شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [15]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنُّوا اهتدى، ومن استبصر بها بَصُر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً ].

يسرد المؤلف رحمه الله الأدلة والآثار في فضل الاتباع، فالاتباع ما جاء في الكتاب والسنة عملاً بقول الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]، وهذه المقالة لـعمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو الخليفة الراشد الذي ضمه بعض العلماء إلى الخلفاء الراشدين الأربعة، وهذه المقالة رواها الآجري في كتابه الشريعة، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وابن بطة في الإبانة.

يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه: (سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعته وقوة على دين الله) يعني: هذه السنن التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي وحي من الله، وولاة الأمر طاعتهم تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، ولهذا قال الله تعالى في كتاب العظيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، ولم يعد الفعل مع أولي الأمر لبيان أنّ طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، ولهذا قال: (سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً) والمقصود بولاة الأمر: الذين يعملون بالشريعة.

قال: (الأخذ بها تصديق لكتاب الله)؛ لأن السنة وحي ثان ولا تخالف كتاب الله، فالأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته؛ لأن طاعة رسوله من طاعة الله، قال تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور:54]، وقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80].

قال: (وقوة على دين الله)، لا شك أنها قوة على دين الله؛ لأن دين الله هو العمل بالشريعة التي هي الكتاب والسنة، فالعمل بالسنة قوة على دين الله، قال: (ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها)؛ لأنها من عند الله، فلا يغير أحد شرع الله إلا طاغوتي، فليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، ومن خالف هذه السنن التي هي وحي من الله لا ينظر في رأيه. (فمن اقتدى بما سنوه اهتدى)؛ لأنه سار على الطريق المستقيم، (ومن استبصر بها بصُر، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً).

أختم بقول الله تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:114-115]، وهذه الآية استدل بها العلماء على حجية الإجماع؛ لأن إجماع المسلمين مبني على دليل، فإذا أجمعت الأمة على شيء فهو مبني على دليل إما من كتاب أو من السنة، ولهذا فإن الإجماع حجة قاطعة.

قال المؤلف رحمه الله: [ وقال الأوزاعي : اصبر على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم ].

وهذه المقالة للأوزاعي رحمه الله، رواها اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وهو العالم المشهور، يقول: (اصبر على السنة) أي: على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، (وقف حيث وقف القوم) يعني: أهل السنة، (وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم)؛ لأن السلف الصالح على الحق وعلى الطريق المستقيم، وأهل السنة إذا أجمعوا على شيء فهو الحق، والمراد بهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فأهل السنة هؤلاء يلزمون السنة ويقفون عندها، فعليك أن تتبع آثارهم، ومن شذ شذ في النار.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال نعيم بن حماد : من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه تشبيهاً ].

وهذه المقالة لـنعيم بن حماد ، وهو أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي من أشهر المحدثين رحمه الله، توفي سنة ثمانٍ وعشرين ومائتين، وهذه المقالة عنه أوردها الذهبي في العلو، وشيخ الإسلام في الفتاوى وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، يقول رحمه الله: (من شبه الله بخلقه فقد كفر)؛ لأن المشبه في الحقيقة لا يعبد الله، وإنما يعبد وثناً، يظهر له خياله، وينحت له فكره فهو من عباد الأوثان لا من عباد الرحمن، فالمشبه لا يعبد الله إنما يعبد وثناً، ولهذا قال نعيم رحمه الله: (من شبه الله بخلقه قد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر)؛ لأنه عطل الرب؛ لأن إنكار الصفات والأسماء معناه: تعطيل للرب، معناه: يكون الشيء عدماً، والشيء الذي ليس له أسماء ولا صفات لا وجود له، فلهذا يكفر من أنكر وصف ذات الله.

قال: (وليس ما وصف الله به نفسه تشبيهاً) أي: ما وصف الله به نفسه لا يعد تشبيهاً، وإنما وصف الله تعالى نفسه بصفات لا يماثله أحد من خلقه، وهذا كلام صحيح وهذا على العموم، أما الشخص المعين فلابد من إقامة الحجة عليه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال سفيان بن عيينة : كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره، لا كيف ولا مثل ].

وهذا أخرجه الدارقطني في كتاب الصفات، والصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.

وسفيان بن عيينة إمام مشهور رحمه الله يقول: (كل شيء وصف الله به نفسه في القرآن فقراءته تفسيره) يعني: يجرى على ظاهره، فقراءة: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40]، تفسيره إثبات العلم لله، وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134] تفسيره، إثبات السمع والبصر.

(لا كيف ولا مثل)، لا تقل: كيف سمع الله، ولا تقل: سمع الله يماثل سمع المخلوقين، وإنما أثبت الصفة ولا تكيف ولا تمثل.

