عمدة الأحكام - كتاب البيوع [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العرايا وغير ذلك:

عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها )، ولـمسلم: ( بخرصها تمراً يأكلونها رطباً ).

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق ) ].

معنى العرايا وشروط صحتها

المشهور عند العلماء خلافاً لـمالك أن باب العرايا: هو أنه يجوز بيع الرطب على رءوس النخل بالكيل المسمى من التمر، وهذا لأهل العرايا، وهم الناس الذين لا يملكون نقوداً، فهم تعروا من المال، فجوز النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الفقراء الذين يملكون التمر ولا يملكون النقود، جوز لهم أن يشتروا الثمر على رءوس النخل بالكيل المسمى من التمر، ولكن النبي جوز ذلك للحاجة، والقاعدة في ذلك: أن الحاجة تقدر بقدرها، وقدر هو أنه لا يجوز أن يزيد عن خمسة أوسق، هذا الشرط الأول، وبيع العرايا يسمى عند الفقهاء بالمزابنة، وجازت لأهل العرايا؛ لأنهم فقراء محتاجون، فيجوز بشروط:

أولاً: ألا يكون عندهم نقود يشترون بها الثمر على رءوس النخل.

الثاني: ألا يزيد عن خمسة أوسق؛ لما جاء في حديث أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأهل العرايا فيما دون خمسة أوسق ).

الشرط الثالث: أن يشتروها بخرصها، يعني خرص الثمر تمراً، فيقول: كم تريد أن تشتري؟ قال: أريد أن أشتري بأربعة أوسق من التمر اليابس، نقول: الآن كم الذي في النخل؟ يقول: في النخل ستة أوسق، نقول: لا تقدرها على أنها ستة أوسق الآن، قدرها على أنها أوسق إذا يبس، فالخراص -مثلاً- يقول: هذا التمر على رءوس النخل إذا يبس يساوي أربعة أوسق، فنقول: إذاً هذه النخلة وهذه النخلة وهذه النخلة وهذه النخلة إذا يبس يكون أربعة أوسق، فنقول: بعها بالثمر الذي على النخل هذه وهذه وهذه وهذه، وأما ما عداها فلا، لأجل أنه يكون أكثر ولا يجوز.

نبيع الثمر الذي على رءوس النخل بالتمر المسمى وهما غير متساويين، ولكنه جاز لأهل العرايا بخرصها تمراً، فنجعل المظنون كالمعلوم، والمظنون هو الخرص، كأننا قدرناه معلوماً، بهذه الشروط جوزها الفقهاء رحمهم الله تعالى.

إذاً: الشرط الأول: أن يكون لحاجة، والثاني: ألا يكون عندهم دنانير، والثالث: الخمسة أوسق، الشرط الرابع: أن يأكلوها رطباً، أما لو اشتروها وقالوا: إنا نريد أن نضمدها ضميداً، فهذا لا يجوز؛ لأنها جوزت للحاجة، ومعنى ذلك: لو أن فقيراً عنده تمر، ويريد أن يشتري الرطب على رءوس النخل، قلنا له: كم؟ قال: ستة أوسق، قلنا: لا يجوز أكثر من خمسة أوسق، ثم هل عندك نقود؟ قال: لا، ما عندي نقود، نقول: هل أنت محتاج للرطب؟ قال: والله أنا محتاج، ما عندي شيء، قلنا: يجوز، لكن ماذا تريد من هذا الرطب؟ قال: أريد أن أضمده للسنة القادمة، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن الحاجة تقدر بقدرها، فجوزت هنا لأجل أن تأكلها رطباً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( بخرصها تمراً يأكلونها رطباً )، والله أعلم.

