شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

سأعيد متن الباب السابق؛ لتصحيح بعض الأخطاء التي فيه، قال المؤلف رحمه الله:

واعرف لمقطوع وموصول وتا في مصحف الإمام فيما قد أتى

فاقطع بعشر كلمات ألا مع ملجأ ولا إله إلا

وتعبدوا ياسين ثاني هود لا يشركن تشرك يدخلن تعلوا على

ألَّا يقولوا لا أقول إما بالرعد والمفتوح صل وعما

نهوا اقطعوا مما بروم والنسا خلف المنافقين أمن أسسا

فصلت النسا وذبح حيثما وأن لم المفتوح كسر إنما

الانعام والمفتوح يدعون معا وخلف الانفال ونحل وقعا

وكل ما سألتموه واختلف ردوا كذا قل بئسما والوصل صف

خلفتموني واشتروا في ما اقطعا أوحي أفضتم اشتهت يبلوا معا

ثاني فعلن وقعت روم كلا تنزيل ظلة وغيرها صلا

فأينما كالنحل صل ومختلف في الشعرا الأحزاب والنسا وصف

وصل فإلم هود أن لن نجعلا نجمع كيلا تحزنوا تأسوا على

حج عليك حرج وقطعهم عمن يشاء من تولى يومهم

ومال هذا والذين هؤلا تحين في الإمام صل ووهلا

ووزنوهم وكالوهم صل كذا من ال وها ويا لا تفصل

أقسام الكلمات المنتهية بتاء التأنيث

ثم بعد هذا يقول المؤلف رحمه الله: (باب التاءات)، وقد عقد هذا الباب لـ(هاء) التأنيث التي كتبت تاءً في رسم المصحف العثماني، وفائدة معرفتها بالإضافة إلى الرسم معرفة الوقف عليها؛ فإن جمهور القراء يقف على ما رسم في المصحف بالتاء بالتاء، ويقف عليها ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء والكسائي ويعقوب بالهاء، والكلمات في هذا على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: لم يقرأ إلا بالإفراد، ومع ذلك كتبه الصحابة بالتاء.

القسم الثاني: قرئ بالوجهين؛ أي: بالجمع والإفراد، وقد رسمه الصحابة بالتاء جميعًا.

القسم الثالث هو المختلف فيه؛ أي: الذي اختلفت المصاحف فيه، ففي بعض المصاحف رسم بالتاء، وفي بعضها رسم بالهاء، وهذا الباب كسابقه نقلي؛ أي: يقتصر فيه على النقل، فالمرجع فيه إلى المصاحف التي رسمها الصحابة لـعثمان، رضي الله عنهم أجمعين.

الكلمات المرسومة بالتاء في المصحف إجمالاً

والكلمات التي رسمها الصحابة بالتاء في المصحف لـعثمان هي ثلاث عشرة كلمة، وهي: (رحمة)، و(نعمة)، و(امرأة)، و(سنة)، و(لعنة)، و(معصية)، و(كلمة)، و(بقية)، و(قرة)، و(فطرة)، و(شجرة)، و(جنة)، و(ابنة)، أيضًا، وهذه الأصل في كتابتها أن تكتب بالتاء.

رحمة

قال المؤلف رحمه الله: (ورحمة الزخرف بالتا زبره)، يقول: إن لفظ (رحمة) لها حالان، الحال الأول: أن تقطع عن الإضافة؛ أي: أن تكون منونة غير مضافة، وحينئذ لا تكتب إلا بالهاء، كقول الله تعالى: وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]، وكقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وكقوله تعالى: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الإسراء:87]، فهذه مقطوعة عن الإضافة، وهي مصروفة؛ أي: منونة، فلا تكتب إلا بالهاء، وما سوى ذلك، منه ما يكتب بالتاء، ومنه ما يكتب بالهاء، ولم تقرأ إلا بالإفراد، طبعًا ليس فيها جمع، وقد رسمت بالتاء في سبعة مواضع في المصحف، الموضع الأول: في سورة البقرة، وهو قول الله تعالى: أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ [البقرة:218]، والموضع الثاني في سورة الأعراف، وهو قول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، والموضع الثالث في سورة هود، وهو: رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73]، والموضع الرابع في سورة مريم في أولها، وهو قول الله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:2]، والموضع الخامس في سورة الروم، وهو: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50]، والموضع السادس والسابع كلاهما بالزخرف وهما قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف:32]، وقوله: وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32].

