كتاب الترجل - كتاب الخاتم


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

أما بعد: فبأسانيدكم إلى الإمام أبي داود رحمنا الله تعالى وإياه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [بسم الله الرحمن الرحيم، أول كتاب الترجل.

حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن هشام بن حسان عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غباً ) ].

والمراد بالغب في ذلك هو: أن يمتشط يوماً بعد يوم, وفي هذا النهي عن مبالغة الرجل في التنعم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا يزيد قال: أخبرنا الجريري عن عبد الله بن بريدة ( أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه فقال: أما إني لم آتك زائراً، ولكني سمعت أنا وأنت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم, قال: ما هو؟ قال: كذا وكذا, قال: فما لي أراك شعثاً وأنت أمير الأرض؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الأرفه, قال: لا أرى عليك حذاء؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نحتفي أحياناً ) ]، هذا الحديث معلول أيضاً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن نفيل قال: حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي أمامة عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة قال: ( ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً عنده الدنيا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسمعون, ألا تسمعون, إن البذاذة من الإيمان, إن البذاذة من الإيمان, يعني: التقحل ).

قال أبو داود: هو أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدثني ابن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له شعر فليكرمه )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن علي بن المبارك قال: حدثتني كريمة بنت همام ( أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خضاب الحناء, فقالت: لا بأس به, ولكني أكرهه، كان حبيبي صلى الله عليه وسلم يكره ريحه ).

حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثتنا غبطة بنت عمرو المجاشعية قالت: حدثتني عمتي أم الحسن عن جدتها عن عائشة ( أن هنداً بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني, فقال: لا أبايعك حتى تغيري كفيك فكأنهما كفا سبع ).

حدثنا محمد بن محمد الصوري قال: حدثنا خالد بن عبد الرحمن قال: حدثنا مطيع بن ميمون عن صفية بنت عصمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أومت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت: بل امرأة قال: لو كنت امرأة لغيرت أظفارك, يعني: بالحناء )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن ( أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه، ويقول: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم ) ].

ذلك أنه يعد من الوصل, وهي أن تحشو المرأة رأسها حتى يتعاظم, حتى يظن أن هذا من الشعر, ولو لم يوصل من جهة الشعر بما يسمى الباروكة, أو يوصل مثلاً ببعض المواد حتى يتصل بالشعر, فما دام أنه يضخم الشعر فهو داخل في النهي.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل و مسدد قالا: حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن عبد الله قال: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة ).

حدثنا محمد بن عيسى و عثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: ( لعن الله الواشمات والمستوشمات -قال محمد: والواصلات, وقال عثمان: والمتنمصات, ثم اتفقا:- والمتفلجات للحسن, المغيرات خلق الله, فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب -زاد عثمان: كانت تقرأ القرآن, ثم اتفقا:- فأتته فقالت: بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات -قال محمد: والواصلات, وقال عثمان: والمتنمصات, ثم اتفقا:- والمتفلجات, قال عثمان: للحسن المغيرات خلق الله, فقال: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟ قالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته, فقال: والله لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه, ثم قرأ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7], فقالت: إني أرى بعض هذا على امرأتك, قال: فادخلي فانظري فدخلت ثم خرجت, فقال: ما رأيتِ؟ -وقال عثمان: فقالت: ما رأيتُ-, فقال: لو كان ذلك ما كانت معنا ) .

حدثنا ابن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن أسامة عن أبان بن صالح عن مجاهد بن جبر عن ابن عباس قال: ( لعنت الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة من غير داء ).

قال أبو داود: وتفسير الواصلة: التي تصل الشعر بشعر النساء, والمستوصلة: المعمول بها, والنامصة: التي تنقش الحاجب حتى ترقه, والمتنمصة: المعمول بها, والواشمة: التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد, والمستوشمة: المعمول بها.

حدثنا محمد بن جعفر بن زياد قال: حدثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير قال: لا بأس بالقرامل, قال أبو داود: وكان أحمد يرخص بالقرامل, قال أبو داود كأنه يذهب إلى أن المنهي عنه شعور النساء ].