وقال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:255]، وهذه فيها إثبات العلم فلا تتكلم ولا تتأول ولا تكيف، وبمجرد ما تقرأه يتبين لك التفسير.

كذلك قوله: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام:73] فيها إثبات العلم هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، إثبات اسمي الرحمن الرحيم، فقراءته تفسيره من دون تكلف ولا كيف ولا مثل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال أبو بكر المروذي : سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش، فصححه أبو عبد الله وقال: تلقته العلماء بالقبول، تُمَر الأخبار كما جاءت ].

وأبو بكر المروذي صاحب الإمام أحمد ، كان إماماً في السنة شديد الاتباع، يقول: سألت أحمد بن حنبل رحمه الله عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات، إثبات الصفات كالسمع والبصر والعلم والقدرة والرؤية: أن الله يرى في الآخرة، والإسراء والعرش، وقصة العرش لعلها الاستواء على العرش، فصححها أبو عبد الله وقال: تلقتها العلماء بالقبول، يعني: هذه نصوص الصفات، تلقتها العلماء بالقبول، تمر الأخبار كما جاءت، يعني: لا تؤول تأويلاً يخالف ظاهرها، بل تمر كما جاءت، فقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] تمر كما جاءت، وفيها إثبات الاستواء.

وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] تمر كما جاءت وفيها إثبات العلو، لا يؤول تأويلاً يخالف ظاهره، هذا معنى قوله: (تُمرُّ الأخبار كما جاءت)، فتلقته العلماء بالقبول في إثبات المعاني وإثبات الصفات من غير تأويل، وإنما تمر كما جاءت لا تحرف ولا تؤول.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة : اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل، من غير تفسير ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنهم لم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة؛ لأنه وصفه بصفة لا شيء ].

أثر أبو بكر المروذي موجود في الاستفرادات، وتذكرة الحفاظ وسير أعلام النبلاء، وأما هذا الأثر عن محمد بن الحسن الشيباني هو الصاحب الثاني لـأبي حنيفة ، والصاحب الأول أبو يوسف ، وهذا الأثر موجود في الصفة لـابن قدامة وعند ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة، يقول رحمه الله: (اتفق الفقهاء كلهم من الشرق إلى الغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل)؛ لأن النصوص فيها إثبات صفة الرب كالعلم والقدرة والسمع والبصر من غير تفسير، يعني: من غير تفسير يخالف ظاهرها كتفسير المؤولة، وكتفسير الجهمية -فمثلاً- قوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] اتفقوا على أنه إثبات صفة العلم، من غير تفسير للعلم بما يخالف الظاهر، أو تفسير كتفسير الجهمية الذين ينفون العلم، ولا تشبيه للعلم مثلاً بعلم المخلوق، من غير تفسير ولا تشبيه، من غير تفسير يخالف الظاهر، كتفسير المؤولة والمحرفة، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك، أي: فسر النصوص تفسيراً يخالف ظاهرها كتفسير المؤولة قد خرج مما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه فإنهم لم يفسروا، يعني: لم يفسروا تفسيراً يخالف الظاهر؛ ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا، كقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40] أفتوا بإثبات العلم.. وهكذا. وقوله عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر)، فقد أفتوا بإثبات الرؤية، ثم سكتوا، (فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة)، -أي: جماعة المسلمين-؛ (لأنه وصفه بصفة لا شيء)، يعني: الجهم، وصفه بصفة العدم والمعدوم؛ لأن الجهم أنكر الأسماء والصفات، والجهم بن صفوان هذا من أهل خراسان، كان مولى لبني راشد، وهو الذي كان خروجه في أوائل المائة الثانية، وأخذ عقيدة نفي الصفات عن الجعد بن درهم ، والجعد بن درهم أول من تكلم في نفي الصفات، ثم أخذ عنه الجهم ، فـالجهم أنكر الأسماء والصفات، فمن قال بقول جهم فقد وصف الله بصفة لا شيء، فقد وصفه بالعدم، والمعدوم هو الذي ليس له أسماء ولا صفات، وهذا كفر وضلال نعوذ بالله.

ورواه ابن قدامة أيضاً في ذم التأويل، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال عباد بن العوام : قدم علينا شريك بن عبد الله ، فقلنا: إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) والرؤية، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال: إنما جاء بهذه الأحاديث من جاء بالسنن كالصلاة والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث ].