فهذه هي المواضع التي رسم فيها الصحابة (رحمة) بالتاء، وقد بينها هو، فقال: (ورحمة الزخرف بالتا زبره)؛ أي: كتب الإمام، والإمام: هو مصحف عثمان كما سبق ذكره، فأعاد عليه الضمير هنا، فقال: (ورحمة الزخرف أو ورحمة الزخرف بالتا زبره)؛ أي: زبر الإمام (رحمة) التي في الزخرف بالتاء، وزبر بمعنى: خط، والمزبر: هو القلم، يسمى: المسطر، والمزبر، والزبر: الكتابة، وزبر الأولين، معناه: صحف الأولين، والزبور الذي هو الكتاب المنزل على داود، معناه: المكتوب، فكل ذلك من الزبر الذي هو الكتابة.

والتي في سورة الزخرف هي موضعان، أحدهما: قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف:32]، والثاني: قوله تعالى: وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157]، (الأعراف)؛ أي: (رحمة) الأعراف أيضًا، فإنها كتبت بالتاء في المصحف، وهي قول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، (روم)؛ أي: (رحمة) روم؛ أي: رحمة سورة الروم، وهي قول الله تعالى: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50]، (هود)؛ أي: رحمة هود؛ أي: الرحمة التي جاءت في سورة هود، وهي قول الله تعالى: رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73]، (كاف)؛ أي: رحمة كاف؛ أي: رحمة سورة مريم، وسورة مريم تسمى سورة (كهيعص)، وهو سماها سورة (كاف) للاكتفاء؛ أي: الاستغناء ببعض الكلمة عن سائرها، وقد سبق استعماله للاكتفاء في مواضع من هذا النظم، والتي في سورة مريم هي قول الله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:2]، (البقرة) كذلك (رحمة) التي في سورة البقرة، فهي كذلك كتبت بالتاء في المصحف، وهي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ [البقرة:218]، فهي مرسومة في المصحف بالتاء، فهذه هي المواضع التي رسمت فيها بالتاء في المصحف، ويوقف عليها بالتاء عند جمهور القراء، ما عدا ابن كثير، وأبي عمرو بن العلاء، والكسائي، من السبعة، وما عدا يعقوب من بقية العشرة.

نعمة

ثم بعد هذا ذكر كلمة أخرى وهي (نعمة)، فقد رسمت بالتاء في أحد عشر موضعًا في القرآن، الموضع الأول منها في سورة البقرة، وهو قول الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231]، والموضع الثاني في سورة آل عمران، وهو قول الله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران:103]، والموضع الثالث في سورة المائدة، وهو قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، والموضع الرابع في سورة إبراهيم، وكذلك الخامس، وهما قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم:28]، وقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وكذلك ثلاثة مواضع أيضًا في سورة النحل، وهي قوله تعالى: وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72]، وقوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا [النحل:83]، وقوله تعالى: وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ [النحل:114]، فهذه ثلاثة مواضع في سورة النحل، وفي سورة النحل ثلاثة مواضع أخرى، وهي: (الأُوَلُ) لكنها مكتوبة بالهاء لا بالتاء كما سيأتينا، والموضع الآخر في سورة لقمان، وهو قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ [لقمان:31]، والموضع الآخر في سورة فاطر، وهو قول الله تعالى في أولها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ [فاطر:3]، والموضع الأخير في سورة الطور، وهو قول الله تعالى: فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:29]، فهذه المواضع الأحد عشر كتبت فيها بالتاء، وما عداها تكتب بالهاء، ويوقف عليها بالهاء، إذا كتبت بالهاء وقف عليها بالهاء إجماعًا، وإذا كتبت بالتاء فهي محل الخلاف الذي سبق بين القراء، ومحل ما ذكر إذا كانت التاء آخر الكلمة، أما إذا اتصل بها ضمير فإنها تكتب بالتاء على كل حال، إذا قيل: (رحمته)، أو (نعمته)، فإنها تكتب بالتاء قطعًا؛ لأنها يتصل بها الضمير.

