أسباب الجريمة وعلاجها


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن الأمن نعمة وأي نعمة، فقد امتن الله بها على قريش إذ كانت تعيش في الجزيرة العربية حيث السلب والنهب واعتداء القبيلة على القبيلة الأخرى، وفي وسط الجزيرة العربية كانت مكة واحة أمن، ولذلك قال سبحانه: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش:1-4].

فالأمن لا يأتي هكذا، بل هو ناتج عن محاربة الجريمة ومعالجة أسبابها، فعند ذلك يتوفر الأمن، وبعض الصحف أوبعض المسئولين في حديثهم في الإذاعة أو التلفاز يقول: إن الجريمة موجودة وستبقى موجودة، وهذا كلام حق، فالجريمة وجدت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة، لكن الجريمة لم تؤثر على أمن الناس وأمن المجتمعات، أما إن ازدادت عن معدلها، فهذا يدل على أن أسباب الجريمة ونتائجها لم تعالجا بشكل سليم، أو أن الناس لم يحافظوا على صحتهم وصحة أولادهم وأهليهم بالشكل المطلوب، فلا يكفي أن نقتل الأمراض، أونقول: أن الأمراض منتشرة في الهواء، وكذلك الجراثيم والميكروبات منتشرة في كل مكان، فإذا كان فناء الدار قذر، والشارع قذر، والشمس لا تدخل البيوت، والناس لا يغتسلون ولا يتنظفون، فكيف بعد ذلك نحافظ على صحتنا؟!

إن أول ما يجب على الناس فعله هو أن يزيلوا الأقذار والأوساخ، ويطهروا البيوت، ويغسلوا أجسادهم ويتنظفوا، عند ذلك يقل المرض، ثم إذا نشأت الأمراض بعد ذلك كله فعلينا معالجتها عن طريق المستشفيات، والمجمعات، والأطباء الذين يعالجون ذلك بالأدوية.

وأسباب الجريمة موجودة، لكن ينبغي أن تعالج حتى تخف وتقل من المجتمعات، وفي بعض الأحيان تكاد تزول من المجتمع، أما إذا لم نعالج أسبابها فستبقى وستكثر، فعندما يرى الشاب وهو يسير في الشارع النساء عرايا كأنهن في غرف النوم مع أزواجهن فسيثرن شهوته وأعصابه، فليس عنده دين يحميه، فقد حطم الدين في نفوس كثير من الشباب، وحطمت الأخلاق، وضعفت مراقبة الله سبحانه وتعالى، ثم النساء يعرضن أجسادهن في الشوارع، ويعرضن شعورهن، عارية ظهورهن وصدورهن وسيقانهن، ثم يذهب إلى التلفزيون فيشاهد ما يشاهد، ثم يقلب الصحيفة فيرى ما يرى، ثم يريد الزواج فإذا براتبه لا يكفي لأجرة شقة، فلا يستطيع أن يتزوج، إذ ليس عنده المال الكافي، يطلب الحلال فلا يجده، وشياطين الإنس والجن كثيرون، ويرسلون الفاحشة ليثيروا الناس خاصة الذين لم يحصنوا أنفسهم بالإيمان، ولا يأتون إلى المساجد ليقووا إيمانهم وصلتهم بالله، ثم يقول البعض: إن الجريمة موجودة وستبقى موجودة.

- فنقول: هل عالجتم أسبابها؟ هل أعطيتم الجانب المعاكس الذي يقضي على الجريمة في النفس حقه في رقابة الله سبحانه وتعالى؟ هل وصلتم الناس بكتاب الله؟ أين التقوى والإيمان الذي إذا جاء الشيطان يوسوس قال له: لا، فالله يراك، وينظر إليك، وسيحاسبك بين يديه سبحانه وتعالى؟ وأين الخلق الذين يقولون له: لا تفعل؟ أترضى الفاحشة لأمك؟ أترضاها لأختك؟ أترضاها لقريبتك؟

لا يوجد شيء من ذلك، بل حطمنا ذلك كله.

