أرشيف المقالات

علماني مسلم - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
الحمد لله القائل { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [آل عمران]


مع كثرة الأقلام واختلاط الأفهام تلتبس على كثير من الأنام العديد والعديد من الطوام ، والدواهي العظام .
فنجد كثيراً من الناس تدخل عليهم هرطقات الكثير من دجاجلة التفلسف الهامشي ومدعي الثقافة ، الذين تسربلوا بعباءات مسميات متشابهة تحمل خلف ظهرها النفاق الجلي الواضح الذي لا يختلجه شك ، ويلتبس ظاهرها على عوام الناس ، من هذه المسميات مسمى العلمانية ،والشيوعية وما يدور في فلكها من وليداتها مثل الحداثة والديمقراطية والحرية المطلقة ...... إلخ
وسبب اللبس الحاصل من جراء هذه المسميات هو جهل كثير من عوام الناس بمعاني هذه المسميات وحقيقة مراميها ، ومغازيها ، بجانب الجهل المطبق لمقتضى اعتناق مثل هذه الاعتقادات وتأثيره في سلامة إيمان حامله .

فنجد من يطل علينا كالأفعى ويتشدق بأنه علماني مسلم ، أو ماركسي مسلم أو حتى شيوعي مسلم ، وبالطبع العاطفة تغلب المستمع فلا يميز هذا الدجل الصريح الذي يدس هؤلاء الدجاجلة من خلاله اعتقاداتهم تحت شعارات مقبولة ومسميات مستساغة.
أركز الضوء في هذا المقال على قضية في غاية الأهمية حتى يتضح للقارئ إمكانية الجمع بين الإسلام ومثل هذه الفلسفات والمسميات من عدمه وهي قضية مناط الحكم والانتفاع في الإسلام، ثم أركز الضوء على مسمى العلمانية وما يحويه من سم زعاف حتى يتضح هل يمكن الجمع بينها وبين الإسلام تحت مسمى واحد أم لا .

فعقيدة الإسلام قائمة على الحكم بظاهر الإسلام للعبد بمجرد نطقه بالشهادتين فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم لكن بشرط وهو عدم الإتيان بناقض من نواقض الشهادتين ، فلا يصح إسلام من يقول لا إله إلا الله ويشرك بالله غيره فالشرك ناقض أو يقول محمد رسول الله ويكذبه ويكذب ما جاء به ويشكك في القرآن وصحيح السنة ويحاربهم فهذا ناقض فعله قوله فلم يصح منه قول كذا من شهد لله بالوحدانية ثم سب الله أو شهد لرسوله بالرسالة ثم شتمه فهذا أتى بقول الحق ثم ناقض فعله الصريح ما قاله فبطل قوله بفعله ، فكل من أتى بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم لم يظهر منه ناقض فهو المسلم ، ومن أتى بناقض ينقض الشهادتين أو أحدهما فقد سقط عنه الحكم الظاهر بالإسلام مع توفر استيفاء الشروط وامتناع الموانع ، وهذا ما يعرف بمناط الحكم في الإسلام ، أما مناط الانتفاع ، فهو الحكم بانتفاع العبد بالشهادتين في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار ، وهذا لا يتحقق إلا بتحقق شروط لا إله إلا الله ، فلا إله إلا الله محمد رسول الله مفتاح الجنة ، وكما قال وهب بن منبه وكل مفتاح له أسنان فلا يفتح إلا به ، لذا فتحقيق العبد لشروط لا إله إلا الله هو سبب انتفاعه بها ودخوله الجنة ، فقد يثبت له الحكم بالإسلام حتى يموت على ظاهر الإسلام أمام الناس وهو يبطن النفاق والكفر والإنكار للإسلام أو بعض شرائعه فهو في الحقيقة منافق برغم صلاح ظاهره ، لذا فمفتاح الجنة لا يفتح بلا شروطه ، والتي كم من عامل بها قد لا يحفظها ولكنه جمعها في قلبه وفعله ، وكم من عارف لها لم يأت بها جحوداً وإنكارا وكسلاً وتسويفاَ، وملخص هذه الشروط ذكرها الشيخ حافظ بن أحمد حكمي رحمه الله بتلخيص متميز فقال:


بالعــلم واليـقـيـن والقـبـول والانقياد فاعــــلم ما أقولو

الصدق والإخلاص والمحـبة وفـقـك الله لـمــا أحــبـــــه



العلم واليقين والقبول والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة سبعة شروط معروفة عند أهل العلم ، الأهم من معرفتها العمل بها .