والمواضع الأخر في القرآن كلها كتبت فيها بالهاء، كقول الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، وكقوله تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ [النحل:53]، وكقوله تعالى: أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ [النحل:71]، وهذه الثلاث في سورة النحل، وهي الأول فيها؛ فلذلك قال: (نعمتها)، والضمير هنا مضاف إليه ما قبله يعود إلى البقرة، ويمكن عوده على (الرحمة)، فالمقصود هنا أن (نعمة) في سورة البقرة أيضًا كتبت بالتاء، وهي قوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231]، (ثلاث نحل)، كذلك الثلاث الأخر من سورة النحل، وهي قوله تعالى: وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ [النحل:72]، وقوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا [النحل:83]، وقوله تعالى: وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ [النحل:114]، (إبرهم معًا) (إبرهم) هذه لغة من لغات إبراهيم، فـإبراهيم رسم في المصحف في سورة البقرة وآل عمران بحذف الياء؛ فلذلك قرأه هشام عن ابن عامر بالألف، يقول: (إبراهام) وهي لغة من لغاته، فإما أن يثبُتَ الألفان، فيقال: (إبراهام)، أو يحذف الأول فقط، فيقال: (إبرهام)، أو يحذف الأخير فقط، فيقال: (إبراهم)، أو يبدل ياء، فيقال: (إبراهيم) وهي أشهرها، أو يحذف الألفان معًا، فيقال: (إبرهم)، وهي التي استعمل هو هنا، فهذه لغات إبراهيم، وهي في الأصل من العبرية، وقد عربت، نقلت إلى العربية؛ فلذلك لا اعتراض على أنها في القرآن فكل ما في القرآن عربي؛ لأنه عرب قبل نزوله في القرآن، والقرآن بلسان عربي مبين، فلا اعتراض بالمعرب؛ لأنه قد أصبح من العربية قبل أن ينزل في القرآن.

(معًا)؛ أي: الموضعان في سورة إبراهيم، وهما قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا [إبراهيم:28]، وقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]؛ فلذلك قال: (معًا)؛ أي: الموضعان، والتنوين هنا تنوين عوض، وهو عوض عن كلمة، معناه: مع أخرى، فـ(معًا) الظرف في الأصل مضاف، والمضاف إليه حذ؛، فقام التنوين مقامه، وقد سبق أن التنوين يعوض به عن الحركة، وعن الحرف، وعن الكلمة، وعن الجملة، تذكرون ذلك، فـ(معًا) هنا التنوين الذي فيها نائب عن المضاف إليه؛ أي: مع كلمة أخرى.

(أخيرات)؛ أي: اللواتي في سورة النحل، وهن الأخيرات؛ لأن في سورة النحل ثلاثًا أخر كتبن بالهاء، كما سبق، وهن: الأول، (عقود الثاني هَمْ)، (هَم) افتحوا الهاء، يقول: إن سورة العقود فيها موضع واحد كتب بالتاء، وهو الثاني من موضعين وردا فيها، وهو المقترن بـ(هَمَّ قوم) في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، وقد عرف هذا الموضع بقوله: (هم)؛ أي: المرتبط بـ(هم)، (هم قوم) في الآية، إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11]، ويمكن أن تقرأ: (ثم)، (الثاني ثم)؛ أي: في سورة العقود موضعان، والثاني منهما هو الذي كتبت فيه بالتاء، (هم)، أو (ثم) فإذا كانت (هم) فالمقصود الموضع المرتبط بـ(هم قوم): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ [المائدة:11]، أو (ثم)، (الثاني ثم)؛ أي: في سورة العقود، ففيها موضعان: الأول منهما كتبت فيه بالهاء، والثاني هو الذي كتبت فيه بالتاء، (لقمان)؛ أي: في سورة لقمان، وذلك في قول الله تعالى: تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ [لقمان:31]، فقد رسمت في المصحف بالتاء، (ثم فاطر) كذلك التي في سورة فاطر، وهي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ [فاطر:3] في أول السورة، (كالطور)؛ أي: كالتي في الطور، فقد رسمت بالتاء أيضًا، وهي قول الله تعالى: فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:29]. انتهى من هذه الكلمة.

