أرشيف المقالات

من معاني الشهامة وفوائدها

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
 معنى الشهامة لغةً واصطلاحًامعنى الشهامة لغةً: الشهامة مصدر شهم، وهذه المادة تدلُّ على الذكاء.
والشهم: الذكي الفؤاد المتوقد، الجلد، والجمع شهام، وقد شهم الرجل، بالضم، شهامة وشهومة إذا كان ذكيًّا، فهو شهم أي جلد.
وقيل: الشهم معناه في كلام العرب: الحمول، الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حمولًا، طيب النفس بما حمل [1933] (كتاب العين) للخليل بن أحمد (3/405)، (الزاهر في معاني كلمات الناس) لأبي بكر الأنباري (1/114)، (المحكم والمحيط الأعظم) لابن سيده (4/196)، (لسان العرب) لابن منظور (12/328)، (معجم ديوان الأدب) لأبي إبراهيم الفارابي (2/277)، (مقاييس اللغة) لابن فارس (3/223).
 
معنى الشهامة اصطلاحًا: قال ابن مسكويه: الشهامة هي: الحرص على الأعمال العظام توقعًا للأحدوثة الجميلة [1934] (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق) لابن مسكويه (ص 30).
وقيل الشهامة هي: الحرص على الأمور العظام؛ توقعًا للذكر الجميل عند الحقِّ والخلق [1935] (التوقيف على مهمات التعاريف) للمناوي (ص 5).
وقيل هي: عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل [1936] (المعجم الوسيط)   (ص 498).أولاً: في القرآن الكريم : قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 23- 24].
قال ابن عطية: استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو من يشفق عليه، أو يأتي بمنكر من الأمر، فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما [1937] (المحرر الوجيز) (4/283)
قال الحجازي: فثار موسى، وتحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما [1938]( التفسير الواضح) للحجازي محمد محمود (2/825).

وقال سبحانه: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [ النساء : 104].
قال السعدي: ذكر سبحانه ما يقوِّي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين: الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك؛ لأن العادة الجارية لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام، وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى [1939] (تيسير الكريم الرحمن) (ص 199).ثانيًا: في السنة النبوية: عن أنس رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ [1940] عُرْيٍ: أي ليس عليه سرج ولا أداة، ولا يقال في الآدميين إنما يقال عريان.
(فتح الباري) لابن حجر (6/70)، وهو متقلِّد سيفه، فقال: لم تراعوا [1941] لم تراعوا: هي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيسًا، وإظهارًا للرفق بالمخاطب.
(فتح الباري) لابن حجر (10/457)، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرًا [1942] بحرا: أي واسع الجري (شرح النووي على مسلم) (15/68)، يعني الفرس»
[1943] رواه البخاري (3040) واللفظ له ومسلم (2307).

قال القرطبي: في هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشَّجَاعَة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به؛ فإنه ما ولَّى قطُّ منهزمًا، ولا تحدث أحد عنه قط بفرار [1944] (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم) (6/100).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارًا، قال: اللهم سبع كسبع يوسف [1945] سبع كسبع يوسف: أي: اجعل سنيهم سبعًا، أو ليكن سبعًا، ويُروى سبع بالرفع، وارتفاعه على أنه خبر   مبتدأ محذوف أي: البلاء المطلوب عليهم سبع سنين، كالسنين السبع التي كانت في زمن يوسف، وهي السبع الشداد التي أصابهم فيها القحط، أو يكون المعنى: المدعو عليهم قحط   كقحط يوسف.
(عمدة القاري) لبدر الدين العيني (7/28)، فأخذتهم سنة حصت [1946] حصّت: حصت بحاء وصاد مشددة مهملتين أي: استأصلته.
(شرح النووي على صحيح مسلم ) (17/141).
كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف [1947] الجيف: جيفة بالكسر الميت الذي أنتن وقوله: (الجيف) بالكسر وفتح الياء هو الجمع.
(فتح   الباري) لابن حجر (1/101)، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإنَّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم»
[1948] رواه البخاري (1007) ومسلم (2798).
واللفظ للبخاري.

