الإخلاص والمتابعة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أي عمل من الأعمال إنما يكون نجاحه وكماله بمقاييس يعلمها أصحابه وأهله الذين يقومون بذلك العمل، فأعمال الامتحانات وأعمال الصناعات والتجارة فيها الأعمال الصالحة التي تصلح عند أصحاب الفن وأهل الصناعة، وفيها الأعمال التي لا تصلح ولا تقبل، وكذلك في أمور الدين، فهذه الأعمال التي تقوم بها منها أعمال صالحة مقبولة، ومنها أعمال صالحة غير مقبولة؛ لأنها تفتقر إلى الشروط التي وضعها الله سبحانه وتعالى للعمل الصالح المقبول، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبين للناس عندما يرى عملاً يتقرب به العبد إلى الله يقول له: عملك هذا غير صالح، أو عملك هذا فاسد باطل.

فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في مواقف كثيرة، وذلك إما بأن يرى صاحب العمل يعمله فيرده على صاحبه، فقد دخل رجل المسجد والرسول صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه، فصلى ذلك الرجل ثم أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسلم، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، وقال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل) فهو قد صلى ولكنه لم يأت بالصلاة على وجهها، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة.

فأعادها كما صلاها أولاً، فرده الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، وصلى مرة ثالثة، فرده الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: والذي بعثك! لا أحسن غيرها فعلمني. فقد كان يسرع في صلاته، ولا يطمئن فيها، فلا يتم ركوعها، ولا يقيم صلبه في الركوع، ولا يطمئن في سجوده، فحكم الرسول صلى الله عليه وسلم على صلاته بالبطلان، وأمره بأن يعيد صلاته.

وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم سائل عن الجهاد فقال: (يا رسول الله! إني أريد ما عند الله وأريد الذكر -أي: أن يذكرني الناس ويقولون: شجاع وبطل- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ليس لك شيء)، فهذا الصنف من الناس ليس له أجر عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن العمل فقد ركناً أساسياً وهو ركن الإخلاص.

وفي بعض الأحيان كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن هذه الأعمال التي لا تتقبل بأن يجعلها قضايا يتحدث عنها ويبينها للناس، كما أخبر في حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار أولاً، فأول من يدخلون النار ثلاثة: منفق، ومجاهد، وعالم، فكلهم لم يخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى، فعندما يسألهم ربهم يوم القيامة عن هذه النعم التي وهبها الله لهم يتحدث كلّ بما فعل في دنياه، فالعالم يقول: علّمتُ فيك، والمنفق يقول: بنيت المساجد، وأحسنت للفقراء، وأنفقت في المشاريع الخيرية، والمجاهد يقول: جاهدت وبذلت جهدي حتى أزهقت روحي فيك، فيكذبهم الله سبحانه وتعالى، وتكذبهم ملائكة السماء، فإنما فعلوا هذا رياء ليقال: عالم، وليقال: منفق، وليقال: شجاع وبطل، ثم يؤمر بهم إلى النار، فقد فقد العمل ركناً أساسياً.

ولقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن للعمل الصالح المقبول ركنين:

الشرط الأول الإخلاص لله وعدم الإشراك به

الركن الأول: أن تخلص عملك لله سبحانه وتعالى، تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، وهذه العبادة إن لم يقصد الله بها وحده وقصد بها غيره أصبح العمل شركاً لا يتقبل من صاحبه، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، فالذي يرجو لقاء الله، ويريد مغفرة الله عز وجل وجنته والنجاة من النار، فعليه أن يعبد الله وحده ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.

والشرك في العبادة شرك أكبر: وهو أن تعبد الله وأن تعبد غيره، كما كانوا في الجاهلية يعبدون معه: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أن يعبدوا معه عيسى بن مريم ويجعلونه إلهاً، فيدعونه ويستعينون به ويستغيثون به، أو أن يعبدوا بشراً يزعمون أنه هو الله، أو هو ابن الله، أو هو ثالث ثلاثة، فيرفعونه إلى مرتبة الألوهية، فكل ذلك شرك يحبط العمل.

ومن الشرك أيضاً أن يرائي الإنسان بعمله: فالعبادة لله، ولكنه يحب أن يرى مكانه، أو أن يمدحه الناس ويثنوا عليه، فكل هذا أيضاً من الشرك.

والإخلاص أن تجعل العبادة لله، وهو عمل قلبي لا يطلع عليه العباد، وهو سر بين العبد وربه سبحانه وتعالى، فكم من عابد يظن الناس أن عبادته حقة، ويكون فيها دخن، وهذا أمر يحتاج المسلم أن يجاهد نفسه عليه، فيسعى إلى أن يعرف التوحيد والإيمان، ويعرف كيف يصفي إيمانه ويخلص من الكدر والزيغ، وعند ذلك يصلح الركن الأساسي الأول، فاعبد الله مخلصاً له له الدين.

