فتاوى منوعة [13]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما معنى قوله تعالى: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة:26]؟

الجواب: أي: لا يهتدون لمكان، وأن الله عاقبهم بالتيه في الصحراء التي بين فلسطين ومصر، فيخرجون ويرجعون إلى مكانهم ولا يهتدون إلى معرفة الطريق، ولا إلى البلدان، فعاقبهم الله بالتيه؛ لأنهم نكلوا وامتنعوا عن الجهاد والخروج مع موسى، فحرم الله عليهم دخول بيت المقدس تحريماً قدرياً، قال تعالى: فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة:26].

السؤال: هل آدم عليه الصلاة والسلام رسول أم نبي؟ وما الفرق بينهما؟

الجواب: آدم عليه السلام هو نبي ورسول إلى بنيه، ونوح هو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وكان قبله نبيان هما: آدم وشيث، فآدم بعث إلى بنيه ولم يقع في زمنه شرك، وإنما وقعت معصية قتل قابيل لأخيه هابيل ، ولم يبعث إلى أحد غير بنيه، وأما نوح فإنه بعث إلى بنيه وغير بنيه، وبعث بعد وقوع الشرك، فهذا هو الفرق؛ ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً [البقرة:213] قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم وقع الشرك، فكان نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض -أي: بعد وقوع الشرك- وأرسل إلى بنيه وغير بنيه.

أما الفرق بين النبي والرسول ففيه اختلاف، والأقرب ما ذكره شيخ الإسلام : أن الرسول هو الذي يبعثه الله برسالة إلى أمة كافرة فيؤمن به بعض الناس ويكذبه بعض الناس، مثل: إبراهيم وموسى وعيسى وشعيب وهود وصالح ولوط ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وأما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، مثل: أنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى، كداود وسليمان وغيرهم، فكلهم كلف بالعمل بالتوراة، فالأنبياء يبعثون إلى مؤمنين، وهذا هو الأقرب.

السؤال: ما صحة الحديث الذي أورده ابن كثير في تفسير سورة النصر والذي رواه الإمام أحمد ، وفيه: أن الناس كما دخلوا في دين الله أفواجاً سيخرجون من دين الله أفواجاً؟

الجواب: أذكر أنه ورد حديث بهذا المعنى، وأن الناس يخرجون من دين الله أفواجاً كما دخلوا في دين الله أفواجاً، وهذا في آخر الزمان عندما تكثر الفتن، وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المرء غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن).

قال العلماء: إن هذا يكون في آخر الزمان إذا كثرت الفتن ونزع الخير من المدن والقرى، ولم يوجد فيها جمعة ولا جماعة ولا واعظ ولا علم ولا تعليم، وخشي الإنسان على دينه، فيفر من القرى والبلدان إلى الصحاري والفيافي والقفار حتى يسلم له دينه.

وينطبق على هذا قول الشاعر:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير

أما إذا صارت المدن فيها خير، وفيها الجمعة والجماعة، وفيها التعلم والتعليم فلا ينبغي للإنسان أن يتركها ويسكن في البراري، فإن فعل ذلك يكون عليه الوعيد فيمن تعرب بعد الهجرة وصار أعرابياً؛ لأنه في هذه الحالة لا يسمع الذكر، ولا يسمع موعظة الأسبوع وهي خطبة الجمعة، ولا يحضر الجمع والجماعة، هذا معنى الحديث، وأنا لا أعرف صحته، ولكن جاء ما يدل على أن هذا المعنى يحصل في آخر الزمان.

السؤال: ما مدى صحة قول: لا إيثار في العبادات؟

الجواب: هذا قاله بعض العلماء، فبعض العلماء يرى أن الإيثار إنما هو في أمور الدنيا، أما في العبادات فليس فيها إيثار، كأن تفضل إنساناً على نفسك فتقوم له عن مكانك في الصف، أو تؤثره بشيء من القرب والطاعات، وقال آخرون: لا بأس بالإيثار في العبادات.

السؤال: هل كلمة: (سوء) بضم السين خطأ؟

الجواب: قد تأتي بالفتح؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس لنا مثل السوء)، وكقوله تعالى: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ [الفرقان:40]، وقد تأتي بالضم كما في قوله تعالى في سورة الروم: الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ [الروم:10].

السؤال: ما حكم التسوك بالمسواك أثناء الدرس وكذلك أثناء إجابة المؤذن؟

الجواب: لا بأس ولا حرج، فالممنوع هو التسوك أثناء الصلاة واستماع خطبة الجمعة، فخطبة الجمعة يجب الاستماع لها، ولا يتكلم الإنسان فيها كما أنه لا يتكلم في الصلاة ولا يرد على من سلم عليه باليد، ولا يجيب من عطس، أما في الدرس ووقت أذان المؤذن فهذا لا حرج فيه.

