عرض كتاب الإتقان (85) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [6]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف خلق الله أجمعين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فسنكمل ما يتعلق بشروط المفسر وآدابه من كتاب الإمام السيوطي في النوع الثامن والسبعين.

وقد وقفنا عند الشرط الخامس والسادس والسابع: المعاني والبيان والبديع.

اشتراط علم البلاغة في المفسر

وهو ما صار يعرف بعلم البلاغة، فعلم البلاغة كما هو معروف عندنا اليوم ينقسم إلى الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع.

ذكر في هذه الأنواع الثلاثة، قوله بعد ذلك: [وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسر؛ لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يُدرك بهذه العلوم ]، ثم ذكر قول السكاكي ، حيث يقول: قال السكاكي : [ اعلم أن شأن الإعجاز عجيب، يُدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تُدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، ولا طريق إلى تحصيله لغير ذوي الفطر السليمة إلا التمرن على علمي المعاني والبيان ].

ثم ذكر نقولًا أخرى عن ابن أبي الحديد ونقل عن الزمخشري ، و الزمخشري من أوائل من جعل علم البلاغة من العلوم التي يحتاجها المفسر، وقد سبق أن طرقنا هذا الموضوع في دروس سابقة حين تكلمنا عن إعجاز القرآن، ولكن لا بأس أن نشير مرة أخرى إلى هذه القضية.

مدى صحة اشتراط معرفة المفسر بعلم البلاغة

وهي: هل بالفعل علم البلاغة من أعظم أركان المفسر أي: هل لا يتم التفسير للمفسر إلا بمعرفته علم البلاغة؟

الجواب: لا، لكن من أراد أن يبين إعجاز القرآن فإنه لا يتم له البيان عن إعجاز القرآن دون علم البلاغة.

إذاً فقوله رحمه الله تعالى هذا: هو من باب خلط العلوم، فاشترط للمفسر ما ليس بشرط له، ولهذا لو تأملنا فيما يتعلق باختلاط مسائل العلوم، وتأثيرها على أحد العلوم، وهي مسألة علمية ومنهجية يحسن بحثها، فإننا سنجد أمثلة كثيرة في العلم الشرعي، أي: اختلاط مسائل العلوم وتأثيرها عليها، مثل: ما بين يدينا الآن، فإن علم البلاغة بتفاصيله لا يحتاجه إلا من أراد أن يبين عن إعجاز القرآن.

وأما المفسر فلا يحتاجه، والدليل على ذلك: أن الأغلبية الغالبة من كتب التفسير لا تعنى بالبلاغة، فكل هؤلاء المفسرين ليسوا على وصف الزمخشري رحمه الله حين قال: من حق مفسر كتاب الله الباهر، وكلامه المعجز أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه، والبلاغة على كمالها، وما وقع به التحدي سليمًا من القادح.

وقد اشترط في مقدمته فيمن أراد أن يفسر القرآن أن يكون عارفًا بعلم المعاني والبديع، وذكر هذا هنا أثناء تفسيره تنبيهًا على ما ذكره في مقدمته.

ونحن نقول: هذا الكلام هو حق فيمن أراد أن يبين إعجاز القرآن، فالبيان عن معاني القرآن شيء، والبيان عن إعجاز القرآن شيء آخر، فتداخل مسائل هذه العلوم هو الذي أحدث مثل هذا الحكم من السيوطي وكذلك من كان قبله.

والخلاصة: أننا نحتاج من علم البلاغة ما تبين به المعاني، والقدر الذي تبين به المعاني من علم البلاغة قليل، لكن من أراد أن يبين إعجاز القرآن فلا بد له من علم البلاغة.

اشتراط علم القراءات في المفسر

أما العلم الذي بعده وهو الثامن، فقد قال: [علم القراءات؛ لأنه به يُعرف كيفية النطق بالقرآن، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض].

وعبارته هذه فيها تداخل في بعض العلوم، وأول الكلام أصله عند أبي حيان الأندلسي في تعريفه للتفسير، فإنه لما عرف التفسير وهو يشرح تفسيره ذكر علم القراءات، وذكر أن كيفية النطق بالقرآن داخلة في مهمة المفسر. ولو تأملنا فإن معرفة كيفية النطق بالقرآن هي من مهمة المقرئ، وليست من مهمة المفسر؛ لأن المفسر يعرف النطق بالقرآن ولا يحتاج إلى أن يتعلمها؛ لأنه لا يتصور أن يفسر القرآن من لا يعرف قراءته؛ لأن هذا نوع من العبث؛ ولهذا نقول: إن هذه القضية من مسائل تداخل العلوم، فإن معرفة كيفية النطق بالقرآن من مهمة المفسر.