فهناك شياطين يحطمونها، يحطمونها بالكلمة والمقالة والتمثيلية والمسرحية، ففي الشارع تحطم، وفي الحفلات التي تقام هنا وهناك تنتهك فيها الفضيلة وترتفع أسهم الرذيلة تحطم، فالفساد يعشعش هنا وهناك، وكل ذلك منتشر وموجود.

فعندما تنتشر الأقذار والأوساخ تكثر الميكروبات، ويترعرع فيها الشر، وتترعرع فيها الجريمة ثم بعد ذلك نقول: إن الجريمة ستبقى موجودة.

نعم، ستبقى موجودة، ولكن هناك فرق بين وجود ووجود، فإذا استأصلنا أسباب الجريمة ستقل الجريمة، ثم يأتي العلاج.

وعندما توجد الجريمة ينبغي أن تعالج، وعلاجها في الإسلام مختلف، فالإسلام يعالجها لا كما تعالجها أوروبا، إذ أن علاجها في أوروبا جعلها تزداد وتنتشر؛ لأنها تعالج علاجاً خاطئاً.

فالإنسان قد يجرم بجريمة واحدة، فيأتي عالم الغرب بعلاج السجن، فيلتقي مع مئات من المجرمين؛ فيعلمونه الإجرام، ويخرج أستاذاً في الإجرام، ويكثر المجرمون، فيحتاج الناس إلى أن يهيئوا لهم السجون، ويهيئوا لهم الحراس، ويهيئوا لهم الذين يطبخون، والذين يعنون بهم، فنحتاج إلى جيوش يقومون على رعايتهم.

أما الإسلام فيعالج الجريمة بما وضع لها من حدود وعقوبات، وقد بين القرآن سبيلها، وأمر أن يكون ذلك أمام طائفة من المسلمين ليأخذوا منه العبرة والعظة، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]؛ وذلك ليعتبروا ويتعظوا، فإذا شاهد الإنسان العقوبة تحل بغيره عند ذلك إذا لم يزعه سلطان الإيمان والخوف من الله خاف من سلطان البشر، ومن العقوبة التي يمكن أن تنزل عليه، وإذا ما رأى غيره وقع به العذاب فإنه يخاف أن يكون يوماً ما مكانه إذا فعل مثل جريمته فيقع به ما وقع بغيره، عند ذلك يتعظ ويخاف ويبتعد.

فمن قتل وكان متعمداً وأصر أولياء القتيل على قتله يقتل، ومن زنا إن كان محصناً رجم حتى الموت، وإن كان غير محصن جلد مائة جلدة، ونكون بذلك قد أدبناه وأدبنا بتأديبه من شاهدوه ومن رأوه.

فالعلاج من ناحيتين: تعالج الجريمة باستئصالها من جذورها، حتى تغسل الأرض، وتنظف وتطيب، ويغسل المجتمع حتى لا تترعرع فيه الجريمة، فإذا نشأت الجريمة فإنه يعالجها، ويزيل آثارها، ويربي الناس بها، عند ذلك تكون الجريمة في إطار ضيق قليل، فتكون محصورة لا تؤثر في أمن الناس، ولا تسبب لهم المشكلات، وبغير هذا لن تكون الجريمة موجودة فحسب، بل ستكون منتشرة، وفرق بين وجودها وبين انتشارها.

فنحن نقول للذين يرددون بأن الجريمة موجودة، نحن لسنا مجتمعاً شاذاً، فالجريمة موجودة في أوروبا، وفي بريطانيا، وأمريكا، ففي بعض المدن في أمريكا يحصل اعتداء على كل واحد من ثلاثة أشخاص، فإذا كانت المدينة ثلاثة ملايين فإن ثلثها المليون بكامله يحصل على الاعتداء، فهل ننتظر حتى يصل الأمر بنا كما وصل بتلك الديار؟!