فعلى كل مسلم أن تكون عبادته خالصة لله سبحانه وتعالى، وما لم تكن هذه العبادة خالصة فلا تكون قائمة على أساس قوي متين أبداً، وإنما تقوم على أساس منهار، فالعبادة حق لله سبحانه وتعالى، والله لا يقبل عبادة أشرك العبد معه أحداً.

الشرط الثاني موافقة الشرع في العمل

والركن الثاني: أن يكون العمل مشروعاً شرعه الله سبحانه وتعالى، فتأتي به أنت وفق ما شرعه الله عز وجل.

ويقابل ذلك الابتداع في الدين، كأن يعمل الإنسان عبادة لم يشرعها الله سبحانه وتعالى، وإنما يخترعها هو من نفسه ويتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، فمن ظن أن حب الرسول إنما هو أغان وأناشيد يمدحونه بها ويفنون نهارهم وليلهم في ذلك فقد أخطأ، فهذا ليس سبيلاً للقربة إلى الله عز وجل، والذين يزعمون أن التقرب إلى الله إنما هي أحزان يقضون ليلهم ونهارهم فيها، ويضربون صدورهم، ويلطمون وجوههم، ويصيرون العام أحزاناً متوالية ويظنون أنهم يتقربون بذلك إلى الله عز وجل كما يحدث في كثير من ديار الإسلام، فهذا أيضاً بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.

نعم قد يحزن الإنسان لكنه فترة ثم تمضي، فقد يحزن الإنسان لموت عزيز، أو لموت قريب، أو لموت صالح ثم تمضي الأيام وينسى، لكن أن يجعل الحزن عيداً كما تفعل بعض الفرق الضالة من المسلمين فهذا ضلال، فكلما جاءت مناسبة موت أحد جعلوه عيداً، فإذا جاءت مناسبة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو وفاة علي بن أبي طالب ، أو وفاة الحسن ، أو وفاة الحسين ، أو وفاة غيرهم من الرجال الصالحين في تاريخ أمتنا جعلوه عيداً.

والصالحون مئات وألوف، فلو أردنا أن نحزن لوفاة كل صالح منهم لما بقي لنا لحظة من الزمان نفرج بها.

ثم هذا مخالف لمنهج الله وللمنهج الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته.

(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ومن ذلك إنشاء أعياد في الإسلام لمناسبات صالحة طيبة، فتجعل أفراحاً وأعياداً كأعياد المسلمين في عيد الفطر والأضحى، فكل هذا من الابتداع، وكذلك الصلوات التي يصطنعها بعض الجهال في عبادتهم وهي ليست مشروعة ولم يأت بها نص، أو يزعمون أن هناك أياماً يتقربون بها إلى الله أفضل من غيرها ولم يأت بذلك نص، كل ذلك من الابتداع في الدين.

وكذلك التقرب إلى الله في أمور فيها شيء من المعصية أو التكليف والالتزام بما لا يطاق، (فقد رأى الرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً واقفاً في الشمس فقال: مال هذا؟ قالوا: هذا رجل نذر أن يقوم في الشمس ولا يجلس، وأن يصوم، فقال: مروه فليجلس وليستظل، وليتم صومه) فالصوم مشروع وعبادة، وأما الوقوف في حرارة الشمس فالله سبحانه وتعالى كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (غني عن تعذيب هذا نفسه).

جهل المسلمين وابتداعهم في الدين

فالركن الثاني لقبول العمل أن يكون عملك الذي تتقرب به إلى الله مشروعاً، وهذا يحتاج منّا إلى علم، فتتعلم الأعمال المشروعة التي يتقرب بها الناس إلى ربهم، ومن علم حال المسلمين اليوم، أو سافر في مشارق الأرض ومغاربها، فإنه يرى أن المسلمين قصروا كثيراً في فهم هذين الأمرين حتى كأن الإسلام الذي يعلمه الإنسان ويقرؤه في الكتب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين قد أصبح غريباً في ديارنا، ويكاد الناس يثورون إذا ما خالف المسلم هذا الذي يزعمون أنه دين، يقولون: ذهب الإسلام وضاع.

وإذا سرت في مشارق الأرض ومغاربها فسترى من تقديس القبور وعبادتها، وعبادة الأموات شيئاً عجيباً، وهذا كله في القرن العشرين الذي يسمونه قرن النور والمعرفة والعلم، وكثير من الناس -يصلون إلى الملايين- يعكفون على قبور الأموات، فيدعونها ويستغيثون بها، ويلجئون إليها، ويقدمون لها الضحايا، ويقدمون لها النذور والقرابين، وتبنى عليها قباب الذهب وقباب الفضة، ويؤتى لها بالهدايا الثمينة من الشرق أو الغرب، وكل هذا يخالف أصلاً عظيماً وهو الإخلاص، فالاستعانة بهؤلاء ليس من الدين، والاستغاثة بهم ليس من الدين، إنما الواجب إذا كانوا من الصالحين أن نحبهم، وأن ندعو لهم كما علمنا القرآن: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ [الحشر:10]، بيننا وبينهم ود ومحبة، فلا نجعلهم آلهة تعبد من دون الله.

