شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [8]


الحلقة مفرغة

شرح حديث عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ].

وهذا فيه: بيان كيفية الوضوء، وأن الغسل يكون ثلاثاً، وإذا كان قام من نوم الليل يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، سواء كان من الإناء أو من الصنبور أو من غيره، سواء استيقظ من نوم الليل أو لم يستيقظ السنة أن يغسلهما ثلاثاً، وأكمل الوضوء غسل كل عضو ثلاثاً، أولاً: غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، ومسح برأسه وغسل رجله اليمنى ثلاثاً، وغسل رجله اليسرى ثلاثاً. هذا أكمل الوضوء، وهو التثليث في كل عضو ما عدا الرأس.

ويجوز أن يغسلهما مرتين مرتين: الوجه مرتين، واليد مرتين، وأذنه مرتين، ورجله مرتين.

ويجوز أن يغسلهما مرة: الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة.

ويجوز أن يكون مخالفاً، فيغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، كل هذا جاءت به السنة.

وفيه: أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء فإن هذا من أسباب المغفرة، وفي اللفظ الآخر: (إذا توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله، ولا يحدث نفسه بشيء -من الوساوس- غفر الله له ما تقدم من ذنبه)، والمراد: الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أما إذا لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الصغائر والكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم : (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).

وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر)، وفي لفظ: (ما لم تغش كبيرة) ، وفي لفظ: (ما لم تصب المقتلة).

هذه الركعتان سنة الوضوء، وسنة الوضوء تكون بعد كل وضوء، فإذا صلى مثلاً سنة الضحى دخلت سنة الوضوء فيه، وإذا دخل المسجد وصلى السنة الراتبة أو الظهر أو الفجر دخلت فيها سنة الوضوء.

وإذا صلى صارت سنة الوضوء، ولو ما نوى، فإذا توضأ وصلى وإن نواها سنة راتبة أو الضحى أو استفتاح صلاة الليل دخلت سنة الوضوء فيها.

كذلك الفريضة إذا جاء ودخل في الفريضة دخلت سنة الوضوء في الفريضة.

وهذه الركعتان يستحب صلاتهما حتى ولو كان وقت النهي؛ لأنها سبب، والجمهور يرون أنها لا تفعل صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، لكن الأرجح أنها تفعل ولو في وقت النهي.

وهذه السنة تعد من إقراره صلى الله عليه وسلم ومن قوله، فإنه أقر بلالاً حين قال: (ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهارٍ إلا وصليت به ركعتين).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ.. فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) ولم يذكر أمر الصلاة ].

وهذا الحديث ضعيف؛ في سنده عبد الرحمن بن وردان ضعيف، ولا حجة في زيادته: (ومسح الرأس ثلاثاً)، فإن الرأس لا يثلث، ورواية عبد الرحمن هذه ضعيفة مخالفة لرواية الثقات، والحديث السابق ليس فيه مسح الرأس ثلاثاً، وإنما فيه مرة، وكذلك أيضاً أسقط المضمضة والاستنشاق وهو ثابت في الأحاديث.

و عبد الرحمن بن وردان هذا ضعيف، ولا سيما إذا خالف الثقات، فلا يعمل بروايته في تثليث مسح الرأس؛ فإن الرأس لا يثلث؛ وإنما يمسح مرة واحدة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه سئل عن الوضوء؛ فدعا بماء، فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) ].

فهذا الحديث أكمل ما ورد في الوضوء، وذلك أن فيه التثليث في جميع الأعضاء ما عدا الرأس؛ لأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، وغسل رجليه ثلاثاً، هذا أكمل ما ورد في الوضوء.

وفيه: أن الرأس لم يثلث، وإنما يمسح مرة واحدة.

وفيه: أن مسح الأذنين تابع للرأس، ولا يحتاج أن يأخذ لهما ماءً جديداً، بل يأخذ ماءً للرأس، ولا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح به مسحاً، ثم يمسح أذنيه بالرطوبة الباقية من يديه، يمسح باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما مما يلي الرأس بالإبهامين.

