقد رأيتني وأنا أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ( كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه ). قال أبو داود: وافقه مغيرة، وأبو معشر وواصل، ورواه الأعمش كما رواه الحكم.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: وحدثنا محمد بن عبيد بن حساب البصري قال: حدثنا سليم يعني: ابن أخضر المعنى، والإخبار في حديث سليم قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهران قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: سمعت عائشة تقول: ( إنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: ثم أرى فيه بقعة أو بقعاً )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب بول الصبي يصيب الثوب

حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصن: ( أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله ).

حدثنا مسدد بن مسرهد والربيع بن نافع أبو توبة المعنى قالا: حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن قابوس عن لبابة بنت الحارث قالت: ( كان الحسين بن علي رضي الله عنه في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبال عليه فقلت: البس ثوباً وأعطني إزارك حتى أغسله. قال: إنما يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر ).

حدثنا مجاهد بن موسى وعباس بن عبد العظيم العنبري المعنى قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثني يحيى بن الوليد قال: حدثني محل بن خليفة قال: حدثني أبو السمح قال: ( كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: ولني قفاك، فأوليه قفاي فأستره به، فأتي بـحسن، أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره فجئت أغسله فقال: يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام ). قال عباس قال: حدثني يحيى بن الوليد قال أبو داود: قال هارون بن تميم عن الحسن قال: ( الأبوال كلها سواء ) ].

وهذا الحديث قد أعله ابن عبد البر وعبد الحق الأشبيلي، وقد حسنه البخاري رحمه الله، ومسألة التفريق بين بول الجارية والغلام يحكي بعضهم فيه الاتفاق، وممن حكاه إسحاق بن راهويه وغيره، أن الإجماع على التفريق، بعض العلماء يعلل الأحاديث الواردة في هذا، ويجعل من قرائن تلك الإعلال في تلك الأحاديث عدم إخراج البخاري ومسلم لشيء من هذه الأحاديث، وأشار إلى هذا البيهقي رحمه الله في كتابه السنن، إلى أن عدم إخراج البخاري ومسلم لشيء من أحاديث هذا الباب قرينة على إعلالها، ولكن نقول: هذه الأحاديث متظافرة، وهذه المسألة مسألة اتفاق في التفريق بين البولين: بول الجارية وبول الغلام.

أما قول الحسن: (الأبوال كلها سواء) فيقصد من جهة التطهير، وأنها كلها نجسة، أما من جهة الأصل ففيها تفريق.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: ( يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام ما لم يطعم ).

حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكر معناه، ولم يذكر ما لم يطعم، زاد قال قتادة: ( هذا ما لم يطعما الطعام، فإذا طعما غسلا جميعاً ).

حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال: حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن أمه: ( أنها أبصرت أم سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل بول الجارية ) ].

وكذلك أيضاً إذا استمر في رضاعه بعد الحولين فإنه يغسل، ولو لم يطعم، وذلك لأن الرضاعة في الحولين، فإذا استمر بعد ذلك فبوله كحكم بوله إذا طعم بعد ذلك أو قبل ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الأرض يصيبها البول

حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وابن عبدة في آخرين، وهذا لفظ ابن عبدة قال: أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ( أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فصلى قال ابن عبدة: ركعتين، ثم قال: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد تحجرت واسعاً، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد فأسرع الناس إليه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه سجلاً من ماء، أو قال: ذنوباً من ماء ) .

حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا جرير يعني: ابن حازم قال: سمعت عبد الملك يعني: ابن عمير يحدث عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: صلى أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قال فيه: وقال يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهريقوا على مكانه ماءً ). قال أبو داود: وهو مرسل، ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ].

وذكر هنا أخذ ما بال عليه وهو منكر، والصواب في ذلك أنه يرش عليه الماء، ويصب عليه الذنوب كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يخرج التراب، وذلك لأن الماء إذا أضيف على التراب ولو كان نجساً فإنه يتطهر بذلك، وفي هذا الحديث رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ولطفه بمن كان جاهلاً، وذلك أن الأعرابي جاهل من أهل البادية لا يدرك ما عليه أهل المدينة، من مواضع التعظيم كالمساجد، ولا يفرق بينها وبين البيوت أو الطرق، أو الأودية فيظن أنها واحدة، فبال في المسجد على هذا الأمر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في طهور الأرض إذا يبست

حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال ابن عمر: ( كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت فتًى شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك ) ].

ذكر البول غير محفوظ في هذه الرواية، وجاءت في بعض نسخ البخاري، وأصل الحديث في الصحيح، وهي فيما يظهر غير محفوظة، وبول الكلب نجس.