لعنة

ثم أتى بكلمة ثالثة، وهي: (لعنة)، فقد رسمت بالتاء في موضعين، الأول منهما في سورة آل عمران؛ فلذلك قال: (عمران لعنة بها والنور) الموضع الأول في سورة آل عمران، وهو قول الله تعالى: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61]، والموضع الثاني هو في سورة النور، وهو قول الله تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7]، فهذان الموضعان ترسم فيهما بالتاء، وما عداهما تكتب فيه (اللعنة) بالهاء، كقول الله تعالى: أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44] في سورة الأعراف، وكقوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ [الحجر:35] في سورة الحجر، فهي مرسومة بالهاء في ذلك؛ فلذلك قال: (عمران)؛ أي: سورة آل عمران، (لعنة بها) رسمت بالتاء، وبالنور أيضًا رسمت بالتاء.

امرأة

ثم بعد هذا ذكر كلمة أخرى، وهي كلمة (امرأة) إذا أضيفت، فامرأة إذا قطعت عن الإضافة بالهاء لا بالتاء، كقول الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128]، وإذا أضيفت- وذلك في سبعة مواضع- فإنها ترسم بالتاء، فالموضع الأول في سورة آل عمران، وهو قول الله تعالى: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا [آل عمران:35]، والثاني في سورة يوسف، وهو: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ [يوسف:51]، وقد تكررت فيها ورسمت بالتاء، والآخر في سورة القصص والتحريم، وهو قول الله تعالى: قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ [القصص:9] بالنسبة للقصص، وفي سورة التحريم: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ [التحريم:11]، والآخر في سورة التحريم أيضًا، وهو: ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ [التحريم:10]، موضعان كلاهما كتب بالتاء؛ ففي سورة التحريم إذن ثلاثة مواضع: امرأة نوح، وامرأة لوط، وامرأة فرعون، كلها رسمت بالتاء، وما عدا ذلك فهو بالهاء كما ذكرنا: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا [النساء:128]؛ فعرف أن (امرأة) إذا أضيفت إلى زوجها، فهي بالتاء، مرسومة بالتاء في المصحف، وإذا قطعت عن الإضافة فهي بالهاء؛ فلذلك قال: (وامرأة يوسف) وامرأة؛ أي: رسمت بالتاء امرأة في يوسف؛ أي: في سورة يوسف، (عمران)؛ أي: في سورة آل عمران، (القصص)؛ أي: في سورة القصص، (تحريم)؛ أي: في سورة التحريم، في ثلاثة مواضع منها، وهذه هي المواضع السبعة التي رسمت فيها (امرأة) بالتاء، إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ [آل عمران:35] في سورة آل عمران، امْرَأَتُ الْعَزِيزِ [يوسف:30] في سورة يوسف، امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ [القصص:9] في موضعين: في سورة القصص، وفي سورة التحريم، اِمْرَأَةَ نُوحٍ [التحريم:10] في سورة التحريم، اِمْرَأَةَ لُوطٍ [التحريم:10] في سورة التحريم، (( امرأت العزيز )) جاءت مرتين في سورة يوسف، (امرأت العزيز) جاءت مرتين فالجميع سبعة مواضع، امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ [يوسف:30]، قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ [يوسف:51].

معصية

ثم بعد هذا ذكر كلمة أخرى، وهي: (معصية)، وهي خاصة بسورة المجادلة، وقد جاءت فيها مرتين، فرسمت بالتاء، ولا وجود لها في القرآن في سوى هذين الموضعين، وهما في سورة المجادلة؛ فلذلك قال: (تحريم معصيت بقد سمع يخص)؛ أي: (معصيت) التي يوقف عليها بالتاء عند جمهور القراء، تخص بسورة قد سمع، وهي سورة المجادلة، (بقد سمع يخص)، وذلك في قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ [المجادلة:8]، وبعده قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ [المجادلة:9]، موضعان في سورة المجادلة، وكلاهما رسمت فيه بالتاء في المصحف.