وقوله: (فغسل بطونهما وظاهرهما) المراد: المبالغة في المسح، وليس المراد الغسل، وإنما المراد المسح، والغسل يطلق على المسح، والمسح يطلق على الغسل.

وفيه أن الرأس لم يثلث، خلافاً لمن استحب من العلماء تثليث المسح، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) لكن هذا مجمل بينته الأحاديث الصحيحة الأخرى.

وفيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل الوضوء إلى الكوعين، والكوع: هو العظم المقابل للإبهام، والكرسوع: هو العظم المقابل للخنصر، والرسغ: ما بين الكف والساعد، والساعد: من نهاية الكف إلى المرفق، والمرفق: هو العضد في آخر الساق.

فاليدان تغسلان من رءوس الأصابع حتى يتجاوز المرفقين ويشرع في العضد.

وغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً هذا مستحب وليس بواجب، إلا إذا استيقظ من نوم الليل؛ فإنه يتأكد، والجمهور على الاستحباب.

والقول الثاني: الوجوب، وهو قول قوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) .

والواجب تعميم كل عضو بالغسل مرة واحدة، والمراد بالغسل ما يعمم به الإنسان العضو، فإذا عمم أصل العضو مرة واحدة فهذا يعتبر غسلاً سواء كان بغرفة أو بغرفتين، فيعمم بغرفة وتعتبر مرة، ويجزئ هذا، فإذا تمضمض مرة واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وغسل يده اليمنى مرة، وغسل يده اليسرى مرة، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجله اليمنى مرة، وغسل رجله اليسرى مرة فإن هذا الوضوء يجزئ، وإن غسلهما مرتين مرتين فهذا أفضل، وإن غسلهما ثلاثاً ثلاثاً فهذا هو الأفضل والأكمل، وإن غسلهما مخالفاً: فغسل بعض أعضائه ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة فلا حرج، كل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في تخريجه: حديث صحيح تفرد به أبو داود.

كل الأحاديث في الوضوء ثابتة: حديث حمران عن عثمان ، وحديث زيد بن عبد ربه وغيره، كلها صحيحة وثابتة في الصحيحين وفي غيرهما.

فمرة واحدة هذا هو الغسل الواجب، وهو يجزئ، والمرة الثانية مستحبة، والثالثة مستحبة، والأكمل ثلاثاً ثلاثاً، ولا يزيد على ثلاث.

وكون المسح مرة ثابت في الأحاديث الصحيحة، وستأتي الأحاديث التي تنص على أنه واحدة.

[ قال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: (ومسح رأسه) ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره ].

وهذا كما قال أبو داود رحمه الله: الأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها: أن الرأس يثلث، وإنما فيها أن الرأس يمسح مرة، وهذا يدل على ضعف رواية عبد الرحمن بن وردان في الحديث السابق الذي فيه ذكر تثليث المسح، وعبد الرحمن بن وردان تكلموا فيه وقالوا: خالف الحفاظ، وفيه ضعف ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من تثليث المسح وغيره؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وهذا مجمل في كل الأعضاء ما عدا الرأس، أما الرأس فلا يثلث، كما في الأحاديث الصحيحة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة : (أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء، فتوضأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، وذكر الوضوء ثلاثاً، قال: ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت)، ثم ساق نحو حديث الزهري وأتم ].

وهذا الحديث فيه عبيد الله بن زياد ، وقد تكلموا فيه، لكن حديث عثمان ثابت من غير هذه الطريق.

قال في تخريجه: عبيد الله بن أبي زياد القداح بفتح القاف وتشديد المهملة، قال علي بن المديني ويحيى القطان كان وسطاً لم يكن بذاك، وقال الزهري ومعاوية وصالح عن ابن معين ضعيف، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ولا المتين هو صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال: الآجري عن أبي داود : أحاديثه مناكير، وقال النسائي : ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: ليس بثقة وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بقوي عندهم، وقال أبو حاتم : لا يحتج به إذا انفرد، وقال العجلي : ثقة، وقال الحاكم في المستدرك: كان من الثقات.

