شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [3]


الحلقة مفرغة

دلالة حديث (إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها) على إثبات العلو

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى) ].

هذا دليل من السنة على إثبات صفة العلو، فالمؤلف رحمه الله بدأ بصفة الاستواء وذكر بعدها صفة العلو مستقلة ولها أدلة خاصة؛ لأن الاستواء علو خاص، فلهذا ذكر سبعة أدلة من القرآن على إثبات صفة الاستواء، ثم بعد ذلك ذكر الأدلة التي تثبت العلو، وبدأ بحديث أبي هريرة ، وهو دليل على ثبوت صفة العلو لله عز وجل، والحديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده!) هذا قسم، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدق، لكن أقسم لتأكيد الكلام، قال: (والذي نفسي بيده!)، ونفوس العباد كلها بيد الله، وفيه إثبات صفة اليد لله عز وجل. (ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى)، والذي في السماء هم الملائكة، ولفظ السماء إذا أطلق فالمراد به جهة العلو، والله تعالى له أعلى العلو، وهو فوق العرش، فقوله: (الذي في السماء) يعني: الذي في العلو، فكل ما علا رأسك فهو سماء، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش، وإذا أريد بالسماء: الطباق المبنية فهي تفيد معنى علا، وقوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] يعني: من في العلو.

وقوله: (كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى) هذا يدل على أن امتناع المرأة من فراش زوجها من غير سبب من كبائر الذنوب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبت أن الله يسخط عليها، ففيه إثبات صفة السخط لله عز وجل مع إثبات صفة العلو، وهذا فيه التحذير من امتناع المرأة من فراش زوجها بدون سبب، وأنها إذا فعلت ذلك فقد ارتكبت كبيرة، وفي الحديث الآخر: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته لعنتها الملائكة حتى تصبح).

دلالة حديث (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء) على إثبات العلو

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساءً؟!) ].

هذا هو الدليل السادس، وقد استدل به المؤلف لإثبات صفة العلو، وأن الله في العلو فوق المخلوقات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساءً). ووجه الدلالة من هذا الحديث في موضعين:

الموضع الأول: قوله: (وأنا أمين في السماء).

الموضع الثاني: قوله: (يأتيني خبر من في السماء).

والمراد بالسماء العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش، فهذا دليل على إثبات صفة العلو، والحديث صحيح متفق على صحته رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما.

دلالة حديث (أين الله؟) على إثبات العلو

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة). رواه مسلم بن الحجاج وأبو داود وأبو عبد الرحمن النسائي .

ومن أجهل جهلاً، وأسخف عقلاً، وأضل سبيلاً ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: (أين الله؟)! ].

هذا الدليل السابع وهو حديث معاوية بن الحكم السلمي ، والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فـمعاوية بن الحكم السلمي كانت له جارية اشتراها لترعى له الغنم عند جبل أحد، فأبصرها من بعيد وقد جاء الذئب وأخذ شاة، فغضب معاوية من الجارية لأنها لم تطرد الذئب، فلطمها، ثم ندم وخاف وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأنه لطمها فشدد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني سأعتقها، فقال له: ائتني بها، فأتاه بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فاستدل على إيمانها بأنها أثبتت أن الله في العلو، وأهل البدع كالجهمية والأشاعرة يؤولون هذا الحديث، فهذا الحديث غصة في حلوقهم؛ لأن كلمة (أين) يسأل بها عن المكان، فالمعنى أي: أين مكان الله؟ فقالوا: لا يمكن أن يسأل عن الله بأين، حتى أنهم خطئوا النبي صلى الله عليه وسلم وخطئوا الجارية، فقالوا: إن الجارية أعجمية لا تفهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام سألها. أين الله؟ ولا يُسأل عن الله بأين؛ لأنك لو سألت عن الله بأين ففيه تحديد المكان، وإذا كان الله في جهة العلو صار محدوداً ومتحيزاً وجسماً، وهذا كفر عندهم، فأهل البدع يقولون: من قال: إن الله في السماء فقد كفر؛ لأنك بقولك هذا تنقص من قدر الله، وتجعل الله محدوداً متحيزاً في مكان، ولا يكون شيء على شيء إلا المحدود المتحيز، ولا يكون إلا جسم، وهذا يجعل لله شبيهاً ومثيلاً، وهذا كفر عندهم، وقد تأولوا هذا بقولهم: إن ظاهر النصوص كفر، أي: ظاهر القرآن والسنة كفر والعياذ بالله! فلابد أن تؤول، فلو أثبتنا العلو والمعية وأثبتنا العلم والقدرة لله ففي هذا مشابهة للمخلوقات، وتشبيه الله بخلقه كفر، فلا بد أن نتأولها فأشكل عليهم قوله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) وهذا صريح في جواز السؤال بأين الله؟ وعندما قالت: في السماء صدقها وأثبت لها الإيمان، وبعض أهل البدع قال: الرسول عليه السلام قال لها: (أين الله؟) وقصده أن يقول: من الله؟ لأن هذه جارية أعجمية لا تفهم، فخاطبها على قدر عقلها وفهمها، فلما أجابت أقرها على جواب فاسد!

