خطب ومحاضرات
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [5]
الحلقة مفرغة
قال المصنف رحمه الله: [ باب الرهن وغيره:
عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً, ورهنه درعاً من حديد ) ].
تعريف الرهن وصورته
صورتها: أن أبيعك هذه السيارة بمائة ألف مؤجلة، فأخشى ألا تسددني الثمن، فأطلب منك رهناً، هذا الرهن يمكن أن يكون عيناً كأرض أو سيارة، أو منزل، أو بضاعة، هذا يسمى توثقة الدين الذي في الذمة بعين، أو بنقد مثل: هذه مائة ألف في حسابك، دعها عندك أمانة، وسوف أعطيك الثمن بعد ذلك، إذاً: الرهن هو توثقة دين بعين أو نقد، والله تبارك وتعالى أعلم.
مثال آخر: أريد أن أشتري منك سلماً فأقول لك: كم تعطيني صاعاً بعد سنة؟ قلت: مائة صاع بر، قلت: هذه مائة ألف ريال، لكن أريد رهناً، فأنا أخشى ألا تعطيني المائة الصاع، فتقول: هذه خمسين ألفاً رهن عندك، فهذا الفعل يجوز، والله أعلم.
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، دون العكس، فكل ما جاز رهنه لا يلزم جواز بيعه، فيجوز أن أرهن الكلب، وإن كان لا يجوز أن أبيع الكلب على الراجح.
أنواع الرهن
الأول: أن يكون الرهن قبل العقد، مثل أن أقول لك: خذ هذه السيارة رهناً على أن تبيعني بعد أسبوع أرضك، الراجح أنه جائز.
الثاني: أن يكون الرهن مع العقد، نحو: أبيعك سيارتي بمائة ألف على أن ترهنني هذه الأرض الآن، وهذا جائز بالإجماع.
الثالث: أن يكون الرهن بعد العقد، مثل: أبيعك سيارتي بمائة ألف ثم أقول لك: يا فلان! أعطني رهناً بعد أن انتهى العقد وتفرقنا، أعطني شيئاً يثبت، أعطني ورقة قال: خذ هذا المال رهناً عندك، فهذا لا يلزم، ولكنه يصح، والله أعلم.
تقول عائشة رضي الله عنها: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً، ورهنه درعاً من حديد ).
لأن يهود خيبر كانوا يحسنون الزراعة، فاشترى منه تمراً، وقال اليهودي: أريد ما يثبت ذلك، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم درعه على أنه رهن.
فائدة الرهن
انتفاع المرتهن بالرهن
والحنابلة خلافاً للجمهور استثنوا صورة واحدة: يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بلا إذن من الراهن، وهو ما إذا كان المرهون دابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري قال: ( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً )، يعني: أنا عندي جمل أو عندي خيل رهن، وأنا الذي أعلفه، فعلفي له يجوز لي أن أركبه، وأما إن قال لي الراهن: أنا أعطيه علفه ولا تركبه، فلا يجوز للمرتهن أن يركبه، وأما حديث: ( لا يغلق الرهن على صاحبه، له غنمه وعليه غرمه )، نقول: هذا فيما إذا لم يكن دابة، أو كان دابة واشترط الراهن أن يعطيها النفقة، فحينئذ لا ينتفع المرتهن بذلك، والله أعلم.
الرهن عند الفقهاء: توثقة دين بعين أو نقد.
صورتها: أن أبيعك هذه السيارة بمائة ألف مؤجلة، فأخشى ألا تسددني الثمن، فأطلب منك رهناً، هذا الرهن يمكن أن يكون عيناً كأرض أو سيارة، أو منزل، أو بضاعة، هذا يسمى توثقة الدين الذي في الذمة بعين، أو بنقد مثل: هذه مائة ألف في حسابك، دعها عندك أمانة، وسوف أعطيك الثمن بعد ذلك، إذاً: الرهن هو توثقة دين بعين أو نقد، والله تبارك وتعالى أعلم.
