خطب ومحاضرات
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [2]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:
أما نسبة هذا علم التجويد إلى غيره من العلوم، فهي نسبة العموم والخصوص الوجهي لاشتراكه مع علوم اللغة في بحث الألفاظ، ولاشتراكه مع علوم الشرع فيما يتعلق بالآداب مع القرآن، نسبته إلى بقية العلوم نسبة العموم والخصوص من وجه، لاشتراكه مع علوم اللغة في بحث الألفاظ ولاشتراكه مع علوم الشرع فيما يتعلق بفضائل القرآن، ولاختصاصه هو ببعض المباحث المختصة به؛ فكانت نسبته إلى غيره من العلوم نسبة العموم والخصوص الوجهي.
وأما المقدمة الخامسة فهي مستمده، ومستمده؛ أي: مأخذه؛ أي: علم أعلى منه يرجع إليه فيه، ومستمد علم التجويد هو الكتاب والسنة، فالكتاب جاء فيه قول الله تعالى: وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]، وجاء فيه قول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، والسنة جاء فيها تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم للقراءة، فلم يكن يهذ القرآن هذًّا، وإنما كان يقرؤه فيقف على رأس كل آية، ولو أراد العاد أن يعد كلماته لعدها، وكان صلى الله عليه وسلم أيضًا يشجع أصحابه على تحسين القراءة به، فقال: ( حسنوا القرآن بأصواتكم )، وقال: ( حسنوا أصواتكم بالقرآن )، وقال: ( من لم يتغن بالقرآن فليس منا )، وقال لـأبي موسى الأشعري: ( لو نظرت إلي وأنا أستمع إليك البارحة، فقال: لو كنت أعلم أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرًا )، وقال فيه: ( لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود )، وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم جاء عنه تعليمهم لبعض أحكام التجويد؛ كما في حديث ابن مسعود أنه: ( قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ [التوبة:60]، فقال: لا، إنما الصدقات للفقراء والمساكين )، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم المد المتصل؛ فلذلك كان المد المتصل واجبًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابن مسعود حتى علمه إياه، ولهذا فإن ابن مسعود كان من أتقن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للقراءة والتجويد، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: ( من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد )، وهو ابن مسعود، وكذلك فقد قال أبو عثمان النهدي رحمه الله، كما في سنن أبي داود وغيره: (صلى بنا ابن مسعود صلاة المغرب، فقرأ بسورة: قل هو الله أحد، ولا والله لقد تمنيت أن كان قرأ بسورة البقرة من حسن قراءته) تمنى أن يكون قرأ بهم بسورة البقرة من حسن قراءته وهو لم يقرأ إلا بسورة قل هو الله أحد.
أما فضله فهو بحسب فائدته، ولا شك أنه من أفضل العلوم؛ لأنه خادم لكتاب الله تعالى، والعلوم كلها خادمة للقرآن وهذا يتعلق بأدائه والنطق به، وهو سابق على تفهمه، فإن البحث في الألفاظ سابق على البحث في دلالاتها.
وأما المقدمة السابعة فهي حكمه، فحكم تعلم هذا العلم يختلف باختلافه، فالتجويد العلمي، وهو تعلم القواعد والضوابط فرض كفاية، يجب على أهل كل بلد أن يكون فيهم من يتعلمه ويشتغل به، وفرض الكفاية عند طائفة من الأصوليين أفضل من فرض العين، كما قال السيوطي رحمه الله في الكوكب الساطع:
فرض الكفاية مهم يقصد ونظر عن فاعل يجرد
وذهب الأستاذ والجويني ونجله يفضل فرض العين
وهو على كل رأى الجمهور والقول بالبعض هو المنصور
فقيل مبهم وقيل عينا وقيل من قام به ووهنا
وبالشروع في الأصح يلزم ومثله سنتها تنقسم
وحكمه من الناحية العملية؛ أي: التجويد العملي، حكمه الوجوب على الأعيان؛ لأن كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى يجب عليه أن يقرأ الفاتحة في الصلاة، ولا يحل له أن يقرأها إلا على الوجه الصحيح، فيجب عليه إذًا التجويد العملي الذي هو إتقان الأداء عمليًا، ونحن قسمنا التجويد إلى قسمين هما: التجويد العلمي والعملي، فالتجويد العلمي هو: معرفة القواعد والضوابط المتعلقة بمخارج الحروف، وصفاتها، والوقف، والابتداء، والوصل، والفصل، والتاءات تاء التأنيث التي تكتب بالتاء، والتجويد العملي هو: إتقان ذلك؛ أي: تطبيق الإنسان لذلك حتى يكون متقنا له.
فحكم ذلك- أي التجويد العملي- أنه واجب ولكنه يتلقى من أفواه الرجال، قد لا يتعلم الإنسان القواعد والضوابط، لكنه يسمع الصوت؛ فيأخذه كما كان؛ ولذلك فإن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم قبل ميلاد حفص الدوري لم يكونوا يتعلمون هذه القواعد، ولكنهم كانوا يؤدون القرآن كما أنزل: وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]، يرتلونه كما بين الله تعالى، وذلك هو التجويد العملي، ومع ذلك سيأتينا في حكمه إن شاء الله أنه تعتريه أحكام الشرع باعتبار درجته هو، فمنه ما هو واجب، ومنه ما هو سنة، ومنه ما هو مندوب، ومنه ما هو مباح، ومنه ما يصل إلى درجة الكراهة، ومنه ما يصل إلى درجة التحريم، وسيعقد المؤلف إن شاء الله تعالى بابا لحكمه نؤخر البحث المستفيض في أحكامه إليه.
والمقدمة الثامنة هي اسمه؛ أي: اسم هذا العلم، وله اسمان مشهوران:
أحدهما: علم الأداء؛ أي: كيف تؤدي القرآن؛ لأنك تحملته حين بلغك عن الله تعالى، فكيف تؤديه؟ فأداؤه هو كيفية النطق به؛ فلذلك سمي هذا العلم: علم الأداء.