إذاً: فالسؤال عندهم فاسد والجواب فاسد! هكذا اتهموا الرسول والعياذ بالله، فأهل البدع وصفوا الرسول بأنه سأل سؤالاً فاسداً، وأقرها على جواب فاسد، قالوا: والله ليس له مكان، فلو كان له مكان لصار محدوداً ومتحيزاً، فقالوا: ليس له مكان، وإنما هو في كل مكان والعياذ بالله. ولهذا رد عليهم المؤلف فقال: ومن أجهل جهلاً، وأسخف عقلاً، وأضل سبيلاً ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: (أين الله؟). وصاحب الشريعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

دلالة حديث (كانت زينب تقول زوجني الله من فوق سبع سماوات) على إثبات العلو

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت زينب بنت جحش تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات. رواه البخاري ].

هذا هو الدليل الثامن، وقد استدل به المؤلف على أن الله في العلو، وأنه فوق المخلوقات فوق السماوات السبع، فكانت زينب بنت جحش تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات.

والشاهد قولها: (من فوق سبع سماوات)، ففيه إثبات أن الله فوق السبع السماوات وذلك أن زينب بنت جحش رضي الله عنها تزوجت زيد بن حارثة أولاً ثم طلقها زيد رضي الله عنه، ثم بعد ذلك خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل إليها من يخطبها له، فزوجه الله من فوق سبع سماوات، فدخل عليها بدون ولي وبدون مهر؛ لأن الله أنزل: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] وهذا التزويج كان من فوق سبع سماوات، قال الله: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [الأحزاب:37] وذلك أنه كان عندهم في الجاهلية وفي أول الإسلام جواز التبني، أي: أن الإنسان الذي ليس عنده أولاد يتبنى له ولداً، فيأتي بولد وينسبه إلى نفسه، ويكون ابناً له ولو لم يكن من صلبه، فنهى الله عن ذلك وقال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، ومن المعلوم أن الإنسان لا يتزوج زوجة ابنه، وزيد بن حارثة تبناه النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وكان يُدعى بـزيد بن محمد ، فالله تعالى هدم التبني وأبطله قولاً وفعلاً، بالقول وذلك عندما قال: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ [الأحزاب:5]، وبالفعل وذلك عندما أمر نبيه أن يتزوج زوجة ابنه بالتبني؛ حتى يهدم التبني ويعلن بطلانه، وأن الابن المتبنى ليس كابن الصلب، فابن الصلب لا يتزوج أبوه زوجته، لكن الابن الدعي ليس ابناً من صلبك، فيجوز لك أن تتزوج زوجته؛ ولهذا أمر الله نبيه أن يتزوج زوجته بعد طلاقها هدماً للتبني وأنزل: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم بدون مهر وبدون ولي وزوجه الله من فوق سبع سماوات، فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول لإحداهن: أنتِ زوجكِ أبوكِ، وأنا زوجني الله من فوق سبع سماوات، وهذا فخر، وأي فخر!

دلالة حديث عروج روح المؤمن إلى السماء التي فيها الله على إثبات العلو

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المؤمن عند موته وأنه يعرج بروحه حتى ينتهى إلى السماء التي فيها الله عز وجل) رواه الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما ].

هذا الحديث سنده لا بأس به، وهذا هو الدليل التاسع على إثبات العلو، والشاهد قوله: (حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله)، وهي السماء السابعة، ومعنى قوله: (التي فيها الله) يعني: فوقها، ففيه إثبات أن الله في السماء، يعني: في العلو، وأنه فوق السماوات السبع، وفيه أن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء وتفتح له أبواب السماء، وأما روح الفاجر والكافر فإنها تغلق أبواب السماء دونها، ثم تطرح طرحاً، نسأل الله السلامة والعافية.