قال ابن حجر: قوله: فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر؛ فإنها قد هلكت.
إنَّما قال لمضر؛ لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم، فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش؛ لئلا يذكرهم فيذكِّر بجرمهم، فقال: لمضر؛ ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أنَّ غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرواية الأخيرة: وإن قومك هلكوا.
ولا منافاة بينهما؛ لأنَّ مُضر أيضًا قومه وقد تقدم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر، قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر: إنك لجريء، أي: أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به؟! [1949] (فتح الباري) (8/571).

فالنبي صلى الله عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحسن خلقه، وشهامته، ورغبته في هدايتهم، فإنَّ الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء، لها أثر كبير في ذهاب العداوة، أو تخفيفها.فوائد الشهامة:الشهامة من مكارم الأخلاق الفاضلة.إنها من صفات الرجال العظماء.تشيع المحبة في النفوس.تزيل العداوة بين الناس. فيها حفظ الأعراض، ونشر الأمن في المجتمع.إنَّها علامة على علو الهمة ، وشرف النفس.موانع اكتساب صفة الشهامة:قسوة القلب .الأنانية، وخذلان المسلمين، واللامبالاة بمعاناتهم: إنَّ خذلان المسلم لأخيه المسلم أمر تنكره الشريعة ، وإن من حق المسلم على المسلم أن لا يخذله، وهو إن حدث ذريعة لخذلان المسلمين جميعًا حيث تنتشر عدوى الأنانية وحب الذات، وإيثار الراحة والمصلحة الخاصة على مشاركة الغير آلامهم وآمالهم، فيكثر التَّنصل من المسؤولية بين المسلمين، حتى يقضي عليهم أعداؤهم واحدًا تلو الآخر، فتموت فيهم خلال الآباء، والشهامة، ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب، وسوف يجنح المظلوم والضعيف إلى الأعداء طوعًا أو كرهًا، لما يقع به من ضيم وما يصيبه من خذلان من إخوانه ثم ينزوي بعيدًا عنهم، وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه وأسلموه للأعداء [1950] (الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية) لمحماس الجلعود (2/937).الجبن والبخل: فالشهامة إنما تقوم على الشَّجَاعَة لنجدة المحتاج، والكرم لإعانة أصحاب الحاجات، فمن فقدهما ضعفت شهامته، وماتت مروءته.الذُّل، والهوان، وضعف النفس: فالإنسان الذليل والأمة الذليلة أبعد الناس عن النصرة، وتلبية نداء الإغاثة؛ ففاقد الشيء لا يعطيه.الحقد والعداوة والبغضاء.تشبه الرجال بالنساء في اللباس، كلبس الذهب والحرير: قال ابن القيم : حرم الذهب لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث، وضد الشهامة والرجولة [1951] (زاد المعاد) (4/73).الوسائل المعينة على اكتساب صفة الشهامة: الصبر : قال الراغب الأصفهاني: الصبر يزيل الجزع، ويورث الشهامة المختصة بالرجولية [1952] (الذريعة إلى مكارم الشريعة) للراغب الأصفهاني (ص 115).الشَّجَاعَة.  علو الهمة وشرف النفس: فمن سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرًا غير مجذوذ؛ لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دم الشهامة، والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفًا إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطًا يديك إلا لمهمات الأمور [1953](حلية طالب العلم) لبكر أبو زيد (ص 173)، (موارد الظمآن لدروس الزمان) لعبد العزيز السلمان (3/409).العدل والإنصاف. مصاحبة ذوي الشهامة والنجدة.
الإيمان بالقضاء والقدر: فمن ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنه يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والقوة والشهامة؛ فالمجاهد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموت ؛ لأنه يعلم أن الموت لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخر؛ لا يمنع منه حصون ولا جنود، {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]، {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154]، وهكذا حينما يستشعر المجاهد هذه الدفعات القوية من الإيمان بالقدر؛ يمضي في جهاده حتى يتحقق النصر على الأعداء، وتتوفر القوة للإسلام والمسلمين [1954] (الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد) لصالح الفوزان (303 – 304 ).
 

شارك الخبر

المرئيات-١