عمدة الأحكام - كتاب البيوع [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا بما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [ باب ما نهي عنه من البيوع].

الفرق بين شروط البيع والشروط في البيع

المؤلف رحمه الله ذكر باب ما ينهى من البيوع، ولا يمكن لطالب العلم أن يعرف الشيء الذي يمنع من البيع إذا لم يعرف شروط البيع، والعلماء يفرقون بين شروط البيع وبين الشروط في البيع، والفروق هي:

الفرق الأول: أن شروط البيع هي الشروط التي يجعلها الشارع، وأما الشروط في البيع فهي الشروط التي يجعلها المتعاقدان.

الفرق الثاني: أنه لا يصح البيع إذا فقد أحد شروط البيع، في حين أنه لو افتقد جميع الشروط في البيع فإنه يصح.

شروط البيع

وعلى هذا، فإن شروط البيع سبعة:

الأول: أن يكون من جائز التصرف.

الثاني: الرضا.

الثالث: أن يكون من مالك للسلعة أو من ينيبه، الذي يسمى الوكيل.

الرابع: القدرة على التسليم.

الخامس: أن تكون السلعة أو المعقود عليه مباح النفع من غير حاجة.

السادس: معرفة المعقود عليه، ويمكن معرفته إما برؤيته أو بالوصف المنضبط.

السابع: معرفة الثمن، فلو قال: بعتك هذه السلعة بعشرة حالة أو عشرين نقداً ثم تفرقا ولم يبين أحدهما أي الثمن أبرم العقد عليه، فهذا لا يصح لجهالة الثمن.

ولو قال: أبيعك بمثل ما باع به عبد الرحمن ولم نعلم عبد الرحمن بكم باع فقال: قبلت، إذاً بعد يوم نتصل على عبد الرحمن يخبرنا بكم باع؟ فهل يصح هذا؟ نقول: الأئمة الأربعة يمنعون، وجوزه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن هذا لا بأس به؛ لأن هذه الجهالة ليست جهالة مطلقة، وإنما هي جهالة تئول إلى العلم، والجهالة الممنوعة هي الجهالة المطلقة أو الجهالة التي لا تئول إلى العلم.

يقول ابن تيمية : والمنع من ذلك إنما هو بسبب التنازع والاختلاف، والإنسان ربما لا يحسن البيع، مثلاً: الآن بعض الشباب المراهقين يبيع في سوق الخضرة؟ فيقول له المشتري: بكم تبيع؟ قال: والله ما أدري، لكن أبيعك بمثل ما يبيع الوالد، هذه الصورة موجودة، فهل يصح؟ على مذهب الأئمة الأربعة لا يصح، وعلى اختيار ابن تيمية يصح؛ لأنه يمكن أن يئول إلى العلم والله أعلم.

هذه شروط البيع، اضبطوها، وكل عقد منهي عنه نذكره نقول: افتقد شرطاً.

هذه شروط مجمع عليها في الجملة، ولم نقل: بالجملة؛ لأننا إذا قلنا: بالجملة فكل أفراد الجملة هذا مجمع عليها، وإذا قلنا: في الجملة فبعض أفراد الجملة مجمع عليه وبعضه ليس بمجمع عليه.

المؤلف رحمه الله ذكر باب ما ينهى من البيوع، ولا يمكن لطالب العلم أن يعرف الشيء الذي يمنع من البيع إذا لم يعرف شروط البيع، والعلماء يفرقون بين شروط البيع وبين الشروط في البيع، والفروق هي:

الفرق الأول: أن شروط البيع هي الشروط التي يجعلها الشارع، وأما الشروط في البيع فهي الشروط التي يجعلها المتعاقدان.

الفرق الثاني: أنه لا يصح البيع إذا فقد أحد شروط البيع، في حين أنه لو افتقد جميع الشروط في البيع فإنه يصح.

وعلى هذا، فإن شروط البيع سبعة:

الأول: أن يكون من جائز التصرف.

الثاني: الرضا.

الثالث: أن يكون من مالك للسلعة أو من ينيبه، الذي يسمى الوكيل.