والاسم الثاني هو: علم التجويد؛ أي: علم تجويد القرآن.
والمقدمة التاسعة هي: فائدته؛ أي: فائدة هذا العلم، وفائدة هذا العلم هي: أداء القرآن على الوجه الذي يرضي الله تعالى، وتجنب اللحن فيه، فإن اللحن هو ضد التجويد، وهو ينقسم إلى قسمين: إلى لحن جلي، ولحن خفي، فاللحن الجلي حرام كله، وما كان مفسدًا للمعنى منه، فهو مبطل للصلاة إذا كان في الفاتحة إجماعًا، وإذا كان في غيرها على الراجح، وما كان غير مفسد للمعنى فهو حرام قطعًا، اللحن الجلي الذي لا يفسد المعنى حرام، لكن اختلف هل يبطل الصلاة أم لا، واللحن الخفي لا يبطل الصلاة، ولكن من يعرف حكمه يحرم عليه الوقوع فيه، ومن لا يعرفه لا يأثم به، واللحن الجلي هو: ما يتعلق بتغيير أحكام النحو سواء تعلقت بحركات الإعراب، أو بحركات البناء، فحركات الإعراب مثل من يقول: (الحمدَ لله رب العالمين) فهذا لحن جلي، وحركات البناء مثل من يقول: (أنعمتُ عليهم) فهذا في حركات البناء وهو لحن جلي، فاللحن الجلي منه ما يغير المعنى مثل: (أنعمتُ) ومنه ما لا يغيره مثل: (الحمدَ لله) وكلاهما حرام قطعًا، والذي يغير المعنى يبطل الصلاة إجماعًا، والذي لا يغيره فيه خلاف هل يبطل الصلاة أم لا.
أما اللحن الخفي فهو: عدم أداء القرآن على الوجه الصحيح من ناحية المد والقصر، ومن ناحية الإدغام والفك، فالذي لا يدغم فيقول: (أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله) مثلًا، هذا فك للمدغم، وهو لحن لكنه لحن خفي؛ لأن هذا لا يعرفه إلا من كان يعرف هذه القواعد.
والنون ساكنا بلام وبرا أدغم دون غنة وأظهرا
مع أحرف الحلق وميما قلبا حتما إذا ما كان متلوا ببا
فمن لا يعرف هذه القواعد لا يعرف هذا اللحن، ومثله أيضًا ما يتعلق بالمد والقصر، فقصر المد اللازم، سواء كان كلميًّا أو حرفيًّا، أو قصر المد الواجب كالمد المتصل مثلا هذا لحن، لكنه لحن خفي، ومثل ذلك الزيادة في المد الطبيعي، فهي لحن ولكنه لحن خفي، إلا في موضعين:
أحدهما: ما قصد به التعظيم في اسم الله، وهذا الذي يسمى مد التعظيم: (الله أكبر) اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124]، فهذا المد يسمى مد التعظيم، وإن كان في الأصل مدا طبيعيًا لا يزاد على قدر الحركة، لكن مع ذلك إذا قصد به التعظيم جاز مد الصوت به.
الموضع الثاني: إذا كان في الدعاء لقصد الضراعة: (ربنا لا تحملنا ما لا طآقة لنا به) هذا النوع في الدعاء لقصد الضراعة أيضًا، مد المد الطبيعي لقصد الضراعة أيضًا مما استثناه أهل التجويد في هذا الباب، إذًا هذا ما يتعلق بفائدته.
أما مسائله، وهي المقدمة العاشرة، فهي ما يبحث فيه من الأبواب، فالباب الأول مثلًا: تعريف الحروف ومخارجها، ثم تعريف الصفات، وبيان الأصلي من الحروف والفرعي، وبيان الأصلي من الصفات والفرعي، وبيان المخارج العامة والمخارج الفرعية، وكذلك ما يتعلق بالوصل والفصل، وما يتعلق بالوقف وأنواعه وأحكامه، وما يتعلق بالنون الساكنة والتنوين، وما يتعلق بأحكام النون والميم المشددتين، وما يتعلق أيضا بإدغام المتجانسين والمتقاربين والمتماثلين، وما يتعلق بالتاءات والوقف عليها، فهذه هي مسائل هذا العلم، وستأتينا تفصيلًا في هذا الكتاب.
وهذا الكتاب الذي اخترناه هو مختصر ألفه المؤلف رحمه الله، وهو شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، محمد بن محمد بن محمد، فاسمه محمد، واسم أبيه محمد، واسم جده محمد بن الجزري نسبة إلى الجزيرة، وهي مكان في العراق، وهو جزيرة في داخل الفرات، وقد انتقل أجداده إلى دمشق وأقام بها؛ ولذلك يوصف بالدمشقي، وسكن أيضًا ببورصة، وهي مدينة من مدن تركيا اليوم، وكانت إذ ذاك من أرض الروم، أرض تركيا كانت تسمى أرض الروم، فهي أرض الإمبراطورية البيزنطية، فسكن ببورصة، ثم انتقل منها إلى اليمن مدة، ثم سكن في شيراز، وفيها توفي، وشيراز من أرض إيران، وفيها توفي، وكان قاضيًا لشيراز رحمه الله، وهو من الأئمة الأثبات المشهورين بعلم الحديث، وعلوم القرآن، وعلم القراءات، والفقه الشافعي، ومن أهل النحو أيضًا المشاهير، وهو من المجددين في علم القراءات، فهو مؤلف كتاب: "النشر في القراءات العشر"، ومؤلف "تحبير التيسير"، ومؤلف "طيبة النشر"، ومؤلف "الدرة في تتميم الشاطبية"، وله كتب كثيرة أخرى فقد ألف كثيرًا من الكتب، وقد وضع هذا الكتاب لابنه، وقد شرحه ابنه، وأثنى هو على شرح ابنه لهذا الكتاب.
