أرشيف المقالات

وقفات مع آية: وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
وقفات مع آية
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ﴾
 
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [البقرة: 67].
 
البقرة: مِن بَقَرَ بطنه؛ أي: شقَّه، فالبقرة تشق الأرض بالحرث وتثيره، والبقيرة: ثوب يُشَقُّ فتلقيه المرأة في عنقها من غير كُمَّين.
أما الثور فواحد الثيران، والثور القطعة من الإقط، والثور: الطحلب، وثور: جبل، وثور: قبيلة من العرب.
 
والآية الكريمة تشير إلى أن موسى عليه السلام لما أمر بني إسرائيل بذبح بقرة، وذلك جوابًا على سؤالٍ سألوه، فإنهم استغربوا الإجابة؛ لأنها في الظاهر ليست جوابًا عما سألوه، فقالوا: ﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ﴾، وقُرِئ (أيتخذنا هزوًا)، وهذه إجابة تكشف عن فساد اعتقاد عندهم شنيعٍ، والنص يكشف عن غلظة في طباع بني إسرائيل، وجهالة في تفكيرهم، أين قولهم: ﴿ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ ﴾ [البقرة: 68] من قول المؤمنين لربهم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ ﴾ [آل عمران: 193]، وقولهم: ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
 
تأمل أخي القارئ في هؤلاء الذين جاءهم السامري بعجلٍ جسدٍ له خُوار، لمجرد أن قال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى، أخذوا يجتمعون حوله، وعبدوه من دون الله تعالى، وامتلأت قلوبهم حبًّا له، ولم يقولوا للسامري: أتتخذنا هزوًا، والعجل صنم، في حين يتوجهون إلى موسى عليه السلام ليعالج لهم قضية وقعت لهم، فيأمرهم من أجلها بذبح بقرة، فيهزَؤون ويتهمون نبيهم بأنه يهزأ بهم، وربما كان في توجيه الأمر إليهم بذبح البقرة دون غيرها تذكير بالعجل الذي عبدوه بأنه من جنس البقرة التي أُمِروا بذبحها.
 
قوله تعالى: ﴿ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ﴾ [البقرة: 68].
 
الفارض: الواسع وهي التي ولدت بطونًا كثيرة فيتسع جوفها لذلك، وقيل: هي المسنة سميت فارضًا؛ لأنها قطعت سنها.
والبكر: بكسر الباء هي الصغيرة التي لم تحمل، وبفتح الباء هي الفتيُّ من الإبل.
والعوان: النصف وهي التي ولدت بطنًا أو بطنين[1].
 
والعوان: وسط، وأنعِم به من مبدأ؛ فالوسط خير الأمور في كل شيء، وهو سبيل النجاة، وهذا ما أراده الله تعالى لهم.
 
والوسطية قاعدةٌ شريفةٌ لطيفة محببة للنفوس والفِطَرِ السليمة، فإن جاز لي أن أصفَ الوسطية، فهي أشبه بلسانَي الميزان الذي يوازي بين كفتي الإفراط والتفريط وكلاهما رذيلتين، فكل درجة بين رذيلتين فضيلة؛ مثل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]، فالإمساك والبخل رذيلة، والإسراف رذيلة، والدرجة التي بينهما فضيلة وهي الاعتدال في النفقة؛ لذا قيل: حب التناهي شطط، وخير الأمور الوسط.
 
قوله تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾ [البقرة: 69]؛ أي: كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها، والفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه، يُقال في التوكيد: أصفر فاقع، أسود حالك وحانك، أبيض يقق ولهق، أحمر قانٍ، أخضر ناضر، أزرق خطباني.
 
﴿ تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ﴾: السرور: حالة نفسية تعرض عند حصول اعتقاد أو علم أو ظن بحصول شيء لذيذ أو نافع.
 
﴿ لَا شِيَةَ فِيهَا ﴾ [البقرة: 71]؛ أي: ليس فيها لون يخالف معظم لونها، وأصل شِية: وَشِيَ، حذفت الواو كما حذفت من يشي والأصل يوشي، والشية مأخوذة من وَشِيَ الثوب إذا نُسج على لونين مختلفين، وثور مُوشَّى: أي: في وجهه وقوائمه سواد، ولا يُقال للنمام: واشٍ؛ حتى يُغيِّرَ الكلام ويُلَوِّنه، فيجعله ضروبًا ويزين منه ما شاء.
 
﴿ وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]؛ كاد: قيل فيها: معناه قرب ألَّا يفعل لكنه فعله[2].


[1] الجامع للقرطبي (1/ 449)، تذكرة الأريب في تفسير الغريب (1/ 56).


[2] الجامع للقرطبي (1/ 454)، ابن الجوزي، زاد المسير (1/ 91)، التبيان في تفسير غريب القرآن (1/ 94).

شارك الخبر

المرئيات-١