الصحيح فيما يجب على المفسر معرفته من القراءات

ولكن هناك جزء من علم القراءات، لها ارتباط وثيق بالتفسير، ضابطه: القراءات التي تختلف بها المعاني، فالذي نحتاجه من علم القراءات في التفسير هي القراءات التي تختلف بها المعاني، ومع ذلك نجد أن بعض المفسرين يعنى بها، وبعض المفسرين يفسر القرآن على قراءة واحدة، لكن نقول: إنها تدخل في علم التفسير لهذه الحيثية، وليس كل مفسر يعنى ببيان المعاني المختلفة بسبب اختلاف القراءات، بمعنى: إذا كانت القضية من قبيل الأداء أو مما لا أثر له في المعاني من اختلاف القراءات، فإن هذا من مهمة المفسر، ووجوده في كتب التفسير فضلة، وما كان له أثر في المعاني فإنه يدخل في علم التفسير، وهو من صلب التفسير بلا ريب.

والمفسرون على أقسام فيما يتعلق بهذا النوع وذاك، فمنهم من يذكر هذا وذاك، ومنهم من يعتني بما تختلف به المعاني، ومنهم من لا يذكر لا هذا ولا ذاك، وإنما يعتمد على وجه واحد أو على قراءة واحدة، ويفسر القرآن بها.

اشتراط معرفة المفسر أصول الدين

ثم ذكر بعد ذلك أصول الدين، فقال: [بما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما لا يجوز على الله تعالى، فالأصولي يؤول ذلك ويستدل على ما يستحيل وما يجب وما يجوز ].

دور العقل في الاستدلال على العقائد

أما قوله: إن من العلوم المهمة أصول الدين، فعندنا مسألة هنا أو ممكن أن نقول عنها: مشكلة جدلية مرتبطة بالاعتقاد، فأصول الدين المراد به الاعتقاد هنا.

والمشكلة هي: هل أعتقد ثم أستدل؟ أو آخذ استدلالي من القرآن والسنة؟

والمنهج السليم هو أن يؤخذ الاعتقاد من الكتاب والسنة مباشرة، وعلى هذا جرى عمل السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ووجود بعض الروايات عنهم إنما هي أفراد روايات لا تعني أن هذا هو المنهج الذي سار عليه جُلهم وأغلبهم، بل ولا هو المنهج الذي سار عليه هذا الذي صدر منه أفراد بعض المسائل، ولهذا أقول: إن مسألة العقل والنقل وما يتعلق بها، والاستدلال على عمل بعض الصحابة كـعائشة رضي الله عنها، أو غيرها ممن جاء بعدها، فإننا نقول: إن هذا ليس هو المنهج العام للصحابة والتابعين وأتباعهم. وإنما المنهج العام هو التسليم. وهذه مسألة يمكن أن تدرس تفصيلًا في كتب العقائد، لكن أحببت التنبه لها؛ لأن بعضهم قد يلبس فيما يتعلق بمنهج السلف في التلقي، ويدعي أن بعض السلف قد حكّم العقل، ويذكر -مثلًا-: شريح القاضي في قوله سبحانه: ((بَلْ عَجِبْتُ)) بالضم: ((وَيَسْخَرُونَ)) حيث أنكر هذه القراءة وقال: إن الله لا يعجب! ولا شك أن هذه شبهة عقلية، فلما سمع به مسروق قال: كان عبد الله أعلم منه، وكان يقرأ: ((بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ))، ومعنى ذلك: أنهم يأخذون بما يدل عليه ظاهر اللفظ، فهو نسب العجب إلى الله سبحانه وتعالى، وكل ما نسب لله فهو على حد قوله سبحانه وتعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، كما هو مقرر ومعروف.

فقول المؤلف رحمه الله تعالى: [بما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما لا يجوز على الله تعالى]، هذا كلام مشكل جدًا؛ لأنه يدل على أن الله سبحانه وتعالى خاطبنا بظاهر لا يريده، وهذا الظاهر الذي لا يريده المشكلة فيه أنه كثير، بناءً على هذا الرأي الذي ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى؛ لأننا لو حللنا الأمثلة التي سيذكرها المؤلف من هذا الجنس، فهي كثيرة، ولهذا قال الجويني عفا الله عنه ورحمه في كتابه الشامل، يقول: الإيمان بظواهر النصوص كفر!

والسبب عند الجويني هي شبهة التنزيه، ولهذا فقوله هذا عفا الله عنه، لا شك أنه خلل في التفكير وخلل في الاعتقاد، ومثله يوجد في مثل: السنوسية الكبرى، وفي مثل كتاب الصاوي في شرحه على الجلالين، وهو مذهب بعض الأشاعرة فإنهم ذكروا هذا نصًا.

وهذا خلل كبير بلا ريب؛ لأنه لا يمكن أن تكون ظواهر النصوص دالة على الكفر، يستحيل هذا؛ لأن في هذا -والعياذ بالله- نسب العيي إلى الله سبحانه وتعالى في أنه لم يُبن عما يريده من العباد، ولهذا يتحايل بعض من يذهب إلى هذا؛ لأنه وقع في هذا، وقد يكون معذورًا بالتأويل، أو الجهل بهذه المسألة بجعل الإنسان يذهب إلى أن الله سبحانه وتعالى الله قد ابتلانا بالمتشابه، وأن هذا من نوع المتشابه الذي ابتلى الله به عباده، ثم ندخل في مسألة جدلية وفلسفية ونقاشات يطول فيها الكلام، ولهذا نقول: إن منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، هو الأسلم والأحكم والأعلم، والحيدة عن طريقهم وعدم فهم طريقهم هو الموقع في مثل هذه الشبه والإشكالات، ولهذا إذا رأيت مثل هذه الكتب التي تسمى بكتب الاعتقاد، مثل: مواقف للأيجي، وكتب عضد الدين وغيره، تجد أن أغلبها في (قيل .. وقال) ولو جمعت منها ما قاله الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، على سبيل الاحتجاج والاعتقاد، وليس على سبيل الذكر، فإنك لا تخرج إلا بآيات قليلة وبأحاديث قليلة، وإذا ذهبت إلى كلام الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ومن سار على نهجهم من أهل الأثر، من أهل الحديث ومن تبعهم فإنك لا تجد عندهم في الاعتقاد إلا: (قال الله، قال رسوله) فلا يمكن أن تكون عقول هؤلاء أهدى من (قال الله، قال رسوله)، ولا يأتي أحد يلبس ويقول: نعم، (قال الله .. وقال رسوله)، لكن كيف تفهم (قال الله، وقال رسوله)؟! فهنا تأتي شبه وشبه، ولذا أقول: إن المؤلف رحمه الله تعالى وعفا عنه قد وقع في إشكال في هذه العبارة، لما قال: [بما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما لا يجوز على الله تعالى]، فلا يمكن أن يكون فيها مثل هذا، ويخاطبنا الله سبحانه وتعالى بها، والمعاني كما قلنا سابقًا وقررنا: كلها معلومة، فهذا إنما وقع فيه رحمه الله بسبب بعض الشبه المعروفة عن مثله رحمه الله.

اشتراط معرفة المفسر أصول الفقه ومدى صحة ذلك الاشتراط

ثم قال: [العاشر: أصول الفقه: إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط ].

وهنا نرجع إلى مسألة تداخل مسائل العلوم، هل المفسر مستدل على الأحكام، أو الفقيه مستدل على الأحكام؟ وهل المفسر يلتزم الاستنباط، أو هو يبين المعاني؟

لكن مع ذلك نقول: هنا قاعدة ينبغي التنبه لها، فلا يفهم الكلام على غير وجهه: فإذا كان الحكم منصوصًا عليه في القرآن فهو من التفسير، فحين يأتي المفسر إلى آية من آيات الأحكام ويشرحها بناءً على ما فهمه من الحكم على حسب اختلاف المذاهب نقول: إنه فسر؛ لأنه بين المعنى، مثال ذلك: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، إذا كان مذهبه أن القرء هو الحيض، فحينما يستدل بهذه الآية ويفسرها على أنها الحيض، ويأمر المطلقة بأن تتربص ثلاث حيض، فإنه قد فسر، وإذا كان عكس ذلك يرى أن القرء هو الطهر، فإذا فسر هذا وألزم المرأة بأن تلبث ثلاثة أطهار فإنه قد فسر أيضاً.

فإذاً بيان الحكم الشرعي المنصوص عليه في القرآن هو من صلب التفسير، ولهذا لا بد للمفسر من معرفة هذا الأمر، لكن ما زاد على ذلك من وجوه الاستنباط والاستدلالات وتشقيق المسائل كما فعل القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه، فهذا ليس من عمل المفسر وإنما هو من عمل الفقيه.

الاشتراط في المفسر أن يعرف أسباب النزول والقصص والناسخ والمنسوخ

ثم قال: [ الحادي عشر: أسباب النزول والقصص: إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه]، وهذا سبق الحديث عنه لما تكلمنا عن أسباب النزول تفصيلًا.

ثم قال: [ الناسخ والمنسوخ ليعلم المحكم من غيره] وقد سبق الحديث عن الناسخ والمنسوخ تفصيلًا، وأيضًا: تعبير السلف في الناسخ والمنسوخ .. إلى آخره.

علاقة الناسخ والمنسوخ بالتفسير

لكن من باب الفائدة: حين نتأمل الناسخ والمنسوخ من جهة الأحكام. وهل تدخل في فهم المعاني أو لا تدخل؟ بمعنى: أنني إذا قلت: هذه الآية تنسخ هذه الآية، هل يؤثر قولي: بأن هذه الآية تنسخ هذه الآية في فهم المعاني؟

الجواب: لا يؤثر.

إذاً فالناسخ والمنسوخ باصطلاح المتأخرين: (الذي هو رفع الحكم الشرعي، بحكم شرعي آخر متراخٍ عنه)، هذا النوع من الناسخ والمنسوخ يمكن أن نقول: إن الأصل أنه ليس له أثر، لكن لو تبين له أثر في أحد المواطن، فإنه يدخل في التفسير في هذا الموطن، ويبقى الأصل فيه أنه ليس له أثر لهذه الحيثية، أما الناسخ والمنسوخ بمفهوم السلف من تخصيص العام وتقييد المطلق وبيان المجمل فهذا تدخل قطعًا يدخل في التفسير؛ لأن فيه بياناً للمعاني.

الاشتراط في المفسر معرفة السنة المبينة للمجمل والمبهم

قال: [الرابع عشر: الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم] الأحاديث على نوعين:

إما أن تكون بيانًا نبويًا مباشرًا، وإما أن تكون أحاديث عامة.

بمعنى: أن الاستفادة من الأحاديث العامة في بيان القرآن لا شك أنها من العلوم المهمة للمفسر، ولهذا كل ما كان المفسر لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أتقن، كان لبيان كلام الله أدق من غيره.

اشتراط علم الموهبة في المفسر

والعلم الأخير الذي ذكره السيوطي: [هو علم الموهبة] وقد وضعه هو، وكذلك وضعه قبله الراغب الأصفهاني ، ولكن هذا لا يمكن أن يطلق عليه علم؛ لأن الموهبة ليست شيئًا يمكن أن يقاس، ولا هي مسائل منصوص عليها مخصوصة بحيث نقول: إن هذا هو علم الموهبة، فلهذا تسميته بعلم هو نوع من المجازات وتوسع في التعبير، وإلا فإن الموهبة في حقيقتها أمر لا يمكن قياسه، فقد تأتي الموهبة لفلان ولا تأتي لفلان، فيستوون في شيء ويفوق هذا ذاك في شيء آخر، ولكنها لا تدخل ضمن العلوم.

ثم ذكر بعد ذلك نقلًا عن ابن أبي الدنيا ، وهو نقل عزيز؛ لأنه كما يقول المحققون: ليس موجودًا في الكتب المطبوعة لـابن أبي الدنيا ، يقول: [ وعلوم القرآن وما يستنبط منه بحر لا ساحل له، قال: فهذه العلوم -التي هي كالأدلة للمفسر- لا يكون مفسرًا إلا بتحصيلها، فمن فسر بدونها كان مفسرًا بالرأي المنهي عنه، وإذا فسر مع حصولها لم يكن مفسرًا بالرأي المنهي عنه، قال: والصحابة والتابعون كان عندهم علوم العربية بالطبع لا بالاكتساب، واستفادوا العلوم الأخرى من النبي صلى الله عليه وسلم].. إلى آخر كلامه فيما يتعلق بتعليقه على علم الموهبة، وغير ذلك.

إذاً فعلم الموهبة ليس له جانب في التفسير، وهذا لا يقاس، لكن بعد أن تحصل المعلومة تدخل في القياس، يعني: هل هذه المعلومة صحيحة أو ليست بصحيحة، وليس كل ما ذكر من فهوم الناس وادُعي أنه موهبة يكون موهبة، فقد تأتي بعض العلوم أو ما يقال: إنها موهبة وفيها طوام.

وهو ما صار يعرف بعلم البلاغة، فعلم البلاغة كما هو معروف عندنا اليوم ينقسم إلى الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع.

ذكر في هذه الأنواع الثلاثة، قوله بعد ذلك: [وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسر؛ لأنه لا بد له من مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يُدرك بهذه العلوم ]، ثم ذكر قول السكاكي ، حيث يقول: قال السكاكي : [ اعلم أن شأن الإعجاز عجيب، يُدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تُدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، ولا طريق إلى تحصيله لغير ذوي الفطر السليمة إلا التمرن على علمي المعاني والبيان ].

ثم ذكر نقولًا أخرى عن ابن أبي الحديد ونقل عن الزمخشري ، و الزمخشري من أوائل من جعل علم البلاغة من العلوم التي يحتاجها المفسر، وقد سبق أن طرقنا هذا الموضوع في دروس سابقة حين تكلمنا عن إعجاز القرآن، ولكن لا بأس أن نشير مرة أخرى إلى هذه القضية.