مثال آخر: أريد أن أشتري منك سلماً فأقول لك: كم تعطيني صاعاً بعد سنة؟ قلت: مائة صاع بر، قلت: هذه مائة ألف ريال، لكن أريد رهناً، فأنا أخشى ألا تعطيني المائة الصاع، فتقول: هذه خمسين ألفاً رهن عندك، فهذا الفعل يجوز، والله أعلم.
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، دون العكس، فكل ما جاز رهنه لا يلزم جواز بيعه، فيجوز أن أرهن الكلب، وإن كان لا يجوز أن أبيع الكلب على الراجح.
اعلم أن الرهن يكون على أحوال ثلاثة:
الأول: أن يكون الرهن قبل العقد، مثل أن أقول لك: خذ هذه السيارة رهناً على أن تبيعني بعد أسبوع أرضك، الراجح أنه جائز.
الثاني: أن يكون الرهن مع العقد، نحو: أبيعك سيارتي بمائة ألف على أن ترهنني هذه الأرض الآن، وهذا جائز بالإجماع.
الثالث: أن يكون الرهن بعد العقد، مثل: أبيعك سيارتي بمائة ألف ثم أقول لك: يا فلان! أعطني رهناً بعد أن انتهى العقد وتفرقنا، أعطني شيئاً يثبت، أعطني ورقة قال: خذ هذا المال رهناً عندك، فهذا لا يلزم، ولكنه يصح، والله أعلم.
تقول عائشة رضي الله عنها: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً، ورهنه درعاً من حديد ).
لأن يهود خيبر كانوا يحسنون الزراعة، فاشترى منه تمراً، وقال اليهودي: أريد ما يثبت ذلك، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم درعه على أنه رهن.
وفائدة الرهن: أن المرتهن متى ما تعذر وتعثر الراهن المدين بتسديد دينه، جاز للمرتهن أن يبيع هذا الرهن ليستوفي حقه، فهذا الوفاء إما أن يكون الرهن أكثر من الدين، فيجب على المرتهن أن يرد الزائد، وإما أن يكون أقل فيأخذه ويطالب بالباقي، وإما أن يكون مساوياً فلا يطالب بعد ذلك.
واعلم أن المرتهن لا يجوز له أن ينتفع ويستفيد من الرهن إذا كان الرهن أصله قرض، فلو قلت لزيد: أقرضني مائة ألف ريال أردها بعد سنة، فقال: بشرط أن تعطيني شقتك التي في مكة، فأعطيته شقتي التي في مكة، وبدأ يسكنها، هذا لا يجوز؛ لأنه قرض جر نفعاً، أما إذا كان الرهن نشأ من بيع فإنه يجوز للمرتهن أن ينتفع منه برضا البائع، فلو قال البائع: بعني سيارتك أو بعني أرضك بمليون، قال: بشرط أن ترهنني شقتك التي في مكة، فرضي بالرهن، فإنه لا يجوز للمرتهن أن ينتفع بهذه الشقة، لكن لو اتصل بعد يومين، أو عشرة أيام، أو شهر وقال بأنه يريد أن ينتفع بها، نقول: الراجح أنه يجوز، وهو مذهب الحنابلة، واختيار اللجنة الدائمة، بشرط ألا يكون حيلة على تأجيل الثمن، يعني: إما أن تقضي وإما أن أنتفع بالشقة، يقول: الدين سداده بعد سنة، وأقول لك: يا فلان! سدده بعد سنتين وأنتفع أنا بالشقة، فصار مقصوده التأجيل، فهذا لا يجوز، والله أعلم.
والحنابلة خلافاً للجمهور استثنوا صورة واحدة: يجوز للمرتهن أن ينتفع بالرهن بلا إذن من الراهن، وهو ما إذا كان المرهون دابة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري قال: ( الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً )، يعني: أنا عندي جمل أو عندي خيل رهن، وأنا الذي أعلفه، فعلفي له يجوز لي أن أركبه، وأما إن قال لي الراهن: أنا أعطيه علفه ولا تركبه، فلا يجوز للمرتهن أن يركبه، وأما حديث: ( لا يغلق الرهن على صاحبه، له غنمه وعليه غرمه )، نقول: هذا فيما إذا لم يكن دابة، أو كان دابة واشترط الراهن أن يعطيها النفقة، فحينئذ لا ينتفع المرتهن بذلك، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع ). مطل الغني: المماطلة في أداء ما عليه من حق للغير. أتبع: أحيل. مليء: الغني المقتدر على الوفاء ].