والمقصود: أن هذا مختلف فيه، ولكن الحديث ثابت، وهذا مما ضبطه، وهو في الصحيحين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا) .

وهذا ضعيف؛ لأن عامر بن شقيق بن جمرة هذا ضعيف؛ وقوله: (ومسح رأسه ثلاثاً) لا يثبت هذا، هذا من أغلاط عامر بن شقيق بن جمرة وأوهامه، والثابت في الأحاديث الصحيحة ليس فيها تثليث المسح.

[ قال أبو داود : ورواه وكيع عن إسرائيل قال: (توضأ ثلاثاً) فقط ].

يعني: ولم يزد، والمقصود: أن قوله: (ومسح رأسه ثلاثاً) لا يحتج به؛ لأن هذا من أغلاط وأوهام عامر بن شقيق بن جمرة .

وجاء في نسخة: (توضأ ثلاثاً) قط.

قوله: (قط) بفتح القاف وسكون الطاء بمعنى: حسب، ثم قال: أي: أن وكيعاً اقتصر في روايته على لفظ: (توضأ ثلاثاً) فقط عن إسرائيل ، ولم يفصل، ولم يبين في روايته كما بين يحيى بن آدم عن إسرائيل .

قال: وأكثر ما يستعمل بالفاء، أي: فقط، وهذه الرواية دليل على حذف الفاء.

والظاهر أن (فقط) بمعنى (قط)، لكن هذه بدون زيادة.

شرح حديث علي في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: (أتانا علي رضي الله عنه وقد صلى، فدعا بطهور فقلنا: ما يصنع بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتي بإناء فيه ماء وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثاً، ثم جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً ورجله اليسرى ثلاثاً، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا) ].

وهذا فيه عن عبد خير وهو من أصحاب علي ، وفيه النص على أنه مسح رأسه مرة واحدة؛ لأنه قيدها بقوله: (مرة واحدة).

وفيه: المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، فإنه مضمض واستنشق واستنثر من كف واحدة، وهذا هو الأفضل، فالأفضل أن يأخذ كفاً من ماء، ثم يتمضمض ويستنشق، فبعض الكف يتمضمضه، وبعضه يستنشقه، ويستنثر بيده الأخرى، يفعل هذا ثلاثاً.

وإن تمضمض بكف واستنشق بكف فلا بأس، لكن الثابت في الأحاديث في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة.

قال في تخريجه: عبد خير بن يزيد الهمداني أبو عمارة الكوفي مخضرم أدرك الجاهلية. قال عثمان الدارمي عن يحيى بن معين : ثقة، وقال ابن أبي شيبة عن يحيى جاهلي. وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة. قلت: وقال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي : سألت أحمد بن حنبل عن الثبت في علي رضي الله عنه فذكر عبد خير فيهم. وقال الخطيب : يقال: اسم عبد خير عبد الرحمن وذكره مسلم في الطبقة الأولى طويلاً، قال عبد الملك بن سلع : قلت لـعبد خير : كم أتى عليك؟ قال: عشرون ومائة سنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا خالد بن علقمة الهمداني عن عبد خير قال: (صلى علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرحبة فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناء فيه ماء وطست، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، ثم ساق قريباً من حديث أبي عوانة -ثم مسح رأسه مقدمه ومؤخره)، ثم ساق الحديث نحوه ].

وهذا كما سبق فيه: أنه تمضمض ثلاثاً، وغسل كفيه ثلاثاً، ومسح رأسه مقدمه ومؤخره، ويصح مسحه كيفما فعل، لكن الأفضل جاء في حديث حمران وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه).