وكتابه المقدمة وضع الله عليه القبول منذ ألفه، فتلقاه أهل المشرق والمغرب بالقبول، وكثرت الشروح عليه، فشرحه ابن المؤلف، وشرحه زكريا الأنصاري، وشرحه محمد بن عبد الباقي الزرقاني، وشرحه عدد كبير من الأئمة.
افتتح المؤلف رحمه الله بقوله:
يقول راجي عفو رب سامع محمد بن الجزري الشافعي
يقول في بداية كلامه: (يقول) بالفعل المضارع الذي يدل على الاستقبال، ومعنى ذلك أنه سيقول ذلك في المستقبل؛ لأن هذا أول قوله، (راجي عفو رب) عرف نفسه هنا في ابتداء كتابه؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعرف بنفسه في مقدمات كتبه، كما في كتابه إلى هرقل، وفيه: ( من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم )، وكتابه للمنذر بن ساوى، وفيه: ( من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى )، وهكذا، فكتب النبي صلى الله عليه وسلم يبدأ فيها بنفسه؛ ولذلك عقد البيهقي في سننه بابًا في كتاب القضاء (باب: من بدأ بنفسه في كتابه)، وأتى فيه بكتاب من أبي عبيدة بن الجراح، وكتاب من خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب، وكلاهما بدأ فيه بنفسه.
الرجاء
(يقول راجي عفو رب سامع) وصف نفسه بهذا الوصف، وهو أنه راج لعفو الله تعالى، والرجاء هو: تعلق القلب بالمحبوب مع الشروع في أسبابه، وضده هو التمني، فهو تعلق القلب بالمحبوب من غير الشروع في أسبابه، ولهذا كان التمني مذموماً والرجاء محموداً.
ولذلك فإن عثمان رضي الله عنه قال- عند حصاره في الدار- قال: (أحتسب على ربي عشرًا، فما تغنيت، ولا تمنيت، ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى آخر العشر التي احتسبها عثمان على ربه سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، وقد جاء في حديث فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني ).
فهنا يقول: (راجي عفو رب)، الرجاء كما ذكرنا هذا تعريفه في الاصطلاح، وهو في اللغة يطلق على الضد، فيطلق على رجاء المحبوب، على تعلق القلب بالمحبوب، ويطلق أيضًا على توقع المكروه، يسمى ذلك رجاءً، وبه ما فسر قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ [العنكبوت:5]، مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللهِ [العنكبوت:5] فسرت بأن معناها: من كان يحب لقاء الله، وقد جاء في ذلك عدد من الأحاديث: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه )، وفسرت بأن معناها: من كان يخاف لقاء الله؛ أي: يخاف العرض على الله سبحانه وتعالى ويهابه، فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ [العنكبوت:5].
(راجي عفو رب)، والعفو هو: التجاوز عن الخطيئة، ومعناه: ستر الذنب في الدنيا، وعدم المؤاخذة به في الآخرة، وهو محبوب لا محالة؛ فالناس يحبون العفو جميعًا، وهو مقام من مقامات أهل الإيمان، وإن كان مقام التقوى أفضل منه؛ ولذلك يقول أحد الحكماء:
فهبك تنال العفو عن كل زلة فأين مقام العفو من منزل الرضا
فما دنس ترجو زوال سواده كثوب جديد لم يزل قط أبيضا
ولكن نظرًا لأننا جميعا مقصرون في جنب الله نحن جميعًا نحتاج إلى عفوه؛ ولذلك أخرج البخاري في الصحيح: أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه يوم مات المغيرة بن شعبة، فاجتمع الناس في جنازته، قام فيهم خطيبًا، فقال: (أيها الناس، عليكم باتقاء الله، وبالسكينة حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن)، ثم قال: (استعفوا لأميركم؛ فإنه كان يحب العفو) ثم قال: (أيها الناس، أما بعد:
فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فشرط علي: والنصح لكل مسلم، ورب هذا البيت إني لكم لناصح) أو: (ورب هذا المسجد إني لكم لناصح)، ثم استغفر ونزل، فهنا قال: (واستعفوا لأميركم، فإنه كان يحب العفو).
معنى الرب
(راجي عفو رب) والعفو هنا نسبه إلى الرب سبحانه وتعالى، والرب هو موصل الإنسان إلى كماله بالتدريج شيئًا فشيئا، فهو ربه ومربيه؛ أي: موصله إلى كماله بالتدريج شيئًا فشيئًا، وقد سبق أن العرب يستعملون من هذه المادة أربعة أفعال، فيقولون: ربه.. يرُبه، ومنه قول صفوان بن أمية: (لأن يربني رجل من قريش خير من أن يربني رجل من هوازن) ويقال: رباه.. يربيه، ومنه قول الشاعر:
وربيته حتى إذا تم واستوى كمخة ساق أو كمتن إمام
قرنت بحقوه ثلاثًا فلم يزغ عن القصد حتى بصرت بدمام
ويقال أيضًا: رببه.. يرببه، ومنه قول أمية بن أبي الصلت الثقفي:
بيضًا مرازبة غلبًا أساورة أسدًا ترببن في الغيضات أشبالا
ويقال أيضًا: ربته.. يربته، ومنه قول الشاعر:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بجمهور حزوى حيث ربتني أهلي
و(رب) أصلها (راب)، فحذفت منها الألف لكثرة الاستعمال؛ ولذلك قال ابن مالك:
وينحذف بقلة مضاعفا منه ألف
فاعل إذا كان مضاعفًا ينحذف منه الألف بقلة؛ كــ(رب)، و(شت)، و(فذ)، فهذا قليل في استعمال العرب.
