أرشيف المقالات

(4) - الدرر اللآلي من أقوال الحسن البصري - أيمن الشعبان

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
كم نحن بحاجة في أيامنا هذه لتتبع أقوال وأحوال سلفنا الصالح، والسير على طريقهم واقتفاء أثرهم، ومِن هؤلاء الأعلام الزهاد الورعين، الحسن البصري رحمه الله، الذي تكلم بكلام الصديقين كما وصفته عائشة رضي الله عنها، وعندما قيل لعلي بن الحسين رضي الله عنهما: إن الحسن يقول: ليس العجب لمن هلك كيف هلك؟ وإنما العجب لمن نجا كيف نجا؟ فقال علي: سبحان الله! هذا كلام صديق.
فهذه نبذة من أقواله عسى أن تنير الطريق وتعين الرفيق، في دنيا الفتن والشهوات وابتعاد الناس عن الأمر العتيق.
يقول الحسن البصري رحمه الله[1]:
1- ابن آدم! تستحلُ المحارم، وتأتي الجرائم، وتركبُ العظائم، وتتمنى على الله الأماني! ستعلمُ حين لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
2- تَركُ الخطيئة أهونُ من معالجة التوبة ، فسمع ذلك محمد بن واسع، فقال: رحم الله الحسن، صدق والله لو وافق قلبًا للطاعة فارغًا، وعقلًا من غلبة الشهوة سالمًا.
3- ابن آدم! مالَكَ وللشرِّ، وهذا الخيرُ صاف؟! ابن آدم! اتق الكبائر؛ فإنك لا تزال بخير ما لم تُصب كبيرة تُغَيِّرُ عليك قلبك، وتَهدِمُ صالح عملك.
4- لله دَرُّ أهل الحق، كانت دِرَّةُ عُمَرَ رضي الله عنه أهيبَ من سيف الحجاج .
5- المؤمنُ يلقاه الزمانُ بعد الزمان بأمر واحد، ووجهٍ واحد، ونصيحة واحدة، وإنما يتبدل المنافق، ليستأكل كل قوم، ويسعى بكل ربح.
6- المؤمنُ صَدَّقَ قولَهُ فِعلُهُ، وسِرَّهُ علانيتُه، ومشهدَهُ مغيبُه، والمنافق كذَّب قولَهُ فِعلُه، وسره علانيته، ومشهده مغيبه.
7- ثلاثة لا غيبة فيهم: الفاسقُ المُعلِنُ بفسقه؛ أن يُذكر ذلك منه، وصاحبُ البدعة؛ أن يُذكر ببدعته، والإمامُ الجائر؛ أن يُذكر بجوره.
8- لقد مضى بين أيديكم أقوامٌ، لو أنفق أحدُهُم عدد الحَصى، لخَشي ألا يُقبل منه، ولا ينجو؛ لِعِظَمِ الأمر في نفسه.
9- والله ما أحدٌ من الناس بُسِطَ له في أمرٍ من أمور دنياه، فلم يخَف أن يكون ذلك مَكرًا به، واستدراجًا له، إلا نَقَصَ ذلك من عمله ودينه وعقله، ولا أحدٌ أمسك الله الدنيا عنه، ولم يَرَ أن ذلك خيرٌ له، إلا نقص ذلك من عمله، وبان العجزُ في رأيه.
10- ما من مسلم رُزِقَ يومًا بيوم، فلم يعلم أن ذلك خير له، إلا كان عاجز الرأي.
11- إن الله عز وجل لَيُعطي العبد من الدنيا، مكرًا به، ويمنعُه نظرًا له.
12- أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عندهم من التُّراب الذي تمشون عليه.
13- رحم الله أقوامًا كانت الدنيا عندهم وديعة، حتى ردوها إلى من ائتمنهم عليها، ثم راحوا خفافًا غير مُثقَلين، ولقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا تَتَعَرَّضُ لأحدهم، وإنه لمجهودٌ، فيتركها مخافة الساعة.
14- والله ما بلغت الدنيا ولا انتهى قدرها إلى أن يُضيعَ الرجل فيها حَسَبَهُ ودينه.