الرابع: القدرة على التسليم.

الخامس: أن تكون السلعة أو المعقود عليه مباح النفع من غير حاجة.

السادس: معرفة المعقود عليه، ويمكن معرفته إما برؤيته أو بالوصف المنضبط.

السابع: معرفة الثمن، فلو قال: بعتك هذه السلعة بعشرة حالة أو عشرين نقداً ثم تفرقا ولم يبين أحدهما أي الثمن أبرم العقد عليه، فهذا لا يصح لجهالة الثمن.

ولو قال: أبيعك بمثل ما باع به عبد الرحمن ولم نعلم عبد الرحمن بكم باع فقال: قبلت، إذاً بعد يوم نتصل على عبد الرحمن يخبرنا بكم باع؟ فهل يصح هذا؟ نقول: الأئمة الأربعة يمنعون، وجوزه أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، وقال: إن هذا لا بأس به؛ لأن هذه الجهالة ليست جهالة مطلقة، وإنما هي جهالة تئول إلى العلم، والجهالة الممنوعة هي الجهالة المطلقة أو الجهالة التي لا تئول إلى العلم.

يقول ابن تيمية : والمنع من ذلك إنما هو بسبب التنازع والاختلاف، والإنسان ربما لا يحسن البيع، مثلاً: الآن بعض الشباب المراهقين يبيع في سوق الخضرة؟ فيقول له المشتري: بكم تبيع؟ قال: والله ما أدري، لكن أبيعك بمثل ما يبيع الوالد، هذه الصورة موجودة، فهل يصح؟ على مذهب الأئمة الأربعة لا يصح، وعلى اختيار ابن تيمية يصح؛ لأنه يمكن أن يئول إلى العلم والله أعلم.

هذه شروط البيع، اضبطوها، وكل عقد منهي عنه نذكره نقول: افتقد شرطاً.

هذه شروط مجمع عليها في الجملة، ولم نقل: بالجملة؛ لأننا إذا قلنا: بالجملة فكل أفراد الجملة هذا مجمع عليها، وإذا قلنا: في الجملة فبعض أفراد الجملة مجمع عليه وبعضه ليس بمجمع عليه.

قال المؤلف رحمه الله: (باب ما نهي عنه من البيوع).

اعلم أنه ما ينهى عنه من البيوع إما أن يعود النهي إلى ماهية الشيء -يعني: الركن- أو وصفه الذي لا ينفك عنه، وحينئذٍ يكون العقد باطلاً أو فاسداً، يعني: أن الباطل والفاسد بمعنى واحد، وهو مذهب الجمهور، خلافاً لـأبي حنيفة -إذا قلت: خلافاً لـأبي حنيفة فالقول الراجح هو قول الجمهور، وهم: مالك و الشافعي و أحمد ، وإذا قلت: خلافاً لـمالك ، يكون الجمهور: أبا حنيفة و الشافعي و أحمد ، وإذا قلت: خلافاً للشافعي ، يكون الجمهور: أبا حنيفة ، و مالك ، و أحمد .

والقول بالفرق بين الفاسد والباطل هو قول أكثر الحنفية ونسب إلى أبي حنيفة .

إذاً: إذا كان النهي عائداً إلى ماهية الشيء أو إلى وصف لا ينفك عنه فإننا نقول: النهي يعود إلى أصل الشيء فيكون باطلاً، وإذا كان النهي عائداً إلى شيء خارج، فإن النهي يكون للتحريم مع صحة العقد.

وهنا نوضح الماهية التي هي أصل الشيء، فالرسول صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع حبل الحبلة )، مثلاً: أرى إنساناً عنده فرس فأقول: يا فلان! أريد أن أشتري الحمل الذي ينتج من هذه الفرس، أو الحمل الذي ينتج من حمل هذه الفرس، هذا منهي عنه، النهي هنا عائد إلى الماهية وعلى الوصف الذي لا ينفك عنه، وهو المعقود عليه، ألم نقل: أركان البيع ثلاثة: صيغة، وعاقدان، ومحل، فإذا كان النهي عائد على أصل هذه الأشياء فيكون البيع باطلاً.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تلقوا الجلب )، يعني: تلقي الركبان، هذا النهي عائد على وصف في الماهية؛ وهو الجهل في الثمن، والثمن معلوم في الجملة، لكنه ليس معلوماً على التمام، فقال صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، دليل على صحة البيع.