شجرة

ثم ذكر كلمة أخرى، وهي (شجرة)، وقد رسمت بالتاء في موضع واحد، وهو في سورة الدخان؛ فلذلك قال: (شجرة الدخان)؛ أي: من هذه المواضع الشجرة التي في سورة الدخان، فهي مضافة إلى الدخان؛ أي: إلى سورة الدخان، وهي قول الله تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ [الدخان:43-44]؛ فإنها رسمت بالتاء، وهذا مخرج لما عدا ذلك من المواضع، فقد رسمت فيه بالهاء، كقول الله تعالى: شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]، وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون:20]، فهي مرسومة بالهاء؛ فلذلك احترز بقوله: (شجرة الدخان).

سنة

ثم ذكر كلمة أخرى وهي (سنة)، وهذه رسمت بالتاء المجرورة في خمسة مواضع، الموضع الأول منها: في سورة الأنفال، وهو قوله تعالى: فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:38]، والثاني: قوله تعالى: إِلَّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ [فاطر:43]، وقوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [فاطر:43]، وقوله: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، والمواضع الثلاثة في سورة فاطر في آخرها، والآخر في غافر، وهو قول الله تعالى: سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ [غافر:85]، وما عدا ذلك فهو بالهاء، كقول الله تعالى: سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ [الأحزاب:38] في سورة الأحزاب؛ فلذلك قال: (سنت فاطر)، (شجرة الدخان سنت فاطر كُلًّا)؛ أي: المواضع الثلاثة في سورة فاطر، وأشار إلى تعددها بقوله: (كُلًّا)، فلم ترد في فاطر إلا في هذه المواضع الثلاثة، وهي قوله: إِلَّا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ [فاطر:43]، وقوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا [فاطر:43]، فهذه ثلاثة مواضع، (والانفال)؛ أي: الموضع الذي في سورة الأنفال، وهو قول الله تعالى: فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ [الأنفال:38]، فقد رسمها الصحابة فيه بالتاء أيضًا، (وحرف غافر)؛ أي: الموضع الذي في سورة غافر، وأهل الأداء يعبرون عن الكلمة بالحرف، وأهل النحو أيضًا في قديم اصطلاحهم يعبرون عن الكلمة بالحرف؛ ولذلك يعقد سيبويه في كتابه أبوابًا لما سمع من الحروف على كذا، والمقصود عنده ما سمع من الكلمات على كذا؛ فلذلك قال: (وحرف غافر)؛ أي: التي في سورة غافر، وهي قول الله تعالى: سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ [غافر:85]، وما سوى ذلك يكتب بالهاء كما ذكرنا: سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ [الأحزاب:38] في سورة الأحزاب.

قرة

ثم ذكر كلمة أخرى وهي (قرة)، وقد رسمت بالتاء في موضع واحد، وهو عندما تضاف إلى عين بالإفراد، فإن أضيفت إلى أعين بالجمع رسمت بالهاء، والموضع الذي أضيفت فيه إلى عين بالإفراد، هو قول الله تعالى: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ [القصص:9] في سورة القصص، وما عدا ذلك رسمت بالهاء، كقول الله تعالى: هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74] بالجمع، وكذلك قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] في سورة السجدة، فكلتاهما رسمت بالهاء؛ لأنها أضيفت إلى جمع؛ لذلك قال: (قرة عين)، ويكفي هذا لا يحتاج إلى ذكر السورة؛ لأنها لم ترد في القرآن مضافة إلى عين مفردة، إلا في موضع واحد، وهو في سورة القصص.