15- والله ما عجبت من شيء كعجبي من رجل لا يَحسَبُ حُبَّ الدنيا من الكبائر، وايمُ الله! إن حبها لمن أكبر الكبائر، وهل تشعبت الكبائر إلا من أجلها، وهل عُبدَت الأصنام وعُصي الرحمن إلا لحب الدنيا، فالعارف لا يجزع من ذلها ولا ينافس بقربها ولا يأسى لبُعدها.
16- أيها الناس! والله ما أعزَّ هذا الدرهم أحدٌ إلا أذله الله تعالى يوم القيامة .
17- إذا أحب بنو آدم الدنيا، فما أُبالي ألا يعبدوا صنمًا، ولا يتخذوا إلهًا غير الله ربًَّا، حُبُهُم الدنيا يُرثُهُمُ المهالك.
18- رأينا من أُعطي الدنيا بعمل الآخرة، وما رأينا من أعطي الآخرة بعمل الدنيا.
19- المؤمن لا يصفو له في الدنيا عيش.
20- من عرَفَ ربه أحبه، وآثر ما عنده، ومن عرف الدنيا وغُرُورها زَهِدَ فيها.
21- من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.
22- أيها الناس! أدركتُ أقوامًا، وصحبتُ طوائفَ، ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا أقبلَ، ولا يَحزنون على شيء منها أدبر، ولهي عندهم أهون من التراب الذي تَطَؤونه بأرجلكم.
23- ابن آدم! لا تُعَلِّق قلبك بشيء من الدنيا، تَعَلُّقُها شرُ تَعَلُّق، اقطع عنك حبائلها، وأغلق دونك أبوابها.
24- أيها الناس! خذوا صَفوَ الدنيا، ودعوا كدرها، فليس الصفو ما عاد كدرا، ولا الكدر ما عاد صفوا، دعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، تُرتجى السلامة في العاجلة والآجلة لكم، وقد رأيت أقواما كانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حُرِّم عليكم منها.
25- ما أُعطي رجلٌ شيئًا من الدنيا إلا قيل له: خُذهُ ومثله من الحرص.
26- من حَمِدَ الدنيا ذم الآخرة، وليس يكره لقاء الله إلا مقيمٌ على سخطه.
27- ابن آدم! ما أعطاك الله تعالى الدنيا إلا اختبارًا، ولا زواها مُذ خلقها عن عباده المؤمنين إلا اختبارًا.
28- إن مما يُزَهِّد ذا الهمة في الدنيا، ويُلزمُهُ تركها، ويُجبُ عليه ألا يحرص عليها: عِلمُهُ بأن الأرزاق لم تُقسم فيها على قدر الأخطار.
29- أهينوا الدنيا، فأكرم ما تكون حيت تُهان.
30- ابن آدم! إن لك عاجلة وآجلة، فلا تؤثِرَنَّ عاجلتك على آجلتك فتندم، واعلم أنك إنْ تَبِع دُنياك بآخرتك تربحهما، وإن تَبِع آخرتك بدنياك تَخسرهما.
31- ابن آدم! لا يَضُرُّكَ ما زُوي من دنياك إذا ادُّخِرَ لك خيرُ آخرتك، وما ينفعك خير ما أصبت منها إذا حُرِمتَ خير آخرتك.
32- ابن آدم! إن الدنيا مطية، إن ركبتها حملتك، وإن حملتها أثقلتك.
33- إن كان بغيتك من الدنيا ما يكفيك، فأدنى ما فيها يَكفيك، وإن كان الذي تعملُ منها ما يكفيك، فليس شيء يكفيك.
34- لَئِن كانت الدنيا مُلِئَت باللذات، فلقد حُشيَت بالآفات، ووجبت من أجلها التِّباعات.