حديث أبي هريرة : ( مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع )، وهذا ليس من باب الرهن ولكنه من باب الحوالة، ولهذا قال المؤلف: باب الرهن وغيره.
تعريف الحوالة
نقول: إذا كان بكر مليئاً، وكان الدين الذي على بكر حالاً، وكان الدين بمثل الذي على المحيل، فإنه لا يجوز للمحال أن يرجع على المحيل، ويجب عليه أن يقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع )، والمليء: هو القادر بماله ولسانه، يعني: هو قادر بماله فيقول: لا، اسكت، لا تتكلم، أنا متى ما شئت أن أعطيك فسأعطيك، فلا تتكلم، من كان هذا منطقه فليس مليئاً بلسانه، بل هذا في لسانه فحش، وبعض الناس لا يتحمل هذا، فلا بد أن يكون مليئاً بكلامه وماله، فيكون منطقه: أبشر، المال الذي تريده سوف يحصل، وعلى الرحب والسعة، أبشر بالذي يسرك، ونحو ذلك.. فهذا مليء بلسانه، وهو المقصود عند الحنابلة كما فسره الإمام أحمد ، والله أعلم.
وقوله: ( مطل الغني ظلم )، المماطلة: هي التأخير بتسديد ما في الذمة، والمماطل إن كان موسراً فهو آثم بإجماع العلماء، وهو آكل لأموال الناس، وإن كان لا يريد إعطاءها فإنه داخل في الوعيد الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، والعياذ بالله.
شروط الحوالة
وأما إذا كان الدين الذي على المحال عليه أقل من الدين الذي للمحيل جاز للمحيل أن يحال إلى الدين الذي في ذمة المحال عليه، ويطالب المحيل بالباقي، والله أعلم.
وإذا ثبت إعسار المحال عليه بعد أن كان مليئاً لم يرجع على المحيل، مثلاً قلت للشيخ بدر: اذهب إلى عبد الرحمن أنا أطلبه مائة ألف، وهو مليء، قال: نعم، فجاء بدر لعبد الرحمن وقال: أريد أن تعطيني مالي، قال: أبشر، هل تريدها الآن أو بعد أسبوع؟ قال: دعها حتى بعد أسبوع، فأنا وإياك لا نختلف، ثم بعد أسبوع عبد الرحمن -لا قدر الله- دخل في الأسهم، وذهبت كل أمواله، وصار مفلساً، فهل يجوز لـبدر أن يرجع إليّ؟ لا، بل يلزمه أن ينتظر عبد الرحمن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع )، أما إذا ظن الشيخ بدر أن عبد الرحمن مليء فتبين أنه ليس مليئاً فيجوز لبدر أن يرجع عليّ؛ لأنه لم يكن عبد الرحمن مليئاً، والله أعلم.
والحوالة: هي انتقال الذمة من المحيل إلى المحال عليه، وصورتها: أن يكون علي دين لزيد، ولي دين على بكر، فيقول زيد: أعطني مالي يا عبد الله! قلت: أحيلك على بكر؛ فإن ذمته مشغولة لي، فهل يجوز لزيد أن يمتنع؟
نقول: إذا كان بكر مليئاً، وكان الدين الذي على بكر حالاً، وكان الدين بمثل الذي على المحيل، فإنه لا يجوز للمحال أن يرجع على المحيل، ويجب عليه أن يقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع )، والمليء: هو القادر بماله ولسانه، يعني: هو قادر بماله فيقول: لا، اسكت، لا تتكلم، أنا متى ما شئت أن أعطيك فسأعطيك، فلا تتكلم، من كان هذا منطقه فليس مليئاً بلسانه، بل هذا في لسانه فحش، وبعض الناس لا يتحمل هذا، فلا بد أن يكون مليئاً بكلامه وماله، فيكون منطقه: أبشر، المال الذي تريده سوف يحصل، وعلى الرحب والسعة، أبشر بالذي يسرك، ونحو ذلك.. فهذا مليء بلسانه، وهو المقصود عند الحنابلة كما فسره الإمام أحمد ، والله أعلم.
