صلاة النبي ووضوءه كأنك تراه


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فنحن في هذا المجلس نتكلم على مسألة مهمة، وقضية جليلة القدر، وهذه القضية تتعلق بركن من أركان الإسلام، ومسألة جليلة قد أمر الله سبحانه وتعالى بها في جميع الشرائع السابقة، وقد أمر بها كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهي: إقامة الصلاة.

والصلاة لها مسائل متعددة، وأحكام متنوعة ينبغي لكل مسلم أن يتفقه وأن يتبصر فيها، وهذه المسائل يعلمها كثير من الناس على جهة الإجمال، ولكن يجهلون شيئاً من التدليل، أو يجهلون شيئاً من التفصيل، أو ربما شاع واشتهر عند كثير من الناس جملة من المسائل المرجوحة في أحكام الصلاة، ومضى عمل الناس عليها، والسنة في ذلك على الخلاف؛ لهذا كان من المهم أن يتفقه العامة والخاصة بأحكام هذه الصلاة.

ونحن في هذا المجلس نتكلم على أحكام الصلاة وشيء من مقدماتها على سبيل الإجمال، وذلك لأهميتها، وجلالة قدرها.

فضل الصلاة على بقية الشعائر العملية

ويكفي أن الله سبحانه وتعالى أمر بها جميع أنبيائه، وجعلها شرعة ظاهرة من العبادات التي تدل على توحيد العابد لله سبحانه وتعالى؛ لهذا لما كانت الصلاة من أظهر وجوه التوحيد الظاهر لله جل وعلا كان صرفها لغير الله جل وعلا من أظهر وجوه الشرك؛ لهذا كان أكثر ما يصنعه الجاهليون في جاهليتهم من مظاهر الشرك: السجود لغير الله جل وعلا كالسجود لشجر أو حجر أو صنم أو كوكب وغير ذلك، وهذا دليل على أهمية الصلاة، سواء كانت سجوداً منفرداً، أو كانت بمعناها العام بالتوجه بالدعاء لغير الله جل وعلا، وهي داخلة في عموم هذا اللفظ.

ركنية الصلاة في الإسلام

الصلاة قد جعلها الله جل وعلا ركناً من أركان الإسلام كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما خبر، كما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً )، وجاء هذا أيضاً حينما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام بالصلاة قارناً لها بالتوحيد، حينما سأله جبريل كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ، وفي مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلاً ).

أهمية الصلاة من جهة حكم تاركها

ولأهمية الصلاة كان الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يبينون منزلتها، وكذلك جاء بيان منزلة عاملها عند الله سبحانه وتعالى في نصوص كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الله جل وعلا قد صدرها في أول قائمة العبادات العملية البدنية؛ وذلك لما لها من مكانة عظيمة جليلة القدر، ويكفي في ذلك أن الشارع الحكيم ما نص على أن ثمة شيئاً من الأعمال إذا تركه الإنسان من أعمال الإسلام يكفر به من الأعمال البدنية إلا الصلاة، وهذا ظاهر في جملة من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً -كما في السنن وغيرها- من حديث بريدة أنه قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).

والصلاة هي الفيصل بين المؤمن والكافر، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتنون بها عناية بالغة، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، ويكفي في هذا أن الشارع الحكيم أوجبها على الإنسان حتى في حال الخوف، فإذا كان في حال الخوف، وفي وجاه العدو، وفي جبهة من الجبهات فإنه يحرم عليه أن يفوت أداء هذه الصلاة، ويجب عليه أن يؤديها متى استطاع وأمكنه ذلك؛ ولهذا شرع في الإسلام صلاة الخوف، وهي على صور وأحكام متعددة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكدون عليها، وكذلك يظهر من عملهم الحرص عليها، كما جاء عند عبد الرزاق من حديث عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس أنه قال: لما طعن عمر احتملته أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله، فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر، فقال رجل: إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، قال: فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين! قال: ففتح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا: نعم، فقال: أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دماً. والمراد من هذا أنه في هذه الحال لم يفوت الصلاة، كذلك أصحابه لم يفوتوا عليه الصلاة، فقالوا: إنه جريح وضرير، وينبغي له أن يرتاح وأن يدع الصلاة، وأن يفوتها لهذه الحال للضرورة، ولكن حرصوا على ذلك.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين أنها النجاة والنور للإنسان يوم القيامة كما روى الإمام أحمد و ابن حبان و الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها كن له نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف )، والمراد من هذا أن الإنسان إذا حشر مع كافر فالأصل أن له حكمه، وأنه إذا حشر مع مؤمن فله الحكم كذلك.