وفي بريطانيا رجل مجرم واحد كلف الدولة أربعة ملايين من الدنانير حتى قبض عليه؛ لأنه كان متخصصاً في قتل النساء، ففزعت المقاطعة كلها، وكان نساؤها لا يستطعن أن يسرن إلا وهن محصنات، فخصصت الدولة جيشاً كاملاً من الشرطة والمباحث لملاحقة هذا الرجل، وبعد سنوات طويلة قبض عليه بطريق المصادفة.

فليس من الطبيعي أن تنتشر الجريمة وتسود، وأن يذهب الأمن من القلوب والنفوس، وأن تعيش النساء في رعب، وأن تحدث جريمة كل سنة أو كل سنتين.

فإذا أردنا أن نقضي على الجريمة، أو نحد من انتشارها فلابد من معالجة الأسباب التي تثير الجريمة وتسببها.

فننظر إلى خروج النساء شبه عاريات، وما يعرض في المسرحيات، والأفلام، في السينما والتلفزيون، وما يكتب من قصص، وما ينشر من صور، وما يقال من أحاديث، وما ينشأ من حفلات، فكل هذا من أسباب الجريمة، وما يحطم من الأخلاق والدين في نفوس الشباب، فالملحدون والأشرار الذين يحطمون الفضيلة والخلق في النفوس سواءً كان أستاذاً في مدرسة، أو كاتباً، أو باحثاً، أو رجلاً متكلماً، أو موظفاً، فكل هؤلاء ينبغي أن يؤخذ على أيديهم؛ لأنهم من أسباب الجريمة، فإذا تحطم الإيمان والخلق والفضيلة في الإنسان أصبح وحشاً، أو حيواناً، يمكن أن يقتل أمه أو أباه أو أخاه، وأن يعتدي على أمه أو أخته بالفاحشة.

ويذكر ابن كثير في تاريخه: أن فتاة طائشة قهرت عشيقها بأن يقتل أمها وأباها، وكان رجلاً صالحاً فاضلاً كما يقول عنه ابن كثير .

وظهرت في الثلاثينات من هذا القرن الميلادي جريمة هزت فرنسا، وكانت حديث المجامع والصحف، وهي فتاة أراد عشيقها أن يشتري سيارة أو غيرها فوضعت السم لأمها وأبيها لتحصل على نقودهما، وعندما لم تمت أمها طعنتها طعنات كثيرة خشية أن تفيق من سمها فتمتد حياتها.

فالإنسان عندما يحطم الخلق والدين عنده يصبح حيواناً لا يبالي بشيء، فالذين يحطمون الإيمان، ويحطمون الخلق في النفوس مجرمون، وهم من أسباب الجريمة، فينبغي أن يؤخذ على أيديهم، وألا تترك لهم الحرية في الكلام باسم الأدب، أو الفن، أو الحرية في النشر، فأي حرية هذه؟!

إن هذا الذي يأتي بالجراثيم ليزرعها في المجتمعات، ويرشها هنا وهناك، ويفسد النفوس، ليس حراً في فعله، بل يجب أن يؤخذ على يده، والرسول صلى الله عليه وسلم شبه المجتمع بسفينة يركب عليها الناس، فبعضهم في أعلاها وبعضهم في أسفلها، فقال الذين في أسفلها: نحن نؤذي من فوقنا عندما نمر عليهم لنأخذ الماء، فلو خرقنا خرقاً في نصيبنا لكي نأخذ الماء ولا نؤذي من فوقنا، وهؤلاء عندما يخرقون خرقاً في السفينة فإنهم سيغرقون ويغرقون من معهم، فهل يأتي إنسان ويقول: هؤلاء أحرار، وهذه ديمقراطية، وهذه حرية؟!

وقد كتب أحدهم ذات مرة كتابة سيئة، فلما رد عليه بعض الناس إذا ببعض البارزين من الكتاب يقولون: نحن نعيش في مجتمع ديمقراطي، فنقول: أي مجمع ديمقراطي الذي يأذن لأصحاب السفينة أن يخرقوا في نصيبهم، ثم تمتلئ السفينة ماءً ويموت الناس كلهم باسم الحرية والديمقراطية.