نخلص مما سبق إلى أن مسمى الإسلام لا يتم لعبد في الظاهر إلا إذا أتى بالشهادتين دون الإتيان بما يناقضهما .
وكون الإنسان يحاول الجمع بين الضدين في وصف شيء واحد فهذه هي المغالطة العقلية الفجة ، فالأسود وصف للون لا يمكن أن ينعت بالبياض ، والكذب نعت لخلق لا يمكن أو يوصف بالصدق ، والعفاف معنى لخلق يستحيل وصفه بالعهر ، وهكذا
وكذا الإسلام لا يمكن الجمع بينه وبين ضده في آن واحد ، فأي ناقض يمنع وصف الإسلام عمن أتى بهذا الناقض .

وكي نقف على معنى العلمانية وأترك للقارئ الحكم هل هي وصف يمكن جمعه مع الإسلام في شخص واحد أم لا أنقل لكم من تقرير عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي عن العلمانية يقول:
" العلمانية Secularism وترجمتها الصحيحة: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على العلم الوضعي والعقل ومراعاة المصلحة بعيداً عن الدين.
وتعني في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم، وهي اصطلاح لا صلة له بكلمة العلم Science وقد ظهرت في أوروبا منذ القرن السابع عشر وانتقلت إلى الشرق في بداية القرن التاسع عشر وانتقلت بشكل أساسي إلى مصر وتركيا وإيران ولبنان وسوريا ثم تونس ولحقتها العراق في نهاية القرن التاسع عشر.
أما بقية الدول العربية فقد انتقلت إليها في القرن العشرين، وقد اختيرت كلمة علمانية لأنها أقل إثارة من كلمة لا دينية.

ومدلول العلمانية المتفق عليه يعني عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع وإبقاءه حبيساً في ضمير الفرد لا يتجاوز العلاقة الخاصة بينه وبين ربه فإن سمح له بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية والمراسم المتعلقة بالزواج والوفاة ونحوهما.

تتفق العلمانية مع الديانة النصرانية في فصل الدين عن الدولة حيث لقيصر سلطة الدولة ولله سلطة الكنيسة .
وهذا واضح فيما يُنسب إلى السيد المسيح من قوله: "إعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
أما الإسلام فلا يعرف هذه الثنائية والمسلم كله لله وحياته كلها لله { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأنعام : آية: 162].

التأسيس وأبرز الشخصيات :

• انتشرت هذه الدعوة في أوروبا وعمت أقطار العالم بحكم النفوذ الغربي والتغلغل الشيوعي.
وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة الفرنسية سنة 1789م وبعدها إلى انتشارها الواسع وتبلور منهجها وأفكارها وقد تطورت الأحداث وفق الترتيب التالي:

- تحول رجال الدين إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الإكليروس والرهبانية والعشاء الرباني وبيع صكوك الغفران.

- وقوف الكنيسة ضد العلم وهيمنتها على الفكر وتشكيلها لمحاكم التفتيش واتهام العلماء بالهرطقة، مثل:

1- كوبرنيكوس: نشر سنة 1543م كتاب حركات الأجرام السماوية وقد حرمت الكنيسة هذا الكتاب.

2- جرادانو: صنع التلسكوب فعُذب عذاباً شديداً وعمره سبعون سنة وتوفي سنة 1642م.

3- سبينوزا: صاحب مدرسة النقد التاريخي وقد كان مصيره الموت مسلولاً.

4- جون لوك طالب بإخضاع الوحي للعقل عند التعارض.

ظهور مبدأ العقل والطبيعة: فقد أخذ العلمانيون يدعون إلى تحرر العقل وإضفاء صفات الإله على الطبيعة.