فيأخذ كفاً للمضمضة والاستنشاق، ثم يأخذ ماءً ويغسل وجهه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثني محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت مالك بن عرفطة قال: سمعت عبد خير قال: (رأيت علياً رضي الله عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكوز من ماء فغسل يده ثلاثاً، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد) وذكر الحديث ].

وفيه: أنه لا بأس بالوضوء للتعليم، فيتوضأ للتعليم وينوي الوضوء ورفع الحدث.

فإذا توضأ للتعليم ونوى به الوضوء ورفع الحدث فإنه يكون وضوءاً، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر وركع، ثم لما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض، ثم لما قام صعد على المنبر وركع، ولما أراد السجود نزل القهقرى وسجد في الأرض وقال: (إنما فعلت هذا لتعلموا صلاتي) فالصلاة للتعليم أو الوضوء للتعليم ما عليه بأس، وهو عبادة.

وقول المؤلف: ( مالك بن عرفطة )، بعضهم قال: إنه خالد بن علقمة .

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا ربيعة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أنه سمع علياً وسئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال: (ومسح رأسه حتى لما يقطر، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسل) ].

المنهال بن عمرو بعضهم تكلم فيه، فقد تكلم فيه ابن حزم رحمه الله، لكنه لا بأس به، وفيه زر بن حبيش وهو من أصحاب علي وابن مسعود .

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: حديث زر عن علي هذا: فيه المنهال بن عمرو كان ابن حزم يقول: لا يقبل في باقة بقل، ومن روايته حديث البراء الطويل في عذاب القبر، والمنهال قد وثقه يحيى بن معين وغيره، والذي غر ابن حزم شيئان:

أحدهما: قول عبد الله بن أحمد عن أبيه، تركه شعبة على عمد.

والثاني: أنه سمع من داره صوت طنبور، وقد صرح شعبة بهذه العلة، فقال العقيلي عن وهيب : قال: سمعت شعبة يقول: أتيت المنهال بن عمرو فسمعت عنده صوت طنبور، فرجعت ولم أسأله، قيل: فهلا سألته فعسى كان لا يعلم به؟

والمنهال بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، قال ابن معين والنسائي : ثقة، وقال العجلي : كوفي ثقة، وتركه شعبة ؛ لأنه سمع في منزله صوت طنبور.

وشذ شعبة رحمه الله في هذا.

تركه هذا يعني: طعن فيه، وهذا يحتاج إلى سؤال، فإن كان عالماً وأقره فهو طعن فيه، وإن كان لم يعلم، أو غلب على أمره فيكون معذوراً في هذا.

والمقصود: أن الجرح لا بد أن يكون مفسراً، وأن يكون عن علم بهذا، وإلا فالأصل أنه ثقة.

قوله: (حتى لما يقطر) هذه زيادة تشير إلى أن المسح كان مرة واحدة؛ لأنه لو كان ثلاثاً لقطر الماء عن رأسه بعد المسح.

قال صاحب عون المعبود: [ لما: بفتح اللام وتشديد الميم بمعنى: لم، وهي على ثلاثة أوجه:

أحدهما: أن يختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضياً مثل لم، إلا أنها تفارقه في أمور.

وثانيها: أنها تختص بالماضي، فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما.

وثالثها: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الإسمية، وهاهنا للوجه الأول ].

والمراد الوجه الأول (حتى لم يقطر)، يعني: أنه مرة واحدة.

بيان صفة الوضوء من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب الطوسي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا فطر عن أبي فروة عن أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه واحدة، ثم قال: هكذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

هذا الحديث فيه النص على أن مسح الرأس مرة واحدة.

بيان صفة الوضوء من رواية أبي حية عن علي

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد وأبو توبة قالا: حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فذكر وضوءه كله ثلاثاً ثلاثاً، قال: ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببت أن أريكم طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم) ].

قوله: ( أبو حية ).