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى عنهم الإطباق والإجماع أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة كما روى ذلك الترمذي من حديث عبد الله بن شقيق.

كذلك كان التابعون كما روى محمد بن نصر المروزي من حديث أيوب بن أبي تميمة أنه قال: ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه. وقد حكى غير واحد من العلماء أن تارك الصلاة كافر، على خلاف عند جماعة من العلماء من المتأخرين: هل هذا الكفر هو من الكفر الأكبر المخرج من الملة أو من الكفر الأصغر؟.

ويكفي أن الله سبحانه وتعالى أمر بها جميع أنبيائه، وجعلها شرعة ظاهرة من العبادات التي تدل على توحيد العابد لله سبحانه وتعالى؛ لهذا لما كانت الصلاة من أظهر وجوه التوحيد الظاهر لله جل وعلا كان صرفها لغير الله جل وعلا من أظهر وجوه الشرك؛ لهذا كان أكثر ما يصنعه الجاهليون في جاهليتهم من مظاهر الشرك: السجود لغير الله جل وعلا كالسجود لشجر أو حجر أو صنم أو كوكب وغير ذلك، وهذا دليل على أهمية الصلاة، سواء كانت سجوداً منفرداً، أو كانت بمعناها العام بالتوجه بالدعاء لغير الله جل وعلا، وهي داخلة في عموم هذا اللفظ.

الصلاة قد جعلها الله جل وعلا ركناً من أركان الإسلام كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما خبر، كما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً )، وجاء هذا أيضاً حينما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام بالصلاة قارناً لها بالتوحيد، حينما سأله جبريل كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ، وفي مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلاً ).

ولأهمية الصلاة كان الصحابة عليهم رضوان الله تعالى يبينون منزلتها، وكذلك جاء بيان منزلة عاملها عند الله سبحانه وتعالى في نصوص كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أن الله جل وعلا قد صدرها في أول قائمة العبادات العملية البدنية؛ وذلك لما لها من مكانة عظيمة جليلة القدر، ويكفي في ذلك أن الشارع الحكيم ما نص على أن ثمة شيئاً من الأعمال إذا تركه الإنسان من أعمال الإسلام يكفر به من الأعمال البدنية إلا الصلاة، وهذا ظاهر في جملة من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً -كما في السنن وغيرها- من حديث بريدة أنه قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ).

والصلاة هي الفيصل بين المؤمن والكافر، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتنون بها عناية بالغة، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، ويكفي في هذا أن الشارع الحكيم أوجبها على الإنسان حتى في حال الخوف، فإذا كان في حال الخوف، وفي وجاه العدو، وفي جبهة من الجبهات فإنه يحرم عليه أن يفوت أداء هذه الصلاة، ويجب عليه أن يؤديها متى استطاع وأمكنه ذلك؛ ولهذا شرع في الإسلام صلاة الخوف، وهي على صور وأحكام متعددة، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكدون عليها، وكذلك يظهر من عملهم الحرص عليها، كما جاء عند عبد الرزاق من حديث عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس أنه قال: لما طعن عمر احتملته أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله، فلم يزل في غشية واحدة حتى أسفر، فقال رجل: إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، قال: فقلنا: الصلاة يا أمير المؤمنين! قال: ففتح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا: نعم، فقال: أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثعب دماً. والمراد من هذا أنه في هذه الحال لم يفوت الصلاة، كذلك أصحابه لم يفوتوا عليه الصلاة، فقالوا: إنه جريح وضرير، وينبغي له أن يرتاح وأن يدع الصلاة، وأن يفوتها لهذه الحال للضرورة، ولكن حرصوا على ذلك.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين أنها النجاة والنور للإنسان يوم القيامة كما روى الإمام أحمد و ابن حبان و الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها كن له نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف )، والمراد من هذا أن الإنسان إذا حشر مع كافر فالأصل أن له حكمه، وأنه إذا حشر مع مؤمن فله الحكم كذلك.

وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى عنهم الإطباق والإجماع أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة كما روى ذلك الترمذي من حديث عبد الله بن شقيق.

