فاحشة الزنا


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً يليق بجلال الله وعظيم سلطانه، نحمده سبحانه أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].

معاشر الأحبة: يقول الله جل وعلا: وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام:151] وقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا).

أيها الأحبة في الله! جريمة الزنا فاحشةٌ منطلقها من غريزةٍ موجودةٍ في بني الإنسان، لكن صاحب تلك الغريزة لم يتحكم بها، ولم يجعلها منضبطةً على النحو الشرعي الذي جاء المسلم في كتاب ربه وسنة نبيه، ودين الإسلام لم يكبت الغرائز، ولم يطلق لها العنان، إن دين الإسلام لم يطلق للغرائز العنان تسبح حيث شاءت وكيف شاءت بلا حدود، ولا روادع تردعها من دينٍ أو خلقٍ أو عرف -كما هو الشأن في المذاهب الإلحادية التي لا تؤمن بدين، ولا فضيلة- وفي هذا انحطاطٌ بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، وإفساد للفرد والأسرة والمجتمع، حينما يترك العنان طليقاً للغرائز تعبث كيف شاءت، ودين الإسلام لم يصادم الغريزة، ولم يكبتها كما هو الشأن في مذاهب الحرمان والتقشف والتشاؤم، كالرهبانية والمانوية ، ومن فعل بالغريزة هذا الموقف، فقد وأدها، وعطل عملها، ووقع في منافاة الحكمة التي من أجلها ركبت في الإنسان، إن دين الإسلام جعل لهذه الغريزة حدوداً تنطلق في داخلها وضمن إطارها دون كبت مرذول، أو انطلاق مجنون.

أيها الأحبة في الله! إن دين الإسلام لم يجعل هذه الغريزة مكبوتةً ولم يجعلها طليقة، بل وظفها ضمن إطار نافع للفرد وللمجتمع، خلافاً لتلك الشرائع التي أباحت الانفتاح والانحلال، والعلاقات الاجتماعية المفتوحة.

أيها الأحبة! إن هذا الدين الذي يسر لهذه الغريزة سبيلاً من الحلال، ونهى صاحبها عن التبتل واعتزال النساء، هو الدين الذي حرم الزنا، وهذا هو الموقف العدل الوسط، فلولا أن شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها في استمرار الإنسان وبقاء نوعه، وما نشأت الأسرة التي تتكون في ظلالها العواطف الاجتماعية الراقية، من المودة والرحمة والحنان والحب والإيثار.

عباد الله! إذا رأينا الإسلام قد حارب الزنا وشدد في النهي عنه، والتحذير منه، ذلك لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب والجناية على النسل، وانحلال الأسر، وتفكك الروابط، وانتشار الأمراض السارية، وطغيان الشهوات، وانهيار الأخلاق، يقول ابن القيم رحمه الله: والزنا يجمع خلال الشر كلها، من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورعٌ، ولا وفاءٌ بعهد، ولا صدقٌ في حديث، ولا محافظةٌ على صديق، ولا غيرةٌ تامةٌ على أهله، فالغدر والكذب وقلة الحياء والخيانة، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للمحارم، وذهاب الغيرة، هي خلق الزاني.

ومن موجبات هذا الزنا: غضب الرب عليه بإفساده، ومن موجباته: سواد وجه صاحبه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومن موجبات الزنا: ظلمة القلب، وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه، وغشيان الظلمة له، ومن موجبات الزنا: الفقر اللازم، ومن موجبات الزنا: أنه يذهب حرمة فاعله، فيسقط من عين الله، وأعين عباده المؤمنين، ومن موجباته: أنه يسلب الزاني أحسن الأسماء وهو العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها، كالفجور والفسق والزنا والخيانة.

قال الإمام أحمد رحمه الله: لا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنا، وقد أكد حرمته سبحانه وتعالى بقوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:69-70] وقد قرن الله الزنا بالشرك وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، وقد قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] فأخبر عن فحشه في نفسه، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه، حتى استقر فحشه في العقول حتى عند كثير من الحيوانات، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون، قال: [رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة، فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا].