هو أبو حية بن قيس الوادعي الخارفي نسبة إلى خارف، وهي بطن من همدان، نزل الكوفة، واختلف في اسمه، وقال أبو أحمد الحاكم وغيره: لا يعرف اسمه.

وقال أبو زرعة : لا يسمى. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو الوليد بن الفرضي : مجهول، وقال ابن المديني، وقال ابن القطان: وثقه بعضهم، وصحح حديثه ابن السكن وغيره.

يقول في التقريب: قال: مقبول، والحديث له متابعات وشواهد.

بيان صفة الوضوء من رواية ابن عباس عن علي

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قال: حدثنا محمد يعني: ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دخل عليَّ علي رضي الله عنه - يعني: ابن أبي طالب - وقد أهراق الماء، فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا ابن عباس ! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: فأفضى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعاً فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفيه اليمني قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يد

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً فغسلهما، ثم تمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً، ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه) ].

وهذا فيه: بيان كيفية الوضوء، وأن الغسل يكون ثلاثاً، وإذا كان قام من نوم الليل يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، سواء كان من الإناء أو من الصنبور أو من غيره، سواء استيقظ من نوم الليل أو لم يستيقظ السنة أن يغسلهما ثلاثاً، وأكمل الوضوء غسل كل عضو ثلاثاً، أولاً: غسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، ومسح برأسه وغسل رجله اليمنى ثلاثاً، وغسل رجله اليسرى ثلاثاً. هذا أكمل الوضوء، وهو التثليث في كل عضو ما عدا الرأس.

ويجوز أن يغسلهما مرتين مرتين: الوجه مرتين، واليد مرتين، وأذنه مرتين، ورجله مرتين.

ويجوز أن يغسلهما مرة: الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة.

ويجوز أن يكون مخالفاً، فيغسل بعض الأعضاء ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، كل هذا جاءت به السنة.

وفيه: أن المسلم إذا توضأ وصلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه بشيء فإن هذا من أسباب المغفرة، وفي اللفظ الآخر: (إذا توضأ فأسبغ الوضوء، وصلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه على الله، ولا يحدث نفسه بشيء -من الوساوس- غفر الله له ما تقدم من ذنبه)، والمراد: الصغائر إذا اجتنب الكبائر، أما إذا لم يجتنب الكبائر فإنها تبقى عليه الصغائر والكبائر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم : (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر).

وفي لفظ: (ما لم تغش الكبائر)، وفي لفظ: (ما لم تغش كبيرة) ، وفي لفظ: (ما لم تصب المقتلة).

هذه الركعتان سنة الوضوء، وسنة الوضوء تكون بعد كل وضوء، فإذا صلى مثلاً سنة الضحى دخلت سنة الوضوء فيه، وإذا دخل المسجد وصلى السنة الراتبة أو الظهر أو الفجر دخلت فيها سنة الوضوء.

وإذا صلى صارت سنة الوضوء، ولو ما نوى، فإذا توضأ وصلى وإن نواها سنة راتبة أو الضحى أو استفتاح صلاة الليل دخلت سنة الوضوء فيها.

كذلك الفريضة إذا جاء ودخل في الفريضة دخلت سنة الوضوء في الفريضة.

وهذه الركعتان يستحب صلاتهما حتى ولو كان وقت النهي؛ لأنها سبب، والجمهور يرون أنها لا تفعل صلاة ذوات الأسباب في وقت النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي أصح وأكثر، لكن الأرجح أنها تفعل ولو في وقت النهي.

وهذه السنة تعد من إقراره صلى الله عليه وسلم ومن قوله، فإنه أقر بلالاً حين قال: (ما توضأت وضوءاً في ليل أو نهارٍ إلا وصليت به ركعتين).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه توضأ.. فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: من توضأ دون هذا كفاه) ولم يذكر أمر الصلاة ].

