عرض كتاب الإتقان (39) - النوع الحادي والأربعون في معرفة إعرابه [1]


الحلقة مفرغة

علماء أفردوا علم الإعراب بالتأليف

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فقد انتهينا -ولله الحمد والمنة- من تعليق موجز جداً على ما يتعلق بالنوع الأربعين وهو معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر، وتتبع هذه الأدوات يطول، فاكتفينا ببعض التعليقات التي توضح الحاجة إلى هذه الأدوات.

وسنأخذ النوع الحادي والأربعين قال: [ في معرفة إعرابه ]، يعني: علم الإعراب، لكنه هنا مخصوص بإعراب القرآن.

ذكر المؤلف من أفرده بالتأليف، ثم ذكر من فوائد هذا النوع، ثم ذكر بعض القواعد المرتبطة بهذا النوع وهو معرفة إعرابه، وأيضاً هذا الموضوع أطال فيه، ولعلنا نقسم الحديث عنه في جلستين.

ولو سأل سائل: هل المفسر محتاج للإعراب أم لا؟ بمعنى: هل علم الإعراب من علوم التفسير، أو هو من علوم القرآن التي لا يحتاج إليها التفسير الذي هو فهم المعنى؟ هذا السؤال أسأله وأرجئه؛ لأنه سيأتينا نقاش وسنبني عليه ما يتعلق بهذا الموضوع.

ممن ذكر أنه أفرده بالتصنيف خلائق ذكر منهم: مكي بن أبي طالب ، وكتابه المشكل في إعراب القرآن مطبوع، وذكر أيضاً كتاباً للحوفي ، وقال: هو أوضحها، وهناك خلاف عند بعض من كتب في ترجمة الحوفي هل له كتاب مستقل في علوم القرآن، أو هو ضمن كتابه البرهان في علوم القرآن؟ وهذا هو الاسم الصحيح لكتاب الحوفي ، خلافاً لمن ذكر أن الصحيح أنه البرهان في تفسير القرآن؛ لأنه قد ورد بالأسانيد عن الحوفي أنه البرهان في علوم القرآن.

وأيضاً أبو البقاء العكبري كتابه مطبوع، قال: وهو أشهرها، ثم ذكر كتاب السمين قال: [ وهو أجلها على ما فيه من حشو وتطويل، ولخصه السفاقسي فجوده ]، وقد استدرك المحققون بأن السفاقسي لخص كتاب أبي حيان وليس كتاب السمين الحلبي تلميذ أبي حيان ، ثم ذكر أيضاً تفسير أبي حيان وأنه مشحون بالإعراب.

أهمية كتاب الدر المصون وفوائده

وما ذكره عن السمين الحلبي صحيح، وهو عندي أجود كتب الإعراب، الذي هو الدر المصون، والفرق بينه وبين أبي حيان : أن كتاب السمين كتاب منظم من حيث المعلومات، وليس كما قال السيوطي رحمه الله تعالى: بأن فيه حشواً وتطويلاً؛ لأن قضية الحشو والتطويل نسبية، وكتاب السمين الحلبي كتاب مركز في النقاشات النحوية المرتبطة بالقرآن، وأنا أنصح طالب علم التفسير باقتناء هذا الكتاب؛ لأنه يفك له مشكلات في المعاني إذا قرأ في هذا الكتاب قراءة متأنية، فكم من مشكل في المعنى يفك إذا قرئ هذا الكتاب، خصوصاً كما قلت إنه كتاب منظم، أما كتاب شيخه فإنه كتاب قد احتوى على النحو وإن كان في التفسير؛ ولهذا جاء كتاب الشيخ غير منظم، ومادته أوسع من مادة السمين الحلبي .

ويتميز أيضاً السمين الحلبي بالاعتدال في مواقفه، فهو رحمه الله تعالى لا ينتصر لشيخه أبي حيان لأنه شيخه، وإنما ينتصر للحق إذا رآه؛ ولهذا قد يعترض على شيخه أبي حيان مع إجلاله له، و أبو حيان قد يعترض على الزمخشري مع ما بين الزمخشري وأبي حيان من خلاف في الاعتقاد، وكذلك السمين ، إلا أن السمين يلاحظ عليه أنه أقل تشنجاً من شيخه أبي حيان في التعامل مع الزمخشري ؛ ولهذا قد ينتصر للزمخشري على شيخه.

ومن حيث العموم فالكتاب مهم جداً، ونحن أحياناً في الدرس نستفيد من هذا الكتاب؛ لفك بعض الغوامض التي تعترضنا في فهم معاني القرآن وأحياناً في فهم بعض تفسيرات السلف، وأحياناً في فهم المعنى الجملي للآية؛ لأنه يفك لنا بعض الإشكالات.