معنى الخرص

الخرص معناه: هو التقدير والتخمين، يعني: تنظر إلى الثمر، ثم تقول: أقدر هذا التمر بعشرة أوسق، أو خمسين وسقاً، وهذا عند أهل الخبرة يحسنون التقدير والخرص، وقد ثبت في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مر على رطب، فقال لهم: اخرصوها)، حتى إذا عاد من الغزو أمر السعاة بأخذها، فخرص الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خرصها كذا وكذا)، يقول الراوي: فوالله بعد أن رجعنا لم ينقص منها شيء، فهذا يدل على أن العالم يجب أن يكون عنده معرفة بتعامل الناس، وهذا الخبر من الرسول صلى الله عليه وسلم خبرة وعلم، بأبي هي وأمي عليه الصلاة والسلام.

وأما حديث أبي هريرة فقد مر: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق)، وقد اختلف العلماء: هل يجوز في الخمسة أوسق أو فيما هو أقل من خمسة أوسق؟

الشافعي قال: الأحوط دون خمسة أوسق، وهذا قول جيد، ولكن لو كان خمسة أوسق؛ فلا حرج في ذلك، كما هو رواية عند الإمام أحمد، والله تبارك وتعالى أعلم.

المشهور عند العلماء خلافاً لـمالك أن باب العرايا: هو أنه يجوز بيع الرطب على رءوس النخل بالكيل المسمى من التمر، وهذا لأهل العرايا، وهم الناس الذين لا يملكون نقوداً، فهم تعروا من المال، فجوز النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الفقراء الذين يملكون التمر ولا يملكون النقود، جوز لهم أن يشتروا الثمر على رءوس النخل بالكيل المسمى من التمر، ولكن النبي جوز ذلك للحاجة، والقاعدة في ذلك: أن الحاجة تقدر بقدرها، وقدر هو أنه لا يجوز أن يزيد عن خمسة أوسق، هذا الشرط الأول، وبيع العرايا يسمى عند الفقهاء بالمزابنة، وجازت لأهل العرايا؛ لأنهم فقراء محتاجون، فيجوز بشروط:

أولاً: ألا يكون عندهم نقود يشترون بها الثمر على رءوس النخل.

الثاني: ألا يزيد عن خمسة أوسق؛ لما جاء في حديث أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لأهل العرايا فيما دون خمسة أوسق ).

الشرط الثالث: أن يشتروها بخرصها، يعني خرص الثمر تمراً، فيقول: كم تريد أن تشتري؟ قال: أريد أن أشتري بأربعة أوسق من التمر اليابس، نقول: الآن كم الذي في النخل؟ يقول: في النخل ستة أوسق، نقول: لا تقدرها على أنها ستة أوسق الآن، قدرها على أنها أوسق إذا يبس، فالخراص -مثلاً- يقول: هذا التمر على رءوس النخل إذا يبس يساوي أربعة أوسق، فنقول: إذاً هذه النخلة وهذه النخلة وهذه النخلة وهذه النخلة إذا يبس يكون أربعة أوسق، فنقول: بعها بالثمر الذي على النخل هذه وهذه وهذه وهذه، وأما ما عداها فلا، لأجل أنه يكون أكثر ولا يجوز.

نبيع الثمر الذي على رءوس النخل بالتمر المسمى وهما غير متساويين، ولكنه جاز لأهل العرايا بخرصها تمراً، فنجعل المظنون كالمعلوم، والمظنون هو الخرص، كأننا قدرناه معلوماً، بهذه الشروط جوزها الفقهاء رحمهم الله تعالى.

إذاً: الشرط الأول: أن يكون لحاجة، والثاني: ألا يكون عندهم دنانير، والثالث: الخمسة أوسق، الشرط الرابع: أن يأكلوها رطباً، أما لو اشتروها وقالوا: إنا نريد أن نضمدها ضميداً، فهذا لا يجوز؛ لأنها جوزت للحاجة، ومعنى ذلك: لو أن فقيراً عنده تمر، ويريد أن يشتري الرطب على رءوس النخل، قلنا له: كم؟ قال: ستة أوسق، قلنا: لا يجوز أكثر من خمسة أوسق، ثم هل عندك نقود؟ قال: لا، ما عندي نقود، نقول: هل أنت محتاج للرطب؟ قال: والله أنا محتاج، ما عندي شيء، قلنا: يجوز، لكن ماذا تريد من هذا الرطب؟ قال: أريد أن أضمده للسنة القادمة، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن الحاجة تقدر بقدرها، فجوزت هنا لأجل أن تأكلها رطباً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( بخرصها تمراً يأكلونها رطباً )، والله أعلم.

