خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/975"> الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/975?sub=4848"> المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [3]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
فيقول المؤلف رحمه الله: (باب مخارج الحروف)، الباب في اللغة: فُرْجة في ساتر يتوصل بها من داخل إلى خارج وبالعكس، حقيقة في المباني؛ كباب الدار، وحكمًا في المعاني؛ كباب مخارج الحروف، وهو في الاصطلاح: اسم لطائفة من الفن تشترك في بعض الأحكام، وتتميز عن غيرها، وهو يعقد لما يحتاج لبيانه من العلم، فهذا العلم الذي هو علم الأداء من مسائله التي تحتاج إلى عقد باب: مخارج الحروف.
والحروف قد سبق تعريفها، وهو يبحث فيها من أربعة أوجه:
الوجه الأول: المخرج (مخرج الحرف).
والوجه الثاني: الصفة التي يتصف بها الحرف.
والوجه الثالث: الشكل؛ أي: الضبط الذي يكون عليه سكونًا أو حركة.
والوجه الرابع: العوارض الصوتية عند التركيب؛ كالإدغام، والترقيق، وغير ذلك من العوارض الصوتية.
فمن أتقن هذه الأمور الأربعة- كلٌّ على حدة- استطاع أداء الحرف على وجهه الصحيح، ومن عرف بعضها دون بعض لابد أن يدخل عليه الخلل والخطأ من جهة ما جهل منها؛ فلذلك لابد من العناية بهذه الأمور الأربعة، وأولها المخرج -مخرج الحرف- لأنه الذي يميزه عما سواه.
والمخارج: جمع مخرج، وهو مفعل لمكان الخروج، والمفعل في مثل هذا النوع يطلق على المصدر، وعلى الزمان، وعلى المكان، فخرج فعل بالفتح وهي فعل ثلاثي ومضارعه بالضم (يخرج)، وعلى هذا فالمصدر منه والزمان والمكان بالفتح كما هو معروف في قواعد المفعل، فهو من القاعدة الأولى:
من ذي الثلاثة لا يفعل له ائت بمفـعل لمصدر أو ما فيه قد عملا
من زمان أو مكان؛ فلذلك المفعل من الخروج يأتي للمصدر، ويأتي للزمان، ويأتي للمكان، والمقصود به هنا المكان؛ أي: مكان خروج الحرف، والمقصود بخروجه: تكيفه حتى يستطيع الإنسان سماعه، وإلا فالحرف مخرجه هو -في الأصل- الشعب الهوائية التي في الرئة؛ فهذه هي التي يخرج منها الهواء ويسير في قصبة الهواء، وقصبة الهواء صلبة لا يمكن الضغط على أي: مكان منها، فلا يمكن أن يخرج منها حرف، يمكن أن يخرج منها هواء كالزفير والصفير، لكن لا يمكن أن يخرج منها حرف؛ لأنه لا يمكن الضغط عليها إلا بعامل خارجي يؤثر فيها، فعندما يصل إلى البلعوم يمكن الضغط عليه؛ ولذلك فمواضع المخارج خمسة عند جمهور أهل العلم، وهو الذي اختاره أهل الأداء ومنهم ابن الجزري رحمه الله.
مواضع مخارج الحروف الخمسة هي: الجوف، والمقصود به: تجاويف الحلقوم، ولا يقصد به الجوف بمعنى مكان الطعام من الإنسان؛ لأن هذا لا يدخل إليه الهواء أصلًا، فالهواء إنما هو منبعث من الرئة، ولباطن الإنسان طريقان: إحداهما توصل إلى الرئة إلى الشعب الهوائية، وهي القصبة الهوائية البيضاء، والثاني هو: المريء الذي يصل إلى البطن ويحمل الطعام، وهو وراء القصبة الهوائية، فالكلام هنا في الجوف؛ أي: تجاويف الحلقوم، فإذًا هذا الموضع الأول وهو مخرج واحد للحروف الجوفية، وهي ثلاثة: الألف، والياء، والواو، إذا كانت حروف مد؛ أي: في حال مديتها، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
والموضع الثاني هو: الحلق، وفيه ثلاثة مخارج هي: أقصى الحلق، ووسطه، وآخره.