وهذه القضية يشاهدها المسلمون في بلاد الشام، في مصر، وفي شمال إفريقيا، وأينما سرت في ديار الإسلام، فهذا البلاء موجود بين المسلمين، وهو ينافي الإخلاص وأصل الدين وهو من الشرك الأكبر.

الأمر الآخر: أن البدع قد انتشرت بين المسلمين في صلاتهم وأذانهم وحجهم وصومهم وغير ذلك، وقد حدث عندنا في مدينة نابلس في فلسطين منذ سنوات أن مدير الأوقاف أراد أن يقصر الأذان بدون أن يُلحق به شيء فوق المئذنة كما كان العمل عليه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فثارت المدينة وخرجت عن بكرة أبيها في مظاهرات تظن أن هؤلاء يريدون أن يغيروا دين الله، فأصبحت البدعة هي السنة، فالأذان ليس معه شيء كما هو حادث في الكويت، وفي بعض بلاد الإسلام مما يسبق الأذان من تراتيل، وما يعقبه من صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم بصوت مرتفع، نعم إن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم عقب الأذان سنة، ولكن لا تكون بصوت مرتفع، وإنما يندب لمن سمع الأذان أن يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، فظنوا أن هذا بدعة، والحال أن فعلهم هو البدعة.

وكذلك في الحج نجد أفعالاً كثيرة يفعلها المسلمون وهم يظنون أنها هي الدين، وفي الصيام يقدمون الأذان قبل وقته هذا حال (99%) من ديار الإسلام، وهذا ليس صواباً، وإنما يكون الأذان في وقته عندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

وبعض الذين يدعون الإسلام يؤخرون الفطور حتى تتشابك النجوم، وهذا من الابتداع في دين الله، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر عندما يسقط قرص الشمس، وعند ذلك أفطر الصائم شاء أم أبى.

لقد انتشرت هذه البدع في ديار الإسلام حتى أصبح المسلمون لا يعرفون دينهم الحق، وأصبحت البدعة سنة، والسنة هي البدعة، والعبادة الصحيحة أن تعبد الله سبحانه وتعالى خالصاً لوجهه تريد ما عنده عز وجل، وأن تعبده كما شرع سبحانه وتعالى، وعند ذلك يرجى أن يكون عمل المسلم صالحاً مقبولاً.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الركن الأول: أن تخلص عملك لله سبحانه وتعالى، تعبد الله وحده لا تشرك به شيئاً، وهذه العبادة إن لم يقصد الله بها وحده وقصد بها غيره أصبح العمل شركاً لا يتقبل من صاحبه، فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، فالذي يرجو لقاء الله، ويريد مغفرة الله عز وجل وجنته والنجاة من النار، فعليه أن يعبد الله وحده ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.

والشرك في العبادة شرك أكبر: وهو أن تعبد الله وأن تعبد غيره، كما كانوا في الجاهلية يعبدون معه: اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أن يعبدوا معه عيسى بن مريم ويجعلونه إلهاً، فيدعونه ويستعينون به ويستغيثون به، أو أن يعبدوا بشراً يزعمون أنه هو الله، أو هو ابن الله، أو هو ثالث ثلاثة، فيرفعونه إلى مرتبة الألوهية، فكل ذلك شرك يحبط العمل.

ومن الشرك أيضاً أن يرائي الإنسان بعمله: فالعبادة لله، ولكنه يحب أن يرى مكانه، أو أن يمدحه الناس ويثنوا عليه، فكل هذا أيضاً من الشرك.

والإخلاص أن تجعل العبادة لله، وهو عمل قلبي لا يطلع عليه العباد، وهو سر بين العبد وربه سبحانه وتعالى، فكم من عابد يظن الناس أن عبادته حقة، ويكون فيها دخن، وهذا أمر يحتاج المسلم أن يجاهد نفسه عليه، فيسعى إلى أن يعرف التوحيد والإيمان، ويعرف كيف يصفي إيمانه ويخلص من الكدر والزيغ، وعند ذلك يصلح الركن الأساسي الأول، فاعبد الله مخلصاً له له الدين.

فعلى كل مسلم أن تكون عبادته خالصة لله سبحانه وتعالى، وما لم تكن هذه العبادة خالصة فلا تكون قائمة على أساس قوي متين أبداً، وإنما تقوم على أساس منهار، فالعبادة حق لله سبحانه وتعالى، والله لا يقبل عبادة أشرك العبد معه أحداً.


استمع المزيد من الدكتور عمر الأشقر - عنوان الحلقة اسٌتمع
النجاة من الفتن 2410 استماع
كيف تستعيد الأمة مكانتها 2299 استماع
فتاوى عن الجماعات الإسلامية والجهاد 2292 استماع
أضواء العمل الإسلامي 2214 استماع
اليوم الآخر 2192 استماع
الانحراف عن المسيرة الإسلامية 2162 استماع
إخلاص النية 2162 استماع
مع آيات في كتاب الله 2142 استماع
أسباب الجريمة وعلاجها 2125 استماع
قيمة الاهتمام في زيادة الإيمان 2105 استماع