- الثورة الفرنسية: نتيجة لهذا الصراع بين الكنيسة من جهة وبين الحركة الجديدة من جهة أخرى، كانت ولادة الحكومة الفرنسية سنة 1789م وهي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب.
وهناك من يرى أن الماسون استغلوا أخطاء الكنيسة والحكومة الفرنسية وركبوا موجة الثورة لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهدافهم.

- جان جاك روسو سنة 1778م له كتاب العقد الاجتماعي الذي يعد إنجيل الثورة، مونتسكيو له روح القوانين، سبينوزا (يهودي) يعتبر رائد العلمانية باعتبارها منهجاً للحياة والسلوك وله رسالة في اللاهوت والسياسة، فولتير صاحب القانون الطبيعي كانت له الدين في حدود العقل وحده سنة 1804م، وليم جودين 1793م له العدالة السياسية ودعوته فيه دعوة علمانية صريحة.

- ميرابو الذي يعد خطيب وزعيم وفيلسوف الثورة الفرنسية.

- سارت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل وشعارها الخبز ثم تحول شعارها إلى (الحرية والمساواة والإخاء) وهو شعار ماسوني و"لتسقط الرجعية" وهي كلمة ملتوية تعني الدين وقد تغلغل اليهود بهذا الشعار لكسر الحواجز بينهم وبين أجهزة الدولة وإذابة الفوارق الدينية وتحولت الثورة من ثورة على مظالم رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه.

- نظرية التطور: ظهر كتاب أصل الأنواع سنة 1859م لتشارلز دارون الذي يركز على قانون الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب وقد جعلت الجد الحقيقي للإنسان جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين، والقرد مرحلة من مراحل التطور التي كان الإنسان آخرها.
وهذه النظرية أدت إلى انهيار العقيدة الدينية ونشر الإلحاد وقد استغل اليهود هذه النظرية بدهاء وخبث.

- ظهور نيتشة: وفلسفته التي تزعم بأن الإله قد مات وأن الإنسان الأعلى (السوبر مان) ينبغي أن يحل محله.

- دور كايم (اليهودي) : جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظرية العقل الجمعي.

- فرويد (اليهودي) : اعتمد الدافع الجنسي مفسراً لكل الظواهر. والإنسان في نظره حيوان جنسي.

- كارل ماركس (اليهودي): صاحب التفسير المادي للتاريخ الذي يؤمن بالتطور الحتمي وهو داعية الشيوعية ومؤسسها الأول الذي اعتبر الدين أفيون الشعوب.

- جان بول سارتر: في الوجودية وكولن ولسون في اللامنتمي : يدعوان إلى الوجودية والإلحاد.

- الاتجاهات العلمانية في العالم العربي والإسلامي نذكر نماذج منها:

1- في مصر: دخلت العلمانية مصر مع حملة نابليون بونابرت.
وقد أشار إليها الجبرتي في تاريخه - الجزء المخصص للحملة الفرنسية على مصر وأحداثها - بعبارات تدور حول معنى العلمانية وإن لم تذكر اللفظة صراحة.
أما أول من استخدم هذا المصطلح العلمانية فهو نصراني يُدعى إلياس بقطر في معجم عربي فرنسي من تأليفه سنة 1827م.
وأدخل الخديوي إسماعيل القانون الفرنسي سنة 1883م، وكان هذا الخديوي مفتوناً بالغرب، وكان أمله أن يجعل من مصر قطعة من أوروبا.

2- الهند: حتى سنة 1791م كانت الأحكام وفق الشريعة الإسلامية ثم بدأ التدرج من هذا التاريخ لإلغاء الشريعة بتدبير الإنجليز وانتهت تماماً في أواسط القرن التاسع عشر.

3- الجزائر: إلغاء الشريعة الإسلامية عقب الاحتلال الفرنسي سنة 1830م.

4- تونس : أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1906م.

5- المغرب : أدخل القانون الفرنسي فيها سنة 1913م.