قال المؤلف رحمه الله: [عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة -وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه- ونهى عن الملامسة؛ والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه )]. ‏

بيع المنابذة وحكمه

قوله: (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة؛ وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه، أو أن ينظر إليه )، يعني: أن أقول لك: انبذ إليّ ثوباً، وأنا أنبذ إليك ثوباً ولا نراه، بحيث ندخل غرفة في الظلام تفتح محلك وتأخذ قماشاً وتنبذه إلي، وأنا أدخل محلي وآخذ قماشاً وأنبذه إليك، ويكون هذا بيعنا من غير نظر ولا ترائي، فهذا هل النهي عائد على ماهية الشيء، أم على وصفه الذي يمكن أن ينفك عنه؟

لأنه كما هو معروف أن الوصف وصفان: وصف لا ينفك عنه، ووصف يمكن أن ينفك عنه، وهنا المعقود عليه وهو المحل معلوم وهو القماش؛ لكن القماش يمكن أن يكون من حرير، ويمكن أن يكون من صوف، وهناك فرق في القيمة فصار النهي عائداً على الخلاف بالماهية، والماهية التي هي الركن أو المحل غير معلوم، فصار النهي هنا يقتضي الفساد؛ لأن الغرر غرر فاحش، فإذا كان هناك غرر فاحش في المعقود عليه فإن العقد يكون باطلاً، والله أعلم.

ومن صور المنابذة: أن آخذ حصاة فأقول لفلان: أنا سوف أنبذ هذه الحصاة فإذا وقعت على ثوب من ثيابك فهو لي بعشرين ديناراً، فيمكن أن تقع على ثوب يكون بريالين، ويمكن أن تقع على ثوب أو على أقمشة كتان وهذا لا يجوز، وبعضهم يقول: هذه ليست صورة المنابذة ولكنها تفسير للحصاة، وهذه تفاسير للعلماء.

المهم أن نعرف أن المنابذة أن ينبذ الرجل إلى الآخر الشيء المعقود عليه، والمعقود عليه إما أن يكون ثوباً أو حصاً تقذف إلى الثوب، والله أعلم.

بيع الملامسة وحكمه

قوله: ( والملامسة: لمس الثوب ولا ينظر إليه ). يعني: تغلق أعين أحد المتعاقدين، يقول: يا فلان! ادخل محلي فكل ثوب تأخذه فهو لك بمائة ريال، فيمكن أن يحصل على ثوب قيمته خمسمائة ريال، ويمكن أن يحصل على ثوب قيمته خمسة ريالات، وهذا لا يجوز لأجل الغرر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الحصاة والغرر )، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ، والنهي عن الغرر شروطه هي: عدم العلم بالسلعة، وعدم معرفة الثمن، وعدم القدرة على التسليم.

قوله: (وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة؛ وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه، أو أن ينظر إليه )، يعني: أن أقول لك: انبذ إليّ ثوباً، وأنا أنبذ إليك ثوباً ولا نراه، بحيث ندخل غرفة في الظلام تفتح محلك وتأخذ قماشاً وتنبذه إلي، وأنا أدخل محلي وآخذ قماشاً وأنبذه إليك، ويكون هذا بيعنا من غير نظر ولا ترائي، فهذا هل النهي عائد على ماهية الشيء، أم على وصفه الذي يمكن أن ينفك عنه؟

لأنه كما هو معروف أن الوصف وصفان: وصف لا ينفك عنه، ووصف يمكن أن ينفك عنه، وهنا المعقود عليه وهو المحل معلوم وهو القماش؛ لكن القماش يمكن أن يكون من حرير، ويمكن أن يكون من صوف، وهناك فرق في القيمة فصار النهي عائداً على الخلاف بالماهية، والماهية التي هي الركن أو المحل غير معلوم، فصار النهي هنا يقتضي الفساد؛ لأن الغرر غرر فاحش، فإذا كان هناك غرر فاحش في المعقود عليه فإن العقد يكون باطلاً، والله أعلم.