كذلك كان التابعون كما روى محمد بن نصر المروزي من حديث أيوب بن أبي تميمة أنه قال: ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه. وقد حكى غير واحد من العلماء أن تارك الصلاة كافر، على خلاف عند جماعة من العلماء من المتأخرين: هل هذا الكفر هو من الكفر الأكبر المخرج من الملة أو من الكفر الأصغر؟.

ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن يقدم بها في مسألة الصلاة هي: ما يتعلق بطهور المؤمن ووضوئه، فنتكلم على شيء سريع في أحكام الوضوء؛ وذلك لأهميتها، ويكفي في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤكد ويحث أصحابه ويجعل الصلاة لا تقبل إلا بطهور كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح قال: ( لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، ولا صدقة من غلول ) والمراد من ذلك أن الرجل إذا أدى الصلاة من غير طهارة فإنه لا يتقبل منه.

وثمة أمر مهم أيضاً ينبغي أن يعلم وهو: أن الوضوء للصلاة من الأمور التي يتفق عليها العلماء، ولا خلاف عندهم فيها، وهي من المسائل الضرورية المعلومة من دين الإسلام بالضرورة، ومن جهل شيئاً منها فيجب عليه أن يتعلم وأن ترفع عنه تلك الجهالة بالعلم.

ومن جحد وجوب الوضوء في الصلاة فقد كفر، ولا خلاف في ذلك؛ وذلك أن الوضوء لا تصح الصلاة إلا به، وما لا يصح الشيء إلا به أخذ حكمه، وهذا بالاتفاق عند العلماء وكان هذا الشيء من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فحكم الوضوء هو كحكم الصلاة من جهة الجحود والنكران، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على الوضوء، حتى إنه كان يتوضأ لكل صلاة كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس بن مالك: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، قال: وكنا نصلي الصلوات الخمس بوضوء واحد )، وكان يحث أصحابه في ابتداء الأمر أن يتوضئوا لكل صلاة، ويأمرهم بذلك عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر عند أبي داود (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر الناس بالوضوء لكل صلاة، فلما شق عليهم أمر بالسواك عند كل صلاة)، وكان عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى يجد قوة ويتوضأ لكل صلاة، حتى إن الصحابة إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاتين أو أكثر بوضوء واحد، فإنهم ربما استنكروا ذلك؛ لأنهم قد اعتادوا من فعله عليه الصلاة والسلام أنه يتوضأ لكل صلاة، كما جاء في عام الفتح حينما فتحت مكة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس بوضوء واحد، فأتاه عمر بن الخطاب فقال: ( يا رسول الله! إنك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه من قبل؟ فقال: عمداً صنعته يا عمر! ) والمراد من ذلك أن الإنسان إذا توضأ بوضوء سابق فإن هذا أمر حسن، إذا لم ينقض وضوءه، وإذا توضأ لكل صلاة فهو أحسن وأتم وأكمل، وهذا مما لا خلاف فيه.

والإنسان إذا أراد أن يتوضأ -وعليه وضوء سابق- فإنه لا يقال إنه يجب عليه أن يستنجي أو يستجمر؛ وذلك أنه لا صلة بين هذا وهذا، بل يقال: إنه يتوضأ ظاهراً وكفى، كذلك فإن الاستنجاء والاستجمار لا يكون إلا من الخارج من السبيلين من البول والغائط، وأما ما كان من غيرها من الريح فإنه لا يجب فيه الاستنجاء والاستجمار.

والإنسان في وضوئه يهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتأكد في حق المتوضئ أن يعمد إلى وضوء طاهر تتحقق فيه الأوصاف، سواء كان ماء بحر أو ماء نهر أو بئر، والأصل في المياه الطهارة ما لم يتغير أحد أوصافها الثلاثة: الريح والطعم واللون بالنجاسة التي تحدث فيها، أو بالمجاورة على قول عامة العلماء.

وكذلك من الأمور المهمة: أن يهتدي المسلم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله، وبفعل أصحابه وما اشتهر واستفاض عنهم.