دلالة حديث ( من اشتكى منكم فليقل ربنا الله الذي في السماء ) على إثبات العلو

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى أبو الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من اشتكى منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ). رواه أبو القاسم الطبري في سننه ].

هذا الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله رواه أبو القاسم الطبري في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ورواه أبو داود في سننه، ورواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه الدارمي في الرد على الجهمية، والبيهقي ، والذهبي في العلو، والحديث ضعيف، ولكن المؤلف أورده لأن له شواهد، وكذلك أورده غيره من أهل العلم في إثبات العلو كهؤلاء الأئمة الذين رووه، واحتج به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم، وهذا الحديث مشهور في رقية المريض، فيقال هكذا: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة وشفاء من شفائك على هذا الوجع؛ فيبرأ بإذن الله).

والشاهد قوله: (ربنا الله الذي في السماء) أي: في العلو، فأثبت أن الله في السماء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي هذه المسألة أدلة من الكتاب والسنة يطول بذكرها الكتاب، ومنكِر أن يكون الله في جهة العلو -بعد هذه الآيات والأحاديث- مخالف لكتاب الله، منكِر لسنة رسول الله ].

مسألة العلو ورد فيها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وأفراد الأدلة على العلو تزيد على ثلاثة آلاف دليل، ولا يمكن حصرها، وكلها تدل على أن الله فوق المخلوقات وفوق العرش، وكل نص فيه أن الله استوى على العرش فهو دليل على ذلك، وكل نص فيه أن الله في السماء فهو دليل على العلو، وكل نص فيه الفوقية فهو دليل على العلو، وكذلك كل نص فيه العلو، كقوله: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255]، وقوله: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، وكذلك كل نص فيه الصعود، كقوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ [فاطر:10]، والصعود يكون من أسفل إلى أعلى، وهذا يدل على العلو، وكل نص فيه الرفع إلى الله يدل على العلو، وكل نص فيه النزول كقوله: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [الزمر:1] يدل على العلو، وكل نص فيه السؤال عن الله بأين يدل على العلو، وهكذا، وكل نص فيه رفع الأصبع إلى السماء يدل على العلو، فهذه أنواع من الأدلة كثيرة لا حصر لها؛ ولذا قال المؤلف: (يطول بذكرها الكتاب)، يعني: هي كثيرة، لكن قد تحصر أنواع الأدلة مثلما ذكرت لكم، كنصوص الاستواء، ونصوص العلو، ونصوص الفوقية، ونصوص النزول، ونصوص الصعود وهكذا، وكل نوع تحته أدلة كثيرة، فمثلاً نجد تحت نصوص الاستواء سبعة أقوال من الأدلة، وأفرادها كما ذكر العلماء -كالعلامة ابن القيم وغيره- أنها تزيد على ثلاثة آلاف دليل.

قال المؤلف: (ومنكر أن يكون الله في جهة العلو -بعد هذه الآيات والأحاديث- مخالف لكتاب الله ومنكِر لسنة رسول الله) أي: أن الذي ينكر أن الله في العلو يكون مخالفاً لكتاب الله وسنة نبيه، وإذا كان جاحداً لهذه النصوص فإنه يكفر ويكون مرتداً، والعياذ بالله، أما إذا كان متأولاً فهذا قد لا يحكم عليه بالكفر؛ لأن هناك فرقاً بين الجاحد وبين المتأول، فالجاحد الذي أنكر كلام الله وجحده يكفر، فالذي يجحد قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فقد كذَّب الله، ومن كذَّب الله فقد كفر، أما الذي يتأول هذه الآية، فيقول: معنى استوى: استولى، لا يكفر، فهناك فرق بين الجاحد وبين المتأول.

الآثار التي تدل على إثبات صفة العلو لله عز وجل

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال مالك بن أنس : الله في السماء، وعلمه في كل مكان لا يخلو من علمه مكان ].

المؤلف رحمه الله استدل أيضاً بالآثار عن السلف التي تدل على ثبوت العلو، فاستدل بقول مالك : (الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو عن علمه مكان). وهذا الأثر رواه الآجري في كتاب الشريعة وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة وابن قدامة في إثبات صفة العلو.