فهناك حدود في الإسلام، وهناك أعمال صالحة وأعمال باطلة، وهناك عمل صالح وعمل قبيح، وهناك حق وباطل، وسيحاسب الناس، فله أن يعمل في دائرة الحق والمباح بحرية، أما أن يعمل في دائرة الباطل باسم الحرية وباسم الشر فهذا خطأ كبير.

ولقد أثبتت التجربة والتطبيق العملي أن الإسلام قادر على أن يبث الأمن في المجتمعات التي يحكمها، وأن الاتجاه نحو العالم الغربي في قوانينه ونظمه وأخلاقه يجذب القلق والدمار، ويضيع الأمن، فحكومة عبد العزيز آل سعود هي أصدق حكومة في الجزيرة العربية طبق فيها الإسلام، وطبق فيها القرآن، وكان الناس في الجزيرة قبل تلك الأيام لا يستطيع أحدهم أن يتحرك من بلده إلى بلد آخر آمناً، فقد كان أهل الحاج يودعونه على أنه ليس براجع، وكان الإنسان يقتل على بصلة، أن المجرم يرى جيب الرجل منتفخاً فيقتله ظناً منه أنه مال وهو بصل.

ولقد حدثني أهل المدينة المنورة أنهم كانوا قبل أن يأتي حكم عبد العزيز إليهم لا يستطيع أحدهم أن يخرج من المدينة أكثر من كيلو متراً.

فعندما طبق حكم الإسلام تحولت الجزيرة إلى بلد آمن، وتحولت هذه الصحاري الشاسعة والبلاد الواسعة إلى بلد آمن، وإلى عهد قريب تقول إحصائية لا أذكر مصدرها من بعض البلاد الأوروبية: لا تزال أكثر بلاد العالم أمناً السعودية، على ما طرأ فيها من خلل في تطبيق الإسلام، والبقية الباقية التي فيها لا تزال تجعلها أكثر أمناً، ولو كان الناس الذين شعروا وذاقوا نعمة الأمن يقدرون لحرصوا على الإسلام بالنواجذ، ولما تركوا قاذورات أوروبا تصب في ديارهم، فإذا ما شئنا هنا في الكويت, أو في السعودية، أو في مصر، أو في أقطار العالم الإسلامي أن ننعم ببحبوحة الأمن، وأن نعيش آمنين على أنفسنا وزوجاتنا وبناتنا وأولادنا وأموالنا، فلابد أن نعود إلى الإسلام؛ ليغسل أقذار قلوبنا، ويطهر نفوسنا، ويحول بيننا وبين الشر، ويوجد فينا مراقبة الله سبحانه وتعالى، ووالله! إن لم نفعل ذلك فسنزداد بلاءً فوق بلاء، ومرارة فوق مرارة، وسيأتي يوم يبكي فيه الناس دماً؛ لأنهم قصروا وفرطوا، فالله ليس بينه وبين أحد من عبادة قرابة ولا صهر ولا نسب، فقد أنزل لهم ديناً فقال: هذا حظكم فيه، وهذا ذكركم، وفيه سعادتكم، إن أخذتم به فهو سعادتكم في دنياكم، وهو سعادتكم في أخراكم قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126].

وفي الأسابيع الماضية القليلة روعت الكويت بجرائم اقشعرت لها الجلود، واحتارت لها العقول، فتاتان صغيرتان في عمر الورود -كما يقال- يعتدي عليهما وحوش خلت قلوبهم من الإيمان والتعقل والمروءة والفهم.

جرائم أخرى يرتكبها رجل يقفز من فوق الأسوار، ثم يخدر ضحيته ويفعل بها الفاحشة.

فمن المسئول عن هذه الجرائم؟

إن الأب مسئول أولاً، الأب الذي لم يرب ابنه على الإسلام، ولم يربه على الإيمان، فاشتغل بتجارته وماله ووظيفته وشهواته، وترك ابنه للشارع والسينما والتلفزيون، يهيم مع زملاء له في مثل سنه يفسقون ويفجرون، فهذا الأب مسئول يوم القيامة عن ابنه، وهو مسئول عنه في الدنيا أيضاً ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والأب راع وهو مسئول عن رعيته)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر).