التسمية قبل الوضوء

ويتأكد في حق الإنسان إذا أراد أن يتطهر أن يذكر اسم الله؛ فقد ثبت هذا عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث أبي هريرة وغيره، ولا يصح في هذا الباب شيء من جهة الأمر، لكن جاء في ذلك جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصح وضوء من لم يذكر اسم الله عليه، وجاء في هذا جملة من الأخبار بألفاظ متنوعة، ولا يصح منها شيء، ولكن الثابت في ذلك عمل الصحابة كما جاء عن عبد الله بن عمر كما قال ذلك الإمام أحمد و أبو حاتم وغيرهم، فيتأكد في حق الإنسان أن يذكر اسم الله عند وضوئه؛ وذلك أن الوضوء من الأفعال التي هي ذات بال، فينبغي للإنسان أن يذكر اسم الله عليها لعموم الأخبار؛ وكذلك لفعل السلف الصالح في ذلك، ومن تركها فوضوؤه صحيح عند عامة العلماء.

غسل الكفين عند الشروع في الوضوء

وكذلك أن يفعل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة وضوئه، فيبدأ بغسل كفيه، ويغسل الكفين ثلاثاً، وأما بالنسبة لغسل الإنسان لكفيه فإنه لا يخلو من حالين: إما أن يكون مستيقظاً من نوم، فإنه يتأكد في حقه تأكداً زائداً أن يغسل يديه ثلاثاً؛ وذلك لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده )، ومن العلماء من يقيد ذلك بنوم الليل، ومنهم من يقده بنوم النهار، والذي يظهر -والله أعلم- أن الأمر متعلق بالليل والنهار؛ وذلك أن العلة تلحق بالنومين؛ وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يدري أين باتت يده ) ومبيت اليد وفقدانها يفقد الإنسان حاله في ذلك سواء كان في نوم ليل أو نوم نهار.

وإنما علق الأمر بالليل فذكر البيتوتة هنا، فقال: ( لا يدري أين باتت يده )؛ لأن الغالب من أحوال الناس أنهم لا ينامون إلا بالليل؛ لأنهم أصحاب كد وكدح في النهار، فينامون ويبكرون في نومهم، فينامون قريباً بعد صلاة العشاء هذه عادتهم أنهم ينامون هذا الوقت، وهذا يدل على أنهم يكتفون بنوم الليل، وربما ناموا وقالوا، وهذا شيء يسير يفعله بعضهم ولا يفعله كلهم، فجاء النص بتعليق ذلك الأمر بالأغلب وهو نوم الليل.

الاستنشاق والاستنثار والمضمضة

وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم ثلاثاً؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام معللاً ذلك قال: ( فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) وهذا فيه إشارة إلى تأكيد الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم مع غسل اليدين.

وكذلك فإن الإنسان في ذلك إذا لم يجد ماء فإنه يتيمم، وهذا الأمر فيه تيسير للأمة ورحمة وشفقة بها، فيتوضأ الإنسان بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل يديه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، والمراد من كف واحدة أنه لا يفصل بينها، فيأخذ كفاً للمضمضة، وكفاً للاستشناق، بل يأخذ كفاً واحدة يمرها على فمه فيتمضمض، ثم الباقي من ذلك يجعله للاستنشاق، والاستنشاق هو أن يجذب الإنسان ماء إلى أنفه ثم يخرجه عن قصد، فيكون الأول الاستنشاق، والثاني هو الاستنثار، والاستنثار لازم للاستنشاق، والاستنشاق لا يلزم منه الاستنثار؛ فإن الإنسان قد يستنشق شيئاً، ثم يدعه يخرج من تلقاء نفسه من غير دفع، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الاستنشاق والاستنثار؛ تطييباً لحال الإنسان في وضوئه وطهوره، كذلك فإنه يتأكد في حق الإنسان أن يتمضمض، وأن يبالغ في المضمضة والاستنشاق كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسند والسنن أنه قال: ( أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) فيستثنى الصائم؛ خشية أن يتخلل وضوءه فيتسلل الماء إلى جوفه من حيث لا يشعر، فيبطل بذلك صيامه، وهذا من أمور الاحتياط حتى يتحقق للإنسان التعبد الكامل في مسألة الصيام، فيتمضمض ويستنشق من كف واحدة.