والموضع الثالث هو: اللسان، وفيه عشرة مخارج كما سيتبين إن شاء الله.
والموضع الرابع: الشفتان، وفيهما كذلك مخرجان كما سيأتي، وبعضهم يجعل أحد مخارج اللسان للشفتين، فيجعلها ثلاثة، والموضع الخامس الخيشوم، وهو مخرج واحد للغنة، فإذًا هذه خمسة مواضع، ومنها تخرج الحروف.
أما المخارج الجزئية؛ أي: ما يتعلق بمواضع خروج الحروف، فقد اختلف أهل العلم في عددها، فذهب بعضهم إلى أنها تسعة وعشرون، فجعلوا لكل حرف مخرجًا يتميز به عن غيره، وستكون حينئذ متقاربة جدًّا؛ لأن من الحروف ما هو متقارب، ومنها ما هو متجانس كما سيأتينا، سنقسم الحروف التي يقع بينها الإدغام والفك إلى: مثلين، ومتجانسين، ومتقاربين، كما سيأتي إن شاء الله.
والقول الثاني يجعل مخارج الحروف سبعة عشر، وهذا مذهب الخليل بن أحمد، وهو الذي اختاره أهل الأداء، وسار عليه ابن الجزري رحمه الله كما هنا.
والقول الثالث مذهب سيبويه أنها ستة عشر بإلغاء مخرج الجوف؛ فيجعل أول المخارج ما كان من الحلق؛ وبذلك يجعل الألف اللينة من آخر الحلق مع الهمزة والهاء، ويجعل الياء والواو المديتين مع الألف والواو اللينتين، وبذلك يلغي مخرجًا، ويلغي موضعًا أيضًا، فيجعل المواضع أربعة، ويجعل المخارج ستة عشر، وهذا الذي سلكه النحويون؛ ولذلك قال المختار بن بونه رحمه الله في احمراره:
لكل حرف مخرج إن سكنا بإثر همز موصل تبينا
فالهمز والها مخرج ذو النطق والألف اللين من أقصى الحلق
فجعل الألف مع الهمزة والهاء من أقصى الحلق، ولم يذكر الجوف.
والقول الرابع هو اختيار الفراء، وهو جعل المخارج أربعة عشر فقط، وقد قسم المخارج التي في اللسان، فجعل المتقارب منها مخرجًا واحدًا، فما كان متقاربًا من مخارج اللسان جعله مخرجًا واحدًا، والمأخوذ به والذي سار عليه ابن الجزري هو مذهب الخليل بن أحمد، وهو جعل المخارج سبعة عشر، والحروف: جمع حرف، وهو في اللغة: طرف الشيء، ومنه قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ [الحج:11]؛ أي: على طرف اعتقاد، على طرف قناعة، ويطلق على الضامر من الحيوان، ومنه قول كعب بن زهير:
حرف أبوها أخوها من مهجنة وعمها خالها قوداء شمليل
ويطلق على أعلى الجبل؛ لأن أسفل الجبل ينتشر، ثم لا يزال يخف إلى أن يوصل إلى أعلاه.
الحروف الأصلية
الحروف تنقسم إلى قسمين: إلى حروف أصلية، وحروف فرعية، فالحروف الأصلية تسعة وعشرون في اللغة العربية، وهذا مما تختلف فيه اللغات، فبعض اللغات تزيد حروفها عن هذا، وبعضها تنقص حروفها عن هذا، وبعض اللغات ليس فيها أحرف وإنما هي جزئياتها كلمات كاللغة الصينية، في واقعها ليس فيها أحرف، المفرد منها هو كلمة فقط؛ ولذلك يركبون الكلمة الواحدة من عدة كلمات (عبد العزيز) عبدول معناه: الملابس باللغة الصينية، آسيس أو آزيز معناه: الماكينة أو الشيء المحرك، فكلمتان تتألف منهما كلمة واحدة وهي (عبد العزيز) يكتبونها (ملابس محرك)، وتفسيرها (عبد العزيز).
وحروف اللغة العربية الأصلية هي هذه الحروف: الألف، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والخاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والعين، والغين، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والياء، والهمزة، والهمزة ليس لها صورة في أصل كتابة العرب، وإنما تكتب على الألف، أو على الواو أو على الياء، وإذا لم تكتب على واحد من هذه الحروف سميت محذوفة، الهمزة المحذوفة: معناها التي ليس لها كتابة على الألف، أو على الواو، أو على الياء، وقد اصطلح المتأخرون على وضع نبرة هي بمثابة رأس الباء أو التاء من غير نقط، يجعلون عليها الهمزة في بعض الأحيان إذا كانت محذوفة، كما إذا كانت وراء الساكن، (شيئًا) مثلًا، الهمزة هنا وراء ساكن، وهي محذوفة في اصطلاح أهل الرسم، ولا تكتب على (شيء) وإنما تكتب على نبرة أو على السطر، وإذا وقعت مخالفة لذلك في رسم المصحف بينوه، كما قال صاحب الرسم:
واحذف ورا السكن تنوء بالألف
(واحذف ورا السكن) هذه قاعدة، أن الهمزة وراء الساكن تحذف؛ أي: لا تكتب على ألف، ولا على واو، ولا على ياء، وما خالف ذلك منه (تنوء) مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] تكتب على الألف، وهذا مخالف للقاعدة التي سبقت.
الحروف الفرعية
والحروف الفرعية هي في الواقع تغير يعرض للحرف ينقله عن أصله، وذلك التغير راجع إلى المخرج لا إلى الصفة على الراجح، وفروع الحروف تنقسم إلى قسمين: إلى فروع مستحسنة، وفروع مستقبحة، فالفروع المستحسنة فصيحة في اللغة، والفروع المستقبحة غير فصيحة، أما الفروع المستحسنة فهي التي جاءت في القرآن، والفروع المستقبحة لم يأت فيه منها شيء؛ لأنها غير فصيحة، والقرآن كل ما فيه من فصيح اللغة، وقد بين المختار بن بونه رحمه الله الفرق بين المستحسن والمستقبح من فروع الحروف في قوله:
واستحسنت لها فروع فاعلم كالألف الممال والمفخم
وهمزنا المسهل المعلوم والغنة التي من الخيشوم
إلى آخر ما ساق، ثم ذكر بعد ذلك فصلًا للفروع المستقبحة.
الهمزة المسهلة
الفروع المستحسنة في القرآن منها سبعة:
الأول: الهمزة المسهلة، فهي إذا كانت مفتوحة بين الهمزة والألف، وإذا كانت مضمومة بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورة بين الهمزة والياء، فتخرج من بين المخرجين وتتصف بالاندماج؛ فاندمج فيها حرفان؛ فلذلك كانت بينهما، وتسهيل الهمزة إنما هو بسبب شدتها على النطق وصعوبة النطق بها، كما قال ابن بري رحمه الله:
والهمز في النطق به تكلف فسهلوه تارة وحذفوا
وأبدلوه حرف مد محضا ونقلوه للسكون رفضا
والتسهيل آت في كل القراءات، لكنها تختلف في الإكثار منه والتقليل، فأكثر ورود التسهيل إنما هو في قراءة حمزة، فإنه يكثر التسهيل في قراءته؛ لأنه يسهل للوقف، إذا كان الوقف على آخر الكلمة وفيها همزة يسهل تلك الهمزة من أجل الوقف دائمًا؛ فلذلك كثر التسهيل في قراءة حمزة، وأيضًا قراءة نافع فيها تسهيل كثير، وبالأخص في رواية ورش، وفي رواية قالون إذ كان التسهيل لهمزة مفتوحة كثيرًا ما يكون سببًا أيضًا للإتيان بألف الإدخال، (آاشهدوا خلقهم) فيؤتى بألف الإدخال لـقالون، وهو أيضًا عند غير قالون، عند هشام عن ابن عامر ألف الإدخال وغيره، ومن القراء من يأتي به مع المحققة أيضًا، يأتي بألف الإدخال مع الهمزة المحققة، ومنهم من يقلل منه، ورواية حفص عن عاصم ليس فيها تسهيل إلا لهمزة واحدة، وهي الهمزة الأولى من قول الله تعالى: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت:44] في سورة فصلت، فالهمزة الأولى مسهلة لـحفص عن عاصم، ولا تسهيل له فيما سواها؛ ولذلك انتشرت قراءة حفص عن عاصم في مشارق الأرض ومغاربها، وكثر القارئون بها لسهولتها، فليس فيها ممال إلا ألف واحدة وهي: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41]، وليس فيها تسهيل إلا واحد كما ذكرنا في همزة فصلت، وليس فيها كذلك إشمام إلا واحد في نون تَأْمَنَّا [يوسف:11]، فلسهولتها انتشرت وكثرت القراءة بها، وكثرت المصاحف المطبوعة بها.
الصاد المشمّة زاياً
وبعد الهمزة الفرع الثاني من فروع الحروف (الصاد المشمة زايًا)، الصاد التي فيها صوت الزاي، وذلك في قراءة حمزة: (اهدنا الزراط المستقيم زراط الذين أنعمت عليهم) (ومن أزدق من الله حديثا) فهذه الصاد مشمة بصوت الزاي، فهي فرع عن الصاد غير المشمة.
الألف المفخمة
والفرع الثالث من فروع الحروف: (الألف المفخمة)؛ فالألف إذا كانت مدًّا لحرف مفخم، فإنها تفخم تبعًا لذلك الحرف، سواء كان الحرف مفخمًا بأصله كحروف الاستعلاء، فهي مفخمة في الأصل، أو كان التفخيم عارضًا فيه كَلَامِ الجلالة -مثلًا- إذا كانت بعد ضم أو فتح فإنها تفخم؛ (وقال الله) (عبد الله) فاللام هنا تفخم بعد الفتح والضم، والألف التي بعدها تفخم تبعًا لها، وكذلك إذا كان التفخيم في غير لام الجلالة لـورش، وهو تفخيم اللام المفتوحة بعد الصاد والطاء والظاء إذا فتحن أو سكن.
غلظ ورش فتحة اللام يلي طاء وظاء ولصاد مهمل
وذلك في حال فتحهن أو سكونهن، فإذا جاءت الألف بعد اللام المفخمة لـورش فإنها تأخذ حكمها، (وما ربك بظلام للعبيد) وكذلك (الصلاة) (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فالألف هنا مفخمة لـورش تبعًا للام التي قبلها.
الياء المشمة بصوت الواو
والفرع الرابع هو (الياء المشمة بصوت الواو)، وذلك في مثل: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك:27] سِيءَ بِهِمْ [هود:77]، قِيلَ يَا نُوحُ [هود:48]، وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [هود:44]، فهذه الكلمات فيها ياء ولكن تلك الياء تشم بصوت الواو، فيكون فيها جزء من الواوية؛ وبذلك تكون فرعًا عن الياء الأصلية، وذلك أن الفعل المبني للنائب من هذا النوع يجوز فيه في اللغة النطق به بالياء وبالواو، ويتركب منهما لغة ثالثة وهي (الإشمام)، فتقول:
حوكت على نيرين إذ تحاك تختبط الشوك ولا تشاك
(حوكت)، ويجوز أن تقول: (حيكت)، (قول) و(قيل)، (غيض) و(غوض)، يجوز كل ذلك في اللغة، ومن هاتين اللغتين تولد لغة الإشمام، والأصل الياء، فيكون فيها صوت الواو تشم به، فالياء المشمة واوًا في هذا النوع هي فرع عن الياء الخالصة، وكثير من الناس إذا قرأ بقراءة نافع لا يتقن الإشمام، فيجعله واوًا ممدودة بياء، كثير من الناس يقول: (سويئت) (سويء بهم) وهذا غلط تمامًا في القراءة، فقد جعل السين ساكنة، وجعل بعدها واوًا مكسورة ممدودة بياء، وهذا لحن، لا يمكن أن يستقيم؛ فإنما ينطق بالسين مكسورة ممدودة بالياء، والياء مشمة بشيء من صوت الواو، فيقال: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك:27]، سِيءَ بِهِمْ [هود:77]، فالسين مكسورة على كل حال، والياء التي بعدها هي المشمة بصوت الواو.
اللام المفخمة
الخامس من الحروف الفرعية (اللام المفخمة)، فاللام المفخمة كاللام في اسم الجلالة بعد الفتح أو الضم، وكاللام المفخمة لـورش بعد الصاد أو الطاء أو الظاء إذا فتحنا أو سكنا وكانت اللام مفتوحة، هذه اللام فرع عن اللام غير المفخمة، فالأصل عدم التفخيم في الحروف كلها، والتفخيم عارض فيها، لكن من الحروف ما لا يقبل التفخيم أصلًا، ومنها ما يلازم التفخيم، ومنها ما يعرض فيه التفخيم، فما لا يقبل التفخيم أصلًا كالحروف المستفلة ما عدا اللام والراء والألف، ثلاثة حروف من الحروف المستفلة هي التي يعرض فيها التفخيم، والحروف المستعلية كلها مفخمة في الأصل، فحروف الاستعلاء مفخمة في الأصل، وحروف الاستفال مرققة غير مفخمة، واللام والراء والألف هذه الثلاثة يعرض فيها التفخيم، والغريب أن أهل بلادنا هذه في بعض المناطق يفخمون الميم أيضًا، فأعرف أن بعض المناطق إذا قالوا: (اللامية) قالوا: (اللامية) بتفخيم الميم، وهذا عجب جدًا، كيف يفخمون الميم ولا تقبل التفخيم أصلًا! الميم غير قابلة للتفخيم أصلًا!
الألف الممالة
السادس من الحروف الفرعية (الألف الممالة)، وهي ممالة إلى جهة الياء، والإمالة قسمان: إمالة كبرى، وهي إمالة الألف إلى الياء، وإمالة صغرى، وهي: إمالة الفتحة إلى الكسرة، فهذه الإمالة هي فرع عن الفتح؛ ولذلك فإن كثيرًا من أهل اللغة يسمون الإمالة الكسرة والإضجاع، أي يسمونها (الكسرة)، ويسمونها (الإضجاع)، وهي في الأصل ليست من لغة قريش، وإنما هي من لغة تميم ومن جاورهم من بني أسد ومن أهل نجد؛ ولذلك هم الذين يقولون:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر بمنهمر جون الرباب سكوب
(عن بلاد ابن قادر) فهذه لغة بني تميم وبني أسد، وبها قرأ بعض القراء فتواترت، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه الناس يعلمهم القرآن، فإذا كانت لهجتهم تخالف لهجة قريش ينطقون بحرف على هيئة يقرهم على ذلك، وهذا دليل على نزوله كذلك، إذ لو لم ينزل الحرف كذلك لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على النطق به على غير لغته؛ ولذلك أنزل عليه القرآن على سبعة أحرف، ومنها الإمالة فتكون من حرف من هذه الحروف، وليست القراءات السبع اليوم التي هي متواترة إجماعًا بالحروف السبعة، فهذه القراءات يمكن أن تكون ملفقة من بين الحروف، فما يدرينا لعل الحرف الذي فيه الإمالة ليس فيه مثلًا تسهيل الهمزة، وإذا قرأت برواية ورش عن نافع تأتي بالإمالة والتسهيل، فيمكن أن يكون التسهيل في حرف، والإمالة في حرف، وترقيق الراء في حرف، وتفخيم اللام في حرف، فالتلفيق بينها لا حرج فيه؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا القرآن ولا تختلفوا فيه؛ فإن هذا القرآن أنزل علي على سبعة أحرف ).
وهذه الإمالة قسمان: إمالة محضة، وإمالة تقليل، فالإمالة المحضة هي قريبة من الياء، وإمالة التقليل قريبة من الألف، والقارئون برواية ورش عن نافع كثيرًا ما يغلطون أيضًا فيها، وبالأخص رواية أبي يعقوب الأزرق؛ لأن رواية الأصفهاني ليس فيها إمالة أصلًا، كما قال محمد مولود رحمه الله:
ولم تمل حرفًا من القرآن طريق الاصفهاني عن عثمان
فطريق الأصفهاني عن ورش ليس فيها إمالة أصلًا، وطريق أبي يعقوب الأزرق عن ورش هي التي فيها الإمالة، لكن الإمالة التي فيها إمالة تقليل، وليس شيء منها إمالة محضة إلا في كلمة واحدة وهي (طه)، ما سوى ذلك كله إمالة تقليل، سواء كان متفقًا عليه، أو كان مختلفًا فيه، فالمختلف فيه كالتوراة ونحوها مثلًا، والمتفق على إمالته كغير ذلك، لكن الإمالة التي فيها هي إمالة تقليل فقط، ويخطئ فيها كثير من القارئين عندنا، فالقارئ الذي يقرأ مثلًا: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى [الأعلى:1-4]، هذا لم يقرأ بـورش، إنما خلط بين القراءات، خلط بين قراءة حمزة وقراءة نافع من رواية ورش، والخلط بين القراءات في الكلمة الواحدة حرام باتفاق جميع القراء؛ فلذلك لابد أن نعلم أن التقليل لــورش هو أن تقول: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى [الأعلى:1-8]، ويتأكد ذلك عند النطق بالراء المرققة مثل (اليسرى) و(الكبرى)؛ فإن كثيرًا من الناس لا يستطيع لفظها بالتقليل، بل لابد عنده من الإمالة الحقيقية فيها لاجتماع الترقيق والإمالة، الترقيق على الراء، والإمالة في الألف، فلابد من الانتباه لهذا.
النون المخفاة
السابع من الحروف الفرعية النون المخفاة، النون الساكنة أو التنوين في حال الإخفاء؛ فإنها لا يبقى منها إلا جزء من غنتها، وذلك قبل حروف الإخفاء وهي الخمسة عشر، المجموعة في قول الشاعر:
ألا أخفين النون من قبل أحرف أوائل هذا البيت خمس مع العشر
ترى جار دعد قد ثوى زيد في ضنًى كما ذاق طير صيد سوء شبا ظفر
فهذه خمسة عشر حرفًا تخفى عندها النون الساكنة والتنوين؛ فتكون النون المخفاة التي لم يبق منها إلا غنتها (كنتم) فأنت لم تنطق بالنون، لم تحققها في المخرج، فإذا قلت: (كنتم) فقد لحنت، فتبقى منها الغنة، فتقول: (كنتم)، فالنون في الواقع ما خرجت من مخرجها، وإنما خرجت الغنة فقط، فهذا الإخفاء، فالنون حينئذ حرف فرعي، وأصلها النون غير المخفاة؛ بهذا نكون قد عرفنا الحروف، وعرفنا مواضع المخارج، ويبقى بيان أجزاء الفم التي هي مَحَالُّ المخارج.
الحروف تنقسم إلى قسمين: إلى حروف أصلية، وحروف فرعية، فالحروف الأصلية تسعة وعشرون في اللغة العربية، وهذا مما تختلف فيه اللغات، فبعض اللغات تزيد حروفها عن هذا، وبعضها تنقص حروفها عن هذا، وبعض اللغات ليس فيها أحرف وإنما هي جزئياتها كلمات كاللغة الصينية، في واقعها ليس فيها أحرف، المفرد منها هو كلمة فقط؛ ولذلك يركبون الكلمة الواحدة من عدة كلمات (عبد العزيز) عبدول معناه: الملابس باللغة الصينية، آسيس أو آزيز معناه: الماكينة أو الشيء المحرك، فكلمتان تتألف منهما كلمة واحدة وهي (عبد العزيز) يكتبونها (ملابس محرك)، وتفسيرها (عبد العزيز).
وحروف اللغة العربية الأصلية هي هذه الحروف: الألف، والباء، والتاء، والثاء، والجيم، والحاء، والخاء، والدال، والذال، والراء، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والعين، والغين، والفاء، والقاف، والكاف، واللام، والميم، والنون، والهاء، والواو، والياء، والهمزة، والهمزة ليس لها صورة في أصل كتابة العرب، وإنما تكتب على الألف، أو على الواو أو على الياء، وإذا لم تكتب على واحد من هذه الحروف سميت محذوفة، الهمزة المحذوفة: معناها التي ليس لها كتابة على الألف، أو على الواو، أو على الياء، وقد اصطلح المتأخرون على وضع نبرة هي بمثابة رأس الباء أو التاء من غير نقط، يجعلون عليها الهمزة في بعض الأحيان إذا كانت محذوفة، كما إذا كانت وراء الساكن، (شيئًا) مثلًا، الهمزة هنا وراء ساكن، وهي محذوفة في اصطلاح أهل الرسم، ولا تكتب على (شيء) وإنما تكتب على نبرة أو على السطر، وإذا وقعت مخالفة لذلك في رسم المصحف بينوه، كما قال صاحب الرسم:
واحذف ورا السكن تنوء بالألف
(واحذف ورا السكن) هذه قاعدة، أن الهمزة وراء الساكن تحذف؛ أي: لا تكتب على ألف، ولا على واو، ولا على ياء، وما خالف ذلك منه (تنوء) مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] تكتب على الألف، وهذا مخالف للقاعدة التي سبقت.
والحروف الفرعية هي في الواقع تغير يعرض للحرف ينقله عن أصله، وذلك التغير راجع إلى المخرج لا إلى الصفة على الراجح، وفروع الحروف تنقسم إلى قسمين: إلى فروع مستحسنة، وفروع مستقبحة، فالفروع المستحسنة فصيحة في اللغة، والفروع المستقبحة غير فصيحة، أما الفروع المستحسنة فهي التي جاءت في القرآن، والفروع المستقبحة لم يأت فيه منها شيء؛ لأنها غير فصيحة، والقرآن كل ما فيه من فصيح اللغة، وقد بين المختار بن بونه رحمه الله الفرق بين المستحسن والمستقبح من فروع الحروف في قوله:
واستحسنت لها فروع فاعلم كالألف الممال والمفخم
وهمزنا المسهل المعلوم والغنة التي من الخيشوم
إلى آخر ما ساق، ثم ذكر بعد ذلك فصلًا للفروع المستقبحة.
الفروع المستحسنة في القرآن منها سبعة:
الأول: الهمزة المسهلة، فهي إذا كانت مفتوحة بين الهمزة والألف، وإذا كانت مضمومة بين الهمزة والواو، وإذا كانت مكسورة بين الهمزة والياء، فتخرج من بين المخرجين وتتصف بالاندماج؛ فاندمج فيها حرفان؛ فلذلك كانت بينهما، وتسهيل الهمزة إنما هو بسبب شدتها على النطق وصعوبة النطق بها، كما قال ابن بري رحمه الله:
والهمز في النطق به تكلف فسهلوه تارة وحذفوا
وأبدلوه حرف مد محضا ونقلوه للسكون رفضا
والتسهيل آت في كل القراءات، لكنها تختلف في الإكثار منه والتقليل، فأكثر ورود التسهيل إنما هو في قراءة حمزة، فإنه يكثر التسهيل في قراءته؛ لأنه يسهل للوقف، إذا كان الوقف على آخر الكلمة وفيها همزة يسهل تلك الهمزة من أجل الوقف دائمًا؛ فلذلك كثر التسهيل في قراءة حمزة، وأيضًا قراءة نافع فيها تسهيل كثير، وبالأخص في رواية ورش، وفي رواية قالون إذ كان التسهيل لهمزة مفتوحة كثيرًا ما يكون سببًا أيضًا للإتيان بألف الإدخال، (آاشهدوا خلقهم) فيؤتى بألف الإدخال لـقالون، وهو أيضًا عند غير قالون، عند هشام عن ابن عامر ألف الإدخال وغيره، ومن القراء من يأتي به مع المحققة أيضًا، يأتي بألف الإدخال مع الهمزة المحققة، ومنهم من يقلل منه، ورواية حفص عن عاصم ليس فيها تسهيل إلا لهمزة واحدة، وهي الهمزة الأولى من قول الله تعالى: أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ [فصلت:44] في سورة فصلت، فالهمزة الأولى مسهلة لـحفص عن عاصم، ولا تسهيل له فيما سواها؛ ولذلك انتشرت قراءة حفص عن عاصم في مشارق الأرض ومغاربها، وكثر القارئون بها لسهولتها، فليس فيها ممال إلا ألف واحدة وهي: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41]، وليس فيها تسهيل إلا واحد كما ذكرنا في همزة فصلت، وليس فيها كذلك إشمام إلا واحد في نون تَأْمَنَّا [يوسف:11]، فلسهولتها انتشرت وكثرت القراءة بها، وكثرت المصاحف المطبوعة بها.
وبعد الهمزة الفرع الثاني من فروع الحروف (الصاد المشمة زايًا)، الصاد التي فيها صوت الزاي، وذلك في قراءة حمزة: (اهدنا الزراط المستقيم زراط الذين أنعمت عليهم) (ومن أزدق من الله حديثا) فهذه الصاد مشمة بصوت الزاي، فهي فرع عن الصاد غير المشمة.
والفرع الثالث من فروع الحروف: (الألف المفخمة)؛ فالألف إذا كانت مدًّا لحرف مفخم، فإنها تفخم تبعًا لذلك الحرف، سواء كان الحرف مفخمًا بأصله كحروف الاستعلاء، فهي مفخمة في الأصل، أو كان التفخيم عارضًا فيه كَلَامِ الجلالة -مثلًا- إذا كانت بعد ضم أو فتح فإنها تفخم؛ (وقال الله) (عبد الله) فاللام هنا تفخم بعد الفتح والضم، والألف التي بعدها تفخم تبعًا لها، وكذلك إذا كان التفخيم في غير لام الجلالة لـورش، وهو تفخيم اللام المفتوحة بعد الصاد والطاء والظاء إذا فتحن أو سكن.
غلظ ورش فتحة اللام يلي طاء وظاء ولصاد مهمل
وذلك في حال فتحهن أو سكونهن، فإذا جاءت الألف بعد اللام المفخمة لـورش فإنها تأخذ حكمها، (وما ربك بظلام للعبيد) وكذلك (الصلاة) (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فالألف هنا مفخمة لـورش تبعًا للام التي قبلها.