إثبات صفة السمع لله تعالى
قوله: (سامع) نعت للرب، فالرب سامع، وهذا إثبات لصفة السمع، وهي صفة كمال أثبتها الله تعالى لنفسه، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقال: لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181]، وقال: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1]، وقال: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46]؛ فهي صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى، وهي صفة كمال، وهي تقتضي الإحاطة بجميع المسموعات وعلمها، لا تخفى عليه من ذلك خافية، فيعلم السر وأخفى، وتطلق أيضًا إطلاقًا ثانيًا على السماع بمعنى الإجابة، فسماع الدعاء معناه إجابته، ولهذا جاء في قصة إبراهيم عليه السلام: إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38] (( إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ )) معناه: إنك مجيب الدعاء، والسميع "فعيل" تطلق على الفاعل، وعلى المفعول، "فعيل" بمعنى فاعل، و"فعيل" بمعنى مفعول، ففعيل بمعنى فاعل؛ كــ(سميع)، و(بصير) بمعنى: سامع ومبصر، وتطلق كذلك على المفعول؛ كــ(قتيل) و(جريح)، فالسميع حينئذ بمعنى المسمع؛ أي: الذي يسمع غيره، من: (أسمع)، ومنه قول عمرو بن معدي كرب:
أمن ريحانة الداعي السميع يؤرقني وأصحابي هجوع
أمن ريحانة الداعي السميع؛ أي: المسمع.
والرب هو: السامع، فهو محيط بكل أقوالنا، وهو المجيب دعوة من دعاه منا، فهو المستجيب، فالسامع أيضًا بمعنى المستجيب؛ ولذلك فقولنا في الصلاة: سمع الله لمن حمده محتمل للأمرين، والراجح فيه أن المقصود به الإجابة، ويكون الحمد دعاءً؛ ولذلك لما سئل سفيان بن عيينة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء ).
عرف نفسه بالاسم، فهو محمد بن الجزري، ونسب نفسه إلى جده الأعلى؛ لأنه الذي يعرف به، فلو قال: محمد بن محمد لما عرفناه.
(الشافعي) نسبة إلى مذهب محمد بن إدريس الشافعي، وهو أحد المذاهب الأربعة المتبوعة.
معنى الحمد لله وما يتصل به
قوله: (الحمد لله) هذا محكي القول، والقصيدة كلها محكية بهذا القول، وهو يقول، والحمد: هو الثناء مطلقًا، فكل ثناء على الله يسمى حمدًا، ويختص الحمد عن غيره من الثناء بأنه أبلغ من غيره من جهة اللفظ، ومن جهة المعنى، فمن جهة المعنى يشمل الأقوال والأفعال، ومن جهة اللفظ، فهو جامع بين أنواع الحروف الثلاثة، فالمخارج أصلها؛ أي: مخارج الحروف الكبرى خمسة عند الخليل، وسيبويه يجعلها أربعة؛ فمنها الجوف، وحروفه هي: أحرف المد الثلاثة، والحلق، واللسان، والشفتين، والخيشوم، والخيشوم لا يخرج منه إلا الغنة، فالمخارج الأساسية إذًا ثلاثة هي: الحلق واللسان والشفتان، وهذه المخارج الثلاثة اجتمعت في مادة الحمد؛ فالحاء فيها حلقية، والميم شفوية، والدال لسانية؛ فاجتمعت المخارج كلها فيها حتى تشترك في حمد الله تعالى، والحمد لله، فما كان منه قديما وما كان ثناءً عليه فهو مستحقه، وما كان محدثًا منه فهو فعله، فهو له سبحانه وتعالى.
و(الحمد لله) جملة ظاهرها أنها خبرية؛ لأنها جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد الدوام والاستمرار، وذلك الدليل على أنها خبرية، مثل قول الشاعر:
قالت أمامة ما تبقى دراهمنا وما لنا سرف فيها ولا خرق
إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ظلت إلى طرق المعروف تستبق
لا يألف الدرهم المضروب صرتنا لكن يمر عليها وهو منطلق
حتى يصير إلى نذل يخلده يكاد من صره إياه يمزق
فهنا قال: (لكن يمر عليها وهو منطلق) هذه جملة اسمية، وهي تدل على الدوام والاستمرار، أما الجملة الفعلية فهي تفيد التجدد والحدوث، ومنه قول الشاعر وهو النابغة الذبياني:
أوكلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي خطيبهم يتوسم
أو:
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
(يتوسم) جملة فعلية، وهي تفيد التجدد والحدوث، مثل قوله:
(أو كلما وردت عكاظ قبيلة)؛ أي: أنها ترده بالتجدد دائمًا في كل موسم من مواسم سوق عكاظ.
لكن هنا (الحمد لله) هذه الجملة تصلح للخبر أن يكون الإنسان مخبرًا بأن الحمد كله لله، ومعنى هذا الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، ويمكن أن تكون إنشائية، معناه: أحمد الله، وعلى ذلك يعطف عليها الجملة الإنشائية؛ فلهذا قال: (وصلى الله..).
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
قال رحمه الله:
وصلى الله على نبيه ومصطفاه
الجملة هنا إنشائية، وإن كان الفعل ماضيًا إلا أنه يدل على الاستقبال؛ لأن الفعل الماضي إذا كان في معرض الدعاء دل على الاستقبال، كقولك: (رحم الله زيدًا)؛ أي: أسأل الله أن يرحمه في المستقبل، كذلك أنك تسأله أن يصلي عليه، وقد أمرنا الله جميعا بذلك، فقال: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
والصلاة في اللغة تطلق على الرحمة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم صل على آل أبي أوفى )؛ أي: ارحمهم، أو بارك عليهم، الرحمة والبركة، ومنه قول جرير:
صلى على عزة الرحمن وابنتها لبنى وصلى على جاراتها الأخر
هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وتطلق الصلاة أيضًا على الدين، ومنه قول الله تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [هود:87]؛ أي: أدينك يأمرك بذلك، وتطلق على العبادة المخصوصة، فالعبادة المخصوصة هي الصلاة، قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]؛ أي: في هذه العبادة المخصوصة، وتطلق على الدعاء، ومنه قول الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهمْ [التوبة:103]؛ أي: ادع لهم، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الوليمة: ( من دعي فليجب، فإن كان مفطرًا فليأكل، وإن كان صائما فليصل )؛ أي: فليدع، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي طلب الرحمة المقرونة بالتبجيل له، فليست كرحمة غيره، فهي رحمة مقرونة بالتبجيل.