فإن قيل: هل له في خطبة الجمعة أن يؤمن، وأن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟

فالجواب: نعم، لا بأس، ويكون ذلك بينه ويبن نفسه أن يؤمن ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا ليس من كلام الناس، والممنوع إنما هو كلام الناس.

وكذلك لا يمس الحصى ولا يعبث في أثناء الخطبة ولا يتسوك، ولا يشمت العاطس ولا يرد السلام.

السؤال: ما رأيكم في العمل بالروايات الواردة في الأذان أثابكم الله تعالى؟ وما حكم التلحين في الأذان؟

الجواب: الأذان له صيغ، ومنها أذان أبي محذورة وهو الترجيع، فقد علمه النبي صلى الله عليه وسلم الترجيع، وهو أن يأتي بالشهادتين سراً فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، بينه وبين نفسه، ثم يرفع صوته ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله الله، فيرجع بها مرة ثانية، فيكون تسع عشرة جملة.

وأما أذان بلال فليس فيه ترجيع، وأذان بلال أفضل؛ لأنه كان هو الذي يؤذن به بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا عمل بأذان أبي محذورة فلا حرج.

وكذلك الإقامة لها أنواع، والاستفتاحات أنواع، والتسبيح بعد الصلاة أنواع، فإذا عمل بكل نوع فحسن.

وأما تلحين الأذان فمكروه؛ كما جاء في صحيح البخاري في كتاب الأذان أن عمر بن عبد العزيز قال لمؤذن له: أذن أذاناً سمحاً وإلا فاعتزلنا، قال العلماء: يكره تلحين الأذان والقراءة والأذكار، ولا ينافي هذا تحسين الصوت في الأذان، لكن التمطيط والتلحين الزائد لا ينبغي.

وهذا كمن يأتي بلفظ الجلالة (الله) ويمد صوته، وهو مكروه كراهة تنزيه، ومن يفعله يبين له أن الأولى تركه.

السؤال: سمعت برجل يتعامل ببيع العينة وعند نصحه ذكر أن هناك خلافاً بين العلماء في حكمها وأن هناك رأياً للشافعية بجوازها، فما رأيكم؟

الجواب: الواجب على المسلم ألا يتتبع الرخص، فقد يخطئ بعض العلماء، ولو فرضنا أن فيها خلافاً فلا ينبغي للإنسان أن يتتبع الرخص، وإذا تنازع الناس في مسألة فإنه يرجع فيها إلى النصوص، قال الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59].

وبيع العينة: هو أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها نقداً بثمن أقل، كأن يبيع سيارة على شخص بمائة ألف مؤجلة إلى أجل ثم يشتريها بثمانين ألفاً نقداً، وهو حرام؛ لأنه باع مائة بثمانين ألفاً وجعل السيارة حيلة، وهذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا دينكم)، وسمي بيع العينة لأن السلعة بعينها عادت إلى البائع والثمن مؤجل، وهو من الربا، نسأل الله السلامة والعافية.

السؤال: هل الهرولة صفة ثابتة لله؟ وهل هي غير صفة المشي؟ أرجو الإيضاح؛ لأني سمعت في إحدى الإذاعات من يثبت صفة المشي وأوَّل صفة الهرولة بالرحمة؟

الجواب: هذه الصفات التي أضيفت إلى الله عز وجل على لفظ الفعل تبقى على حالها، كقوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من أتاني يمشي أتيته هرولة)، فتثبت لله كما يليق بجلال الله وعظمته، ولكن من أثرها أن الله تعالى أسرع بالخير من العبد، وأن العبد إذا زاد في العمل زاد الله له في الثواب، وأن الله لا يقطع الثواب من العبد حتى يقطع العمل.

والنووي رحمه الله وجماعة في حديث: (من أتاني يمشي أتيته هرولة)، وفي حديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا)، يقولون: إن معناها: أن الله لا يقطع الثواب حتى يقطع العبد العمل، وهذا تأويل؛ لأن هذا من آثار الصفة، والصواب: أن الملل والهرولة صفتان تليقان بالله، ولا يلزم منهما النقص، والله لا يشابه المخلوقين في شيء من صفاته.

ومن أثرها أن الله أسرع بالخير من العبد، وأن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل.

السؤال: ما حكم رفع السبابة للمأموم -أثناء قراءة الإمام الجهرية- إذا مر بآيات تدل على توحيد الله أو عظمة الله.. أو نحو ذلك؟ وهل ينكر على من فعل هذا إن كان الأمر غير مشروع؟

الجواب: لا أعلم لهذا أصلاً، والعمل في العبادة يحتاج إلى دليل، فرفع الأصبع يحتاج إلى دليل وتركه أولى، وينبغي للإنسان أن يخشع بجوارحه ويستمع.