وقوله: ( مطل الغني ظلم )، المماطلة: هي التأخير بتسديد ما في الذمة، والمماطل إن كان موسراً فهو آثم بإجماع العلماء، وهو آكل لأموال الناس، وإن كان لا يريد إعطاءها فإنه داخل في الوعيد الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة : ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله )، والعياذ بالله.
واعلم أن العلماء اشترطوا في الحوالة شروطاً: وهو اتفاق الجنسين من المالين، فلو كان لزيد عليّ مائة ألف ريال، ولي على بكر دولارات، قالوا: لا يصح الحوالة، كما هو مذهب الجمهور، والصحيح جواز ذلك، ويكون في حكم المصارفة، والله أعلم.
وأما إذا كان الدين الذي على المحال عليه أقل من الدين الذي للمحيل جاز للمحيل أن يحال إلى الدين الذي في ذمة المحال عليه، ويطالب المحيل بالباقي، والله أعلم.
وإذا ثبت إعسار المحال عليه بعد أن كان مليئاً لم يرجع على المحيل، مثلاً قلت للشيخ بدر: اذهب إلى عبد الرحمن أنا أطلبه مائة ألف، وهو مليء، قال: نعم، فجاء بدر لعبد الرحمن وقال: أريد أن تعطيني مالي، قال: أبشر، هل تريدها الآن أو بعد أسبوع؟ قال: دعها حتى بعد أسبوع، فأنا وإياك لا نختلف، ثم بعد أسبوع عبد الرحمن -لا قدر الله- دخل في الأسهم، وذهبت كل أمواله، وصار مفلساً، فهل يجوز لـبدر أن يرجع إليّ؟ لا، بل يلزمه أن ينتظر عبد الرحمن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع )، أما إذا ظن الشيخ بدر أن عبد الرحمن مليء فتبين أنه ليس مليئاً فيجوز لبدر أن يرجع عليّ؛ لأنه لم يكن عبد الرحمن مليئاً، والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله: [ وعنه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أدرك ماله بعينه عند رجل -أو إنسان- قد أفلس فهو أحق به من غيره ) ].
هذا الحديث فيه مسألة: وهو أن الرجل إذا باع ماله لآخر، ثم أفلس المشتري، ووجد الشيء الذي بيع على حاله، وكان المشتري عليه ديون للناس، هل يكون البائع الذي وجد سيارته كحالها عند المفلس -الذي هو المشتري- أسوة الغرماء.
مثلاً: المشتري مدين لخمسة: لي، ولفلان، وفلان، وفلان، وفلان، هل أنا أدخل مع الناس أسوة الغرماء، أما أكون أحق بسيارتي من بقية الغرماء فآخذها، ويكون الباقي أسوة الغرماء؟
في هذا الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس )، يعني رجل اشترى مني سيارة بالآجل، ثم قبض السيارة وأفلس، فوجدت سيارتي عنده، وأنا أطلبه قيمتها مائة ألف، وزيد يطلبه مائة ألف، وبكر يطلبه مائة ألف، إذاً: في ذمته ثلاثمائة ألف، وليس عنده شيء في الحساب، لما أفلس قال الغرماء: عنده سيارة قيمتها مائة ألف، هلموا نقتسمها بيننا، كل واحد يأخذ الثلث، قلت أنا: لا، السيارة لي وحدي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أدرك ماله بعين عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره )، أنا أحق الناس بها، أنا أحق من الغرماء كلهم.
لكن يشترط في هذا شروط:
أولاً: ألا يتغير الشيء المباع، فإن تغير فإنه لا يصح للبائع أن يرجع؛ لأن الرسول يقول: ( من أدرك ماله بعينه ).