جنة

ثم ذكر كلمة أخرى وهي (جنة)، فهذه أيضًا رسمت بالتاء في موضع واحد، وهو: وَجَنَّةُ نَعِيمٍ [الواقعة:89] في سورة الواقعة؛ فلذلك قال: (قرة عين جنة في وقعت)؛ أي: لفظ (جنة) الذي ورد في سورة إذا وقعت، وهي سورة الواقعة، وذلك في موضع واحد، وهو قول الله تعالى: وَجَنَّتُ نَعِيمٍ [الواقعة:89]، وما عداها فهو بالهاء، كقوله تعالى: جَنَّةَ نَعِيمٍ [المعارج:38] في سورة المعارج، فهي مرسومة بالهاء لا بالتاء، وسبب رسم هذه التي في الواقعة بالتاء أنها قرئت في غير العشرة، قرئت في الشواذ بالجمع، قرئت فيها: (وجنات نعيم)، والجنة إذا أطلقت بالإفراد فالمقصود بها: الجنس، وإذا جمعت فالمقصود: درجاتها، فهي منازل كثيرة كما تقرءون في سورة الرحمن، ذكر الجنتين العليين، والجنتين السفليين، وفي سورة الواقعة أيضًا ذكر ما للمقربين، ثم ما لأصحاب اليمين، وكلاهما له جنة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن أهل الجنة ليتراءون الغرف كما يتراءى أهل الأرض الكوكب الدري في السماء )؛ ولذلك: ( حين جاءت أم حارثة إلى النبي صلى الله عليه وسلم- وقد قتل ابنها حارثة وهو صغير قبل بلوغه أو عند بلوغه قتل يوم بدر شهيدًا- فقالت: يا رسول الله، أخبرني عن ابني حارثة: أفي الجنة هو فأصبر، أم في غير ذلك فترى ما أصنع؟ فقال: أوجنة هي! إنما هي جنان، وابنك في الفردوس الأعلى منها )، (قرة عين جنة في وقعت).

فطرة

ثم ذكر كلمة أخرى، وهي: (فطرة)، فإنها لم تأت إلا في موضع واحد، وقد رسمت فيه بالتاء؛ ولذلك لا يحتاج إلى ذكره؛ لأنه موضع واحد لم يتكرر، وهو قول الله تعالى: فِطْرَتَ اللهِ [الروم:30] في سورة الروم، فلا ثاني له في القرآن، وقد رسم بالتاء: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، هذا موضع واحد في القرآن كله، وقد رسمت فيه بالتاء؛ فلذلك قال: (فطرت).

بقية

كذلك (بقيت)، يقصد: أن (بقية) كذلك رسمت بالتاء في موضع واحد في القرآن، ولم تأت في القرآن مرسومة بالتاء في غير هذا الموضع، وهو في سورة هود: بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [هود:86]، وما عدا ذلك فهي بالهاء، كقول الله تعالى: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ [هود:116]، وكذلك قوله تعالى: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ [البقرة:248]، فالمضافة هي التي رسمت بالتاء، وهي في سورة هود، والفرق واضح في المعنى، فالمنونة معناها: الجزء الباقي من الشيء: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ [البقرة:248]، فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ [هود:116]، فالمقصود ما بقي من ذلك، أما: بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [هود:86]، فالمقصود: بقية الله؛ أي: إبقاؤه عليكم؛ أي: عافيته لكم، فالبقية والبقيا، معناها: العافية والإبقاء، فيقال: أبقى عليه؛ أي: تحنن عليه، ولطف به، ومن ذلك قول الراجز:

لو يبتغي البقيا بضم الباء أي شفقة ورحمة خلي علي

لما كساني حر ما أقاسي من الليالي اللِّيلِ بين الناس

وهو على تقصيرهن قادر تبارك الله العظيم القادر

ويقول الآخر:

ولا يك عذرًا مانعا من أدائها أوان القرى البقيا على ولد الظلف

(البقيا) معناه: الإبقاء عليه والشفقة، (ولد الظلف)؛ أي: أولاد البقر، هو يحض على الضيافة، ويقول: (ولا يك عذرًا مانعًا من أدائها أوان القرى)، معناه: وقت قرى الأضياف، (البقيا)؛ أي: الشفقة على ولد الظلف؛ أي: (أولاد البقر)، فيريد أن لا تترك الألبان لأولاد البقر، بل تحلب للضيوف، (بقيت)