غسل الوجه

ثم يغسل وجهه ويستوعب الوجه، والوجه حده من منابت الشعر في الوجه إلى أسفل الذقن، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن الأخرى، وسمي وجهاً؛ لأن واجه به الإنسان يواجه به غيره، ولا يدخل في ذلك الرقبة، ولا يدخل في ذلك الأذنان ولا الرأس، وهذا من الأمور التي ينبغي ضبطها، فبعض الناس يبالغ في ذلك ربما وصل الماء إلى رقبته، فقام بغسلها، وكذلك غسل الأذنين، وهذا ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تخليل اللحية

والإنسان إذا كان كث اللحية فإنه يتأكد في حقه أن يخللها؛ لعموم تأكيد غسل الوجه، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خلل لحيته في خبر من الأخبار، وقد جاء في ذلك في المسند وكذلك السنن من حديث عثمان بن عفان -والحديث فيه ضعف- ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته ) ، وجاء أيضاً في جملة من الأخبار، وفيها ضعف، ولكن جاء ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين أنهم كانوا يخللون، فيكون التخليل من السنة، كذلك بقياس الأولى إذا كان الشارع الحكيم قد حث على تخليل الأصابع، والأصابع ظاهرة، وكذلك وصول الماء إليها أظهر من وصول الماء إلى بشرة الإنسان إذا كان كث اللحية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخليل الأصابع كما تقدم في حديث لقيط ، كذلك قد جاء في حديث المستورد عند البيهقي وغيره (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخلل أصابع رجليه بخنصره) فإذا كان ذلك في الأصابع الظاهرة، والإنسان يخللها حتى يصل إليها الماء؛ فإن اللحية من باب أولى، ولكن لا يكون ذلك إلى درجة الغسل، بحيث إن الإنسان يبلل اللحية بالكامل، كحال الإنسان الذي يغتسل، يقال: إن حكم الاغتسال يختلف عن حكم الوضوء.

غسل اليدين إلى المرفقين

ثم بعد ذلك يغسل يديه إلى المرفقين، وغسل اليدين إلى المرفقين يكون من أطراف الأصابع إلى المرفقين، كما كان ظاهر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإدخاله المرفقين في الغسل هذا من الأمور المتأكدة وهو قول جماهير الفقهاء، ومن العلماء من قال: إن ذات المرفق لا يدخل في ذلك، وهو الغاية التي يتوقف عنده الإنسان، والصواب في ذلك: أنه يغسله؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام غسل يديه إلى المرفقين، وهذا هو ظاهر الآية إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] إشارة إلى دخولها، وهنا غائية تغني: حتى يبلغ، ومن لم يبلغها فإنه لا يقال: إنه قد بلغ كذا، وإنما قرب منها.

وغسل اليدين يكون من أطراف الأصابع، وثمة خطأ يقع فيه كثير من الناس أنه يبدأ غسل اليدين من مفصل الكف إلى المرفق، ويقول: اكتفي بالغسلة الأولى للكف، يقال: إن الغسلة الأولى سنة، والغسلة الثانية التي هي من أطراف الأصابع إلى المرفقين هذا من الأمور الواجبة، ولا خلاف عند العلماء في ذلك.

وينبغي للإنسان أن يأخذ لكل عضو ماء جديداً كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، إلا ما كان مشتركاً ودل الدليل عليه، كمسألة المضمضة والاستنشاق فيما تقدم الكلام عليه، كما جاء في حديث عبد الله بن عباس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمضمض ويستنشق من كف واحدة )، أي: أنه لا يفصل بينها، والحديث الذي فيه الفصل حديث ضعيف، وهو حديث ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفصل بين المضمضة والاستنشاق ).

مسح الرأس والأذنين

كذلك من الأمور المهمة التي ينبغي للإنسان أن يكون على بينة فيها في مسائل الطهارة: أنه يتأكد في حقه أن يمسح رأسه بماء جديد، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كما جاء في صحيح الإمام مسلم ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء غير الماء الذي أخذه ليديه ) ، بعض الناس حينما يغسل اليدين -ولقرب الرأس منها، والرأس ممسوح، واليدين مغسولة- يقوم بمسح رأسه ببقايا الماء الذي في اليدين، يقال: إن هذا خلاف السنة، ولو فعله أجزأ، ولكن الأولى أن يأخذ ماء جديداً، فيقوم بمسح رأسه.