وهذا الحديث ضعيف؛ في سنده عبد الرحمن بن وردان ضعيف، ولا حجة في زيادته: (ومسح الرأس ثلاثاً)، فإن الرأس لا يثلث، ورواية عبد الرحمن هذه ضعيفة مخالفة لرواية الثقات، والحديث السابق ليس فيه مسح الرأس ثلاثاً، وإنما فيه مرة، وكذلك أيضاً أسقط المضمضة والاستنشاق وهو ثابت في الأحاديث.

و عبد الرحمن بن وردان هذا ضعيف، ولا سيما إذا خالف الثقات، فلا يعمل بروايته في تثليث مسح الرأس؛ فإن الرأس لا يثلث؛ وإنما يمسح مرة واحدة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود الإسكندراني حدثنا زياد بن يونس قال: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مليكة عن الوضوء فقال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه سئل عن الوضوء؛ فدعا بماء، فأتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء فتمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم أدخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ) ].

فهذا الحديث أكمل ما ورد في الوضوء، وذلك أن فيه التثليث في جميع الأعضاء ما عدا الرأس؛ لأنه تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، وغسل رجليه ثلاثاً، هذا أكمل ما ورد في الوضوء.

وفيه: أن الرأس لم يثلث، وإنما يمسح مرة واحدة.

وفيه: أن مسح الأذنين تابع للرأس، ولا يحتاج أن يأخذ لهما ماءً جديداً، بل يأخذ ماءً للرأس، ولا يصب الماء على الرأس وإنما يمسح به مسحاً، ثم يمسح أذنيه بالرطوبة الباقية من يديه، يمسح باطنهما وظاهرهما، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما مما يلي الرأس بالإبهامين.

وقوله: (فغسل بطونهما وظاهرهما) المراد: المبالغة في المسح، وليس المراد الغسل، وإنما المراد المسح، والغسل يطلق على المسح، والمسح يطلق على الغسل.

وفيه أن الرأس لم يثلث، خلافاً لمن استحب من العلماء تثليث المسح، وهو مروي عن الشافعي رحمه الله؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) لكن هذا مجمل بينته الأحاديث الصحيحة الأخرى.

وفيه: مشروعية غسل اليدين ثلاثاً قبل الوضوء إلى الكوعين، والكوع: هو العظم المقابل للإبهام، والكرسوع: هو العظم المقابل للخنصر، والرسغ: ما بين الكف والساعد، والساعد: من نهاية الكف إلى المرفق، والمرفق: هو العضد في آخر الساق.

فاليدان تغسلان من رءوس الأصابع حتى يتجاوز المرفقين ويشرع في العضد.

وغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً هذا مستحب وليس بواجب، إلا إذا استيقظ من نوم الليل؛ فإنه يتأكد، والجمهور على الاستحباب.

والقول الثاني: الوجوب، وهو قول قوي، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) .

والواجب تعميم كل عضو بالغسل مرة واحدة، والمراد بالغسل ما يعمم به الإنسان العضو، فإذا عمم أصل العضو مرة واحدة فهذا يعتبر غسلاً سواء كان بغرفة أو بغرفتين، فيعمم بغرفة وتعتبر مرة، ويجزئ هذا، فإذا تمضمض مرة واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وغسل يده اليمنى مرة، وغسل يده اليسرى مرة، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل رجله اليمنى مرة، وغسل رجله اليسرى مرة فإن هذا الوضوء يجزئ، وإن غسلهما مرتين مرتين فهذا أفضل، وإن غسلهما ثلاثاً ثلاثاً فهذا هو الأفضل والأكمل، وإن غسلهما مخالفاً: فغسل بعض أعضائه ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة فلا حرج، كل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في تخريجه: حديث صحيح تفرد به أبو داود.

كل الأحاديث في الوضوء ثابتة: حديث حمران عن عثمان ، وحديث زيد بن عبد ربه وغيره، كلها صحيحة وثابتة في الصحيحين وفي غيرهما.