(على نبيه) فالنبي فعيل، إما أن تكون من النبأ، أو أن تكون من النبوة، فالنبأ هو الخبر، فهو نبيء؛ أي: مُنْبَأ عن الله، على أن فعيلًا بمعنى مفعول، يأتيه النبأ من عند الله، وإذا كانت فعيلًا بمعنى فاعل، فهو مُنْبِئ عن الله؛ أي: مخبر عنه، فهو الصادق المصدوق في الحالين، وإذا كانت من النبوة، فهي الارتفاع؛ أي: الذي أنبأ الله مكانه؛ أي: رفعه وأعلاه، ويجوز إبدال الهمزة ياء في النبوة ومشتقاتها، وإبدالها واوًا في لفظ (النبوة)، فيقال: (النبوة)، ويقال: (النبي)، ويقال: (النبيون)، ويقال: (الأنبياء)، وهذه هي قراءة الجمهور، وانفرد نافع من بين القراء بتصحيحها؛ أي بإبقاء الهمزة في مكانها، فـنافع وحده من بين القراء كلهم يقول: (النبوءة)، ويقول (النبيئين)، ويقول: (الأنبئاء)، ويقول: (النبيء)، ولم يبدلها إلا في موضعين في سورة الأحزاب على الخلاف المعروف في ذلك لـنافع، أما ما سوى الموضعين في سورة الأحزاب فإن نافعاً يصحح النبوة ومشتقاتها؛ ولذلك قال أحمد بن محمد رحمه الله:
همز النبيء نافع مع بابه مما به انفرد عن أصحابه
همز النبيء نافع مع بابه، وهو: (النبوءة) و(النبيئون)، و(الأنبئاء) مما به انفرد عن أصحابه.
همز النبيء نافع مع بابه مما به انفرد عن أصحابه
(ومصطفاه)؛ أي: مختاره.
يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو نبي الله، وهو مصطفاه؛ أي: اصطفاه الله واختاره من الثقلين الإنس والجن وكمله خَلْقًا وخُلُقًا؛ فلذلك قال في الخَلْق: ( أوتي يوسف شطر الحسن، وأوتيت الحسن كله )، وقال الله في الخُلُق: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وقد اصطفاه الله من الخلائق، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله اصطفى من ذرية آدم إبراهيم، واصطفى من ذرية إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ذرية إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، وجعلني من بني هاشم في المحل الأسنى؛ فأنا خيار من خيار من خيار، ولا فخر )، والمصطفى أصلها (مصتفي) مفتعل، من اصطفى افتعل، التاء تاء الافتعال فيها بعد الحرف المطبق تبدل طاءً، الصاد حرف إطباق وتاء الافتعال إذا جاءت بعد حرف الإطباق تبدل طاءً، كما قال ابن مالك:
طًا تا افتعال رد إثر مطبق في ازدان وازدد وادكر دالًا بقي
فأصلها (مصتفى) بالتاء، لكن أبدلت التاء طاء للإطباق الذي قبلها في الصاد.
والمصطفى من التصفية: من صفاه يصفيه إذا نقاه عن الكدر.
(محمد) بدل من (نبيه ومصطفاه)، وهذا اسمه الذي سماه به عبد المطلب، فقيل له: (سميته باسم ليس في آبائك، فقال: رجوت أن يحمده الأولون والآخرون) فحقق الله رجاءه.
(آل) و(أهل)
(وآله) الآل أصلها (أول)، وهو ما يرجع إليه الرجل من أهل ومال، آل الرجل ما يرجع إليه من أهل ومال، ويطلق على زوجة الرجل، وأقاربه، فيسمون (آله)، و(آل بيته)، وهو الفرق بينه وبين (أهل) قيل: (أهل) أصله (آل)، ولكن صححت همزته بالهاء، فإن العرب قد يلفظون بالهمزة هاء؛ كقول عنترة:
لهنك من عبسية لوسيمة على هنوات كاذب من يقولها
(لهنك من عبسية)؛ أي: لأنك، ومثل قول الشاعر الآخر:
ألا يا سنا برق على قلل الحمى لهنك من برق علي كريم
ومثل قول الآخر:
دمشق خذيها واعلمي أن ليلة تمر بعودي نعشها ليلة القدر
ثمانين حولًا لا أرى منك راحة لهنك في الدنيا لباقية العمر
فأبدلت الهمزة هاء، فنطق بها بلفظ (أهل) بدل (آل)، ولكن الراجح التفريق بين (أهل) و(آل)؛ لأن لفظة (آل) لا تضاف إلا إلى العالم من ذوي الشرف، ولفظة (أهل) تضاف إلى كل شيء، تضاف إلى الحقائق وإلى المعاني، فـ(أهل) بمعنى مستحق، ومنه قول الله تعالى: أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ [المدثر:56]؛ أي: مستحق التقوى، و(أهل المغفرة)؛ أي: الذي يستحق أن يغفر لمن شاء من عباده، ومن ذلك قول أبي الطيب المتنبي:
كفى ثعلًا فخرًا بأنك منهم ودهر لأن أمسيت من أهله أهل
فما بفقير شام برقك فاقة ولا ببلاد أنت صيبها محل
لكن لفظ (آل) لا يضاف إلا إلى العاقل الشريف، ويستثنى من ذلك ما يلحق بالعاقل؛ كالخيل، والأصنام، والديار، والطير هذه الأربعة يلحقها العرب بالعاقل؛ فيردون عليها الضمائر التي لا ترد إلا على العاقل.
أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلي إلى من قد هويت أطير
(هل من يعير) (من) من خصائص العاقل، ومع ذلك خوطب بها الطير، وكذلك الديار، ومنه قول امرئ القيس:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي
فـ(من) هنا في الأصل لا تأتي إلا للعاقل، وهو أتى بها للديار، وكذلك الأصنام، وقد جاء ذلك في القرآن جاء إطلاق (من) عليها، وإطلاق الضمائر التي لا تطلق إلا على العاقل، وكذلك (الخيل) فإنهم يطلقون عليها ما لا يطلق إلا على العاقل، ومنه قول الشاعر:
من الجرد من آل الوجيه ولاحق تذكرنا أوتارنا حين تصهل
فأضاف لفظة (آل) إلى الوجيه، وهو فرس معروف.
وأيضًا فإن الشرف المعتبر فيه أمور الدنيا؛ فلذلك جاءت إضافة لفظة (آل) إلى فرعون في القرآن: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]؛ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ [غافر:46]؛ فــ(آل) هنا أضيفت إلى فرعون؛ لأن له شرفًا باعتبار الدنيا، وإلا فلا شرف لمن ليس من أهل الإيمان، وآل النبي صلى الله عليه وسلم يختلف إطلاقها باختلاف المقام الذي تطلق فيه، ففي مقام الدعاء- كهذا المقام- المقصود به كل من اتبع ملته، فهم المؤمنون جميعًا يدخلون في آله، فالآل: هم الأتباع؛ ولذلك قال عبد المطلب في استغاثته لله تعالى ليرد الفيل عن مكة عام الفيل:
لاهم إن العبد يمـنع رحـ ـله فامنع رحالك
وانصر على آل الصليـب وعا ـبديه اليوم آلك
(وانصر على آل الصليب)؛ أي: على عباد الصليب وأتباعه، (وعابديه اليوم آلك)؛ أي: عبيدك، وفي مقام تحريم الصدقة؛ أي: في المقام الفقهي يقصد بهم بنو هاشم ومواليهم إجماعًا، وبنو المطلب ومواليهم على الراجح أيضًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( نحن وبنو المطلب سواء، ما افترقنا في جاهلية ولا في إسلام )، وفي مقام المدح المخصوص كقول الله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33]، هم النبي صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وعلي، والحسن، والحسين، وقد أدخلت أم سلمة رأسها معهم في العباءة التي أحاطهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المقامات هي التي نظمها سيدي بن عبد الله بن خلف رحمهم الله، فقال:
آل النبي سيد الأنام مختلف بحسب المقام
مؤمن هاشم عنوا بالآل في منع إعطاء زكاة المال
وهنا اقتصر على القول المشهور في المذهب المالكي، وللمالكية قول آخر بلا إدخال بني المطلب أيضًا، وهو مذهب الشافعي وأحمد:
آل النبي سيد الأنام مختلف بحسب المقام
أي: مختلف إطلاقه بحسب المقام.
مؤمن هاشمٍ عنوا بالآل في منع إعطاء زكاة المال
وإن إلى نهج الدعاء تذهب فالمؤمنون كلهم آل النبي
وفي مقام المدح هم أهل العبا ءة الذين الرجس عنهم ذهبا
وطهروا لما دعا تطهيرًا طوبى لهم دعاءه الشهيرا
طه وبنت المصطفى سبطاها وبعلها سليل عم طه
قوله: (وصحبه)
قال رحمه الله تعالى: (وصحبه) والصحب: جمع صاحب، والمقصود بهم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به على الوجه المتعارف في الحياة الدنيا ومات على الإيمان، ولو تخلل إيمانه ردة، فرجع إلى الإسلام بعد ذلك، فهؤلاء هم أصحابه في الاصطلاح، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أطلق لفظ (أصحابه) فإنما يقصد السابقين الأولين لمزيتهم في الإسلام، ولهذا قال لـخالد بن الوليد: ( لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، فـخالد بن الوليد من أصحابه في الاصطلاح، على الاصطلاح الذي سقناه، ولكنه عندما خاطب عبد الرحمن بن عوف بخطاب غضب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ( لا تسبوا أصحابي )، فدل ذلك على أن (أصحابه) إذا أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بهم عبد الرحمن بن عوف ومن كان على شاكلته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
خالد رضي الله عنه أسلم قبل الفتح أيضًا، فهو أسلم بعد صلح الحديبية هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( رمتكم مكة بأفلاذ كبدها )، فكان قائدًا من قادة الفتح، كان قائد الكتيبة الثانية يوم الفتح، لكن ليس من الذين شاركوا في الغزوات السابقة لذلك، شارك قبل الفتح في بعض الغزوات؛ لأنه أسلم في آخر العام السابع، ولم يشهد شيئًا من الغزوات في العام السابع، فغزوة خيبر لم يشهدها، وإنما شهد الفتح، وهو في رمضان من العام الثامن من الهجرة، ثم شهد بعد ذلك مؤتة، وتبوك، والطائف، وحنين، وغير ذلك من المشاهد.