أيها الإخوة في الله! إن الزنا مرضٌ خُلقيٌّ خبيثٌ؛ لا يظهر ويشيع إلا في المجتمعات المنحرفة التي تدنت إلى رجس الجاهلية وقذارتها، وإن الزاني رجلٌ منحرفٌ قد مسخت فطرته وانقلبت، كيف لا والخالق سبحانه وتعالى قد قرنه مع المشركين وقاتلي الأنفس التي حرمها الله بغير حق! وكيف لا يكون الزاني كذلك وقد انتهك عرضاً! واستحل حرمةً! وزرع بذرةً في أرض غيره! ولو تبصرت بعين العقل، وتأملت بعين الفكر طفلةً ضائعةً شريدةً جاءت ثمرة مرة لشهوة لحظة، هذه الطفلة الغضة البريئة، أو هذا الطفل الغض البريء، ماذا جنى أحدهما؟ يفتح عينه على الحياة، فلا يجد إلا أحضان مومسةٍ تتلقفه، أية جريمة اقترفها أحدهما حتى يحرم من حقوق الرضاعة والنفقة والحضانة؟! أية جريمة اقترفها حتى يحرم من دفء الحياة ونعيمها بين أبوين شرعيين؟!

أيها الإخوة! ليس هذا اعتراضاً على قدر الله، بل هو مضاعفة وتوجيه لإثم كل ذلك على الزاني الذي تسبب في ذلك وأحدثه في المجتمع، إن الزاني النجس قد يصور له وهمه أنه كالفراشة ينتقل من زهرة إلى زهرة، من امرأة إلى امرأة، من فتاة إلى فتاة، من غصن إلى غصن، لكن تصوره خاطئ، إنه -والله- كالكلب ينتقل من جيفة إلى جيفة قذرة، من جيفة نتنة إلى جيفة عفنة، يصور لنفسه أنه يعيش حياة الانطلاق والانفتاح، وفي الواقع أنه يعيش أسير المعصية، سجين الأوهام، يعيش ضائعاً تائهاً شريداً، لا يستطيع الإقدام على الزواج ومسئولياته كما يقدم الرجال، لأنه مصابٌ بنقصٍ في رجولته، وانحرافٍ في طبيعته، أما الزانية فإنها مخلوقةٌ شاذة، وشذوذها لا يتفق مع طبيعة الرجل العادية من الناحية العقلية والنفسية والجنسية والأخلاقية، فالزانية مسلوبة الشرف والعفاف ظاهرة اللؤم والخداع والنفاق، ترضي كل طارق، وتدعي حب كل زاني، تبتسم ابتسامةً ملؤها النفاق والخداع، وتقبل عن نفس سقيمة عليلة، وروح خادعة غاشة، ألقت برقع الحياء عن وجهها، ولبست ثوب الخبث والخديعة والرذيلة والخيانة، لا كرامة لها، ولا قوام لأخلاقها، عقيدتها فاسدة، ورأيها ضال، فلا تصلح أن تكون شريكة رجل مسلم مهذب النفس قويم الأخلاق، حسن الطباع، وصدق الله جل وعلا: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور:26] إلا من تاب وأقلع، فإن التوبة تجب ما قبلها، وتمسح ما كان سالفاً قبلها، ويعود كل إنسان اقترف جريمة بعد توبته طاهراً مطهراً، إذا كانت توبته نصوحاً صادقة.

عباد الله! لقد ظهرت كثير من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، بسبب شيوع الفاحشة وانتشارها، وكان آخر هذه الأمراض ما يسمى بمرض الإيدز أي: مرض نقص المناعة المكتسبة، فأنسى الناس كل الأمراض قبله، وأصبح ذلك المرض شغل الناس الشاغل، فانعقدت لأجله الندوات، وأقيمت المؤتمرات، وأجريت البحوث والمحاضرات للتوصل إلى علاج له، لكن دون جدوى، وقد أجمع الأطباء على أن هذه الأمراض كلها لا تنتقل إلا عن طريق العلاقات المحرمة، كالزنا والشذوذ واللواط، فتأمل -أيها المسلم- عظم خطر هذه الأمراض التي يسببها الزنا، الذي وصفه الله جل وعلا بأنه: فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] أرأيت كل عضو شارك في جريمة الزنا، أو في مقدماته، كيف يتلظى بالآلام الجسام، ويصاب بالبثور والأورام، أرأيت كيف يكون العقاب، وكيف يكون الجزاء من جنس العمل! صدق نبينا صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) هل رأيتم عاقلاً يؤثر التنعم بلحظة ليعاني بها شقاء الدنيا والآخرة؟! هذا مصير الزناة في الدنيا، آلام رهيبة في الأجساد قد تنتهي بهم إلى الموت، وقد تسلمهم إلى أمراض يتمنون فيها الموت، وتخريب كامل العقول، قد يفضي بهم هذا إلى الجنون.