فمرة واحدة هذا هو الغسل الواجب، وهو يجزئ، والمرة الثانية مستحبة، والثالثة مستحبة، والأكمل ثلاثاً ثلاثاً، ولا يزيد على ثلاث.

وكون المسح مرة ثابت في الأحاديث الصحيحة، وستأتي الأحاديث التي تنص على أنه واحدة.

[ قال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: (ومسح رأسه) ولم يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره ].

وهذا كما قال أبو داود رحمه الله: الأحاديث الصحيحة كلها ليس فيها: أن الرأس يثلث، وإنما فيها أن الرأس يمسح مرة، وهذا يدل على ضعف رواية عبد الرحمن بن وردان في الحديث السابق الذي فيه ذكر تثليث المسح، وعبد الرحمن بن وردان تكلموا فيه وقالوا: خالف الحفاظ، وفيه ضعف ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من تثليث المسح وغيره؛ استدلالاً بالحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وهذا مجمل في كل الأعضاء ما عدا الرأس، أما الرأس فلا يثلث، كما في الأحاديث الصحيحة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عيسى حدثنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد - عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة : (أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء، فتوضأ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم غسلهما إلى الكوعين، قال: ثم مضمض واستنشق ثلاثاً، وذكر الوضوء ثلاثاً، قال: ومسح برأسه، ثم غسل رجليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل ما رأيتموني توضأت)، ثم ساق نحو حديث الزهري وأتم ].

وهذا الحديث فيه عبيد الله بن زياد ، وقد تكلموا فيه، لكن حديث عثمان ثابت من غير هذه الطريق.

قال في تخريجه: عبيد الله بن أبي زياد القداح بفتح القاف وتشديد المهملة، قال علي بن المديني ويحيى القطان كان وسطاً لم يكن بذاك، وقال الزهري ومعاوية وصالح عن ابن معين ضعيف، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ولا المتين هو صالح الحديث، يكتب حديثه، وقال: الآجري عن أبي داود : أحاديثه مناكير، وقال النسائي : ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ليس بالقوي، وقال في موضع آخر: ليس بثقة وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بقوي عندهم، وقال أبو حاتم : لا يحتج به إذا انفرد، وقال العجلي : ثقة، وقال الحاكم في المستدرك: كان من الثقات.

والمقصود: أن هذا مختلف فيه، ولكن الحديث ثابت، وهذا مما ضبطه، وهو في الصحيحين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة قال: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا) .

وهذا ضعيف؛ لأن عامر بن شقيق بن جمرة هذا ضعيف؛ وقوله: (ومسح رأسه ثلاثاً) لا يثبت هذا، هذا من أغلاط عامر بن شقيق بن جمرة وأوهامه، والثابت في الأحاديث الصحيحة ليس فيها تثليث المسح.

[ قال أبو داود : ورواه وكيع عن إسرائيل قال: (توضأ ثلاثاً) فقط ].

يعني: ولم يزد، والمقصود: أن قوله: (ومسح رأسه ثلاثاً) لا يحتج به؛ لأن هذا من أغلاط وأوهام عامر بن شقيق بن جمرة .

وجاء في نسخة: (توضأ ثلاثاً) قط.

قوله: (قط) بفتح القاف وسكون الطاء بمعنى: حسب، ثم قال: أي: أن وكيعاً اقتصر في روايته على لفظ: (توضأ ثلاثاً) فقط عن إسرائيل ، ولم يفصل، ولم يبين في روايته كما بين يحيى بن آدم عن إسرائيل .

قال: وأكثر ما يستعمل بالفاء، أي: فقط، وهذه الرواية دليل على حذف الفاء.

والظاهر أن (فقط) بمعنى (قط)، لكن هذه بدون زيادة.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [25] 2609 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [10] 2233 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [20] 2123 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [6] 1992 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [7] 1971 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [22] 1952 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [4] 1890 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [14] 1848 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [9] 1781 استماع
شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [19] 1774 استماع