والنمص: المراد به النتف, وهل يدخل الحلق في حكمه أم لا؟ للعلماء قولان, منهم من يجعله في حكمه, ومنهم من يحمله على الكراهة ويفرق بين النتف والحلق, والأظهر التقارب في الحكم, سواء كان بالأمواس، أو كان ذلك بالنتف, والوصل يستثنى من ذلك إذا كانت المرأة مريضة بها عاهة؛ كزوال شعرها بمرض مثل الثعلبة أو نحو ذلك, فتحتاج إلى شعر يعيدها إلى فطرتها الصحيحة, ولا تريد بذلك تحسناً أو تجملاً, فنقول: نفرق بين الوصل للحسن، وبين الوصل للعلاج, بحيث أن ترجع المرأة إلى خلقتها الطبيعية, فهذا لا بأس به على الصحيح, والأصل في الوشم والوصل والنمص أنه من الكبائر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد قال: أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر قال: ( قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران, فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه, فلم يرد علي ولم يرحب بي, وقال: اذهب فاغسل هذا عنك, فذهبت فغسلته ثم جئت وقد بقي علي منه, فجئت فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي ولم يرحب بي, وقال: اذهب فاغسل هذا عنك, فذهبت ثم غسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي, وقال: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب, ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ ) ].

هذا الحديث ضعيف أيضاً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا محمد بن بكر قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار أنه سمع يحيى بن يعمر يخبر عن رجل أخبره عن عمار بن ياسر زعم عمر أن يحيى سمى ذلك الرجل فنسي عمر اسمه ( أن عماراً قال: تخلقت ) بهذه القصة, والأول أتم بكثير فيه ذكر الغسل, قال: ( قلت لـعمر: وهم حرم؟ قال: لا، القوم مقيمون ).

حدثنا زهير بن حرب قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حرب الأسدي قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا: سمعنا أبا موسى يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يقبل الله تعالى صلاة رجل في جسده شيء من خلوق ).

قال أبو داود: اسمهما يعني: جديه: زيد وزياد.

حدثنا مسدد أن حماد بن زيد و إسماعيل بن إبراهيم حدثاهم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال, -وقال إسماعيل: أن يتزعفر الرجل- ) ].

وحديث أبي موسى والذي قبله أيضاً لا يحتج بها معلولة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن الحسن بن أبي الحسن عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر, والمتضمخ بالخلوق, والجنب إلا أن يتوضأ ).

حدثنا أيوب بن محمد الرقي قال: حدثنا عمر بن أيوب عن جعفر بن برقان عن ثابت بن حجاج عن عبد الله الهمداني عن الوليد بن عقبة قال: ( لما فتح نبي الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة ويمسح رءوسهم, قال: فجيء بي إليه وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق ).

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا سلم العلوي عن أنس بن مالك ( أن رجلاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه, فلما خرج قال: لو أمرتم هذا أن يغسل هذا عنه )].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة و محمد بن سليمان الأنباري قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن البراء قال: ( ما رأيت من ذي لمة أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ), زاد محمد بن سليمان: ( له شعر يضرب منكبيه ).

قال أبو داود: كذا, قال: ( يضرب منكبيه ), وقال إسرائيل: ( شحمة أذنيه ).

حدثنا حفص بن عمر قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم له شعر يبلغ شحمة أذنيه ).

قال أبو داود: وهم شعبة فيه.

حدثنا مخلد بن خالد قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال: ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شحمة أذنيه ).

حدثنا مسدد قال: حدثنا إسماعيل قال: أخبرنا حميد عن أنس بن مالك قال: ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنصاف أذنيه ).

حدثنا ابن نفيل قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة ) ].

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حلق شعره إلا في حج أو عمرة, وهل ذلك من السنة أو من العادة؟ قولان للعلماء: منهم من ذهب إلى أنه سنة, ومنهم من قال: إنه عادة, والأظهر أنه عادة, وروي عن الإمام أحمد عليه رحمة الله أنه سئل ذلك فقال: سنة، لو استطعنا لفعلناه, ويظهر والله أعلم من حرص الإمام أحمد أنه لا يدع شيئاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا فعله, فيظهر أنه أراد بذلك سنة العادة والطريقة والنهج الذي يفعله النبي صلى الله عليه وسلم, لا سنة التعبد, وهذا هو الأظهر؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على ذلك بحال من الأحوال, ولا أمر أحداً من أصحابه عليهم رضوان الله؛ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكثير من الأفعال, أو التروك.

وكذلك أيضاً فإن هذا عادة عند العرب, معروفة من جهة ترك الجمة, وفتل الضفائر وغير ذلك, فلما لم ينتقل هذا الأمر بقول من النبي صلى الله عليه وسلم أو إرشاد فيبقى على ما هو عليه, وأنه فعل عادة لا فعل عبادة.