ولما كانت جريمة الزنا بشعة إلى هذا الحد، فرض الله جل وعلا عقوبة تناسبها، فقال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] وقد بين صلى الله عليه وسلم أن هذا هو حكم الزاني غير المحصن، أي: غير المتزوج، أما المحصن فعقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وطبقه وحكم به في زمانه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المعارج:29-31].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله، الحمد لله الواحد المتفرد في الكمال والجمال والجلال، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

عباد الله! إن دين الإسلام إذا حرم شيئاً سد جميع الطرق المؤدية إليه، وحرم كل ما يفضي إليه من وسائل ومقدمات، وكل ما كان من شأنه أن يستثير الغريزة الهاجعة، ويفتح منافذ الفتنة على الرجال والنساء، أو يغري بالفاحشة،أو يقرب منها، أو ييسر سبيلها، فإن الإسلام حرمه ونهى عنه سداً للذريعة، ودرءاً للمفسدة، ومن ذلك أن الإسلام حرم خلو الرجال بالنساء، حرم خلو الرجل بالمرأة الأجنبية، وهي التي لا تكون زوجةً له ولا إحدى قريباته اللاتي يحرم عليه زواجهن حرمةً مؤبدةً، ليس هذا فقداً للثقة فيهما أو في أحدهما، لكنه تحصينٌ لهما من وساوس الشيطان، وهواجس الشر، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يخلون بامرأةٍ ليس معها ذو محرم، فإن ثالثهما الشيطان) هل يسمع هذا من يسمح لأخته منفردةً تذهب مع السائق؟

هل يسمع هذا من يسمح لزوجته تذهب مع السائق لوحدها إلى السوق؟

هل يسمع هذا من يسمح لابنته أن تخرج مع السائق في أي وقت شاءت؟

عباد الله! يحذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً خاصاً من خلو المرأة بالحمو حتى ولو كان قريباً، والحمو هو: قريب الزوج، كأخيه وابن عمه، لما يحدث عادة من تساهل في ذلك بين الأقارب، وقد يجر أحياناً إلى عواقب وخيمة، لأن الخلوة بالقريب أشد خطراً من غيره، لتمكنه من الدخول على المرأة في البيت من غير نكيرٍ بخلاف الأجنبي، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء! فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) فهل نسمع هذا يا عباد الله؟ إن مما يؤسف له أن أسراً عريقةً، ومجتمعاتٍ في قلب هذه المملكة الطيبة قد تساهلوا بهذا الأمر تساهلاً عجيباً، فترى الواحد منهم يدخل البيت في حال غيبة الرجل، سواءً كان الرجل في متجره، أو في وظيفته، فيأتي الضيف، فتستقبله المرأة، وتقدم له الطعام والشراب، وتجالسه وتوانسه وتؤاكله، ليس هذا بشهامة، وليس هذا بكرامة، وليس هذا بنخوة ولا بنجدة، إن الله أغير، وإن نبينا أغير، فلا تظنوا -يا عباد الله- أن بعض الناس حينما يقول: إن نساءنا بإكرامهن الضيف فذلك من الشهامة، ونحن أيضاً على غيرة في محارمنا، لا والله، إن الغيرة كل الغيرة أن نمتثل قول الله جل وعلا، وأن نمتثل قول نبينا صلى الله عليه وسلم، بعض الأسر يتهاونون في جلوس زوجات الإخوان بعضهم مع بعض، ويحتج بعضهم أن هذا يفضي إلى الحاجة إلى تقسيم مائدة الطعام والإفطار والعشاء وليكن الأمر كذلك، ما الذي يضير أن يتغدى أو يتعشى النساء في مكان والرجال في غرفةٍ أو في مكانٍ آخر؟ أيهما أولى: أن يكون هذا، أو أن يكون الأمر المحذور والخطر الشديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فانتبهوا لذلك يا عباد الله!