فوائد علم الإعراب

ثم يقول بعد ذلك: [ ومن فوائد هذا النوع: معرفة المعنى؛ لأن الإعراب يميز المعاني، ويوقف على أغراض المتكلمين ].

وفي السطرين الأخيرين، في طبعة المجمع، يقول: [ ويجب عليه ] يعني: على المعرب، [ ويجب عليه مراعاة أمور:

أحدها: وهو أول واجب عليه: أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الإعراب، فإنه فرع المعنى؛ ولهذا لا يجوز.. ] إلى آخر كلامه سنأتي إليه.

التوفيق بين قول السيوطي: من فوائد الإعراب معرفة المعنى وقوله: إن الإعراب فرع المعنى

يقول: [ من فوائد هذا النوع: معرفة المعنى؛ لأن الإعراب يميز المعاني ]، وهنا يقول بعدها بأسطر: [ أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الإعراب؛ فإنه فرع المعنى ]، هذا الكلام أليس فيه تناقض؟ الآن مطلوب منا أن نعرب لنفهم أو نفهم لنعرب؟ واضحة الإشكالية؟ يعني: السيوطي رحمه الله تعالى في الأول يقول: [ أعرب لتفهم ]؛ لأنه قال: [ معرفة المعنى؛ لأن الإعراب يميز المعاني ]، بعدها بأسطر قال [ أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الإعراب؛ فإنه فرع المعنى ]، وهذا فيه إشكال.

وهنا يحسن أن نتنبه إذا استطعنا أن نجد لكلام العالم وجهاً وسبيلاً فالأولى أن نسلكه؛ حفاظاً على رأي العالم، خصوصاً إذا كان العالم عنده شيء من التحرير، أو أن يكون محرراً؛ فإنه لا يمكن أن يقول هذا في أسطر متقاربة، إلا أن يكون قد غفل وذهل عن ما قاله، وهذا قد يقع؛ لأن من عادة البشر النقص، لكن نحن نحاول هنا أن نذكر توجيهاً نسلك به صحة القولين، القول الأول صحيح، والقول الثاني صحيح، فكيف يمكن أن نميز بينهما؟ فنقول: إذا رجعنا إلى الأصل فأيهما الأصل الإعراب أو المعنى؟ الأصل المعنى، ويكون الإعراب فرع المعنى، وعلى هذا جرى تفسير السلف قاطبةً، أعني: تفسير السلف من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، فهم لم يتكلموا عن الإعراب، وإنما تكلموا عن المعاني، فلو قلنا: إنه يلزم الإعراب لفهم المعنى، فنقول: إن السلف لم يتكلموا في الإعراب، وإن كان الإعراب جبلةً لهم؛ لأنهم يفهمون المعاني، ما يقع عندهم إشكال، لكن لما صار الإعراب صنعةً صار يوصل إلى المعاني، فإذاً بالنسبة لنا نحن نحتاج للإعراب أحياناً لفهم المعنى، ونفهم المعنى أحياناً؛ لكي نعرب، فإذاً نحن ندور بين الأمرين، نبحث عن المعنى من جهة الإعراب، ونبحث عن الإعراب من جهة المعنى، فإذا أخذنا هذا الأمر بهذه الصورة فلا يكون هناك تناقض في الكلام، فهذا صحيح، فلسنا نحتاج للإعراب مطلقاً، ولكن نحتاج فهم المعنى مطلقاً؛ لأن الإعراب فرع المعنى.

حاجة المفسر لعلم الإعراب

بناءً على هذا الكلام فالمفسر محتاج إلى الإعراب؛ لأن علم الإعراب بالنسبة للمفسرين المتأخرين من الأدوات التي يحتاجونها بلا ريب، لكن حينما نقول: علم الإعراب مما يحتاجه المفسر لا يفهم من هذا أننا نطالب المفسر بأن يكون كـأبي حيان عارفاً بدقائق علم النحو، وإنما المقصود أن يكون عارفاً بأصول هذا العلم، بحيث إنه إذا فسر لا يقع عنده إشكال في فهم المعاني.

آثار تحث على تعلم الإعراب

ثم ذكر بعض الآثار في قضية تعلم اللحن، والمقصود باللحن هنا اللغة وأصول الإعراب؛ ولهذا أورد عن عمر بن الخطاب قال: تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن.

كذلك أورد ما روي عن الحسن ، [ قال يحيى بن عتيق : قلت للحسن : يا أبا سعيد ! الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته. قال: حسن يا ابن أخي! فتعلمها؛ فإن الرجل يقرأ الآية فيعيا بوجهها، فيهلك فيها ]. وهذا يشمل المعنى، ويشمل كذلك الإعراب.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فقد انتهينا -ولله الحمد والمنة- من تعليق موجز جداً على ما يتعلق بالنوع الأربعين وهو معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر، وتتبع هذه الأدوات يطول، فاكتفينا ببعض التعليقات التي توضح الحاجة إلى هذه الأدوات.