قوله: (ومقرئ القرآن مع محبه )
(ومقرئ القرآن مع محبه) كذلك يدخل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه يدخل مقرئ القرآن، فهنا يمكن أن يكون هذا اللفظ مفردًا، ويمكن أن يكون جمعا، فإذا كان جمعًا فالمقصود به كل من يقرئ القرآن؛ أي: يعلمه، فــ(أقرأه)؛ أي: علمه، فقرأ فلان القرآن فعل متعد لمفعول واحد، فإذا دخلت عليه الهمزة قلت: أقرأت فلانًا القرآن، أو أقرأت الصبي القرآن تعدى لمفعولين بالهمزة، ومعنى ذلك: علمته قراءته، والقرآن هو الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بسورة منه المتعبد بتلاوته، باقي التلاوة، الذي نقل إلينا تواترًا، وهذا التعريف مخرج للشواذ، ومخرج لما نسخ لفظه ولو بقي حكمه، وسمي قرآنا لجمعه، فقرأ الشيء إذا جمعه، ومنه قول: عمرو بن مضاض الجرهمي:
صاح هل ريت أو سمعت براع رد في الضرع ما قرا في الحلاب
(ما قرا في الحلاب)؛ أي: ما جمع فيه، والقراءة إنما هي جمع الحروف في النطق، و(مقرئي القرآن) فإذا كان جمعًا شمل ذلك كل من أقرأ القرآن في أي عصر من العصور، وكذلك إذا كان مفردًا، فالمقرئ الواحد إذا أضيف إلى المعرفة- وهو القرآن- شمل، لأنه يكون من ألفاظ العموم؛ لأن النكرة إذا أضيفت إلى المعرفة تعم، كقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50]، فــ(العم) هنا مفرد و(الخال) مفرد، ولكن حين أضيف إلى الضمير وهو معرفة (عم)، فكان من ألفاظ العموم، ونظير هذا قول الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب
جلدها؛ أي: جلودها، ولا يقصد بها جلد واحد؛ لأن الحسرى معناها: الجيف، ليس لها جلد واحد، ولكن أضيف الجلد الذي هو نكرة إلى المعرفة فعم، فكذلك هنا مقرئ القرآن إذا كان مفردا فقد أضيف إلى المعرفة فعم كل مقرئ له.
(مع محبه)؛ أي: مع محب القرآن، وهذه يتعين إفرادها، هذا اللفظ قطعًا مفرد، ليس مثل (مقرئ)؛ لأن (مقرئ) يمكن أن تكون فيها ياء محذوفة لالتقاء الساكنين، والتقاء الساكنين إن كانا صحيحين كسر أولهما، وإن كان أحدهما لينا يحذف.
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن لينا فحذفه أحق
وَقَالا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ [النمل:15]، (قالا الحمد لله) حذف الألف، فأصل الكلام (قالا: الحمد لله) فالتقى ساكنان وأولهما لين فحذف، فكذلك (مقرئي القرآن) التقى ساكنان وأولهما لين فيحذف، أما (محبه) فهي مما يتعين إفراده، والمقصود به من يحب القرآن، وهم أهل الإيمان، ومحبة القرآن هي من تمام الإيمان؛ لأنه كلام الله، ومن أحب الله أحب كلامه؛ ولذلك كان عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه عند موته يقلب المصحف على خديه ويقول: (كلام ربي كتاب ربي) محبة للقرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القرآن حبا شديدًا، وفي حديث عمر أنه دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ( لقد أنزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، هي: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:1-2] )؛ فهذه السورة من الليلي من القرآن؛ أي: الذي نزل في الليل، ونزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من بيعة الرضوان من الحديبية، فقرأها على عمر رضي الله عنه.
(مع محبه) ومحبة القرآن هي القسم الثاني من أقسام التدبر، فالتدبر قسمان: تدبر عام، وهو: المحبة، أن يقرأه الإنسان بروح المحبة، وتدبر خاص، وهو: طلب فهم معانيه، وهذا يختص بمن كان من أهل العربية يمكن أن يفهمه، فالتدبر العام هو المحبة.
قوله: (وبعد)
قال رحمه الله : (وبعد)؛ أي (أما بعد) وهذه الكلمة هي فصل الخطاب، بعد المقدمات يتوصل بها إلى مقصود الكلام، وأصلها: أما بعد، و(أما) تدل على الشرط، كما قال الناظم:
وأما بفتح الهمز والتشديد
ولذلك تأتي بعدها الفاء، (أما بعد: فما بال أقوام) (أما بعد: فإن الله)، كما في الأحاديث تأتي بعدها الفاء إيذانًا بالشرط، والعرب يستعملونها كذلك يقولون: أما بعد، كما قال الشاعر:
لقد علم الحي اليمانون أنني إذا قلت أما بعد أني خطيبها
ويختصرها الناس في النظم، فيقولون: (وبعد) وهي هنا ظرف مضاف، حذف المضاف إليه فبني هو على الضم، وهذا الظرف، وهو (قبل) و(بعد) لهما أربع حالات: إما أن يضافا فيذكر المضاف إليه، فحينئذ يعربان إعراب الظروف غير المتصرفة، إما بالنصب، وإما بالجر بمن خاصة، وإما أن يحذف المضاف إليه أصلًا، فحينئذ إما أن ينوى لفظه فيبقى الظرف على حاله مجرورًا:
ومن قبل نادى كل مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف
والصورة الأخرى هي أن يحذف ولا ينوى لفظه، وإنما ينوى معناه، فيبنى على الضم كقول الله تعالى: للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4].
أيضًا الصورة الرابعة هي: أن يقطع عن الإضافة لفظًا ونية، وحينئذ يصرف؛ أي: ينون وينصب كقول الشاعر:
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعدًا على لذة خمرا
فهذه أربع صور، إما أن يضاف ويذكر المضاف إليه، من قبلهم، من بعدهم: كَذَّبَتْ قَبْلَهمْ قَوْمُ نُوحٍ [الحج:42]، وإما أن يضاف ويحذف المضاف وينوى لفظه دون معناه: (ومن قبل نادى كل مولى قرابة) فيبقى على جره، وإما أن يضاف ويحذف المضاف وينوى معناه دون لفظه، فيبنى على الضم؛ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4]، وإما أن يقطع عن الإضافة لفظًا ونية فيصرف؛ أي: ينون: (فما شربوا بعدًا على لذة خمرا)
فساغ لي الشراب وكنت قبلًا أكاد أغص بالماء الحميم
أو بالماء الفرات، الشاهد: (وكنت قبلًا) بالتنوين.