وأما مسح الأذنين فهو تبع لغسل الرأس، وأما بالنسبة لمسح العنق فلا يثبت في مسح العنق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، سواء القذال -وهو آخر الرأس من الخلف، وهو العنق من الخلف- أم مسح العنق من الأمام؛ فكل ذلك لا يستحب غسله، وقد جاء في ذلك عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، وجاء أيضاً عن بعض السلف، ولا دليل على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه الأمور لو جاء فيها الدليل، أو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لورد بأصح الأسانيد؛ للحاجة الماسة إليه؛ فإن هذا من الأمور التي تعم بها البلوى، ويفعلها الإنسان في كل يوم وليلة مرات.

فينبغي للإنسان أن يمسح رأسه وأذنيه بماء واحد، ويكون ذلك مسحاً لا يكون غسلاً.

وأما مسح الأذنين فجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال، وجاء فيه جملة من الصفات أن النبي مسح الأذنين، ولا يثبت في صفة مسح الأذنين شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء في ذلك جملة من الأحاديث أنه يمسح ظاهرهما وباطنهما، جاء هذا في بعض الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث المقدام بن معدي كرب ، وجاء أيضاً في حديث عبد الله بن عباس وغيرهما، ولكن هذه الأحاديث كلها معلولة، ولكن يقال: إن مسح الرأس واجب -وهو ركن من أركان الوضوء- وأما مسح الأذنين فسنة، وهذا محل اتفاق عند العلماء، ولم يخالف في ذلك -فيما أعلم- إلا بعض التابعين من متأخريهم، ومن ترك مسح الأذنين متعمداً أو ناسياً فوضوؤه صحيح، ومن تركه متعمداً فقد خالف السنة، والسنة في ذلك أن يمسح الأذنين، وقد جاء في ذلك ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل أصبعيه في سماخ أذنيه )، والحديث في ذلك أيضاً ضعيف، ولكن يمسح الإنسان الباطن والظاهر حتى يتحقق في ذلك المسح.

كيفية مسح الرأس

ويجزئ من الرأس أن يمسح الإنسان بعضه -على خلاف عند العلماء في القدر المجزأ في ذلك- والأولى في هذا أن يمسح الإنسان أكثره، أو يستوعبه كله كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل كما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بيديه فأقبل بيديه وأدبر ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه )، إشارة إلى أنه مسح رأسه ذهاباً وإياباً، إشارة إلى الاستيعاب والتأكيد، وأنه ينبغي للإنسان أن يستوعب العضو، وأما الإنسان الذي يمسح بعض الرأس كالذي يكون عليه عمامة أو طاقية أو قبعة فيمسح فيزيلها، ثم يمسح إلى نصف الرأس ولا يوصله إلى الخلف فوضوؤه في ذلك مجزأ، وقد جاء عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه مسح اليافوخ فقط، يعني: اكتفى بمسح اليافوخ عن بقية الرأس، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح ناصيته حينما كانت له عمامة، وقد جاء هذا في حديث أنس بن مالك، ولكن يقال: إن هذا متعلق بحال الإنسان إذا كان عليه عمامة.

ويمسح الرأس والأذنين مسحة واحدة، وأما بقية الأعضاء فينبغي للإنسان أن يغسلها ثلاثاً هذا أعلى المراتب، ولا يزيد في ذلك من غير سرف، والسنة في هذا أن يغسلها ثلاثاً، فقد ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثلاثاً ثلاثاً )، وقد جاء عنه أنه توضأ مرتين مرتين، وجاء عنه أنه توضأ مرة مرة، كما جاء في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس ، وإن زاد على ثلاث فقد أساء وبالغ وغلا، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام توضأ ثلاثاً ثلاثاً، فقال: ( من زاد على هذا فقد أساء وظلم ) يعني: أن الإنسان إذا زاد عن ثلاث غسلات في وضوئه فقد أساء وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وظلم، أي: ظلم غيره بأحقيته بهذا الماء الذي أسرف فيه، والسنة في ذلك أن يكتفى بالقدر الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

غسل القدمين

وكذلك بعد مسحه للرأس يغسل القدمين إلى الكعبين، ويحتاط في هذا ألا يبقى من مواضع أعضائه شيء؛ فإن الإنسان إذا بقي منه شيء ولو لمعة يسيرة فإنه يتأكد في حقه أن يعيد الوضوء، وأن يحسن وضوءه، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً على قدمه مثل اللمعة قدر الظفر لم يصبها الماء، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحسن الوضوء )، ومعنى الإحسان أنه يأتي إلى هذه البقعة ويقوم بوضع الماء عليها.

