فتاوى منوعة [24]


الحلقة مفرغة

السؤال: إذا كان مذهب أهل السنة في الفتنة التي وقعت بين الصحابة هو السكوت عنها وعدم ذكرها والتعرض لها، فلماذا ذكرها الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية؟

الجواب: ذكر ابن كثير ما شجر بين الصحابة من كتب التاريخ، ولكنه كان يبين أن الصحابة إنما فعلوا ذلك عن اجتهاد، وأنهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهد مخطئ له أجر واحد.

والنصوص دلت على الخلاف الذي حصل بين الصحابة، فقد دلت النصوص على أن علياً رضي الله عنه ومن معه مصيبون، وأن معاوية ومن معه مخطئون، ولهذا انضم الصحابة إلى علي رضي الله عنه، واستدلوا بقول الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات:9]، فقالوا: إن علياً رضي الله عنه هو الخليفة الراشد، وتمت له البيعة، وأهل الشام ومعاوية بغاة، فيجب قتالهم حتى يخضعوا، فانضم جمهور الصحابة مع علي رضي الله عنه، عملاً بهذه الآية: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

ومما يدل على أن أهل الشام ومعاوية بغاة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمار : (تقتلك الفئة الباغية) فسماهم بغاة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (تمرق مارقة على حين فرقة من الناس تقتلهم أولى الطائفتين بالحق)، فخرجت الخوارج وقتلهم علي رضي الله عنه، فدل على أنه أولى بالحق من معاوية .

لكن معاوية وأهل الشام كانوا لا يعلمون أنهم بغاة، فهم مجتهدون يطالبون بدم عثمان ، فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب، وعلي ومن معه لهم أجر الصواب وأجر الاجتهاد.

وهناك بعض الصحابة أشكل عليهم الأمر ولم يعرفوا المصيب، فلم يقفوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، واعتزلوا الفريقين، ومنهمابن عمر ، وسلمة بن الأكوع، فإنه ذهب إلى البادية واعتزل الفريقين وتزوج، وقال: أذن لي النبي صلى الله عليه وسلم في البدو، ومنهم أسامة بن زيد ، في جماعة أشكل عليهم الأمر، حتى سماهم بعض الناس مرجئة الصحابة، أخذاً من الإرجاء وهو التاخير؛ لأنهم أخروا الفريقين، وأرجئوا أمرهم إلى الله؛ لعدم تبين الأمر لهم.

فعلى المسلم أن يترحم على الجميع، ويعرف أن لهم من الحسنات ما يغطي ما صدر عنهم من الهفوات.

السؤال: هل هناك فرق بين الإسلام والإيمان؟

الجواب: نعم، فالإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة، وهذا إذا اجتمعا كما في حديث جبريل؛ فإنه فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة.

أما إذا أطلق أحدهما فإنه يدخل فيه الآخر، فإذا جاء الإسلام وحده فتدخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، كما في قوله عز وجل: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19].

وإذا جاء الإيمان وحده يدخل فيه الإسلام، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة).

فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، مثل لفظ الفقير والمسكين.

السؤال: ما حكم الاستدلال بالآيات في غير موضعها، كقولهم لمن اسمه يوسف: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [يوسف:29]، وقولهم: لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:28]؟

الجواب: هذا لا ينبغي، لكن الاقتباس لا بأس به، فمن اقتبس من الآيات القرآنية في محلها فلا بأس، أما في غير محلها فلا.

السؤال: لي بستان يبعد عن الرياض أربعمائة كيلو متر، أذهب إليه بعض الأحيان وأقيم فيه يومين أو ثلاثة، فهل يجوز لي قصر الصلاة؟

الجواب: نعم، فأنت مسافر لك أن تقصر الصلاة، لكن إذا سمعت الأذان ووجدت جماعة يصلون فصل معهم وأتم، وإذا كانت وحدك أو مع مسافرين فاقصر.

السؤال: متى يقال: السلام على من اتبع الهدى؟

الجواب: إذا أرسلت رسالة إلى غير مسلم تقول فيها: السلام على من اتبع الهدى، أو إذا كان هناك جمع ليسوا بمسلمين فتقول: السلام على من اتبع الهدى.

أما إذا كان هناك مجتمع فيه أخلاط من المسلمين والكفار فسلم عليهم؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في أول الهجرة على جماعة فيهم أخلاط من المسلمين والكفار فسلم عليهم.