معنى قوله: (إن هذه مقدمة)
قال رحمه الله: (إن هذه مقدمه)؛ أي: بعد هذه الافتتاحية التي فيها تعريف نفسه وحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، (إن هذه مقدمة) وهذا التأكيد هنا غير فصيح؛ لأن المقام مقام ابتداء، والمقامات ثلاث: مقام الابتداء لا يحسن فيه التأكيد، والمقام الثاني: مقام الترديد، يحسن فيه التأكيد دون المبالغة فيه، والمقام الثالث: مقام الإنكار هو الذي يحسن فيه التأكيد؛ ولذلك قال الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا المُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ [يس:13-14]، جاء التأكيد، لكن لم يبالغ فيه في مقام الترديد، ثم لما ازداد الإنكار ازداد التأكيد، قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ المُبِينُ [يس:15-17]؛ فأكدوا بالقسم وبالجملة الاسمية وبـ(إن) وبلام الابتداء وبتقديم المعمول، كل هذه المؤكدات جمعوها.
وهنا كان الأفصح أن يقول: (وبعد ذا فهذه مقدمة) مثلًا، لكنه قال: (وبعد إن هذه مقدمه)، والمقدمة: هي الفرقة التي تكون أمام الجيش؛ فهي التي تقابل العدو منه، والجيش يكون خميسًا؛ أي: مخمسًا خمس فرق، فالفرقة التي أمامه تلاقي العدو هي التي تسمى بالمقدمة، وفي الوسط القلب، وهو الفرقة التي يكون فيها قائد الجيش، وعن اليمين الميمنة، وعن اليسار الميسرة، وفي الخلف الساقة أو الساق، وهي التي تحمل الجرحى والمؤن، فتكون في الخلف، فالمقدمة هي أول ما يقابلك من الجيش.
وكذلك المقدمة في الاصطلاح هي أول ما يقابلك من العلم أو من الكتاب، وتعريفها في الاصطلاح هي: طائفة من العلم يتوقف على الشروع فيه معرفتها.
فهي طائفة من العلم أي: من هذا العلم، لكن يتوقف الشروع فيه؛ أي: في ذلك العلم على معرفتها، وهي تنقسم إلى قسمين: إلى مقدمة كتاب، ومقدمة فن، فمقدمة الكتاب شروط المؤلف واصطلاحاته، ومقدمة الفن: المسائل الضرورية لفهمه، وهذه المقدمة هي مقدمة لعلم التجويد، ويجوز أن تقول (مقدَّمة) بصيغة اسم المفعول؛ أي: مقدمة قدمها المؤلف، ويجوز أن تقول: (مقدِّمة)؛ أي: (متقدمة) يتوقف الشروع فيه على معرفتها.
(فيما على قارئه أن يعلمه) (فيما على قارئه)؛ أي: على قارئ القرآن أن يعلمه؛ أي: أن يتعلمه من تجويده؛ فقارئ القرآن عليه أن يتعلم التجويد العملي قبل الشروع فيه؛ فلذلك احتاج إلى هذه المقدمة؛ لذلك قال: (فيما على قارئه أن يعلمه) وقارئه؛ أي: الذي يقرؤه، سواء قرأ جزءا منه أو قرأه كله، فهو قارئه على كل حال.
إذ واجب عليهم محتم قبل الشروع أولا أن يعلموا
(يقول راجي عفو رب سامع) وصف نفسه بهذا الوصف، وهو أنه راج لعفو الله تعالى، والرجاء هو: تعلق القلب بالمحبوب مع الشروع في أسبابه، وضده هو التمني، فهو تعلق القلب بالمحبوب من غير الشروع في أسبابه، ولهذا كان التمني مذموماً والرجاء محموداً.
ولذلك فإن عثمان رضي الله عنه قال- عند حصاره في الدار- قال: (أحتسب على ربي عشرًا، فما تغنيت، ولا تمنيت، ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى آخر العشر التي احتسبها عثمان على ربه سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:32]، وقد جاء في حديث فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني ).
فهنا يقول: (راجي عفو رب)، الرجاء كما ذكرنا هذا تعريفه في الاصطلاح، وهو في اللغة يطلق على الضد، فيطلق على رجاء المحبوب، على تعلق القلب بالمحبوب، ويطلق أيضًا على توقع المكروه، يسمى ذلك رجاءً، وبه ما فسر قول الله تعالى: مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ [العنكبوت:5]، مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللهِ [العنكبوت:5] فسرت بأن معناها: من كان يحب لقاء الله، وقد جاء في ذلك عدد من الأحاديث: ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه )، وفسرت بأن معناها: من كان يخاف لقاء الله؛ أي: يخاف العرض على الله سبحانه وتعالى ويهابه، فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ [العنكبوت:5].
(راجي عفو رب)، والعفو هو: التجاوز عن الخطيئة، ومعناه: ستر الذنب في الدنيا، وعدم المؤاخذة به في الآخرة، وهو محبوب لا محالة؛ فالناس يحبون العفو جميعًا، وهو مقام من مقامات أهل الإيمان، وإن كان مقام التقوى أفضل منه؛ ولذلك يقول أحد الحكماء:
فهبك تنال العفو عن كل زلة فأين مقام العفو من منزل الرضا
فما دنس ترجو زوال سواده كثوب جديد لم يزل قط أبيضا
ولكن نظرًا لأننا جميعا مقصرون في جنب الله نحن جميعًا نحتاج إلى عفوه؛ ولذلك أخرج البخاري في الصحيح: أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه يوم مات المغيرة بن شعبة، فاجتمع الناس في جنازته، قام فيهم خطيبًا، فقال: (أيها الناس، عليكم باتقاء الله، وبالسكينة حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن)، ثم قال: (استعفوا لأميركم؛ فإنه كان يحب العفو) ثم قال: (أيها الناس، أما بعد:
فإني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فشرط علي: والنصح لكل مسلم، ورب هذا البيت إني لكم لناصح) أو: (ورب هذا المسجد إني لكم لناصح)، ثم استغفر ونزل، فهنا قال: (واستعفوا لأميركم، فإنه كان يحب العفو).
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [9] | 3619 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [6] | 3099 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [3] | 2968 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [1] | 2871 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [4] | 2871 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [7] | 2607 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [10] | 2377 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [11] | 2008 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [5] | 1735 استماع |
شرح المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه [8] | 1552 استماع |