الثاني: ألا يكون الدائن قد قبض بعض الثمن، فإن قبض بعض الثمن فلا يحق له الرجوع، كما جاء في حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ولم يكن قد أخذ من ماله شيئاً )، وإن كان الصواب في الحديث أنه مرسل، لكن العمل عليه عند أهل العلم.
الثالث: ألا يكون المفلس قد تصرف بها وصارت رهناً عند آخر، مثل: أنا بعت على زيد سيارة بمائة ألف ريال إلى سنة، فلما قبض زيد السيارة ذهب بها إلى بدر وقال: أقرضني مائة ألف، وهذه السيارة رهن، أو بعتك هذه السيارة، فهنا إذا باعها أو رهنت، فلا يحق للبائع الأول أخذها؛ لأنها أصبحت مستحقة للغير، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: ( جعل -وفي لفظ:- قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة )].
المقصود بالشفعة
صورتها: لو أني وزيد عندنا أرض خام، يعني: لم تقطع، لي نصفها ولزيد نصفها، فجاء شريكي وهو زيد فباعها لعلي -طرف آخر- نحن اشتريناها بمليون، مني خمسمائة ومن زيد خمسمائة، فباع زيد نصيبه بسبعمائة ألف ولم يستأذني في البيع، فما هي الشفعة؟ هو حقي في انتزاع حصة شريكي الذي باع حصته للغير من غير أن يستأذن مني. إذا ثبت هذا فهنا أحكام: الأول: لا يسوغ للشريك بعد أن أبرم العقد أن يقول: أنا أبطلت البيع، وأريد أن أبقى في البيع، فليس له الحق.
الثاني: أنه يجب على الشريك الذي ابتاع نصيب شريكه أن يشتري بمثل ما باع به، فإذا باع زيد بسبعمائة وجب على عبد الله أن يشتري بسبعمائة أو يدع.
الثالث: أنه إذا علم عبد الله بالبيع فهل يجوز لعبد الله أن ينتظر فإذا رأى أن عنده ثمناً لهذا المبلغ أدعى بالشفعة أم أن الشفعة كحل العقال كما جاء عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً ولا يصح، بمعنى: هل الشفعة على الفور أم هي على التراخي؟
ذهب جمهور الفقهاء وهو اختيار ابن سعدي رحمه الله إلى أنها على الاختيار، وليست على الفور، شريطة ألا يطل الفصل عرفاً؛ لأنه إذا طال فإن فيه مضرة، والشارع لا يأمر بالضرر: ( فلا ضرر ولا ضرار )، كما عند ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري .
المال الذي تثبت فيه الشفعة
أما إذا صرفت الطرق، فقمنا وخططنا الأرض، واشتريت أنا عشر بلكات، واشترى الآخر عشر بلكات، فهل يجوز للآخر إذا باع بلكه أن أعترض فأقول: أنا شريك؟ الجواب: لا؛ لأن الضرر منتفي، فقد صرفت الطرق ووقعت الحدود، وهذا قول جمهور الفقهاء: أن الشفعة إنما في العقار الذي لم يقسم، ويصدق عليه العمارة إذا كانت لشركاء، فإذا أمكن قسمتها من غير ضرر جاز من غير نظر إلى الشريك، مثل الآن عندنا عماير كل واحد له شقة فلا يجوز إذا وقعت الشقة لك أن تعترض، أو يعترض الجار يقول: لا أن أريد؛ لأنها في حكم وقعت الحدود.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشفعة في العقار، وذهب بعضهم وهو رواية عند الإمام أحمد إلى أن الشفعة تكون في الجار، واستدلوا بما رواه أهل السنن و أحمد من حديث عبد الملك بن أبي سليمان وفي سند عبد الملك بن أبي سليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الشفعة في الجار )، وهذا الحديث ضعيف، فإن عبد الملك بن أبي سليمان تكلموا فيه، والذي يظهر، والله أعلم، أنه إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة في الجار سواء كان طريقهما واحد أم لا، خلافاً لـأبي العباس بن تيمية و ابن القيم ، فإن جمهور الفقهاء وهو مذهب مالك و أحمد على أن لا شفعة في الجار، وأن الحديث الوارد فيه ضعيف، و ابن تيمية نظر إلى المقصد فقال: إذا كان طريقهما واحداً، تعرفون الطريق الواحد أحياناً تكون بعض المخططات سيباً، واحد لي وللجار فقط، فيكون هذا السيب وهذا الطريق الضيق مرفقاً لعبد الله وجاره، فلا يجوز للجار أن يبيع على أنه ضرر على عبد الله، وجمهور الفقهاء يخالفون فيه؛ لعدم ثبوت الحديث.