ومن صور المنابذة: أن آخذ حصاة فأقول لفلان: أنا سوف أنبذ هذه الحصاة فإذا وقعت على ثوب من ثيابك فهو لي بعشرين ديناراً، فيمكن أن تقع على ثوب يكون بريالين، ويمكن أن تقع على ثوب أو على أقمشة كتان وهذا لا يجوز، وبعضهم يقول: هذه ليست صورة المنابذة ولكنها تفسير للحصاة، وهذه تفاسير للعلماء.

المهم أن نعرف أن المنابذة أن ينبذ الرجل إلى الآخر الشيء المعقود عليه، والمعقود عليه إما أن يكون ثوباً أو حصاً تقذف إلى الثوب، والله أعلم.

قوله: ( والملامسة: لمس الثوب ولا ينظر إليه ). يعني: تغلق أعين أحد المتعاقدين، يقول: يا فلان! ادخل محلي فكل ثوب تأخذه فهو لك بمائة ريال، فيمكن أن يحصل على ثوب قيمته خمسمائة ريال، ويمكن أن يحصل على ثوب قيمته خمسة ريالات، وهذا لا يجوز لأجل الغرر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الحصاة والغرر )، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ، والنهي عن الغرر شروطه هي: عدم العلم بالسلعة، وعدم معرفة الثمن، وعدم القدرة على التسليم.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تلقوا الركبان, ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر )، وفي لفظ: ( وهو بالخيار ثلاثاً )].

معنى تلقي الركبان وحكمه

قول المؤلف رحمه الله: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تلقوا الركبان ). الركبان: هم الذين يأتون بأمتعتهم لبيعها في البلد، سواء كانوا من أهل البادية الذين يسكنون في البلد أم كانوا من بلد آخر ليبيعوها في سوق البلد الآخر، فلا يجوز لأهل البلد أن يأتوا إلى هؤلاء في أول البلد ليشتروا منهم حتى يدخلوا في السوق فيعرفوا قيمة السلعة، وعلى هذا فالركبان يمكن أن يكونوا من أهل البادية، ويمكن أن يكونوا من بلد آخر، وعلى هذا فالذين يأتون بالبضاعة مثلاً في الحدود الشمالية من سوريا أو من الأردن فيشتري منهم أهل البلد من غير معرفة فهذا لا يجوز، أما إذا كان الشخص يريد أن يبيع بسعر قد وضعه لنفسه فهذا لا بأس به، مثل الذين يأتون وهم يعرفون في الغالب فلا حرج في ذلك، هذا هو تلقي الركبان، والصحيح في بيع تلقي الركبان أنه بيع صحيح، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على صحة هذا البيع، فقد نقل ابن خويز منداد من المالكية أن العلماء أجمعوا على أن تلقي الركبان عقد صحيح، خلافاً لقول عند الحنابلة، وهو قول أبي بكر عبد العزيز ، والصحيح أن العقد صحيح وإن كان للمتضرر خيار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، وجه الدلالة: أن الخيار لا يكون إلا في عقد صحيح، والله أعلم.

صور بيع الأخ على بيع أخيه

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض )، البيع على بيع البعض له صور:

الصورة الأولى: أن يتبايع المتبايعان ويكون لهما أو لأحدهما خيار الشرط، فيأتي الآخر فيقول لأحدهما: أنا أبيعك مثلها بأقل، أو أنا أشتري منك هذه بأكثر، فيضطر البائع إلى إلغاء العقد لأجل أن يبيعها إلى طرف آخر، فهذا يسمى عند العلماء: البيع على بيع أخيه، وهو: أن يعترض أحد الناس المتعاقدين في زمن خيار الشرط، أو زمن خيار المجلس، مثل: أنا وعبد الرحمن قلت: تبيعني سيارتك؟ قال: نعم، قلت: بكم؟ قال: بمائة ألف، فيأتي يوسف، يقول: لماذا تبيع بمائة ألف وسيارتك تسوى أكثر من ذلك، أنا أشتريها بمائة وعشرين، فهنا يجوز لعبد الرحمن أن يبطل البيع معي؛ لأنه في زمن الخيار، فيكون هذا من صور البيع على بيع أخيه؛ لأن يوسف عندما عرض عرضه اضطر عبد الرحمن إلى أن يلغي البيع فيكون فعل يوسف أنه باع على بيعي، وعلى هذا فيكون البيع على بيع أخيه إما أن يكون في خيار المجلس أو خيار الشرط.