6- تركيا: لبست ثوب العلمانية عقب إلغاء الخلافة واستقرار الأمور تحت سيطرة مصطفى كمال أتاتورك، وإن كانت قد وجدت هناك إرهاصات ومقدمات سابقة.

7- العراق والشام: ألغيت الشريعة أيام إلغاء الخلافة العثمانية وتم تثبيت أقدام الإنجليز والفرنسيين فيهما.

8- معظم أفريقيا: فيها حكومات نصرانية امتلكت السلطة بعد رحيل الاستعمار.

9- أندونيسيا ومعظم بلاد جنوب شرقي آسيا: دول علمانية.

10- انتشار الأحزاب العلمانية والنزعات القومية: حزب البعث، الحزب القومي السوري، النزعة الفرعونية، النزعة الطورانية، القومية العربية.

11- من أشهر دعاة العلمانية في العالم العربي والإسلامي: أحمد لطفي السيد، إسماعيل مظهر، قاسم أمين، طه حسين، عبدالعزيز فهمي، ميشيل عفلق، أنطون سعادة، سوكارنو، سوهارتو، نهرو ، مصطفى كمال أتاتورك، جمال عبد الناصر، أنور السادات صاحب شعار "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، د.
فؤاد زكريا.
د.
فرج فودة وقد اغتيل بالقاهرة مؤخراً، وغيرهم.

الأفكار والمعتقدات :

• بعض العلمانيين ينكرون وجود الله أصلاً.

- وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان.

• الحياة تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب.

• إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح والمادة، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية.

- فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي.

- تطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة.

- اعتماد مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق.

- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الإجتماعية.

- أما معتقدات العلمانية في العالم الإسلامي والعربي التي انتشرت بفضل الاستعمار والتبشير فهي:

- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.

- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.

- الزعم بأن الفقه الإسلامي مأخوذ عن القانون الروماني.

- الزعم بأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.

- الدعوة إلى تحرير المرأة وفق الأسلوب الغربي.

- تشويه الحضارة الإسلامية وتضخيم حجم الحركات الهدامة في التاريخ الإسلامي والزعم بأنها حركات إصلاح.

- إحياء الحضارات القديمة.

- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية عن الغرب ومحاكاته فيها.

- تربية الأجيال تربية لا دينية.

أ هـ (العلمانية تقرير من إصدارات الندوة العالمية للشباب الإسلامي )
مما يسبق يتضح لنا الوجه الحقيقي للعلمانية والبعد بينها وبين الإسلام والاختلاف الواضح بينهما الذي يبعد بينهما كما بين السماء والأرض ويخالف جوهرهما كاختلاف جهة المشرق عن المغرب بحيث يستحيل الجمع بينهما .

كما نقف من التعريف السابق على الصلة القوية بين العلمانيين والسلطات العصرية والحكومات الوضعية وإن أظهر العلمانيون المعارضة لتلك السلطات ، ولكن يبقى الرباط القوي بينها وبين هذه السلطات هو رباط التكامل والمنهج الواحد والمصالح المختلفة فكلاهما يعمل لفصل الدين عن الدولة وسيادة المادة على الشرع والروح ، وكلاهما لا غنى له عن الآخر ، فمهما أظهر العلمانيون من معارضة لحكوماتهم فما هي إلا صراعات لتبادل السلطات وإكمال الأدوار مع الاتفاق على محاربة الإسلام الذي ينزع الإنسان من بهيميتهم الضيقة ومناهجهم الدنيوية اللادينية إلى سمو الروح والعقل والجسد والانصياع لأحكام الملك الجبار الواحد الماجد سبحانه .

قس على ما سبق معاني الشيوعية والديموقراطية وغيرها ، وتعرف على معانيها الحقيقية وأهدافها ثم توصل بنفسك إلى نتيجة حتمية اختصرها الملك سبحانه في آل عمران فقال { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }

وأخيراً أخي القارئ أختي القارئة في ظل ما سبق هل يمكن أن يكون هناك مسلم علماني ؟؟
أترككم في رعاية الله وأمنه..
خاص بطريق الإسلام محمد أبو الهيثم

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن