شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [7]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

يقول المؤلف رحمه الله: (باب الراءات) عقد هذا الباب لصفة عارضة وهي الترقيق الذي تتصف به الراء، فقد سبق أن التغليظ صفة لكل الحروف المستعلية، وأن الترقيق صفة لكل الحروف المستفلة، وأن التغليظ يعرض في ثلاثة من الحروف المستفلة، وهي: الراء، واللام، والألف، فهذه الحروف الثلاثة مستفلة، ومع ذلك يعرض فيها التغليظ، وهذا التغليظ لما كان صفة عارضة لم نذكره، والمؤلف رحمه الله تعالى ذكر ما يتعلق بالراءات، ثم ذكر ما يتعلق باللامات والألفات التي معها، فبدأ بالراءات، فقال:

ورقق الراء إذا ما كسرت

هذه قاعدة، وهي أول قواعد الراء، وهي أن الراء المكسورة مرققة دائمًا، (إذا ما كسرت).

كذاك بعد الكسر حيث سكنت

كذاك القاعدة الثانية: أن الراء الساكنة إذا كانت بعد الكسر، أو بعد الياء، أو بعد الإمالة، فهي مرققة أيضًا، إذا جاءت بعد كسر، أو ياء، أو إمالة، فهي مرققة، فبعد الكسر والياء محل اتفاق بين جميع القراء، وبعد الإمالة لمن يميل، هي مرققة لمن يميل أما من لا يميل فلا إمالة لديه أصلًا، وهذا الذي أشار إليه الشاطبي في الشاطبية رحمه الله، بقوله:

ولا خلف في ترقيقها بعد كسرة إذا سكنت يا صاح للسبعة الملا

والواقع أن هذا لا خلاف فيه في لغة العرب أصلًا، فالراء إذا سكنت بعد كسر أو ياء مرققة لدى جميع العرب.

قال: (كذلك بعد الكسر حيث سكنت)، ويستثنى من هذه القاعدة ما بينه بقوله: (إن لم تكن من قبل حرف استعلا) إلا إذا كانت الراء الساكنة من قبل حرف استعلاء، (أو كانت الكسرة ليست أصلا)، كذلك إذا كانت الكسرة التي قبلها عارضة ليست أصلية، ويعرف العروض بزوالها في بعض الأحيان، ككسرة همزة الوصل؛ لأنك إذا وصلتها بما قبلها سقطت همزة الوصل، وإذا سقطت سقطت الكسرة التي عليها؛ لأن الكسرة تابعة للحرف، فإذا سقط الحرف سقطت، (أو كانت الكسرة ليس أصلًا)؛ أي: ليست أصلية، (والخلف في فرق لكسر يوجد) اختلف في كلمة واحدة من هذه القاعدة، وهي لفظ (فرق) كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63] في سورة الشعراء، موضع واحد في المصحف، الراء فيه ساكنة بعد كسرة، ولكن بعدها حرف مستعل وهو القاف، لكن لما كسر القاف ضعف، فهو وإن كان مستعليًا، إلا أنه ضعف بسبب الكسرة.

خلاف النحاة في سبق الشكل للحرف

وقد اختلف أهل النحو هل الشكل سابق للحرف أو معه أو بعده، فإذا كان الشكل سابقًا لحرفه فقد حيل بين الراء وبين المستعلي بالكسر، فتبقى على ترقيقها، وإذا كان معه فهو يضعفه، وإذا كان بعده فلا داعي للترقيق، فتغلظ حينئذ؛ لأن الشكل لاحق للحرف، وهذا الخلاف أشار ابن مالك إلى بعضه في الألفية في قوله:

نونًا تلي الإعراب أو تنوينا مما تضيف احذف كطور سينا

فقال: (نونًا تلي الإعراب)؛ أي: تلي علامة الإعراب، وعلامة الإعراب قد تكون حركة، وقد تكون سكونًا، وقد تكون حرفًا، وقد تكون حذفًا، والمقصود بذلك: أنها تأتي بعد الحرف الذي عليه حركة الإعراب، (نونًا تلي الإعراب)؛ ولذلك تجدون في الشروح: (نونًا تلي الإعراب)، أو تلي علامة الإعراب، وقد ذكر ابن مالك هذا الخلاف في بيت مستقل، فقال:

الشكل سابق حرفه أو بعده قولان والتحقيق مقترنان

وهذا الخلاف يترتب عليه بعض الأمور في اللغة، منها ما يتعلق بالترقيق، ومنها ما يتعلق بالفك والإدغام، وقد كنت في زمن الصبا نظمت ما يترتب عليه، فقلت:

للأل حذف الواو من يعد اذكرن والفك في طلل دليل الثاني

وللثالث الإعلال في قال الذي كتبت به أقلام كل بنان

فالأول- الذي هو أن الشكل سابق على حرفه- دليله حذف الواو في (يعد)، فهي مضارع (وعد)، فأصلها (يوعد)، فسكنت الواو، وكانت قبلها الفتحة فلزم حذفها، فلو كانت الفتحة قبل الياء فحذفت الواو؛ لأنها وقعت بين عدوتيها، وهما: الكسرة التي بعدها، والياء التي قبلها، فلو كان الشكل لاحقًا لحرفه لحالت الفتحة بين الواو والياء؛ فدل هذا على أن الشكل سابق لحرفه؛ فلذلك يقولون: (وقعت بين عدوتيها؛ فلزم حذفها).

للأل حذف الواو من يعد اذكرن والفك في طلل دليل الثاني

القول الثاني وهو: أن الشكل بعد حرفه، ودليله الفك في (طلل)، فـ(طلل) اجتمع فيه مثلان، ولم يقع فيه إدغام؛ لأن المثلين حيل بينهما بالحركة، بحركة الأول منهما، فالفتحة حالت بين اللامين؛ فلذلك لم يدغم اللام في اللام.

والقول الثالث دليله الإعلال في (قال) و(قام)، فأصلها (قَوَلَ) و(قَوَمَ)، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فوجب قلبه ألفًا، فالتقى ألفان، فلابد أن يحذف أحدهما، وهذا دليل على أن الشكل على الحرف مباشرة لا قبله ولا بعده، لو كانت الفتحة قبل القاف لم تحل أصلًا، فلو قيل: إن الفتحة سابقة على القاف في (قام)، لكانت الفتحة التي على الواو كذلك سابقة، فهي أصلها (قوم) لكانت سابقة عليها فلم يقع سبب للإعلال؛ لأن الفتحة التي على الواو ستكون سابقة عليها؛ وعلى هذا لو كانت أيضًا متأخرة عنها، لو كانت الفتحة التي على الواو بعدها لسكنت ونقلت الواو عن مكانها، ولم يقع الإعلال أيضًا في الألف الثانية للحيلولة بينهما؛ لأن الحركة ستنقل إلى الألف الثانية فتتحرك، وحينئذ ستعل إلى حرف آخر؛ فدل هذا على أن الشكل على الحرف نفسه لا قبله ولا بعده، وهذا هو الذي اختاره ابن مالك في قوله: (والتحقيق مقترنان).

وعلى هذا؛ فحركة القاف في (فرق): كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]، وهي كسرة، إذا كانت قبل القاف فستحول بينها وبين الراء؛ فتبقى الراء على ترقيقها، وإذا كانت بعد القاف، فتفخم الراء، فيقال: (كل فرق كالطود العظيم) وبهما قرئ، فهما محل خلاف، وهذا الخلاف الذي أشار إليه بقوله: (والخلف في فرق لكسر يوجد)؛ أي: للكسرة التي على القاف، (وأخف تكريرًا إذا تشدد)، يقول: إن الراء متصفة بصفة التكرير كما سبق، وهذه الصفة لا ينبغي المبالغة فيها؛ لأنها تقتضي زيادة الحرف بحروف أخرى، فإذا قال الإنسان: الله أكبرررررر، فسيأتي بكثير من الراءات السواكن؛ لأن التكرير هو ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف، وهذا الارتعاد يتألف منه حرف الراء؛ لأنه ارتعاد في المخرج، فهو ضغط متكرر؛ فلذلك لابد من إخفائه عند تشديد الراء، (فر) و(كر) ونحوها، سواء كان تشديد الراء في آخر الكلمة، أو كان في وسطها، أو كان في أولها أيضًا، ولا يكون إلا بعد همزة الوصل، الذي في الأول لا يكون إلا بعد همزة الوصل؛ لأن التشديد معناه أن الحرف الأول ساكن، وقد أدغم في الذي بعده وهو محرك؛ فيقتضي ذلك اجتلاب ما يتوصل به إلى الساكن، وهو إما همزة الوصل، أو نحوها، فاجتلاب همزة الوصل للنطق بالراء الساكنة، مثل: (ارجع)، (ارجعوا)، واجتلاب حرف آخر للاتصال بالراء الساكنة، مثل: (ترمس)، فهي أصلها (رمس)، فالراء هي فاء الكلمة، ولكنها سكنت، فاحتيج إلى حرف يتوصل به إلى النطق بالساكن، فاختيرت التاء لسهولتها، فقيل: (ترمس)، وهي الحرف الوحيد الذي يتوصل به للنطق بالساكن ما عدا همزة الوصل ولذلك يقول الددو في لغز له:

أيا من حوى علم اللغات بأسره وترمس كتب النحو طرًا بصدره

أبن حرف وصل غير همز لسائل وإن لم تكن تدري جوابي فادره

فهو في البيت الذي قبل هذا؛ لأنه قال: (وترمس كتب النحو طرًا بصدره):

أبن حرف وصل غير همز لسائل وإن لم تكن تدري جوابي فادره

أحوال الراء من حيث السكون والحركة

الراء لها حالان: إما أن تكون متحركة، وإما أن تكون ساكنة، فالمتحركة أمرها بسيط؛ لأن لها حكمين فقط: التفخيم والترقيق، فالتفخيم إذا كانت مفتوحة أو مضمومة: (رَبنا)، (رُزقنا)، فهذه محركة بفتح أو ضم، فهي مفخمة، والحكم الثاني هو الترقيق، وذلك إذا كانت مكسورة (رجال): رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ [النور:37]، (رحلة): رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ [قريش:2]، فهذه الراء مكسورة، وهي مرققة هنا.

أما الصورة الثانية، فهي السكون، فإذا سكنت الراء فلها حينئذ حالان؛ لأن السكون إما أن يكون أصليًّا وإما أن يكون عارضًا، فإن كان السكون أصليًّا فلها حالان أيضًا، الحال الأولى: إذا كان قبلها فتحة أو ضمة، وحينئذ حكمها التفخيم كـ(العرش) (انظر)، فالراء هنا ساكنة وقبلها فتحة أو ضمة؛ فإنها تفخم.

والحالة الثانية: إن كان قبلها كسرة، وحينئذ لها ثلاثة أحكام: الحكم الأول: الترقيق، وذلك إذا كانت الكسرة التي قبلها أصلية لازمة متصلة بها في كلمتها، وكان بعد الراء حرف استفال أو حرف استعلاء وهو منفصل، وذلك مثل: (شرعة): لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، فالراء هنا ساكنة مكسور ما قبلها، وبعدها حرف استفال وهو العين، وهو متصل بها في كلمتها، والكسرة التي قبلها أصلية؛ فحكمها الترقيق، وكذلك: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج:5]، فالراء هنا ساكنة، مكسور ما قبلها كسرة أصلية، وبعدها حرف استعلاء وإطباق وهو الصاد، وهو متصل بها، لكن في غير كلمتها؛ لأنه من كلمة أخرى، (اصبر)، (صبرًا)؛ فترقق الراء هنا الساكنة: (اصبِر).

صور تفخيم الراء

والحال الثاني: التفخيم، وذلك في أربعة صور:

الصورة الأولى: إذا كانت الكسرة التي قبلها عارضة، وكانت متصلة بها (ارجعوا) مثلًا، فهذه الكسرة على همزة الوصل، وهي عارضة؛ ولذلك إذا وصلتها بما قبلها قلت: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]، فإنها ستسقط؛ لأن الحرف الذي عليه الكسرة قد سقط وهو همزة الوصل، فهذه الكسرة العارضة قبلها لا اعتبار لها؛ فتفخم الراء، فيقال: (ارجعون) إذا ابتدأت، وتقول: (ارجعوا).

الصورة الثانية: إذا كانت عارضة وكانت منفصلة؛ أي: في كلمة أخرى: (إن ارتبتم) فالكسرة هنا على النون، وهي عارضة بسبب التقاء الساكنين، فالنون ساكنة في الأصل، (إنْ) والراء ساكنة بعدها، وإنما يتوصل إلى النطق بها بهمزة الوصل، وإذا كان ذلك في درج الكلام فستسقط الهمزة؛ وحينئذ يلتقي ساكنان، وهما: النون، والراء، فتكسر النون كسرة عارضة لالتقاء الساكنين، وهذه الكسرة العارضة منفصلة؛ لأنها في كلمة أخرى وهي (إن) فتفخم الراء في هذا الموضع، فيقال: إِنِ ارْتَبْتُمْ [المائدة:106].

الصورة الثالثة: إذا كانت الكسرة أصلية وكانت منفصلة: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]، (رب) الباء مكسورة كسرة أصلية، وهي منفصلة؛ لأنها في كلمة أخرى؛ فلذلك تفخم الراء هنا، فيقال: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]، ولا يقال: (رب ارجعون)، وكذلك الصورة الرابعة: إذا كانت الكسرة أصلية وكانت متصلة، لكن كان بعد الراء حرف استعلاء وهو متصل بها، كـ(قرطاس)، فالكسرة التي قبل الراء أصلية التي هي على القاف، وهي متصلة بها في كلمتها، وبعد الراء حرف استعلاء وهو الطاء، فإن الراء تفخم لمكان حرف الاستعلاء الذي بعدها، فيقال: (قرطاس)، وكذلك: (مرصاد): إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ [الفجر:14]، والحكم الثالث هو: جواز الأمرين، أو الرواية بهما معًا، وذلك في راء: كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63] في موضع واحد وهو في سورة الشعراء، والمأخوذ به الترقيق فهو أرجح؛ لتغليب الكسرة على الاستعلاء.

حال سكون الراء

أما الحال الثاني من أحوال سكون الراء، فهو إذا كان سكونها عارضًا بسبب الوقف، إذا وقف عليها، فحينئذ لها ثلاثة أحكام، الحكم الأول: التفخيم، وذلك في خمسة مواضع:

الموضع الأول: إذا كان قبلها فتحة، (صَبَرْ) فإنك تقف على الراء بالسكون، فيجب تفخيمها، وكذلك (البصر)، (الكبر)، كلها تفخم الراء فيها، في حال السكون بالوقف، وكذلك إذا كان قبلها ضمة (العمر)، (اليسر)، (النذر)، فإنك تقف عليها بالسكون وتفخمها، وكذلك إذا كان قبلها ألف غير ممال، فتقول: (الأبصار)، (الأبرار)، (النار)، ونحوها، فتقف عليها بالتفخيم إذا كانت الألف التي قبلها غير ممالة، وإذا أميلت الألف فلا يمكن إلا الترقيق: (النار)، (الأبرار)، (الفجار)، فترقق حينئذ في حال الإمالة، الحالة الرابعة: إذا كان قبلها واو مدية، فإنها تفخم كــ(الأمور)، و(الذكور)، و(القبور)، والصورة الخامسة: إذا كان قبلها ساكن صحيح، وقبل الساكن فتح أو ضم، فإنها تفخم، فتقول: (اليسر)، (الفجر)، فتفخم الراء.

والحكم الثاني هو: الترقيق، وذلك في ثلاث صور: الصورة الأولى، إذا كان قبلها كسرة: (ناصر)، (قدِر)، (يقدِر)، فلا خلاف بين القراء في ترقيقها في هذا الموضع، والصورة الثانية: إذا كان قبلها ياء ساكنة من: (خير)، (ضير)، (قدير)، (بصير)؛ فإنها أيضًا مرققة بالاتفاق، الصورة الثالثة: إذا كان قبلها حرف ساكن مستفل وقبله كسر؛ فترقق أيضًا بالاتفاق (الذكر)، (الشعر): وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ [يس:69]، لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ [البقرة:68]؛ فإنها ترقق باتفاق جميع القراء لمكان الكسرة التي قبلها، فالساكن حاجز غير حصين، الساكن الذي يفصلها عن الكسرة التي قبلها حاجز غير حصين، والصورة الثالثة: هي جواز الأمرين، وذلك في كلمتين فقط، في لفظ: (مصر)، وفي لفظ: (القطر)، وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ:12]، فلفظ (مصر) بغير التنوين؛ أي: اسم البلد، بخلاف المنونة، فهي (مصرٌ) اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [البقرة:61]، فهذه المنونة لا يقصد بها مصر التي هي البلد، بل يقصد أي: مصر من الأمصار، فمصر التي هي بلد من البلدان هذا علمه، وهي غير مصروفة، فالوقف عليها يقال: لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]، يجوز فيها الترقيق والتفخيم، يجوز أن تقول: (ولي ملك مِصرْ)، ويجوز أن تقول: (ولي ملك مِصِرْ)، يجوز فيها الوجهان، وكذلك: وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ:12]، يجوز فيها الترقيق (القطر)، ويجوز التفخيم (القِطرْ)، والراجح في مصر التفخيم، وفي (القطر) الترقيق، فبهذا نكون قد أتينا على أحكام الراء، ولا يبقى منها إلا ما يتعلق بترقيقها للإمالة لسبب عارض وهو الإمالة، وكذلك ترقيقها لـورش في المواضع التي يرققها فيها.

وأشير إلى نقاط:

الأولى: الطاء أشد من الصاد؛ فالصاد ليس فيها من الصفات المنفردة إلا الصفير، والطاء كل صفاتها قوية.

الثانية: بالنسبة لغير ورش فعلى ما سبق، فالراء محركة وقبلها ساكن؛ فهي على التفخيم دائمًا.

الثالثة: في (ارجعون) الكسرة التي على همزة الوصل هي العارضة، أما إذا وصلتها، فقلت: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] فالكسرة أصلية، وهي التي على الباء، الباء هنا هي آخر الاسم، وهو مضاف إلى ياء المتكلم، والمضاف إلى ياء المتكلم يكسر آخره دائمًا.

آخر ما يضاف لليا كسر إذا لم يك معتلا كرام وقذى

أو يك كابنين وزيدين فذي جميعها اليا بعد فتحها احتذي

فلذلك لابد أن يكسر ما قبل ياء المتكلم إن نطق بها ياءً، إلا إذا قلبت ألفًا، وإذا قلبت ألفًا فللاسم معها خمس حالات: إما أن يقال: (يا رب)، أو (يا ربي)، أو (يا ربَّ)، أو (يا ربا)، أو (يا ربيَ)، فهذه خمسات لغات للعرب في المضاف إلى ياء المتكلم، وهي التي ذكرها ابن مالك في قوله:

اجعل مضافًا صح إن يضف ليا كعبد عبدي عبدِ عبدا عبديا

وقد اختلف أهل النحو هل الشكل سابق للحرف أو معه أو بعده، فإذا كان الشكل سابقًا لحرفه فقد حيل بين الراء وبين المستعلي بالكسر، فتبقى على ترقيقها، وإذا كان معه فهو يضعفه، وإذا كان بعده فلا داعي للترقيق، فتغلظ حينئذ؛ لأن الشكل لاحق للحرف، وهذا الخلاف أشار ابن مالك إلى بعضه في الألفية في قوله:

نونًا تلي الإعراب أو تنوينا مما تضيف احذف كطور سينا

فقال: (نونًا تلي الإعراب)؛ أي: تلي علامة الإعراب، وعلامة الإعراب قد تكون حركة، وقد تكون سكونًا، وقد تكون حرفًا، وقد تكون حذفًا، والمقصود بذلك: أنها تأتي بعد الحرف الذي عليه حركة الإعراب، (نونًا تلي الإعراب)؛ ولذلك تجدون في الشروح: (نونًا تلي الإعراب)، أو تلي علامة الإعراب، وقد ذكر ابن مالك هذا الخلاف في بيت مستقل، فقال:

الشكل سابق حرفه أو بعده قولان والتحقيق مقترنان

وهذا الخلاف يترتب عليه بعض الأمور في اللغة، منها ما يتعلق بالترقيق، ومنها ما يتعلق بالفك والإدغام، وقد كنت في زمن الصبا نظمت ما يترتب عليه، فقلت:

للأل حذف الواو من يعد اذكرن والفك في طلل دليل الثاني

وللثالث الإعلال في قال الذي كتبت به أقلام كل بنان

فالأول- الذي هو أن الشكل سابق على حرفه- دليله حذف الواو في (يعد)، فهي مضارع (وعد)، فأصلها (يوعد)، فسكنت الواو، وكانت قبلها الفتحة فلزم حذفها، فلو كانت الفتحة قبل الياء فحذفت الواو؛ لأنها وقعت بين عدوتيها، وهما: الكسرة التي بعدها، والياء التي قبلها، فلو كان الشكل لاحقًا لحرفه لحالت الفتحة بين الواو والياء؛ فدل هذا على أن الشكل سابق لحرفه؛ فلذلك يقولون: (وقعت بين عدوتيها؛ فلزم حذفها).

للأل حذف الواو من يعد اذكرن والفك في طلل دليل الثاني

القول الثاني وهو: أن الشكل بعد حرفه، ودليله الفك في (طلل)، فـ(طلل) اجتمع فيه مثلان، ولم يقع فيه إدغام؛ لأن المثلين حيل بينهما بالحركة، بحركة الأول منهما، فالفتحة حالت بين اللامين؛ فلذلك لم يدغم اللام في اللام.

والقول الثالث دليله الإعلال في (قال) و(قام)، فأصلها (قَوَلَ) و(قَوَمَ)، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله، فوجب قلبه ألفًا، فالتقى ألفان، فلابد أن يحذف أحدهما، وهذا دليل على أن الشكل على الحرف مباشرة لا قبله ولا بعده، لو كانت الفتحة قبل القاف لم تحل أصلًا، فلو قيل: إن الفتحة سابقة على القاف في (قام)، لكانت الفتحة التي على الواو كذلك سابقة، فهي أصلها (قوم) لكانت سابقة عليها فلم يقع سبب للإعلال؛ لأن الفتحة التي على الواو ستكون سابقة عليها؛ وعلى هذا لو كانت أيضًا متأخرة عنها، لو كانت الفتحة التي على الواو بعدها لسكنت ونقلت الواو عن مكانها، ولم يقع الإعلال أيضًا في الألف الثانية للحيلولة بينهما؛ لأن الحركة ستنقل إلى الألف الثانية فتتحرك، وحينئذ ستعل إلى حرف آخر؛ فدل هذا على أن الشكل على الحرف نفسه لا قبله ولا بعده، وهذا هو الذي اختاره ابن مالك في قوله: (والتحقيق مقترنان).

وعلى هذا؛ فحركة القاف في (فرق): كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]، وهي كسرة، إذا كانت قبل القاف فستحول بينها وبين الراء؛ فتبقى الراء على ترقيقها، وإذا كانت بعد القاف، فتفخم الراء، فيقال: (كل فرق كالطود العظيم) وبهما قرئ، فهما محل خلاف، وهذا الخلاف الذي أشار إليه بقوله: (والخلف في فرق لكسر يوجد)؛ أي: للكسرة التي على القاف، (وأخف تكريرًا إذا تشدد)، يقول: إن الراء متصفة بصفة التكرير كما سبق، وهذه الصفة لا ينبغي المبالغة فيها؛ لأنها تقتضي زيادة الحرف بحروف أخرى، فإذا قال الإنسان: الله أكبرررررر، فسيأتي بكثير من الراءات السواكن؛ لأن التكرير هو ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف، وهذا الارتعاد يتألف منه حرف الراء؛ لأنه ارتعاد في المخرج، فهو ضغط متكرر؛ فلذلك لابد من إخفائه عند تشديد الراء، (فر) و(كر) ونحوها، سواء كان تشديد الراء في آخر الكلمة، أو كان في وسطها، أو كان في أولها أيضًا، ولا يكون إلا بعد همزة الوصل، الذي في الأول لا يكون إلا بعد همزة الوصل؛ لأن التشديد معناه أن الحرف الأول ساكن، وقد أدغم في الذي بعده وهو محرك؛ فيقتضي ذلك اجتلاب ما يتوصل به إلى الساكن، وهو إما همزة الوصل، أو نحوها، فاجتلاب همزة الوصل للنطق بالراء الساكنة، مثل: (ارجع)، (ارجعوا)، واجتلاب حرف آخر للاتصال بالراء الساكنة، مثل: (ترمس)، فهي أصلها (رمس)، فالراء هي فاء الكلمة، ولكنها سكنت، فاحتيج إلى حرف يتوصل به إلى النطق بالساكن، فاختيرت التاء لسهولتها، فقيل: (ترمس)، وهي الحرف الوحيد الذي يتوصل به للنطق بالساكن ما عدا همزة الوصل ولذلك يقول الددو في لغز له:

أيا من حوى علم اللغات بأسره وترمس كتب النحو طرًا بصدره

أبن حرف وصل غير همز لسائل وإن لم تكن تدري جوابي فادره

فهو في البيت الذي قبل هذا؛ لأنه قال: (وترمس كتب النحو طرًا بصدره):

أبن حرف وصل غير همز لسائل وإن لم تكن تدري جوابي فادره

الراء لها حالان: إما أن تكون متحركة، وإما أن تكون ساكنة، فالمتحركة أمرها بسيط؛ لأن لها حكمين فقط: التفخيم والترقيق، فالتفخيم إذا كانت مفتوحة أو مضمومة: (رَبنا)، (رُزقنا)، فهذه محركة بفتح أو ضم، فهي مفخمة، والحكم الثاني هو الترقيق، وذلك إذا كانت مكسورة (رجال): رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ [النور:37]، (رحلة): رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ [قريش:2]، فهذه الراء مكسورة، وهي مرققة هنا.

أما الصورة الثانية، فهي السكون، فإذا سكنت الراء فلها حينئذ حالان؛ لأن السكون إما أن يكون أصليًّا وإما أن يكون عارضًا، فإن كان السكون أصليًّا فلها حالان أيضًا، الحال الأولى: إذا كان قبلها فتحة أو ضمة، وحينئذ حكمها التفخيم كـ(العرش) (انظر)، فالراء هنا ساكنة وقبلها فتحة أو ضمة؛ فإنها تفخم.

والحالة الثانية: إن كان قبلها كسرة، وحينئذ لها ثلاثة أحكام: الحكم الأول: الترقيق، وذلك إذا كانت الكسرة التي قبلها أصلية لازمة متصلة بها في كلمتها، وكان بعد الراء حرف استفال أو حرف استعلاء وهو منفصل، وذلك مثل: (شرعة): لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، فالراء هنا ساكنة مكسور ما قبلها، وبعدها حرف استفال وهو العين، وهو متصل بها في كلمتها، والكسرة التي قبلها أصلية؛ فحكمها الترقيق، وكذلك: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا [المعارج:5]، فالراء هنا ساكنة، مكسور ما قبلها كسرة أصلية، وبعدها حرف استعلاء وإطباق وهو الصاد، وهو متصل بها، لكن في غير كلمتها؛ لأنه من كلمة أخرى، (اصبر)، (صبرًا)؛ فترقق الراء هنا الساكنة: (اصبِر).

والحال الثاني: التفخيم، وذلك في أربعة صور:

الصورة الأولى: إذا كانت الكسرة التي قبلها عارضة، وكانت متصلة بها (ارجعوا) مثلًا، فهذه الكسرة على همزة الوصل، وهي عارضة؛ ولذلك إذا وصلتها بما قبلها قلت: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]، فإنها ستسقط؛ لأن الحرف الذي عليه الكسرة قد سقط وهو همزة الوصل، فهذه الكسرة العارضة قبلها لا اعتبار لها؛ فتفخم الراء، فيقال: (ارجعون) إذا ابتدأت، وتقول: (ارجعوا).

الصورة الثانية: إذا كانت عارضة وكانت منفصلة؛ أي: في كلمة أخرى: (إن ارتبتم) فالكسرة هنا على النون، وهي عارضة بسبب التقاء الساكنين، فالنون ساكنة في الأصل، (إنْ) والراء ساكنة بعدها، وإنما يتوصل إلى النطق بها بهمزة الوصل، وإذا كان ذلك في درج الكلام فستسقط الهمزة؛ وحينئذ يلتقي ساكنان، وهما: النون، والراء، فتكسر النون كسرة عارضة لالتقاء الساكنين، وهذه الكسرة العارضة منفصلة؛ لأنها في كلمة أخرى وهي (إن) فتفخم الراء في هذا الموضع، فيقال: إِنِ ارْتَبْتُمْ [المائدة:106].

الصورة الثالثة: إذا كانت الكسرة أصلية وكانت منفصلة: رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100]، (رب) الباء مكسورة كسرة أصلية، وهي منفصلة؛ لأنها في كلمة أخرى؛ فلذلك تفخم الراء هنا، فيقال: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]، ولا يقال: (رب ارجعون)، وكذلك الصورة الرابعة: إذا كانت الكسرة أصلية وكانت متصلة، لكن كان بعد الراء حرف استعلاء وهو متصل بها، كـ(قرطاس)، فالكسرة التي قبل الراء أصلية التي هي على القاف، وهي متصلة بها في كلمتها، وبعد الراء حرف استعلاء وهو الطاء، فإن الراء تفخم لمكان حرف الاستعلاء الذي بعدها، فيقال: (قرطاس)، وكذلك: (مرصاد): إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ [الفجر:14]، والحكم الثالث هو: جواز الأمرين، أو الرواية بهما معًا، وذلك في راء: كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63] في موضع واحد وهو في سورة الشعراء، والمأخوذ به الترقيق فهو أرجح؛ لتغليب الكسرة على الاستعلاء.

أما الحال الثاني من أحوال سكون الراء، فهو إذا كان سكونها عارضًا بسبب الوقف، إذا وقف عليها، فحينئذ لها ثلاثة أحكام، الحكم الأول: التفخيم، وذلك في خمسة مواضع:

الموضع الأول: إذا كان قبلها فتحة، (صَبَرْ) فإنك تقف على الراء بالسكون، فيجب تفخيمها، وكذلك (البصر)، (الكبر)، كلها تفخم الراء فيها، في حال السكون بالوقف، وكذلك إذا كان قبلها ضمة (العمر)، (اليسر)، (النذر)، فإنك تقف عليها بالسكون وتفخمها، وكذلك إذا كان قبلها ألف غير ممال، فتقول: (الأبصار)، (الأبرار)، (النار)، ونحوها، فتقف عليها بالتفخيم إذا كانت الألف التي قبلها غير ممالة، وإذا أميلت الألف فلا يمكن إلا الترقيق: (النار)، (الأبرار)، (الفجار)، فترقق حينئذ في حال الإمالة، الحالة الرابعة: إذا كان قبلها واو مدية، فإنها تفخم كــ(الأمور)، و(الذكور)، و(القبور)، والصورة الخامسة: إذا كان قبلها ساكن صحيح، وقبل الساكن فتح أو ضم، فإنها تفخم، فتقول: (اليسر)، (الفجر)، فتفخم الراء.

والحكم الثاني هو: الترقيق، وذلك في ثلاث صور: الصورة الأولى، إذا كان قبلها كسرة: (ناصر)، (قدِر)، (يقدِر)، فلا خلاف بين القراء في ترقيقها في هذا الموضع، والصورة الثانية: إذا كان قبلها ياء ساكنة من: (خير)، (ضير)، (قدير)، (بصير)؛ فإنها أيضًا مرققة بالاتفاق، الصورة الثالثة: إذا كان قبلها حرف ساكن مستفل وقبله كسر؛ فترقق أيضًا بالاتفاق (الذكر)، (الشعر): وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ [يس:69]، لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ [البقرة:68]؛ فإنها ترقق باتفاق جميع القراء لمكان الكسرة التي قبلها، فالساكن حاجز غير حصين، الساكن الذي يفصلها عن الكسرة التي قبلها حاجز غير حصين، والصورة الثالثة: هي جواز الأمرين، وذلك في كلمتين فقط، في لفظ: (مصر)، وفي لفظ: (القطر)، وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ:12]، فلفظ (مصر) بغير التنوين؛ أي: اسم البلد، بخلاف المنونة، فهي (مصرٌ) اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ [البقرة:61]، فهذه المنونة لا يقصد بها مصر التي هي البلد، بل يقصد أي: مصر من الأمصار، فمصر التي هي بلد من البلدان هذا علمه، وهي غير مصروفة، فالوقف عليها يقال: لِي مُلْكُ مِصْرَ [الزخرف:51]، يجوز فيها الترقيق والتفخيم، يجوز أن تقول: (ولي ملك مِصرْ)، ويجوز أن تقول: (ولي ملك مِصِرْ)، يجوز فيها الوجهان، وكذلك: وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ:12]، يجوز فيها الترقيق (القطر)، ويجوز التفخيم (القِطرْ)، والراجح في مصر التفخيم، وفي (القطر) الترقيق، فبهذا نكون قد أتينا على أحكام الراء، ولا يبقى منها إلا ما يتعلق بترقيقها للإمالة لسبب عارض وهو الإمالة، وكذلك ترقيقها لـورش في المواضع التي يرققها فيها.

وأشير إلى نقاط:

الأولى: الطاء أشد من الصاد؛ فالصاد ليس فيها من الصفات المنفردة إلا الصفير، والطاء كل صفاتها قوية.

الثانية: بالنسبة لغير ورش فعلى ما سبق، فالراء محركة وقبلها ساكن؛ فهي على التفخيم دائمًا.

الثالثة: في (ارجعون) الكسرة التي على همزة الوصل هي العارضة، أما إذا وصلتها، فقلت: رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99] فالكسرة أصلية، وهي التي على الباء، الباء هنا هي آخر الاسم، وهو مضاف إلى ياء المتكلم، والمضاف إلى ياء المتكلم يكسر آخره دائمًا.

آخر ما يضاف لليا كسر إذا لم يك معتلا كرام وقذى

أو يك كابنين وزيدين فذي جميعها اليا بعد فتحها احتذي

فلذلك لابد أن يكسر ما قبل ياء المتكلم إن نطق بها ياءً، إلا إذا قلبت ألفًا، وإذا قلبت ألفًا فللاسم معها خمس حالات: إما أن يقال: (يا رب)، أو (يا ربي)، أو (يا ربَّ)، أو (يا ربا)، أو (يا ربيَ)، فهذه خمسات لغات للعرب في المضاف إلى ياء المتكلم، وهي التي ذكرها ابن مالك في قوله:

اجعل مضافًا صح إن يضف ليا كعبد عبدي عبدِ عبدا عبديا

بعد هذا يقول المؤلف رحمه الله: (باب التفخيم)؛ أي: ذكر الترقيق في الراء، ويذكر أيضًا التفخيم في اللام، فكان اللازم أن يعقد الباب الأول في الراء للتفخيم، وكذلك يجعل نظيره في اللام؛ لأن الصفة العارضة فيهما هي التغليظ، وقد سبق أن التغليظ هو: تسمين الحرف في المخرج، وهو يسمى تغليظًا وتفخيمًا، لكن الأكثر أن يطلق، على الراءات التفخيم وعلى اللامات التغليظ، هذا الأكثر في الاستعمال، وإلا فيجوز أن يقال: التغليظ في اللام والتفخيم وهكذا.

قال:

وفخم اللام من اسم الله عن فتح او ضم كعبد الله

كــ(عبدُ الله): محكية، يقول: (وفخم اللام من اسم الله) اللام تفخم في موضعين، الموضع الأول: لام اسم الله عز وجل اسم الجلالة، إذا كان بعد فتح: وَقَالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ [النحل:51]، اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255]، فاسم الجلالة هنا بعد فتح، سواء كان متصلًا كفتح الهمزة همزة (أل)، أو كان منفصلًا: (وقال الله) فهي مفخمة، وكذلك إذا كانت بعد ضم: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ [مريم:30]، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ [الجن:19]، (عبد الله) في الموضعين مرفوعة، مضمومة الدال، فاسم الجلالة جاء بعد ضم ففخمت اللام فيه، وهنا لابد من ضم الدال، فهي حكاية للوارد في القرآن وهو: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ [الجن:19]، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ [مريم:30]، وهذا الذي يزول به الإيطاء عن البيت؛ لأن الشطر الأول فيه: (وفخم اللام من اسم الله) (عن فتح أو ضم كعبد الله) فإذا حصل التفخيم زال الإيطاء، وإذا لم يحصل التفخيم كانت الكلمة مكررة في القافيتين فيقع الإيطاء؛ وهو عيب، من عيوب القوافي.

الحال الثاني الذي تفخم فيه اللام مختص بـورش وهو: إذا كانت بعد الصاد أو الطاء أو الظاء مفتوحات، أو مسكنات، وكانت هي مفتوحة أو ساكنة؛ فإنها تفخم، وفتحتها محل اتفاق لـورش بين أبي يعقوب الأزرق والأصفهاني، وتسكينها محل خلاف، فتقول: (الصلاة)، (ظلم)، وهكذا، مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5]، فهذا موضع للتفخيم، وهو مختص برواية ورش عن نافع فقط، قال:

وحرف الاستعلاء فخم واخصصا الاطباق أقوى نحو قال والعصا

أحرف الاستعلاء، وهي التي سبق أن جمعها المؤلف في قوله: (خص ضغط قظ)، فهذه الحروف كلها مفخمة في الأصل، فالتفخيم صفة لازمة فيها، كما أن حروف الاستفال- وهي باقي الحروف- كلها مرققة، ويعرض فيها التفخيم في ثلاثة أحرف فقط وهي: الراء كما سبق، واللام كما سبق، والألف، وذلك إذا كان ما قبلها مفخمًا، فالألف تفخيمها باعتبار ما قبلها، فإن كان قبلها مستعلياً، أو كانت قبلها اللام لام الجلالة مفخمة: لام اسم الله، أو كانت قبلها لام مفخمة (الصلاة)؛ فتفخم الألف تبعًا لما قبلها؛ فلذلك قال: (وحرف الاستعلاء فخم واخصصا الاطباق) أحرف الإطباق الأربعة وهي: الصاد، والضاد، والطاء، والظاء، هذه الأحرف كلها من أحرف الاستعلاء؛ لأن الإطباق والاستعلاء بينهما نسبة العموم والخصوص المطلقين، فكل مطبق مستعل من غير عكس، حروف الإطباق كلها من أحرف الاستعلاء من غير عكس؛ فلذلك أحرف الإطباق منها من أحرف الاستعلاء التفخيم فيها أشد منه في غيرها؛ فلذلك قال:

(واخصصا الاطباق أقوى) حال كونه أقوى؛ أي: حال كون التفخيم فيه أقوى، نحو (قال)، فهذا من أحرف الاستعلاء من غير إطباق، و(العصا) هذا من أحرف الاستعلاء مع الإطباق، فالقاف والصاد كلاهما مفخم، فكلاهما حرف استعلاء لكن التفخيم في الصاد أكبر منه في القاف؛ لأن الصاد حرف استعلاء وحرف إطباق، والقاف حرف استعلاء وليست حرف إطباق.

وبين الإطباق من أحطت مع بسطت والخلف بنخلقكم وقع

يقول: إن الإطباق في حال إدغام الحرف المطبق في حرف غير مطبق، إذا أدغم حرف مطبق في حرف مستفل، فإن صفة الإطباق لابد من إظهارها وإبانتها، وذلك في مثل: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل:22] في سورة النمل، فيبقى من صفة الطاء هذا الإطباق، فالطاء هنا ستبدل تاء؛ لأنها ستدغم فيها والإدغام يقتضي إبدالًا مطلقًا، الحرف إذا أريد إدغامه لابد أن يبدل مماثلًا للحرف الذي يدغم فيه، لكن مع ذلك تبقى رائحة الطاء لتغلب على التاء قبل النطق بها، فيقال: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل:22]، فيبقى منها الاستعلاء يرتفع اللسان عندها.

كذلك: لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي [المائدة:28]، (بسطت)، يبقى معنا الطاء وهو ما يحصل من استعلاء اللسان عند النطق بها، فتقول: (( بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي )).

(والخلف بنخلقكم وقع) اختلف أهل الأداء في قوله تعالى في سورة المرسلات: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [المرسلات:20] فقيل: يلحق حرف الاستعلاء غير المطبق بحرف الإطباق، فالقاف حرف استعلاء، وستدغم في حرف مستفل وهو الكاف، وقيل: يلحق حرف الاستعلاء بالإطباق، فيبقى ذلك الاستعلاء معه، وقيل: يذهب ذلك؛ لأن أحرف الاستعلاء الأخرى غير أحرف الإطباق، التفخيم فيها أضعف كما سبق؛ فلذلك اختلف أهل الأداء هل يقال: (ألم نخلقكم) أو يقال: (ألم نخلقكم) هذا محل خلاف، فإذا راعيت الاستعلاء، فإنك تقول: (ألم نخلقكم)، فتُبقي معنى القاف، تُبقي الاستعلاء الذي فيها، وإذا لم تراعها وخصصت ذلك بأحرف الإطباق، قلت: (ألم نخلقكم) ككل إدغام، والفك لم يرد، لكن اختلف هل يبقى الاستعلاء أو لا، هل يستعلي اللسان عند النطق بها أم لا، وإذا استعلى اللسان لابد أن يسمع شيء من صوت القاف؛ لأن الكاف والقاف من آخر اللسان، مخرجهما متقارب جدًا، فالقاف مستعلية والكاف مستفلة.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [9] 3615 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [6] 3097 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [2] 3086 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [3] 2966 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [1] 2869 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [4] 2869 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [10] 2375 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [11] 2005 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [5] 1733 استماع
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [8] 1548 استماع