ومن صور خيار المجلس عند العلماء كما قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: أن يتراضيا على الثمن والمثمن، ولم يبق بينهما إلا الإيجاب والقبول، نقول له مثلاً: بكم سيارتك؟ يقول: بمائة، فيقول: فنبدأ بإبرام العقد؛ لكن لم يتم العقد الحقيقي، فيأتي زيد فيقول لعبد الرحمن: أنا أشتري منك سيارتك بمائة وعشرين ألفاً.

إذاً: صور البيع على بيع أخيه ثلاث: صورة من خيار الشرط، وصورتان من خيار المجلس، والله أعلم.

تعريف النجش وصوره وحكمه

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا تناجشوا )، النجش: هو الزيادة أو التقليل في السلعة تغريراً بأحد المتعاقدين، فتكون الزيادة إذا كان يريد أن ينفع البائع، مثل أن ألاحظ أن البائع يحتاج نقوداً فأقول: بكم السيارة وتكون قيمتها أربعين، فأزيد وأقول: أريدها بواحد وأربعين، والشخص الذي يريدها يقول: واحد وأربعين ونصف، فهذه زيادة ممن لا يريد شراءها.

أو التقليل للإضرار والتغرير، كأن أقول لشخص: والله سيارتك هذه غير مرغوبة، لو تذهب بها إلى الحراج، والله قيمتها ما تساوي شيئاً، فيصدق، يقولون: طلاب العلم أحياناً لا يعرفون البيع والشراء فلذلك يخدعون؛ بسبب أنهم لا يهتمون بهذا جزاهم الله خيراً، وإن كان عمر يقول: لست بالخب، ولا الخب يخدعني.

يقول هذا الشخص: بكم تريدها؟ فأقول: أريدها بثمانين ألفاً، فيخاف فيقول: كلامه صحيح. فأنا فعلت بهذه الطريقة نجشاً.

إذاً الصحيح أن النجش: هو الزيادة أو التقليل من السلعة تغريراً بأحد المتعاقدين، وأما تفسيرها: بزيادة السلعة ممن لا يريد شراءها كما ذكره الشافعي في الأم فهذا من صور النجش، وقد ذكر هذه الصور -صور التقليل- الشافعية رحمهم الله، وكذلك ابن العربي رحمة الله تعالى على الجميع.

وأما النجش فإن الصحيح أن العقد صحيح، وقد نقل غير واحد الإجماع على صحة هذا العقد، وأما ما رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال: ( الناجش آكل للربا خائن )، فهذا ليس فيه ما يدل على بطلان البيع، فإن الراجح أن البيع صحيح، وهذا قول الأئمة الأربعة، وهو قول عامة أهل العلم، إلا أن الفقهاء اختلفوا، فقالوا: إذا ثبت صحة البيع فهل يثبت للمتضرر الخيار أم لا؟ فإذا قال الشخص: السلعة بأربعين، وقال آخر: بواحد وأربعين، وقال ثالث: باثنين وأربعين، وقال رابع: بثلاثة وأربعين، فاشترى شخص بأربعة وأربعين وهو لا يعلم، ثم علم أن هناك شخصاً يزيد في السلعة، هل يكون له خيار إمضاء العقد أو فسخه؟

نقول: اختلف الفقهاء في ذلك؛ فذهب الشافعي و أبو حنيفة إلى أن العقد صحيح بلا خيار؛ لأن الشارع لم يثبت الخيار في النجش، وإن كان قد نهى عنه، وفرق بين النهي عنه ووجود الخيار، ولأن المشتري مفرط في عدم البحث والسؤال، وهذا هو القول الأول.