قوله: (الله في السماء) يعني: في العلو، وعلمه في كل مكان أي أن: علمه لا يخلو عن أي مكان، وأما هو سبحانه فهو فوق العرش.

قال: [ وقال الشافعي : خلافة أبي بكر حق قضاها الله في سمائه، وجمع عليها قلوب أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ].

استدل المؤلف أيضاً بقول الشافعي رحمه الله، وهذا الأثر رواه ابن قدامة في صفة العلو، والشاهد قوله: (خلافة أبي بكر قضاها الله في سمائه) يعني: في علوه، فأثبت أن الله في السماء.

قال: [ وقال عبد الله بن المبارك : نعرف ربنا فوق سبع سماوات بائناً من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا! وأشار إلى الأرض ].

عبد الله بن المبارك هو الإمام الورع الزاهد المشهور، وهذه المقالة التي قالها عبد الله بن المبارك رواها عبد الله بن أحمد في كتاب السنة والبخاري في خلق أفعال العباد والدارمي في الرد على الجهمية وفي الرد على بشر المريسي والبيهقي في الأسماء والصفات وابن قدامة في إثبات صفة العلو، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.

يقول عبد الله بن المبارك : (نعرف ربنا فوق سبع سماوات). هذا هو الشاهد من الأثر، فأثبت أن الله فوق سبع سماوات بائناً من خلقه، يعني: ليس مخالطاً للمخلوقات، فهو بائن منفصل عن مخلوقاته، فالمخلوقات نهايتها من جهة العلو العرش والله فوق العرش، وليس فوقه شيء من المخلوقات، يقول عبد الله بن المبارك : (ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا وأشار إلى الأرض). فالجهمية يقولون: الله في كل مكان، في الأرض وفي السماء وفي كل مكان.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى) ].

هذا دليل من السنة على إثبات صفة العلو، فالمؤلف رحمه الله بدأ بصفة الاستواء وذكر بعدها صفة العلو مستقلة ولها أدلة خاصة؛ لأن الاستواء علو خاص، فلهذا ذكر سبعة أدلة من القرآن على إثبات صفة الاستواء، ثم بعد ذلك ذكر الأدلة التي تثبت العلو، وبدأ بحديث أبي هريرة ، وهو دليل على ثبوت صفة العلو لله عز وجل، والحديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده!) هذا قسم، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدق، لكن أقسم لتأكيد الكلام، قال: (والذي نفسي بيده!)، ونفوس العباد كلها بيد الله، وفيه إثبات صفة اليد لله عز وجل. (ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى)، والذي في السماء هم الملائكة، ولفظ السماء إذا أطلق فالمراد به جهة العلو، والله تعالى له أعلى العلو، وهو فوق العرش، فقوله: (الذي في السماء) يعني: الذي في العلو، فكل ما علا رأسك فهو سماء، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش، وإذا أريد بالسماء: الطباق المبنية فهي تفيد معنى علا، وقوله تعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] يعني: من في العلو.

وقوله: (كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى) هذا يدل على أن امتناع المرأة من فراش زوجها من غير سبب من كبائر الذنوب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبت أن الله يسخط عليها، ففيه إثبات صفة السخط لله عز وجل مع إثبات صفة العلو، وهذا فيه التحذير من امتناع المرأة من فراش زوجها بدون سبب، وأنها إذا فعلت ذلك فقد ارتكبت كبيرة، وفي الحديث الآخر: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته لعنتها الملائكة حتى تصبح).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساءً؟!) ].

هذا هو الدليل السادس، وقد استدل به المؤلف لإثبات صفة العلو، وأن الله في العلو فوق المخلوقات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر من في السماء صباحاً ومساءً). ووجه الدلالة من هذا الحديث في موضعين:

الموضع الأول: قوله: (وأنا أمين في السماء).

الموضع الثاني: قوله: (يأتيني خبر من في السماء).

والمراد بالسماء العلو، والله تعالى له أعلى العلو وهو ما فوق العرش، فهذا دليل على إثبات صفة العلو، والحديث صحيح متفق على صحته رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [2] 2156 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [1] 1967 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [7] 1963 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [10] 1700 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [6] 1696 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [14] 1685 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [11] 1562 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [15] 1505 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [13] 1500 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [4] 1392 استماع