الخرص معناه: هو التقدير والتخمين، يعني: تنظر إلى الثمر، ثم تقول: أقدر هذا التمر بعشرة أوسق، أو خمسين وسقاً، وهذا عند أهل الخبرة يحسنون التقدير والخرص، وقد ثبت في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك مر على رطب، فقال لهم: اخرصوها)، حتى إذا عاد من الغزو أمر السعاة بأخذها، فخرص الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خرصها كذا وكذا)، يقول الراوي: فوالله بعد أن رجعنا لم ينقص منها شيء، فهذا يدل على أن العالم يجب أن يكون عنده معرفة بتعامل الناس، وهذا الخبر من الرسول صلى الله عليه وسلم خبرة وعلم، بأبي هي وأمي عليه الصلاة والسلام.

وأما حديث أبي هريرة فقد مر: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق)، وقد اختلف العلماء: هل يجوز في الخمسة أوسق أو فيما هو أقل من خمسة أوسق؟

الشافعي قال: الأحوط دون خمسة أوسق، وهذا قول جيد، ولكن لو كان خمسة أوسق؛ فلا حرج في ذلك، كما هو رواية عند الإمام أحمد، والله تبارك وتعالى أعلم.

قال المصنف رحمه الله: [ عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع ).

ولـمسلم : ( من ابتاع عبداً فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع ) ].

هذا الحديث يندرج تحت قاعدة: كل ما جاز تبعاً لا يجوز استقلالاً، أو: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، فأنت تجوز الشيء إذا دخل تحت شيء، ولكن لا تجوزه إذا قصدته بعينه، فمثلاً: عندنا نخل تشقق طلعه، ثم أبر، يعني: الثمرة لقحت، فهل يجوز بيع الثمرة ابتداءً؟

الجواب: لا يجوز؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه )، وهنا لم يبدو صلاحها، لكنك إذا بعت الشجرة وعليها الثمر، جاز ذلك، فيجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً.

كذلك بيع الحمل لا يجوز، لكن لو اشتريت شاة حاملاً وزاد ثمنها، جاز ذلك؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً. وإذا كان عندك عبد عنده مال، فيجوز أن تبيعه بماله ولو كان المال كثيراً، ولا يكون داخلاً في الربا؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، والله أعلم.

وهذه المسألة أخذ منها العلماء فوائد كثيرة، فأنت حينما تشتري السهم في سوق المال، فإن هذا السهم يحوي نقوداً وديوناً، وأعياناً، ولا يجوز بيع الدين لغير من هو عليه، كذلك لا يجوز بيع النقد بالنقد إلا بشرطين: التساوي والتقابض، وأما بيع النقود بالأعيان فيجوز بتقابض أو غير تقابض، بزيادة أو غير زيادة، لكننا نقول: دخلت النقود والديون تبعاً؛ لأن قصد المشتري أو قصد الشركة ليس بيع النقود، ولكن قصدهم الاستثمار والتعامل، فيكون هذا النقد أو هذا الدين دخل تبعاً، ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وعلى هذا: يجوز شراء أسهم البنوك الإسلامية إذا كانت تحمل نقوداً؛ لأن القصد ليس هو النقد، ولكن القصد هو عمل البنك نفسه، ولهذا قال الإمام الخرقي ، وكذلك ابن قدامة في مسألة بيع العبد قال: وإذا كان المقصود هو شراء العبد، فسواء كان المال الذي معه قليلاً أم كثيراً، ديناً أم عيناً، معلوماً أم مجهولاً؛ لأن العقد صار على المعين الذي لا بأس به، والله تبارك وتعالى أعلم.

الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من باع نخلاً قد أبرت )، فإذا أبرت فإن الأصل إذا لم يكن ثمة شرط أن الثمرة تكون للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، فلو كان عندي نخل قد أبرت، فجاءني شخص قال: أريد أن أشتري النخل قلت: بكم؟ قال: بعشرة آلاف، قلت: قد بعتك، وتم البيع، فلما تفرقنا قال: بما أن النخل لي فالثمرة لي، قلت: لا، لم تشترط، وقد تفرقنا، فالأصل أنها لي.

والعلماء جوزوا صورة واحدة، يقولون: يجوز بيع الثمر قبل أن يحمار ويصفار بشرطين، بمعنى أنه يجوز بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرطين: الشرط الأول: بشرط القطع، الشرط الثاني: أن يبيعه لمالك الأصل، فهنا جوز العلماء ذلك لدخوله بالتبع، والله تبارك وتعالى أعلم.

قال المصنف رحمه الله: [ وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه ). وفي لفظ: ( حتى يقبضه ).

وعن ابن عباس مثله ].

هذا الحديث حوى مسألة من أعظم مسائل المعاملات؛ وهي مسألة القبض والضمان، كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهذه المسألة فيها كلام طويل للفقهاء، ولعلي أبسطها بالآتي:

أولاً: الثمر إذا اشتراه الإنسان لا يجوز أن يبيعه على الغير حتى يقبضه، من اشترى طعاماً لم يجز له أن يبيعه حتى يقبضه، أو حتى يستوفيه، ومعنى الاستيفاء: هو أن يعرف كم مقداره بالكيل، هذا هو مذهب عامة أهل العلم في الطعام، بل حكى أبو عمر بن عبد البر الإجماع على ذلك، ولم يعتبر بخلاف عثمان البتي و عطاء ، فإن الإجماع محفوظ: أنه لا يجوز بيع الطعام حتى يقبض.

مثال: لو أني اتصلت بأحد التجار قلت: يا أخي! هل عندك تمر سكري؟ قال: نعم، قلت: كم عندك؟ قال: عندي ثلاثين كيلو كيلاً، قلت: اشتريتها، بكم الكيلو؟ قال: الكيلو بخمسين ريال، إذاً: اشتريتها بألف وخمسمائة، ثم جاءني أحد الإخوة قال: أنا والله أبحث عن سكري، فقلت له: عندي أنا سكري؛ لأنه حصل الإيجاب والقبول بيني وبين التاجر، وإذا حصل الإيجاب والقبول ملك المشتري، لكن لا يجوز لي أن أبيع على الغير ما ملكته قبل أن أقبضه؛ لأن ضمان التمر أو الثمر على البائع، فلا يجوز للمشتري أن يربح ما لم يضمن، لكن التاجر لو قال لي: هذا التمر خذه فقلت: حسناً سآخذه، لكن دعه عندك الآن؛ لأن عندك مستودع، في هذه الحال أكون قد قبضته؛ لأنه مكنني منه، أما إذا لم يمكني منه، أو لم يستطع لوجوده في مكان آخر، فإن ضمانه على البائع، فلا يجوز أن يبيعه المشتري حتى يقبضه، هذا محل إجماع عند أهل العلم -كما قلت- ولا عبرة بالمخالف.

ولأجل هذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يستوفى.