فالأب مكلف بالتربية، ومكلف بالتوجيه وغرس الفضائل والقيم، وأن يربي ابنه على الواجبات وأخلاق الإسلام، وإذا كان لا يستطيع؛ إذ ليس عنده علم، فإنه يستطيع أن يعلم ابنه الوضوء والصلاة، وأن يأتي به إلى بيت الله، وأن يصله بأبناء يعيشون على الطهر والفضيلة، وأن يشتري له أشرطة تتحدث عن الإسلام وهكذا؛ فهو مسئول عنه.

والأم مسئولة كذلك، مسئولة أن تفهم ابنها وتعلمه، وكثير من نساءنا في هذه الأيام لا يفقهن هذه القضية، بل كل حديثهن مع أولادهن عن الدنيا، وماذا يمكن أن يكونوا في المستقبل، وبعضهن لا يأبهن بهذه القضية، بل ينشغلن بزينتهن وفتنتهن وتبرجهن، ولا يرعين أولادهن، فهن مشاركات في الجريمة.

والدوائر المختلفة مسئولة أيضاً، فوزارة التربية مسئولة عن هذه الجرائم، لأن وزارة التربية التي تعلم حصتين للدين وثماني حصص للإنجليزي مسئولة عن ذلك، وبعض مدارسنا تساوي بين الدين والرقص، فتعلم بناتنا وأبناءنا الرقص والموسيقى، أما الأخلاق والقيم فأي شيء يسد نقصها، فهي مسئولة عن هذه الجرائم.

فالمدارس ينبغي أن تكون مرتعاً للأخلاق الفاضلة، والقيم النبيلة، ففيها يدرس القرآن، ويدرس الحديث، وفيها يعيش الطلبة أربع سنوات في الابتدائية، ومثلها في المتوسط، ومثلها في الثانوي، ومثلها في الجامعة، فيقضي الإنسان منا طفولته وشبابه في المدارس، فإذا لم تقم المدارس على الطهر والفضيلة والأخلاق الطيبة فمن الذي يربي؟ ومن الذي يرعى؟

وأهم شيء عند المسلم عقيدته وإيمانه، فهو الذي يربيه ويحفظه، وسياجنا الذي يحمينا من الفساد هو هذا الدين، فالشيطان يريد أن يهلك الإنسان بالوسوسة له في الليل والنهار، والنفس الأمارة بالسوء توسوس له، وشياطين الإنس يوسوسون ويريدون أن يفسدوا، ولا عصمة من ذلك كله إلا بالتقوى والإيمان والصلاح.

ولا يعطي التقوى والإيمان والصلاح إلا رجال أخيار يدرسون أبناءنا، فيفتحوا العيون على كتاب الله، وعلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعلمونهم القيم الفاضلة، ويعرفونهم سيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وسير الأخيار من هذه الأمة كـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وغيرهم، ويعرضوا لهم سير الصالحات من أمهات المؤمنين، ومن المؤمنات الطيبات اللواتي كن مثالاً يقتدى بهن.

وفي كثير من الأحيان تجد الكتب التي تعلم في المدارس تفتح أعين أبناء المسلمين على تاريخ أوروبا وقيمها ومثلها ونظرياتها وأخلاقياتها وفلسفاتها، وتمنع نور الإسلام أن يصل إلى القلوب، فتحتاج المناهج إلى تصفية، وتحتاج الكتب إلى أن تنقى، وأن يعتنى بالدين.

فبهذا الوضع وزارة التربية مسئولة. والتلفزيون الذي يعرض الجريمة مسئول أيضاً، فالإسلام عندما حرم الزنا والفجور حرم أسبابه، وعندما حرم شرب الخمر خلعه من جذوره، فالذي يبيع أو الذي يزرع العنب ليصنع به خمراً أو يبيعه لخمار هو مجرم في الإسلام، وصاحب السيارة الذي ينقل العنب إلى الخمارة مجرم، والذي يعمل في المصنع مجرم أيضاً؛ لأن الإسلام يقتلع الجريمة من جذورها.