وإن مما حرمه الإسلام سداً لجريمة الزنا أن الإسلام حرم النظرة، حرم إطالة النظر من الرجل إلى المرأة، ومن المرأة إلى الرجل بشهوة، فإن العين مفتاح القلب، والنظر رسول الفتنة، وبريد الزنا، وقديماً قال الشاعر:

كل الحوادث مبدؤها من النظرِ     ومعظم النار من مستصغر الشررِ

والمرء ما دام ذا عينٍ يقلبها     في أعين الغيد موقوفٌ على الخطرِ

يسرُّ مقلته ما ضرَّ مهجته     لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ

وحديثاً قيل:

نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ     فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ

فاتقوا الله في قلوب العـذارى     فالعذارى قلوبهن هواءُ

ولهذا وجه الله سبحانه وتعالى أمره إلى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر مقترناً بأمره بحفظ الفروج، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:30-31] فأمر الله الرجال والنساء جميعاً بغض الأبصار، وحفظ الفروج، ويلاحظ أن الآيات أمرت بالغض من البصر، لا بغض البصر، ولم تقل: ويحفظوا من فروجهم كما جاء فيها: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] لأن الفرج مأمورٌ بحفظه جملة دون التساهل بشيء منه، أما البصر، فقد تجاوز الله للناس بشيءٍ منه رفعاً للحرج، ورعايةً للمصلحة، وذلك محصورٌ بنظرة الفجأة، فالغض من البصر ليس معناه إقفال العين، وإنما معناه: عدم إرساله طليق العنان يلتهم الغاديات والرائحات، والغادين والرائحين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يا علي بن أبي طالب لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة) وليس معنى هذا أنه يسمح للإنسان بأول نظرة، وإنما المسموح له نظرة الفجأة غير المقصودة، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، قال: (اصرف بصرك) وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (العينان تزنيان وزناهما النظر) إن النظر المتلذذ الجائع ليس خطراً على عفة الرجل فحسب، بل هو خطرٌ على استقرار فكره وطمأنينة قلبه كالذي يصاب بالشرود والاضطراب حال إطلاق نظراته، ولقد أحسن من قال:

وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً     لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قـادرٌ     عليه ولا عن بعضه أنت صابر

كما أن من الوسائل التي تقي من الزنا: التبكير بالزواج خصوصاً للذين يدرسون في الخارج، تلك البلاد التي تفشت فيها الدعارة، وصارت الدعارة سمةً غالبةً لأهلها.

ومن الوسائل المعينة على حفظ النفس من فاحشة الزنا: الصيام لمن لا يستطيع الزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).

ومن الوسائل أيضاً وهي أهم الوسائل: العناية بأمر الصلاة، وأدائها في أوقاتها، والزيادة من نوافلها، فالصلاة صمام الأمان، ناهيةٌ عن الفحشاء والمنكر كما قال جل وعلا: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] ومن الوسائل أيضاً: معرفة أضرار الوقوع في جريمة الزنا، سواءً كانت أمراضاً نفسيةً، أو بدنيةً، أو عقليةً، أو دينيةً، ومن ذلك الابتعاد عن الصور العارية، ووسائل الإغراء، والمشاهد الخليعة، تلك التي تثير الغرائز وتحركها.

ومن الوسائل المعينة على تجنب تلك الفاحشة: الاستغراق في الأعمال المفيدة النافعة، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية.

نسأل الله أن يحمينا جميعاً من مضلات الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداةً مهتدين.

أيها الإخوة في الله! اسمعوا وانقلوا عنا هذه الكلمة: إن من نشر فيلماً خليعاً، أو مسلسلاً كان سبباً في وقوع شابٍ في جريمة الزنا، لهو أيضاً آثمٌ كما يأثم الزاني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى، فله أجره وأجر من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى وزرٍ، أو ضلالةٍ، أو إثمٍ، فعليه وزره، ووزر من فعله، أو تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فليذكر أولئك الذين يبيعون أفلاماً خليعةً، وأشرطةً هابطةً أنهم سوف يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم، ألا ساء ما يزرون، إن العبد ليثقل كاهله بذنوبه وحده، فكيف بعبد يجيء يوم القيامة قد حمل وزر نفسه وأوزار آلاف من البشر الذين اشتروا منه الأفلام؟ وإن من شارك في هذه المحلات بيعاً وشراءً وإدارةً، وتسويقاً، وتصويراً، وإنتاجاً وإخراجاً، لهو آثم أيضاً، لهو داخلٌ في الوزر أيضاً، وكذلك من شارك في وضع الصور العارية، والصور الفاتنة على غلاف المجلات، أو في بطون أوراقها، وكان بسبب ذلك أن وقع بعض الشباب في جريمة الزنا، فهو والله آثم، هو والله آثم، هو والله آثم بفعله.