وهل هذا خاص في الطعام أم في كل شيء؟

اختلف العلماء في ذلك: فذهب مالك و الأوزاعي و الزهري إلى أن هذا خاص في الطعام؛ لسرعة فساده، ولحاجة الناس إليه، وأما ما عدا ذلك فلا يشترط، فلو أنني اتصلت بالتاجر وقلت: تبيعني السيارة الفلانية بمائتي ألف؟ قال: نعم، قلت: أعطني إياها، قال: غداً أعطيك إياها، فجاءني أحد الإخوة فقال: تبيعني السيارة التي اشتريتها من التاجر؟ قلت: بكم؟ قال: بمائتين وثلاثين ألفاً، قلت: نعم، فهل يجوز هذا البيع ولم أقبض السيارة بعد؟

على مذهب مالك يجوز، أنا ما رأيت إلى يومي هذا أحداً يأكل سيارة، إذاً: هو ليس طعاماً، و مالك يخصص الطعام، والأصل عنده أن الطعام هو الذي لا يجوز بيعه قبل قبضه، وما عدا الطعام فيجوز عند مالك ، لكن الشافعي و ابن تيمية و ابن القيم قالوا: كل السلع لا يجوز بيعها حتى تقبض، بحيث يمكن المشتري من القبض، فمتى حصلت تخلية البائع وتمكين المشتري من المعقود عليه جاز.

وذهب الحنابلة إلى أن كل ما يكال أو يوزن فيشترط قبضه قبل بيعه، وأما ما بيع بالوصف، يعني مثلاً: أنا أبيعك سيارتي الجيب موديل كذا، هل الآن بعت عيناً موصوفة أم بعت موصوفاً غير معين؟

الموصوف ينقسم إلى قسمين، وهذه معلومة مهمة جداً في المعاملات، بيع الموصوف ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: بيع موصوف معين، كالمثال السابق؛ سيارة أملكها أوصفها لك، فهذا يجوز بيعه، وإذا هلكت السلعة بطل العقد، ولا يشترط التقابض.

القسم الثاني: بيع موصوف غير معين، مثل السلم: أنا أبيعك تمراً سكرياً لونه كذا، ووزنه كذا، وهو ليس عندي، إذاً: أنا بعت موصوفاً غير معين، فهذا لو هلك الذي عندي وهو بمثل تلك المواصفات لا يبطل البيع؛ لأن المعقود عليه غير معين.

كما يشترط في هذا البيع القبض في أحد البدلين، إما أن تعطيني في المجلس التمر الذي وصفته، أو تعطيني الثمن، لأجل ألا يكون بيع كالئ بكالئ عند الجمهور، والمسألة فيها كلام طويل، لكن أنا أذكر لكم بالأسلوب البسيط، إذا ثبت هذا فإن الذي يظهر -والله أعلم- أن الأحاديث الواردة في تعميم غير الطعام لم تصح، وأما حديث ابن عمر : ابتعت زيتاً في السوق، فجاءني شخص فأراد أن يبيعه بأكثر فقلت: نعم، فإذا رجل من خلفي يأخذ بيدي، فإذا هو زيد بن ثابت فيقول: لا تبعه حتى تحوزه إلى رحلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزه التجار إلى رحالهم )، هذا الحديث في سنده محمد بن إسحاق ولم يصرح بالسماع، وعلى هذا: فالأصح أنه ما جاء في التصريح بالسماع أنه قال: إنه نهي عن ذلك كما رواه الإمام أحمد ، والنهي عن ذلك في الطعام، فدخل فيه حديث الطعام، وأما غير الطعام فلا يصح منه شيء، فالأقرب والله أعلم: هو أن الشيء إذا بيع معيناً فإنه يجوز بيعه إذا كان بغير ربح، وأما إذا كان بربح فلا، كما هو اختيار ابن تيمية ، فعلى هذا فسيارة التاجر التي اشتريتها بمائة ألف أو بمائتي ألف، فجاءني أحد الإخوة قال: تبيعني إياها؟ فإن بعتها بأكثر من مائة ألف لا يجوز، لأجل ألا أربح ما لم أضمن، وأما إن بعتها برأس مالها فإنه يجوز؛ لأني لم أربح، والله أعلم.