الترتيب في تطهير أعضاء الوضوء

وينبغي الإشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يرتب بين الأعضاء كما جاءت في القرآن وجاء في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه في حديث عثمان وحديث علي بن أبي طالب ، وأن لا يقدم عضواً على آخر؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم رتب أفعال الحج في الصفا والمروة، فقال: ( أبدأ بما بدأ الله به ) كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح، وكذلك في سنن النسائي، وجاء في لفظ: ( ابدؤوا بما بدأ الله به ).

والمراد من هذا أنه ينبغي للإنسان أن يلتزم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في طهارته، وكذلك في أدائه العبادة؛ فإن هذه الأمور هي من الأفعال التعبدية وليست من أفعال العادات التي يخير الإنسان بالصيغة الأصلح في ذلك، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حسم هذا الأمر، وأمر بالاقتداء والاهتداء بسنته، والأمر في هذا هو منه ما كان على الاستحباب في بعض أفعال الوضوء كالعدد في الوضوء من اثنين أو ثلاثة، والواجب في ذلك أن يكون مرة واحدة لجميع الأعضاء.

قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الألفاظ زيادة أنه مسح رأسه مرتين، وجاء فيه ثلاث، وهذه الزيادات زيادات غير محفوظة وشاذة ولا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم أحداً من الصحابة مسح رأسه أكثر من مرة، وإنما يأتي المسح على سبيل الإجمال، أما إدخال الماء إلى العينين أو الزيادة عن مواضع الوضوء، كأن يبلغ الإنسان ماءه إلى الساق، أو ربما غسل شيئاً من رأسه وناصيته، فيقال: إن الشعر، وأما بالنسبة للوجه فإنه يغسل، والمراد من هذا أن الزيادة على ذلك هي اجتهاد من بعض الصحابة كما جاء عن أبي هريرة وجاء عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى، والسنة في ذلك أن يقوم الإنسان بالعمل الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدعاء عقب الوضوء

فإذا انتهى الإنسان من وضوئه فإنه ينبغي له أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أو أن محمداً عبده ورسوله، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذكر ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في الصحيح، وجاء عنه أنه يقول: ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، وينظر إلى السماء )، وهذه المسألة مسألة اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين لا يثبت إسنادها عن رسول الله، والثابت في ذلك أنه يتشهد الشهادتين، وأما النظر إلى السماء فالنبي كان كثيراً ما ينظر إلى السماء، وهو مقترن بالدعاء، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح من حديث أبي موسى ( كان ينظر إلى السماء، وكان كثيراً ما ينظر إليها ) وكذلك ما جاء في صحيح الإمام مسلم ( أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما استطعم رفع بصره إلى السماء، قال المقداد عليه رضوان الله تعالى قال: فخشيت أن يدعو علي، فقال: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني ) إشارة إلى أن الإنسان إذا نظر إلى السماء فهذا من مواضع الدعاء؛ لهذا يقال: حتى لو كان الإسناد في ذلك ضعيفاً، فإن الإنسان إذا رفع بصره إلى السماء في حال ذكره أو دعائه فإن هذا من الأمور المستحبة، وهي من السنن المهجورة التي يهجرها كثير من الناس في النظر إلى السماء عند الذكر، أو عند الشهادتين ما تمكن من ذلك.

وأحكام الوضوء والطهارة هي من المسائل الكثيرة التي ينبغي أن يرجع فيها إلى مظانها، ولكن هذا هو على سبيل الإجمال، والأصل في كلامنا هنا ما يتعلق بأحكام الصلاة والعناية بها، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنايتهم في هذه المسألة ظاهرة جليلة، والنصوص في ذلك أيضاً من الكتاب والسنة، ومن آثار الصحابة والتابعين هي كثيرة جداً.

ويتأكد في حق الإنسان إذا أراد أن يتطهر أن يذكر اسم الله؛ فقد ثبت هذا عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله، وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كحديث أبي هريرة وغيره، ولا يصح في هذا الباب شيء من جهة الأمر، لكن جاء في ذلك جملة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصح وضوء من لم يذكر اسم الله عليه، وجاء في هذا جملة من الأخبار بألفاظ متنوعة، ولا يصح منها شيء، ولكن الثابت في ذلك عمل الصحابة كما جاء عن عبد الله بن عمر كما قال ذلك الإمام أحمد و أبو حاتم وغيرهم، فيتأكد في حق الإنسان أن يذكر اسم الله عند وضوئه؛ وذلك أن الوضوء من الأفعال التي هي ذات بال، فينبغي للإنسان أن يذكر اسم الله عليها لعموم الأخبار؛ وكذلك لفعل السلف الصالح في ذلك، ومن تركها فوضوؤه صحيح عند عامة العلماء.

وكذلك أن يفعل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة وضوئه، فيبدأ بغسل كفيه، ويغسل الكفين ثلاثاً، وأما بالنسبة لغسل الإنسان لكفيه فإنه لا يخلو من حالين: إما أن يكون مستيقظاً من نوم، فإنه يتأكد في حقه تأكداً زائداً أن يغسل يديه ثلاثاً؛ وذلك لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه قال: ( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً؛ فإنه لا يدري أين باتت يده )، ومن العلماء من يقيد ذلك بنوم الليل، ومنهم من يقده بنوم النهار، والذي يظهر -والله أعلم- أن الأمر متعلق بالليل والنهار؛ وذلك أن العلة تلحق بالنومين؛ وذلك أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( لا يدري أين باتت يده ) ومبيت اليد وفقدانها يفقد الإنسان حاله في ذلك سواء كان في نوم ليل أو نوم نهار.

وإنما علق الأمر بالليل فذكر البيتوتة هنا، فقال: ( لا يدري أين باتت يده )؛ لأن الغالب من أحوال الناس أنهم لا ينامون إلا بالليل؛ لأنهم أصحاب كد وكدح في النهار، فينامون ويبكرون في نومهم، فينامون قريباً بعد صلاة العشاء هذه عادتهم أنهم ينامون هذا الوقت، وهذا يدل على أنهم يكتفون بنوم الليل، وربما ناموا وقالوا، وهذا شيء يسير يفعله بعضهم ولا يفعله كلهم، فجاء النص بتعليق ذلك الأمر بالأغلب وهو نوم الليل.

وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم ثلاثاً؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام معللاً ذلك قال: ( فإن الشيطان يبيت على خيشومه ) وهذا فيه إشارة إلى تأكيد الاستنثار عند الاستيقاظ من النوم مع غسل اليدين.

وكذلك فإن الإنسان في ذلك إذا لم يجد ماء فإنه يتيمم، وهذا الأمر فيه تيسير للأمة ورحمة وشفقة بها، فيتوضأ الإنسان بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغسل يديه ثلاثاً، ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، والمراد من كف واحدة أنه لا يفصل بينها، فيأخذ كفاً للمضمضة، وكفاً للاستشناق، بل يأخذ كفاً واحدة يمرها على فمه فيتمضمض، ثم الباقي من ذلك يجعله للاستنشاق، والاستنشاق هو أن يجذب الإنسان ماء إلى أنفه ثم يخرجه عن قصد، فيكون الأول الاستنشاق، والثاني هو الاستنثار، والاستنثار لازم للاستنشاق، والاستنشاق لا يلزم منه الاستنثار؛ فإن الإنسان قد يستنشق شيئاً، ثم يدعه يخرج من تلقاء نفسه من غير دفع، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الاستنشاق والاستنثار؛ تطييباً لحال الإنسان في وضوئه وطهوره، كذلك فإنه يتأكد في حق الإنسان أن يتمضمض، وأن يبالغ في المضمضة والاستنشاق كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسند والسنن أنه قال: ( أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) فيستثنى الصائم؛ خشية أن يتخلل وضوءه فيتسلل الماء إلى جوفه من حيث لا يشعر، فيبطل بذلك صيامه، وهذا من أمور الاحتياط حتى يتحقق للإنسان التعبد الكامل في مسألة الصيام، فيتمضمض ويستنشق من كف واحدة.

ثم يغسل وجهه ويستوعب الوجه، والوجه حده من منابت الشعر في الوجه إلى أسفل الذقن، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن الأخرى، وسمي وجهاً؛ لأن واجه به الإنسان يواجه به غيره، ولا يدخل في ذلك الرقبة، ولا يدخل في ذلك الأذنان ولا الرأس، وهذا من الأمور التي ينبغي ضبطها، فبعض الناس يبالغ في ذلك ربما وصل الماء إلى رقبته، فقام بغسلها، وكذلك غسل الأذنين، وهذا ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.