وسنأخذ النوع الحادي والأربعين قال: [ في معرفة إعرابه ]، يعني: علم الإعراب، لكنه هنا مخصوص بإعراب القرآن.

ذكر المؤلف من أفرده بالتأليف، ثم ذكر من فوائد هذا النوع، ثم ذكر بعض القواعد المرتبطة بهذا النوع وهو معرفة إعرابه، وأيضاً هذا الموضوع أطال فيه، ولعلنا نقسم الحديث عنه في جلستين.

ولو سأل سائل: هل المفسر محتاج للإعراب أم لا؟ بمعنى: هل علم الإعراب من علوم التفسير، أو هو من علوم القرآن التي لا يحتاج إليها التفسير الذي هو فهم المعنى؟ هذا السؤال أسأله وأرجئه؛ لأنه سيأتينا نقاش وسنبني عليه ما يتعلق بهذا الموضوع.

ممن ذكر أنه أفرده بالتصنيف خلائق ذكر منهم: مكي بن أبي طالب ، وكتابه المشكل في إعراب القرآن مطبوع، وذكر أيضاً كتاباً للحوفي ، وقال: هو أوضحها، وهناك خلاف عند بعض من كتب في ترجمة الحوفي هل له كتاب مستقل في علوم القرآن، أو هو ضمن كتابه البرهان في علوم القرآن؟ وهذا هو الاسم الصحيح لكتاب الحوفي ، خلافاً لمن ذكر أن الصحيح أنه البرهان في تفسير القرآن؛ لأنه قد ورد بالأسانيد عن الحوفي أنه البرهان في علوم القرآن.

وأيضاً أبو البقاء العكبري كتابه مطبوع، قال: وهو أشهرها، ثم ذكر كتاب السمين قال: [ وهو أجلها على ما فيه من حشو وتطويل، ولخصه السفاقسي فجوده ]، وقد استدرك المحققون بأن السفاقسي لخص كتاب أبي حيان وليس كتاب السمين الحلبي تلميذ أبي حيان ، ثم ذكر أيضاً تفسير أبي حيان وأنه مشحون بالإعراب.

وما ذكره عن السمين الحلبي صحيح، وهو عندي أجود كتب الإعراب، الذي هو الدر المصون، والفرق بينه وبين أبي حيان : أن كتاب السمين كتاب منظم من حيث المعلومات، وليس كما قال السيوطي رحمه الله تعالى: بأن فيه حشواً وتطويلاً؛ لأن قضية الحشو والتطويل نسبية، وكتاب السمين الحلبي كتاب مركز في النقاشات النحوية المرتبطة بالقرآن، وأنا أنصح طالب علم التفسير باقتناء هذا الكتاب؛ لأنه يفك له مشكلات في المعاني إذا قرأ في هذا الكتاب قراءة متأنية، فكم من مشكل في المعنى يفك إذا قرئ هذا الكتاب، خصوصاً كما قلت إنه كتاب منظم، أما كتاب شيخه فإنه كتاب قد احتوى على النحو وإن كان في التفسير؛ ولهذا جاء كتاب الشيخ غير منظم، ومادته أوسع من مادة السمين الحلبي .

ويتميز أيضاً السمين الحلبي بالاعتدال في مواقفه، فهو رحمه الله تعالى لا ينتصر لشيخه أبي حيان لأنه شيخه، وإنما ينتصر للحق إذا رآه؛ ولهذا قد يعترض على شيخه أبي حيان مع إجلاله له، و أبو حيان قد يعترض على الزمخشري مع ما بين الزمخشري وأبي حيان من خلاف في الاعتقاد، وكذلك السمين ، إلا أن السمين يلاحظ عليه أنه أقل تشنجاً من شيخه أبي حيان في التعامل مع الزمخشري ؛ ولهذا قد ينتصر للزمخشري على شيخه.

ومن حيث العموم فالكتاب مهم جداً، ونحن أحياناً في الدرس نستفيد من هذا الكتاب؛ لفك بعض الغوامض التي تعترضنا في فهم معاني القرآن وأحياناً في فهم بعض تفسيرات السلف، وأحياناً في فهم المعنى الجملي للآية؛ لأنه يفك لنا بعض الإشكالات.

ثم يقول بعد ذلك: [ ومن فوائد هذا النوع: معرفة المعنى؛ لأن الإعراب يميز المعاني، ويوقف على أغراض المتكلمين ].

وفي السطرين الأخيرين، في طبعة المجمع، يقول: [ ويجب عليه ] يعني: على المعرب، [ ويجب عليه مراعاة أمور:

أحدها: وهو أول واجب عليه: أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الإعراب، فإنه فرع المعنى؛ ولهذا لا يجوز.. ] إلى آخر كلامه سنأتي إليه.