السؤال: ما مراد المتكلمين بقولهم: صفة نفسية؟

الجواب: أي أنها تتعلق بالنفس، لكن المعروف عن المتكلمين أنهم ينفون الصفات ولا يثبتونها، فيقولون: الكلام نفسي، ولا يقولون: صفة نفسية، أي أن كلام الله في نفسه، وليس بحرف ولا صوت، هذا هو مقصودهم.

ويقولون: صفة الكلام معنىً ليس بحرف ولا صوت، وكلام الله قائم بنفسه، ولم يتكلم بحرف ولا صوت، ولم يسمع جبريل منه كلمة، ولكن الله اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فالقرآن عبارة عبر به جبريل عن كلام الله تعالى، وبعضهم يقول: عبر به محمد، وبعضهم يقول: أخذه جبريل من اللوح المحفوظ.

السؤال: ما المراد بقولهم: كفر دون كفر؟

الجواب: أي أنه كفر أصغر لا يخرج من الملة، مثل: الطعن في النسب، والنياحة على الميت.

السؤال: هل تحد المرأة على زوجها إذا مات قبل الدخول بها؟

الجواب: نعم، أما إذا طلقها قبل الدخول بها فليس عليها عدة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49]، هذا إذا طلقها، أما الوفاة فتختلف عن هذا؛ لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وهذا عام يشمل المدخول بها وغير المدخول بها.

السؤال: ما حكم السلام على القريبات من غير المحارم من بنات العم ونحوهن والسؤال عن أحوالهن مشافهة؟

الجواب: إذا كان سلاماً بالكلام مع التحجب وليس هناك خلوة ولا فتنة ولا ريبة فلا بأس، فيسلم عليها من بعيد، ويسأل عن حالها، على أن يكون معها محرم، أو معها غيرها، أما أن تكون في البيت أو في السيارة لوحدها فلا؛ فإن هذا حرام، فلا يجوز أن يخلو ببنت العم أو بنت الخال في السيارة أو في البيت أو في غرفة، لكن إذا كان معها زوجة له أو أم أو أولاد كبار، وليس هناك فتنة ولا ريبة ولا خضوع بالقول مع التحجب فلا بأس.

وأما المصافحة فلا يصافحها ولا يقبلها ولا يقبل رأسها؛ لأنه ليس محرماً لها، بل هو أجنبي عنها.

أما ما يفعله بعض الناس من كونه يصافحها فلا يجوز، بل قال العلماء: إن المصافحة تفتن أشد من النظر، فلا تجوز المصافحة ولا التقبيل ولو كانت عجوزاً كبيرة في السن، وسواء في ذلك إذا وقعت بحائل أو بدون حائل؛ لأنه ليس محرماً لها.

فإن قيل: إن أم هانئ سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من هذه؟ قالت: أم هانئ ، قال: مرحباً بـأم هانئ).

فالجواب: لا بأس بذلك إذا كان كلام المرأة كلاماً عادياً ليس فيه خضوع؛ فالصحابيات كن يسألن النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتينه ويفتيهن.

أما إذا كانت هناك ريبة أو كان هناك خضوع بالقول أو تبرج أو خلوة فهذا ممنوع، ولا يجوز ذلك ولو كان الإنسان كبيراً في السن، يقول الشافعي رحمه الله: لكل ساقطة لاقطة.

السؤال: امرأة هجرها زوجها أكثر من ثمانية وعشرين سنة، وهي لا تريده، وهو كذلك لا يريدها، ثم مات، فهل عليها حداد؟

الجواب: هذه مدة طويلة، فهل هذا هجر؟! فإنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وإذا كان هجرها للدين فيعاملها كما أمره الله: فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، ولا يهجر بهذه المدة، بل الواجب كما قال الله: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، نسأل الله العافية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإذا كان لم يطلقها فتعتد.

وهما عاصيان في هذا والعياذ بالله، فهما متهاجران، والهجر لا يجوز، إلا إذا كانت تفعل معصية، فيفعل كما أمره الله إذا كانت لا تقوم بحقه، فيعظها ثم يهجرها في المضجع، ثم يضربها ضرب تأديب، وإذا ما صلحت طلقها، أما أن يبقيا هذه المدة متهاجرين فلا يجوز، نسأل الله العافية.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى منوعة [23] 2308 استماع
فتاوى منوعة [10] 2252 استماع
فتاوى منوعة [17] 2235 استماع
فتاوى منوعة [3] 1899 استماع
فتاوى منوعة [4] 1892 استماع
فتاوى منوعة [26] 1760 استماع
فتاوى منوعة [16] 1713 استماع
فتاوى منوعة [11] 1679 استماع
فتاوى منوعة [8] 1629 استماع
فتاوى منوعة [12] 1592 استماع