فاتقوا الله يا عباد الله! وافهموا ذلك جيداً، وانقلوه لكل بائع لهذه الأشرطة، وأخبروا به كل ضال مضل يضع الصور الخليعة في طيات المجلات والصحف، إن العبد لا يدري ماذا يختم له، فكيف بمن وقع في هذه الجريمة، وجرائم غيره يحملها على نفسه عياذاً بالله من ذلك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أراد بمجتمعنا فتنة، اللهم من أراد في مجتمعنا انحلالاً وإباحيةً، اللهم من أراد بمجتمعنا ضلالة، اللهم اشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء!

قبل ختام الحديث في هذا الباب نضيف جملةً أخيرة، وهي أن فتاة خرجت مستعطرةً متزينةً كما يقع الآن في هذا الزمان، من كثير من الفتيات، تلبس لبساً ضيقاً شفافاً يحجم مفاتنها، وقد فتحت شيئاً من ساقها، وأبدت شيئاً من نحرها، وتهاونت بظهور ذراعيها، فاستهان شابٌ بالنظر إليها، ولم يجد سبيلاً إليها، فوجد سبيلاً إلى غيرها، لهي أيضاً آثمةٌ معه في جريمة الزنا، لأنها المتسببة، لأنها هي التي أثارت غريزته، ومن ذلك أيضاً يا عباد الله أن كثيراً من الناس يتهاونون في ترك الخادمات لوحدهن في المنازل مع أبنائهم من الشباب، هذا خطر عظيم، هذا خطر جسيم، لا تظنوا الشباب ملائكة، لا تظنوهم معصومين أبداً، بل هم ذوو الغرائز، وهم في قوة الشباب، وعنفوان الشهوة، في لحظة يغيب فيها العقل، وينكسر فيها الحياء، وينطلق صمام الأمان، فتقع الفاحشة، لأن أهل البيت خرجوا وتركوا فتاةً وإن كانت أجنبيةً خادمةً، تركوها لوحدها والبيت مليء بالشباب، وإننا -والله- سمعنا بآذاننا، وعرفنا من أفواه كثيرٍ من الناس أنه حصلت جريمة الزنا بهذه الطريقة، بوجود الخادمة لوحدها في المنـزل، والشاب ما كان يفكر أبداً في الزنا، لكنه دخل وخرج، ثم عاد مرةً ثانيةً وثالثةً، فوجد الخادمة لوحدها، وليس في البيت أحد، فزين له الشيطان سوء عمله، فوقع في هذه الجريمة، ثم جاء يبكي تائباً مستغفراً، فكيف حال كثير من الناس حينما يتركون الباب على مصاريعه، خاصةً أولئك الذين يستقدمون الخادمات الكافرات، إن الواحدة منهن لا ترد يد لامس، ولا تمانع أن تنال ولو شيئاً قليلاً من المال مقابل أن يقع منه ومنها ما يحقق شهوته وشهوتها، فاتقوا الله في ذلك يا عباد الله، راقبوا بيوتكم جيداً، وكونوا على مستوى المسئولية التي تحملتموها في أسركم وأولادكم وبناتكم، كذلك لا تتساهلوا بخروج الفتاة وحدها مع السائق، فمن كان مضطراً إلى هذا السائق، فليخرج محرماً مع الفتاة، أو جمعاً من النساء يمنعن الخلوة.

اللهم من أراد بولاة أمرنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم أدر عليه دائرة السوء، وافضحه على رءوس الخلائق يا رب العالمين!

اللهم من أراد نشر الزنا في المجتمع بالدعوة إلى الاختلاط في الوظائف والتعليم، اللهم عليك به فإنه لا يعجزك، اللهم عليك به فإنه لا يعجزك، اللهم اقصمه قصماً، اللهم اقطع دابره يا رب العالمين!

اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، قولوا: آمين.