والقول الثاني: هو مذهب مالك و أحمد واختيار أبي العباس بن تيمية وهو المفتى به في جميع المجامع الفقهية وهو أن للمتضرر الخيار؛ لأن الشارع قد أوجب الخيار لمتلقي الركبان بسبب عدم معرفته للثمن، فإذا ثبت لمتلقي الركبان الخيار فإن النجش كذلك؛ لأن الشارع لم يفرق بين متماثلين.

بيع الحاضر للباد وحكمه

قال صلى الله عليه وسلم: ( ولا يبع حاضر لباد ).

هذه الصورة كانت موجودة في السابق، وهو أن البادي الذي له مزارع خارج البلد يجلب هذا الزرع أو هذه الثمار إلى السوق، فيريد بيعها قبل الغروب حتى يرجع إلى بلده وقريته، فالشارع نهى أن يجعل له سمساراً؛ ولهذا قال طاوس : قلت لـابن عباس : ما بيع حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً، يعني: ما يأتي الحاضر فيأخذ السلعة من البادي ويقوم بالبيع لمن يزيد؛ لأن في ذلك ضرراً على أهل السوق، وعلى هذا فلا يبيع حاضر لباد، يعني: لا يأتي البادي فيقول لأحد الحضر في السوق: أريدك أن تبيع السلعة عني، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم عند جابر : ( دع الناس يرزق بعضهم بعضاً ).

وذكر الحنابلة أن بيع الحاضر يشترط له شروط:

الشرط الأول: أن يكون البادي يريد بيعها في نفس اليوم، أما إذا لم يكن يريد بيعها في نفس اليوم فلا حرج أن يكون له سمساراً، وغالب الناس اليوم يريدون بيعها في نفس اليوم أو غداً أو بعد غد، إذاً ليس ثمة بأس أن يأتي شخص بالبطيخ من خارج فآخذه وأبيع عنه في يوم أو يومين أو ثلاثة؛ لأنه لا يريد بيعه في نفس اليوم؛ لأنه في السابق كان الناس يأتون إلى البلد يبيعون سلعهم، ولا يأتي الغروب إلا وقد خرجوا من القرية أو من البلد.

الشرط الثاني: أن يكون جاهلاً بالسعر، فإن كان عالماً به فلا بأس أن يكون له سمساراً, والبادي لا يلزم أن يكون من أهل البادية، بل كل من جلب سلعة إلى بلد فإنه يكون في حكم البادي.

الشرط الثالث: قالوا: أن تكون بالناس حاجة، فإذا لم يكن بالناس حاجة فلا بأس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( دع الناس يرزق بعضهم بعضاً )، وصورة: ( لا يبع حاضر لباد ) منعت لأجل الرفق بأهل السوق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( دع الناس يرزق بعضهم بعضاً )، والله أعلم.

وهذه الصورة! قليلة الوقوع في زماننا؛ ذلك أن أكثر الذين يجلبون السلع إلى البلد يريدون بيعها بأغلى الثمن؛ ولهذا تجدهم يضعون مستودعات في البلد، فمن وضع مستودعاً في البلد فلا يريد بيعها بنفس اليوم، وعلى هذا فهذه الصورة كانت في السابق لكن قل أن توجد في زماننا، وإن وجدت هذه الشروط فهي ممنوعة، والله أعلم.

التصرية حكمها وثبوت الخيار فيها

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا تصروا الإبل والغنم ).

التصرية: هي حبس اللبن في الضرع حتى يكبر الضرع، فيوهم المشتري أن الدابة ذات لبن، وعلى هذا فالتصرية إما أن تكون بوضع حبل على ضرعها، وإما أن يبقى اللبن في الضرع حتى يكبر فلا تحلب يوماً أو يومين أو ثلاثة، فإذا جاء بها صاحبها إلى السوق وجد أن الضرع كبير، فيغتر المشتري فيظن أنها صاحبة لبن، فبمجرد أن يحلبها وأراد أن يحلبها من اليوم الثاني وجد أن الضرع قد ضمر، وهذا تغرير وخداع، والله أعلم.

فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها )، يعني: فمن اشتراها ولم يعلم؛ ولهذا قال في بعض الروايات: ( فمن ابتاعها بعد ذلك )، يعني: بعد عدم العلم بالتصرية: ( فهو بخير النظرين )، فالشارع جعل له الخيار فقال: ( فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها )، وكلمة ( بعد أن يحلبها ) فإن علم أنها مصراة من قبل الحلب فالصحيح أن له أن يرجع، ولكن الشارع ذكر ذلك الشرط ( بعد أن يحلبها )؛ لأن هذا في الغالب لا يعلم إلا بعد الحلب، وعلى هذا فلا بأس أن يعيدها إلى صاحبها قبل الحلب خلافاً لـابن حزم فإنه قال: لا يجوز أن يردها حتى يحلبها لهذا الحديث، وهذا ما يسميه العلماء: شرط خرج مخرج الغالب؛ لأن الغالب أنه لا يعلم إلا بالحلب. والله أعلم.

يقول: ( فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثة أيام )، والشارع جعل له ثلاثة أيام لأنه ربما في اليوم الأول ما يدري، وفي اليوم الثاني يظن أنها مريضة تغير عليها المحلب أو المشرب أو المأكل أو المرعى، فإذا كان اليوم الثالث علمنا أن البلاء فيها؛ وأن فيها عيباً.

والشارع الحكيم جعل للمتضرر خيارين:

الأول: أن يمسكها على علتها بالثمن الذي اشتراها به.

والثاني: أن يردها ويأخذ الثمن.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ( ومعها صاع من تمر )، فهذا يقول العلماء رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة : إن هذا من باب القضاء والحكومة، وهذا الصاع هو مقدر بقيمة اللبن الموجود في الضرع حال العقد، وأما اللبن الآخر بعد العقد وجعله في ذمة المشتري فهذا لا بأس به، والله أعلم.

فلو افترضنا أن صاع التمر يساوي جالون لبن، وهو شرب في ثلاثة أيام ثلاثة أو أربعة، ورد صاعاً، إذاً الصاع هذا حكومة للبن الأول، وأما اللبن الذي يأتي بعد ذلك فهذا يسميه العلماء: الخراج بالضمان، فكما لو أن السلعة هلكت فهي من ضمان المشتري، فكذلك اللبن له لأن الخراج بالضمان، فلما كان الضمان عليه كان خراجها له، والله أعلم.

وعلى هذا ذهب المالكية والحنفية ورواية عند أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية و ابن القيم : أن من وجد في السلعة عيباً فهو بخير النظرين بعد أن يعلمها: إما أن يمسكها بالثمن الذي اشتراها به، وإما أن يردها ويأخذ الثمن، هذا مذهب الجمهور، خلافاً للشافعية والحنابلة في المشهور عندهم: فإنهم قالوا: المشتري بعد بالخيار: إما أن يمسكها ويطالب البائع بقيمة النقص الحاصل، الذي يسمى عند الفقهاء: الأرش، وإما أن يردها ويأخذ ثمنها، والراجح: أن الأرش معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا المتعاقدين، وظلم البائع لا يجعل معه ظلم آخر، فالضرر الحاصل على المشتري يمكن تفاديه بالرد، أما أن يمسكها ويطالب البائع بقيمة الأرش فهذه معاوضة جديدة لا بد فيها من رضا الطرفين، والله أعلم.

وهذا القول هو الراجح، وعلى هذا فلا يثبت الأرش إلا إذا هلكت السلعة في يد البائع، أو تصرف البائع فيها بالبيع، فيثبت له ذلك كما هو الراجح عند جمهور الفقهاء والله أعلم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في لفظ: ( وهو بالخيار ثلاثاً )، يعني: بعد أن يعلم بأنها مصراة له الخيار ثلاثة أيام، إذاً يمكن أن تكون السلعة عنده ستة أيام؛ لأنه في بعض الروايات: ( فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثاً )، فقال بعضهم: إنه لا يعرف بالتصرية إلا خلال ثلاثة أيام، فإذا علم فله الخيار ثلاثة أيام بعدها فتكون ستة أيام، والله أعلم، وعلى هذا فهنا مسألة وهي: هل الخيار على الفور أم على التراخي؟ الراجح أنه على التراخي ثلاثة أيام بعد أن يحلبها، والله أعلم.

