من آداب الصيام: العمل على تحصيل التقوى
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
من آداب الصيامالعمل على تحصيل التقوى
الصيام الخالي من الرياء، وكامل الشروط والأركان، سبيلٌ لتحصيل التقوى، وهي خير ما يحوزه الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة:183].
قال البغوي رحمه الله في "معالم التنزيل: 1 /196": وقوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ يعني بالصوم؛ لأن الصوم وسيلة إلى التقوى لِما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات"؛ اهـ.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: 1/ 318": لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضيق لمسالك الشيطان"؛ ا هـ.
والتقوى هي أعلى المراتب التي يصل إليها العبد المؤمن، وقد اختلفت تعبيرات العلماء في تعريف التقوى، لكن التعريفات كلها تدور حول مفهوم واحد، وهو أن يأخذ العبد وقايته من سخط الله عز وجل وعذابه، وذلك بامتثال المأمور، واجتناب المحظور، فالصيام وسيلة للتقوى؛ لأن النفس إذا امتنعت عن الحلال طمعًا في مرضاة الله، وخوفًا من عقابه، فأولى أن تنقاد إلى الامتناع عن الحرام.
والتقوى أصل كل خير، ولهذا جمع الله الأولين والآخرين، ثم وصاهم بوصية واحدة، فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ ﴾ [النساء: 131].
قال الغزالي رحمه الله: أليس الله تعالى أعلم بصلاح العبد من كل أحدٍ، أوليس هو أنصح له وأرحم وأرأف من كل أحد، ولو كانت في العالم خصلة هي أصلح للعبد، وأجمع للخير، وأعظم للأجر، وأجل في العبودية، وأَولى بالحال، وأنجح في المآل من هذه الخصلة التي هي التقوى - لكان الله أمر بها عباده، فلما وصَّى الله بهذه الخصلة الواحدة وجمع الأولين والآخرين من عباده في ذلك، واقتصر عليها، علمت أنها الغاية التي لا متجاوز عنها، ولا مقصود دونها، وعلمت كذلك أنها الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات.
فلنحرص على الصيام الصحيح، ولا نخدشه بما يَنقص من أجره وثوابه، أو يبطله بالكلية؛ حتى نكون من عباد الله المتقين، الذين قال عنهم رب العالمين: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الحجر: 45]، وصدق القائل حيث قال:
ولست أرى السعادةَ جمعَ مالٍ
ولكن التقي هو السعيدُ
فتقوى الله خيرُ الزاد زخرًا
وعند الله للأتقى مزيدُ
فالصوم دعوة لتحصيل التقوى، ومما يعينك على ذلك:
الإكثار من الذكر والدعاء وتلاوة القرآن، اتَّخِذ لك صحبة صالحة، وابتعد عن قرناء السوء، واجعل قلبك معلقًا بالمساجد، وأكثِر من التردد عليها، وحافِظ على صلاة الجماعة مهما كانت الظروف، وإياك وسماع الأغاني فإنها تنبت النفاق في القلب، وتجنَّب مشاهدة ما يثير الشهوات, ويُقسي القلوب، وابتعد عن الجلوس أمام الأفلام والمسرحيات والتلفاز، واستعنْ بالله على ترك المحرمات كشُرب الدخان ونحوه، واحفَظ اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والسخرية، ولا تضيع الأوقات، واعرف قيمة الزمان، ومطالعة سِيَر السلف وأهل الاجتهاد والتشمير.