أرشيف المقالات

وجوب المحافظة على العقل (1)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
وجوب المحافظة على العقل (1)

أحكام حفظ العقل من حيث الوجود هي الأحكام التي تقيم أركانه وتثبت قواعده بحيث تثمر منفعته فكراً مستقيماً وعلوماً نافعة ومعارف صالحة تمكن الأمة من تحقيق الاستخلاف ومن هنا شرع طلب والتفكر والنظر والتدبر وليس هنالك دليل أحسن من افتتاح الله كتابه الكريم وابتدائه الوحي بهذه الآيات التي تأمر مرتين بالقراءة على الإطلاق دون تقييد قال:﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [1] اقرأ يا محمد بذكر ربك ﴿ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1] ثم بين الذي خلق فقال: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2].
 
يعني: من الدم، وقال: من علق؛ والمراد به من علقة، لأنه ذهب إلى الجمع، كما يقال: شجرة وشجر، وقصَبة وَقصَب، وكذلك علقة وعَلَق.
وإنما قال: من علق والإنسان في لفظ واحد، لأنه في معنى جمع، وإن كان في لفظ واحد، فلذلك قيل: من عَلَق.
 
وقوله: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3] يقول: اقرأ يا محمد وربك الأكرم ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 4] خَلْقَهُ للكتابة والخط[2].
 
اخطر أنواع الانحراف هو انحراف الفكر والبعد به عن القصد إفراطا وتفريطا فالانحراف الفكري ينتج عن خلل في البناء الفكري وهدا الخلل قد يعود إلى الأمرين الآتيين أو لأحدهما:
‌أ) الجهل بأصول التشريع.
‌ب) الجهل بمناهج التعامل مع هذه الأصول.
 
وإذا علمت أن العقل عاجز عن الاستقلال بمعرفة الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان فعليك أن تتعرف على الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فقد بين الله تعالى في القرآن الكريم الذي قال عنه منزله جل وعلا ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [3] بين حكماً وأحكاماً هي أقل شأناً من هذا الأمر العظيم كيف لا وهو أهم المهمات وأعظم الواجبات إذا فالحكمة التي خلق الله الإنسان من أجلها هي العبادة قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [4] فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الجن والإنس للعبادة، فالعبادة هي الحكمة التي من أجلها خلقوا ومن أجلها خلق الله السموات والأرض والدنيا والآخرة والجنة والنار ومن أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وسن الأحكام وبين الحلال والحرام ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، قال تعالى:﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [5] وخلق الموت والحياة أي: قدر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم؛ ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2] أي: أخلصه وأصوبه، فإن الله خلق عباده، وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنهم سينقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره، فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل، أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس، ونبذ أمر الله، فله شر الجزاء.
 
﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2] الذي له العزة كلها، التي قهر بها جميع الأشياء، وانقادت له المخلوقات.
 
﴿ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2] عن المسيئين والمقصرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا، فإنه يغفر ذنوبهم، ولو بلغت عنان السماء، ويستر عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا[6].
 
وذلك أن الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار وأخبرهم أنهم سينتقلون إلى دار أخرى، وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره ونهيه فمن انقاد لأمر الله أحسن الله له الجزاء في الدار الآخرة ومن مال مع شهوات النفس ونبذ أمر الله وارتكب نهيه فله شر الجزاء".
 
فالعباد جميعاً خلقوا للعبادة ولكن لما كان منهم من خلق للعبادة من دون ابتلاء بمضاد كالملائكة، فهذا القسم صارت العبادة سجية لهم لا يريدون غيرها، قال تعالى عنهم: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [7] ومنهم من خلق للعبادة مع ابتلاء بمضاد كالجن والإنس الذين جبلوا على خلائق وسجايا تنأى بهم غالباً عن الطاعة وتوقعهم في المعاصي ابتلاء من الله لهم وذلك كالابتلاء بالشهوات، شهوة المطعم وشهوة المشرب، وشهوة المنكح، وشهوة القهر، والتغلب، والاستعلاء، إلى غير ذلك.
 

وجوب المحافظة على العقل:
الحفاظ على العقل مقصد من مقاصد الشريعة وواجب شرعي ويتحقق ذلك بأمور:


• تنميته بالعلم النافع وتحصيل منافعه.


• درء المفاسد والمضار عنه كالخمر والمخدرات والبدع والخرافات والتقليد التعصب والغلو...
 


ملاحظة:
يعد الغلو والانحراف الفكري أخطر أنواع الانحراف لأن السلوك نابع منه ومتأثر به ولهذا كانت دعوة الأنبياء كلها مركزة ابتداء على تصحيح العقيدة وتقويم الفكر ومرد هذا الانحراف إلى أمرين:
1) الجهل بأصول التشريع الكتاب أو الإعراض عنها.
2) الجهل بمناهج التعامل مع هذه الأصول.
 

[1] سورة العلق:5
[2] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (ج 24  - ص 519).
[3] سورة الأنعام:38
[4] سورة الذاريات:56
[5] سورة الملك:2
[6] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان(ج1  - ص 875).
[7] سورة الأنبياء:26 - 28

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