فالذي يعرض الفاحشة ويحببها للناس بتمثيل وفجور وغناء ورقص وأفلام باسم الفن يقتل الأخلاق، ويمزق القيم، ويهدر ما حرم الله، ويشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وهذه جريمة.

وهو مسئول عن جرائم الزنا التي وقعت لمثل هذه الفتيات، فهو مسئول عنها أمام الناس، ومسئول عنها عند رب الناس وسيحاسب عليها، فهو يشارك في المسئولية، ومثله الإذاعة التي تشارك في المسئولية بما تبثه من شر، وبما تبثه من مواد تدعو إلى الفاحشة والجريمة وتحبب إليها.

والصحافة تنشر أموراً قذرة في بعض الأحيان لا يتمالك الشاب نفسه إلا أن يبحث عن الجريمة، لما يرى في الصحافة من صور عهر وفجور، وتمثيليات ومسرحيات تكتب في الجريدة تلهب المشاعر والأحاسيس، فإذا بالشاب يبحث عن الجريمة.

والمسارح التي تقدم ما تقدم تشارك في المسئولية.

والقضاء يشارك في المسئولية، فعندما تأتيه جريمة رجل مجرم فجر بشقيقته، وآخر فجر بجارته، وثالث اعتدى على أسرة آمنة وفعل ما فعله، ثم يحكم عليه بستة شهور من السجن، وأحياناً تخرج في بعض البلاد براءته، وفي بعض الأحيان تتدخل الوساطات فلا يصنع القضاء شيئاً، فيكون مشاركاً في المسئولية.

فرب العباد أرحم بنا من أنفسنا، وأرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، وأرحم بنا من قضاتنا وحكامنا، والله الذي شرع لعباده رحيم بهم، ويعلم أن بعضهم قد يكون كالوحوش يفترس الآخرين كما تفترس الحيوانات بعضها في الغابات، فشرع تشريعات سبحانه وتعالى للعباد بما يصلحهم قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:179]، أي: لكم حياة وأي حياة.

وقال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]، وتجد البعض يقول عن هذا: إنه وحشية وهمجية، فجعلوا حكم الله وحشية، فذاقوا البلاء، وقد يقع البلاء في الذي يقول بهذا القول، وقد يقع في أولادهم، وأزواجهم، وبناتهم، وهم يتهجمون على شريعة الله، ويعزلون حكم الله أن يحكم في عباده، فإذا بالمجتمع يفقد نعمة الأمن.

ولقد علمنا ما حصل في هذه الديار، من فقد نعمة الأمن، حتى إن بعض الآباء من الذين بيوتهم غير آمنة اعتكفوا في بيوتهم في الأيام الماضية قبل أن يقبض على المجرم خشية على أولادهم، وكثير من الناس ارتجفت قلوبهم، والبنات يجرين في الشارع ذهاباً وإياباً إلى دورهن خوفاً وفزعاً، فعندما يفقد الناس نعمة الأمن فإن الحياة لا تصلح حينئذ.

ولا يأتي بهذه النعمة إلا إيمان يغرس في القلوب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى الصراط سوران عن يمين وشمال، وفي السوران أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وداع يدعو من فوق الصراط: أيها الناس! ادخلوا الصراط ولا تعوجوا، وداع يدعو من ظهر الصراط، كلما أراد أحدكم أن يفتح باباً قال: ويحك! لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلج، ثم بين الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: الصراط الذي ضربه الله هو الإسلام، والسوران عن اليمين وعن الشمال: حدود الله، والأبواب: محارم الله، والداعي الذي يدعو على رأس الصراط هو القرآن، والداعي الذي يدعو من ظهر الصراط: هو واعظ الله في قلب كل مسلم). فعندما يريد الإنسان أن يفتح باباً، وأن يدخل إلى الزنا، أو يشرب الخمر، إذا بواعظ من قلبه يقول: لا، ويذكره بربه سبحانه وتعالى، وواعظ الله في قلب المسلم هو الذي يسميه الناس الضمير، ويسميه الرسول صلى الله عليه وسلم: (واعظ الله في قلب كل مسلم) فهو ناتج من رقابة العبد لربه، وعلمه بأن الله ينظر إليه، وأن الله يراه، وأنه يسمع به غاص في أعماق الأرض، أو مشى على وجهها، أو طار في أجواء الفضاء، فإن الله به محيط، فعلم الله سبحانه وتعالى يحيط به في ليله ونهاره، في سره وعلنه، أظهر القول أو أخفى حديث نفسه في صدره، فالله سبحانه وتعالى يعلم به، وينظر إليه، لا تحجبه عن ربه ظلمات الليل، ولا طبقات الأرض، ولا جدران البيوت، فعندما يؤمن المسلم بذلك، ويستيقن بذلك، عند ذلك ترجو خيره وتأمن شره.