35- ابن آدم! إياك أن تكون صاحب دنيا، لها ترضى ومكن أجلها تغضب، وعليها تقاتل وفيها تتعب وتنصب، ارفضها إلى النار إن كنت طالب الجنة ، أو فدع التمني يا لُكع، فإن حكيمًا قال:
وإن امرأٌ دُنياه أكبرُ هَمِّه * لَمُستمسكٌ منها بحبلِ غُرورِ
36- إن المؤمن كَيِّسٌ، نظرَ فأبصر، وتفكر فاعتبر، ثم عمدَ إلى دنياه فهدمها، وبنى آخرته، ولم يهدم آخرته لبناء دنياه، ولم يزل ذلك عمله حتى لقي ربه فرضي عنه وأرضاه، وإن المنافق عَمِدَ فنافس عن دنياه، وعَمي عن آخرته، اتخذ الدنيا إلها، ويحهُ! ألها خُلِق؟ أم بالجمعِ لها أُمر، سيعلم المغرور يوم {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَام} [الرحمن:41].
37- ابن آدم! وُصفت لك الدنيا، وغابت عنك أمور الآخرة، وقَرُبَ منك الأجل، وأُمِرتَ بالعمل، وحقُّ الله ألزمُ لك، فاعمل لمعادك، فلن يرضى ربُك منك إلا بأداء ما فُرِضَ عليك.
38- عقوبةُ العلماء ِ موتُ قلوبهم، لطلبهم الدنيا بعمل الآخرة.
39- أيها المغرورون! إنما الدنيا جيفةٌ ينهشُها عُشاقُها، فهي تقتلُ بعضهم ببعض، وهم لا يشعرون، من ركن إليها، ذّلَّ واقتصر، ومن زَهِدَ فيها، عَزَّ واقتدر.
40- إنما الغُدُوُّ والرواحُ وحَظٌّ من الدُّلجةِ والاستقامة لا يُلبِثَنَّكَ أن تَقدَمَ على الله وهو راضٍ عنك، فيُدخِلك الجنة، فتكون من المُفلحين.
41- أيها الناس! إن الله لا يُخدَعُ عن جنته، ولا يعطيها أحدا من عباده بالأماني.
42- المؤمن أسيرٌ في الدنيا، يسعى في فكاك رقبته، لا يأمنُ حتى يلقى ربه.
43- إذا أصبح العبد وجبت عليه أربعة أشياء: حبُّ الله تعالى، وحُبُّ دين الله، وحُبُّ الآخرة، وبُغضُ الدنيا.
44- ابن آدم لا تحمل على يومك همَّ غدك، وليَكفِ كُلَّ يومٍ هَمُّهُ، إن غدا إن كان من عُمُرِك، أتاك فيه رزقك.
45- رحم الله عبدًا جعل العيش عيشًا واحدًا، فأكل ما يُمسكُ رَمَقَهُ، ولَبِسَ خَلَقَهُ، وأَلصَقَ بالأرض خَدَّه، مُجتهدًا في عبادة ربه، حتى يأتيه أجله، وهو كذلك.
46- ابن آدم! صُم كأنك إذا ظَمِئتَ لم تكن رَويتَ، وإذا رويت لم تكن ظمئت، فإن الحال أضيقُ، والعُمُرَ أقصرُ، والأمرَ أيسرُ أن تبقى فيه على حال.
47- إن الله يعطي العبد، مكرًا به، ويَحرمُه نظرًا له، ومن تعرض لمكر الله، استوجب عُقوبته.
48- ابن آدم! إن لك أجلا وأملا، فإن أدركت أملك، قربك من أجلك، وإن أدركت أجلك، اجتاحك قبل أملك.
49- ابن آدم! إنك لو قصرت مسير أجلك، لأبغضتَ غُرور أملك، ولو أبصرتَ قليل ما بقي من عُمُرك، لزهدت في أكثر ما ترجوه من أملك.
50- أيها المرء! أجلُكَ أنت السواد المُختَطَف في يومك، أيها المرء! إنك لا تدري بأي سبب تموت، أيها المرء! داوِ نفسك قبل أن تقف بك على العطب.
 
----------------------------
[1] جميع المقولات في هذا الجزء منتقاة من كتاب (آداب الحسن البصري وزهده ومواعظه)، ابن الجوزي.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