ابنة

و(ابنت) كذلك (ابنة) إذا جاءت بهمزة الوصل فهي تأتي (بنت) بدون همزة، وتأتي بالهمزة، فيقال: ابنة، فإن كانت (ابنة) فهي بالتاء، وأصلها: أن تكتب بالهاء، وإن جاءت بدون همزة الوصل كانت بالتاء، بتاء التأنيث التي تكتب تاءً لا هاءً، فتقول: فلانة بنت فلان، بالتاء، ترسمها بالتاء، لكن إذا قلت: فلانة ابنة فلان ترسمها بالهاء، وقد رسمت في المصحف بالتاء، وذلك في موضع واحد لم تأت في غيره وهو قول الله تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ [التحريم:12]، فقد رسمت بالتاء؛ فلذلك قال: (وابنة).

كلمة

من الكلمات التي رسمت بالتاء في المصحف (كلمت) وقد جاءت في عدد من المواضع في القرآن، فذكر هو: أن ما جاء منها في وسط الأعراف، فهو الذي رسم بالتاء، وأن ما سواه إذا كان مختلفًا في قراءته بين الإفراد والجمع، فإنه يرسم بالتاء كذلك، وإذا لم يكن مختلفًا فيه فإنه يرسم بالهاء، ولكن ما ذكره من الخصوص في هذا الموضع في سورة الأعراف، وهو قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا [الأعراف:137]- ليس على إطلاقه؛ فقد حكى الإمام الداني، وأبو داود الخلاف فيه بين المصاحف، وذكروا أن من المصاحف ما يرسمه بالهاء، ومنها ما يرسمه بالتاء، ورجح أبو داود سليمان بن النجيح رسمه بالهاء على رسمه بالتاء، وعليه العمل عند المغاربة، وحكى الداني الوجهين، وجعلهما سواءً، واقتصر الشاطبي على رسمه بالتاء، وعليه العمل عند المشارقة؛ وبهذا يعلم أن المشارقة يرسمونها بالتاء، وأن المغاربة يرسمونها بالهاء، وهذا الموضع قد قرأه القراء العشرة بالإفراد، بلا خلاف، وأما سواه من المواضع فكلها فيها خلاف، والمواضع الأخر هي أولًا في سورة الأنعام، في قول الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، فقد قرئت بالإفراد والجمع: (( تمت كلمات ربك صدقًا وعدلًا ))، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، و(كلمت الله) أو (كلمات الله)، اختلف في تفسيرها، فقيل: هي أسماؤه، وقيل: الاسم الأعظم وحده، وقيل: القرآن، وقيل: الكتب المنزلة، وقيل: الكلمات الكونية: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، وقيل: صفات ذاته مطلقًا، وقيل: العلم بخصوصه من صفاته، قد نظم بعضهم هذا الخلاف فقال:

وكلماته صفات الذات أو علم أو الكتب كلها رووا

وذكر بقية الأقوال،

ثم بعد هذا يقول المؤلف رحمه الله: (باب التاءات)، وقد عقد هذا الباب لـ(هاء) التأنيث التي كتبت تاءً في رسم المصحف العثماني، وفائدة معرفتها بالإضافة إلى الرسم معرفة الوقف عليها؛ فإن جمهور القراء يقف على ما رسم في المصحف بالتاء بالتاء، ويقف عليها ابن كثير وأبو عمرو بن العلاء والكسائي ويعقوب بالهاء، والكلمات في هذا على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: لم يقرأ إلا بالإفراد، ومع ذلك كتبه الصحابة بالتاء.

القسم الثاني: قرئ بالوجهين؛ أي: بالجمع والإفراد، وقد رسمه الصحابة بالتاء جميعًا.

القسم الثالث هو المختلف فيه؛ أي: الذي اختلفت المصاحف فيه، ففي بعض المصاحف رسم بالتاء، وفي بعضها رسم بالهاء، وهذا الباب كسابقه نقلي؛ أي: يقتصر فيه على النقل، فالمرجع فيه إلى المصاحف التي رسمها الصحابة لـعثمان، رضي الله عنهم أجمعين.