وأنتم تعلمون أن الأصل أن كل ما ملكه له التصرف فيه، فيبقى هذا الأصل إلى وجود حديث صحيح يصار إليه، أما وقد ثبت أن الحديث فيه ضعف فلا نترك هذا الأصل، وهذا الذي جعل جمهور الفقهاء يعتصمون بهذا الأصل ولا يخرجونه بدليل صحيح وهو حديث جابر ، وهذا -كما قلت لكم- سبب الخلاف، فبعض العلماء يرى أن حديث جابر هو الأصل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق )، فكل حديث يخالف هذا فلا يعول عليه، ومن ذلك حديث شفعة الجار فإن في سنده عبد الملك بن أبي سليمان ، وكذلك: ( الشفعة كحل العقال )، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد المدة، فالأصل فيها الإطلاق؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وجاء عند الطبراني : ( الشفعة في كل شيء )، يقولون: فكل شريك مع شريكه له حق الشفعة، والأقرب إنما كان ذلك في العقار، وهو مذهب جمهور الفقهاء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
الحيلة لإسقاط الشفعة
ومن صور الحيل: أن أبيع على أسلم هذه الأرض بأعلى من سعرها في السوق، مثل: أن تكون قيمة الأرض الذي هي ملكي بالمشاع خمسمائة ألف وسعرها في السوق خمسمائة ألف، فماذا أقول: بعت أرضي على أسلم بمليون وخمسمائة، فيقبل أسلم، والحقيقة أن البيع الحاصل تم بخمسمائة، لكن فعلت هذا لأجل أن أعجز شريكي عن أن يشتريه بهذا السعر، فهذا نوع من الحيلة لإسقاطها وهو محرم.
معاوضة الشريك لإسقاط الشفعة
صورتها: أنا وشريكي زيد عندنا أرض لم تقسم، فبعت نصيبي بخمسمائة ألف على أسلم، فأراد زيد أن يشفع، فقال أسلم لزيد: أسقط شفعتك ولك مائة ألف، فهل يجوز للشريك أن يسقط حقه في الشفعة بمال؟
ذهب الحنابلة والحنفية إلى أنه لا يجوز، فإذا قبل الشريك بأن يسقط حقه في الشفعة بمال علم أنه ليس ثمة ضرر؛ لأن الشفعة إنما جازت لدفع الضرر، فإذا جاز أن يعتاض عن ذلك بثمن علم أنه لا ضرر في البيع، وعلى هذا فتسقط الشفعة.
وذهب المالكية والشافعية ورواية عند الإمام أحمد إلى أنها لا تسقط، وأن الشريك يمكن أن يرضى بالضرر إذا بذل له شيء من المال، ولعل هذا القول أقرب؛ لأن هذا حق ولو كان إنما شرع لأجل دفع الضرر، فيمكن أن يصبر الإنسان عن ضرره إذا دُفع له شيء من المال، فالرجل إذا تزوج على زوجته فإنه ضرر عليها، فإذا أعطاها شيئاً من المال كي تقبل هذا الضرر أليس هذا مقبولاً؟ الجواب: بلى، فكذلك هنا، والله أعلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [2] | 1961 استماع |
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [3] | 1868 استماع |
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [6] | 1232 استماع |
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [1] | 1168 استماع |
عمدة الأحكام - كتاب البيوع [4] | 956 استماع |