قول المؤلف رحمه الله: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تلقوا الركبان ). الركبان: هم الذين يأتون بأمتعتهم لبيعها في البلد، سواء كانوا من أهل البادية الذين يسكنون في البلد أم كانوا من بلد آخر ليبيعوها في سوق البلد الآخر، فلا يجوز لأهل البلد أن يأتوا إلى هؤلاء في أول البلد ليشتروا منهم حتى يدخلوا في السوق فيعرفوا قيمة السلعة، وعلى هذا فالركبان يمكن أن يكونوا من أهل البادية، ويمكن أن يكونوا من بلد آخر، وعلى هذا فالذين يأتون بالبضاعة مثلاً في الحدود الشمالية من سوريا أو من الأردن فيشتري منهم أهل البلد من غير معرفة فهذا لا يجوز، أما إذا كان الشخص يريد أن يبيع بسعر قد وضعه لنفسه فهذا لا بأس به، مثل الذين يأتون وهم يعرفون في الغالب فلا حرج في ذلك، هذا هو تلقي الركبان، والصحيح في بيع تلقي الركبان أنه بيع صحيح، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على صحة هذا البيع، فقد نقل ابن خويز منداد من المالكية أن العلماء أجمعوا على أن تلقي الركبان عقد صحيح، خلافاً لقول عند الحنابلة، وهو قول أبي بكر عبد العزيز ، والصحيح أن العقد صحيح وإن كان للمتضرر خيار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار )، وجه الدلالة: أن الخيار لا يكون إلا في عقد صحيح، والله أعلم.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ولا يبع بعضكم على بيع بعض )، البيع على بيع البعض له صور:

الصورة الأولى: أن يتبايع المتبايعان ويكون لهما أو لأحدهما خيار الشرط، فيأتي الآخر فيقول لأحدهما: أنا أبيعك مثلها بأقل، أو أنا أشتري منك هذه بأكثر، فيضطر البائع إلى إلغاء العقد لأجل أن يبيعها إلى طرف آخر، فهذا يسمى عند العلماء: البيع على بيع أخيه، وهو: أن يعترض أحد الناس المتعاقدين في زمن خيار الشرط، أو زمن خيار المجلس، مثل: أنا وعبد الرحمن قلت: تبيعني سيارتك؟ قال: نعم، قلت: بكم؟ قال: بمائة ألف، فيأتي يوسف، يقول: لماذا تبيع بمائة ألف وسيارتك تسوى أكثر من ذلك، أنا أشتريها بمائة وعشرين، فهنا يجوز لعبد الرحمن أن يبطل البيع معي؛ لأنه في زمن الخيار، فيكون هذا من صور البيع على بيع أخيه؛ لأن يوسف عندما عرض عرضه اضطر عبد الرحمن إلى أن يلغي البيع فيكون فعل يوسف أنه باع على بيعي، وعلى هذا فيكون البيع على بيع أخيه إما أن يكون في خيار المجلس أو خيار الشرط.

ومن صور خيار المجلس عند العلماء كما قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: أن يتراضيا على الثمن والمثمن، ولم يبق بينهما إلا الإيجاب والقبول، نقول له مثلاً: بكم سيارتك؟ يقول: بمائة، فيقول: فنبدأ بإبرام العقد؛ لكن لم يتم العقد الحقيقي، فيأتي زيد فيقول لعبد الرحمن: أنا أشتري منك سيارتك بمائة وعشرين ألفاً.

إذاً: صور البيع على بيع أخيه ثلاث: صورة من خيار الشرط، وصورتان من خيار المجلس، والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [3] 1865 استماع
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [5] 1520 استماع
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [6] 1223 استماع
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [1] 1166 استماع
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [4] 954 استماع