والكلمات التي رسمها الصحابة بالتاء في المصحف لـعثمان هي ثلاث عشرة كلمة، وهي: (رحمة)، و(نعمة)، و(امرأة)، و(سنة)، و(لعنة)، و(معصية)، و(كلمة)، و(بقية)، و(قرة)، و(فطرة)، و(شجرة)، و(جنة)، و(ابنة)، أيضًا، وهذه الأصل في كتابتها أن تكتب بالتاء.

قال المؤلف رحمه الله: (ورحمة الزخرف بالتا زبره)، يقول: إن لفظ (رحمة) لها حالان، الحال الأول: أن تقطع عن الإضافة؛ أي: أن تكون منونة غير مضافة، وحينئذ لا تكتب إلا بالهاء، كقول الله تعالى: وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]، وكقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، وكقوله تعالى: إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الإسراء:87]، فهذه مقطوعة عن الإضافة، وهي مصروفة؛ أي: منونة، فلا تكتب إلا بالهاء، وما سوى ذلك، منه ما يكتب بالتاء، ومنه ما يكتب بالهاء، ولم تقرأ إلا بالإفراد، طبعًا ليس فيها جمع، وقد رسمت بالتاء في سبعة مواضع في المصحف، الموضع الأول: في سورة البقرة، وهو قول الله تعالى: أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ [البقرة:218]، والموضع الثاني في سورة الأعراف، وهو قول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، والموضع الثالث في سورة هود، وهو: رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73]، والموضع الرابع في سورة مريم في أولها، وهو قول الله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:2]، والموضع الخامس في سورة الروم، وهو: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50]، والموضع السادس والسابع كلاهما بالزخرف وهما قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف:32]، وقوله: وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32].

فهذه هي المواضع التي رسم فيها الصحابة (رحمة) بالتاء، وقد بينها هو، فقال: (ورحمة الزخرف بالتا زبره)؛ أي: كتب الإمام، والإمام: هو مصحف عثمان كما سبق ذكره، فأعاد عليه الضمير هنا، فقال: (ورحمة الزخرف أو ورحمة الزخرف بالتا زبره)؛ أي: زبر الإمام (رحمة) التي في الزخرف بالتاء، وزبر بمعنى: خط، والمزبر: هو القلم، يسمى: المسطر، والمزبر، والزبر: الكتابة، وزبر الأولين، معناه: صحف الأولين، والزبور الذي هو الكتاب المنزل على داود، معناه: المكتوب، فكل ذلك من الزبر الذي هو الكتابة.

والتي في سورة الزخرف هي موضعان، أحدهما: قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف:32]، والثاني: قوله تعالى: وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157]، (الأعراف)؛ أي: (رحمة) الأعراف أيضًا، فإنها كتبت بالتاء في المصحف، وهي قول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ [الأعراف:56]، (روم)؛ أي: (رحمة) روم؛ أي: رحمة سورة الروم، وهي قول الله تعالى: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم:50]، (هود)؛ أي: رحمة هود؛ أي: الرحمة التي جاءت في سورة هود، وهي قول الله تعالى: رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73]، (كاف)؛ أي: رحمة كاف؛ أي: رحمة سورة مريم، وسورة مريم تسمى سورة (كهيعص)، وهو سماها سورة (كاف) للاكتفاء؛ أي: الاستغناء ببعض الكلمة عن سائرها، وقد سبق استعماله للاكتفاء في مواضع من هذا النظم، والتي في سورة مريم هي قول الله تعالى: ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم:2]، (البقرة) كذلك (رحمة) التي في سورة البقرة، فهي كذلك كتبت بالتاء في المصحف، وهي قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ [البقرة:218]، فهي مرسومة في المصحف بالتاء، فهذه هي المواضع التي رسمت فيها بالتاء في المصحف، ويوقف عليها بالتاء عند جمهور القراء، ما عدا ابن كثير، وأبي عمرو بن العلاء، والكسائي، من السبعة، وما عدا يعقوب من بقية العشرة.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [9] 3615 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [6] 3097 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [2] 3086 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [3] 2966 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [1] 2869 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [4] 2869 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [7] 2605 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [10] 2375 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [5] 1733 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [8] 1548 استماع