والناس اليوم يحطمون هذا الواعظ كما قلت، فالتلفزيون يحطمه، والإذاعة تحطمه، والصحيفة تحطمه، والشر الذي يسود المجتمع يحطم هذا الواعظ، والواعظ عند المسلمين سلاح يقاومون به الباطل، ويقاومون به الفساد، ويقاومون به الشر، لكننا نكسر أسلحتنا بأيدينا، ونحرقها وندمرها فيصبح جنودنا بلا سلاح أمام الباطل والشر.

فالإسلام يغرس هذا الوعظ في النفوس، ومن لم يربه الإيمان والإسلام رباه السوط، وربته القوة، ورباه السلطان، فالواعظ يدمر، والسلطان لا يأخذ على أيدي المجرمين بما شرع الله سبحانه وتعالى، فماذا نرجو إن استمر الحال على هذا المنوال ولم نتدارك أنفسنا، ولم نتدارك أجهزتنا، ولم يتدارك العقلاء الموقف؟ لا يأمن الناس في حياتهم، ولا يأمنون في مجتمعاتهم.

فأوروبا وأمريكا تشكوان، فقد استشرى الفساد ووصل إلى الرءوس الكبيرة، فقد سمعنا منذ أيام أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ناله الرصاص، واغتيل رئيس وزراء إيطاليا، إذ أخذ من وسط داره ومن بين أهله، ثم قتل ورمي في الشارع، فالفساد استشرى ووصل إلى الرءوس الكبيرة؛ لأنها لم تتدارك الأمر، ولقد أكرمنا الله بهذا الدين، حيث جلب الأمن والخير لمن عملوا به.

فحري بنا ألا نسير أكثر من ذلك في باطلنا، وأن ننتبه لأنفسنا، وإلا فإننا سنغرق في طوفان كبير.

اذكروا أيها الإخوة! كيف كان حال العرب قبل الإسلام؟ وكيف كانت مجتمعاتهم، وقبائلهم، وأفرادهم؟ ثم كيف أصبحوا بعد الإسلام؟ قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً [آل عمران:103]، فقد كان العرب قبل الإسلام أعداء متناثرين متناحرين، فتحولوا بنعمة الله إلى إخوة أحبة كما قال تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103].

أي: كانوا في اضطراب وجاهلية فجاءهم الله بهذا الخير فحولهم، فأصبحوا خير أمة أخرجت للناس بالإسلام، وعاش المسلمون في ظل الإسلام قروناً طويلة ينعمون بالأمن والرخاء، وينعمون بالرضا يحل في قلوبهم، والهناء في عقولهم، وكانوا كلما ابتعدوا عن هذا الإسلام ضاعوا وضيعوا، أضاعوا أنفسهم، وضيعوا بلادهم، وكلما اقتربوا من هذا الإسلام وتمسكوا به وتمسكوا بكتاب الله عزوا، فالتاريخ شاهد يحكي لنا حكايات الأولين ويخبرنا.

فحري بنا أن نستقيم، وأن نأخذ العبرة من الماضي للحاضر؛ حتى لا نضيع؛ وحتى نستدرك أنفسنا قبل أن يفوت الأوان.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا، وألهمنا رشدنا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب الدعوات.