عباد بن العوام هو ابن عمر بن المنذر ، الإمام المحدث الصدوق من نبلاء الرجال، توفي سنة بضع وثمانين ومائة، يقول: (قدم علينا شريك بن عبد الله ) هذا شريك بن عبد الله النخعي القاضي، الحافظ الثقة، لكن تغير حفظه بعد أن تولى القضاء، وانشغل بالقضاء فضعف حفظه، ولهذا إذا كان في السند شريك يكون الحديث ضعيفاً؛ لأنه تغير حفظه، لكنه ثقة، (قال عباد : قدم علينا شريك بن عبد الله ، فقلنا: إن قوماً ينكرون هذه الأحاديث)، يعني: الأحاديث في الصفات: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا) يعني: النزول، ورؤية الله في الآخرة، وما أشبه هذه الأحاديث، فقال شريك : (إنما جاء بهذه الأحاديث من جاء بالسنن كالصلاة والزكاة والحج، وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث)، يعني: أن الذي جاء بأحاديث الصفات هو الذي جاء بالسنن كالصلاة والزكاة والصوم والحج، فإذا كان المنكر لها يعمل بالنصوص التي جاءت في الصلاة والزكاة والصوم والحج فاعمل بالنصوص التي ثبتت بها الصفات، فالذي جاء بهذا هو الذي جاء بهذا وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، الذي جاء بالسنن والصلاة والزكاة والصوم والحج، وهو الذي جاء بالنصوص التي تثبت الصفات.

(وإنما عرفنا الله بهذه الأحاديث)، فالله تعالى عرف نفسه بأسمائه وصفاته التي أثبتها في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أنكرها معناه أنه أنكر الله، وهذا باطل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فهذه جملة مختصرة من القرآن والسنة وآثار من سلف، فالزمها، وما كان مثلها مما صح عن الله ورسوله وصالح سلف الأمة، ممن حصل الاتفاق عليه من خيار الأمة، ودع أقوال من كان عندهم محقوراً مهجوراً، مبعداً مدحوراً ومذموماً ملوماً، وإن اغتر كثير من المتأخرين بأقوالهم وجنحوا إلى اتباعهم، فلا تغتر بكثرة أهل الباطل ].

وهذه نصيحة من المؤلف رحمه الله يقول: ذكرت لك جملة مختصرة من القرآن والسنة، وأدلة في فضل الاتباع، وأنه يجب على المسلم أن يتبع ما جاء في الكتاب والسنة، عملاً بقول الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3]. يقول: (هذه جملة مختصرة من القرآن والسنة وآثار من سلف فالزمها)، أي الزمها أيها المسلم! ويا طالب العلم! (وما كان مثلها مما صح عن الله ورسوله)، يعني: الزم هذه النصوص والزم ما شابهها من النصوص التي ثبتت في كتاب الله، أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وصالح سلف الأمة)، وكذلك ما صح من كلام أهل العلم الذين يفسرون به النصوص؛ لأن العلماء يفسرون النصوص، وتفسيرهم ليس بالرأي والهوى، وإنما تفسيرهم مبني على فهم للنصوص؛ ولهذا قال: (الزمها وما كان مثلها مما صح عن الله ورسوله وصالح سلف الأمة ممن حصل الاتفاق عليهم من خيار الأمة)، المراد بالسلف الذين اتفق على أنهم من خيار الأمة، على أنهم عدول، وعلى أنهم خيار، وعلى أنهم ثقات، كالصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة الأربعة والفقهاء السبعة.. وغيرهم من أهل العلم الذين اتفقت الأمة على عدالتهم وخيارهم.

قال: (ودع أقوال من كان عندهم محقوراً مهجوراً مبعداً مدحوراً ومذموماً ملوماً)، يعني: اترك أقوال المحقورين المهجورين المبعدين المدحورين المذمومين؛ بسبب ابتداعهم عن الدين وانحرافهم عن سواء السبيل، فاترك أقوالهم هؤلاء فهم أهل البدع والذين انحرفوا عن الجادة، ولا تفخر بها وإن اغتر كثير من المتأخرين بأقوالهم وجنحوا إلى اتباعهم فأنت لا تغتر بكثرة أهل الباطل، فليست العبرة بالكثرة، إنما العبرة بمن كان مستقيماً على الجادة، ولهذا قال الله تعالى في كتابه العظيم: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116]، فالكثرة في الغالب تكون هالكة وقال تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، فلا تغتر بالكثرة.

الأحاديث الواردة في الحث على التمسك بالمنهج الصحيح في زمن الغربة

قال المؤلف رحمه الله: [ فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) رواه مسلم وغيره ].

وهذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في كتاب الإبانة وابن ماجة في كتاب الفتن، ورواه الترمذي قال: حديث حسن صحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، بدأ الإسلام غريباً؛ لأنه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول مؤمن من هذه الأمة، ثم آمن به أبو بكر من الرجال ثم آمنت به خديجة من النساء، ثم آمن به بلال من الأحرار ..، وآمن به علي من الصبيان، فالإسلام غريب، وسيعود غريباً في آخر الزمان، لا يبقى على الإيمان إلا القلة، يعود كما بدأ.

(فطوبى للغرباء) طوبى: الجنة، الجنة للغرباء، الذين استمسكوا بالإسلام، وعملوا بهذا الدين ولم ينحرفوا ولم يغتروا بالهالكين، وجاء في لفظ آخر: (طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس)، وفي لفظ: (الذين يصلحون ما أفسد الناس)، وفي لفظ: (هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير).

قال رحمه الله تعالى: [ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، وفي رواية: (قيل: فمن الناجية؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)، رواه جماعة من الأئمة ].

وهذا الحديث رواه الترمذي في سننه، ورواه ابن ماجة ، ورواه الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وهو حديث مشهور وله طرق متعددة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وقبله: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله! قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وفي رواية: (قيل: فمن الناجية؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)، رواه جماعة من الأئمة.

وفي هذا الحديث بيان: أن الفرقة الناجية واحدة، وهي من كانت على الصراط المستقيم المتبعة للكتاب والسنة، وهذا هو الشاهد في فصل الاتباع، والفرقة الناجية المتبعة للكتاب والسنة، وهم أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحق، فكل هذه أسماؤها، وبعض الناس يظن أن الفرقة الناجية غير الطائفة المنصورة وهذا غير صحيح، هي الفرقة الناجية وهي الطائفة المنصورة وهم أهل السنة والجماعة.

وفيه دليل على أن الثلاثة والسبعين فرقة فيهم فرق أهل البدع المتوعدون بالنار وليسوا كفاراً على الصحيح، ولهذا قال العلماء: إن الجهمية والقدرية خارجون من الثنتين والسبعين فرقة لكفرهم وضلالهم، فدل على أن الثنتين والسبعين فرقة مبتدعة متوعدون بالنار، وأما الفرقة الناجية فأهل السنة والجماعة سلموا من الوعيد، وقال بعض العلماء: إنهم -من هؤلاء الفرق- فيهم الكافر والمبتدع.

قال المؤلف رحمه الله: [ فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) رواه مسلم وغيره ].

وهذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله في كتاب الإبانة وابن ماجة في كتاب الفتن، ورواه الترمذي قال: حديث حسن صحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، بدأ الإسلام غريباً؛ لأنه بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول مؤمن من هذه الأمة، ثم آمن به أبو بكر من الرجال ثم آمنت به خديجة من النساء، ثم آمن به بلال من الأحرار ..، وآمن به علي من الصبيان، فالإسلام غريب، وسيعود غريباً في آخر الزمان، لا يبقى على الإيمان إلا القلة، يعود كما بدأ.

(فطوبى للغرباء) طوبى: الجنة، الجنة للغرباء، الذين استمسكوا بالإسلام، وعملوا بهذا الدين ولم ينحرفوا ولم يغتروا بالهالكين، وجاء في لفظ آخر: (طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس)، وفي لفظ: (الذين يصلحون ما أفسد الناس)، وفي لفظ: (هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كثير).

قال رحمه الله تعالى: [ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، وفي رواية: (قيل: فمن الناجية؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)، رواه جماعة من الأئمة ].

وهذا الحديث رواه الترمذي في سننه، ورواه ابن ماجة ، ورواه الإمام أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك، وهو حديث مشهور وله طرق متعددة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)، وقبله: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله! قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وفي رواية: (قيل: فمن الناجية؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)، رواه جماعة من الأئمة.

وفي هذا الحديث بيان: أن الفرقة الناجية واحدة، وهي من كانت على الصراط المستقيم المتبعة للكتاب والسنة، وهذا هو الشاهد في فصل الاتباع، والفرقة الناجية المتبعة للكتاب والسنة، وهم أهل السنة والجماعة وهم الطائفة المنصورة، وهم أهل الحق، فكل هذه أسماؤها، وبعض الناس يظن أن الفرقة الناجية غير الطائفة المنصورة وهذا غير صحيح، هي الفرقة الناجية وهي الطائفة المنصورة وهم أهل السنة والجماعة.

وفيه دليل على أن الثلاثة والسبعين فرقة فيهم فرق أهل البدع المتوعدون بالنار وليسوا كفاراً على الصحيح، ولهذا قال العلماء: إن الجهمية والقدرية خارجون من الثنتين والسبعين فرقة لكفرهم وضلالهم، فدل على أن الثنتين والسبعين فرقة مبتدعة متوعدون بالنار، وأما الفرقة الناجية فأهل السنة والجماعة سلموا من الوعيد، وقال بعض العلماء: إنهم -من هؤلاء الفرق- فيهم الكافر والمبتدع.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ واعلم -رحمك الله- أن الإسلام وأهله أتوا من طوائف ثلاث: فطائفة ردت أحاديث الصفات وكذبوا رواتها، فهؤلاء أشد ضرراً على الإسلام وأهله من الكفار، وأخرى قالوا: بصحتها وقبولها، ثم تأولوها فهؤلاء أعظم ضرراً من الطائفة الأولى، وثالثة: جانبوا القولين الأولين وأخذوا بزعمهم ينزهون وهم يكذبون فأداهم ذلك إلى القولين الأولين، وكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين ].

هذه الطوائف الثلاث نبه عليها المؤلف رحمه الله، وقال: (واعلم رحمك الله) اعلم يعني: تيقن واجزم لا تظن ولا تشك (رحمك الله) دعاء لطالب العلم، (أن الإسلام وأهله أتوا من طوائف ثلاث) أتوا يعني: جاءهم ولحقهم الضرر من طوائف ثلاث؛ (الطائفة الأولى: طائفةٌ ردت أحاديث الصفات، وكذبوا رواتها)، وقالوا: إن هذه أحاديث وأخبار لا تقبل فهي مردودة وضعيفة، وهم الجهمية والمعتزلة وأشباههم، يقول المؤلف فيهم: (هؤلاء أشد ضرراً على الإسلام وأهله من الكفار)؛ لأن الكفار كاليهود والنصارى والوثنيين أعداء ظاهرين مكشوفين في كل زمان ومكان، فأنت تعلم أنه عدو الله فتجتنب أقواله وأفعاله، فلا يغني عنك شيئاً ولا يُقبل منه شيء؛ لأنه كافر، لكن الجهمية ينتسبون إلى الإسلام ويدعون أنهم يعملون بالكتاب والسنة، وهم يردون النصوص ويعطلون صفات وأسماء الرب، فهم كفار، شاركوا الكفار إلا أنهم لبسوا على المسلمين دينهم وانتسبوا إلى الإسلام واغتر بهم بعض الناس، فظنوا أنهم من أهل الإسلام وأخذوا بأقوالهم، وانخدعوا وصاروا أشد ضرراً على الإسلام وأهله من الكفار، فالكفار عدو مكشوف ظاهر، لكن هؤلاء عدو متلبس يعيش بين المسلمين.

والطائفة الثانية: (طائفة قالوا بصحتها وقبولها، ثم تأولوها) وهم طائفة المؤولة من جمهور الأشاعرة، (فهؤلاء أعظم ضرراً من الطائفة الأولى)، أعظم ضرراً من الجهمية، والمؤولة شر من المعطلة؛ لأن المؤولة مذهبهم يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص، -فمثلاً- في قوله تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119] فالجهمية نفوا الصفة وعطلوا الرب، وهؤلاء قالوا: إن قوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هذا صحيح مقبول ولكن نتأول، معنى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بمعنى أثابهم، فهؤلاء أولوا النص، فأولوا الرضا بالثواب، فهم شبهوا أولاً: فظنوا أن رضا الرب مثل رضا المخلوق وهذا تشبيه، ولما وقع في نفوسهم التشبيه أولوا فحرفوا، فقالوا: ننفي الرضا ونفسره بالثواب، فهم شبهوا أولاً ثم عطلوا ثانياً وتلاعبوا بالنصوص، فصاروا شراً من الطائفة الأولى، وقوله تعالى: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح:6] يقولون: إننا لا نصف الله بالغضب؛ لأننا لو وصفناه بالغضب فقد شبهناه بالمخلوق!

إذاً: شبهوا، فلما شبهوا عطلوا الرب من صفاته، فنفوا صفة الغضب ثم أولوا ثالثاً وتلاعبوا بالنصوص وقالوا: إن معنى الغضب الانتقام، قال تعالى: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي: انتقم منهم، فهؤلاء وإن قبلوا النصوص إلا أنهم تأولوها فصاروا شراً من المعطلة الأولى؛ لأنهم شبهوا أولاً، ثم عطلوا ثانياً، ثم تلاعبوا بالنصوص ثالثاً، فهؤلاء أعظم ضرراً من الطائفة الأولى.

والطائفة الثالثة: (جانبوا القولين الأولين، وأخذوا بزعمهم ينزهون وهم يكذبون) وهم المفوضة، الذين فوضوا المعنى ونفوا الصفات، الذين يقولون: لا نعلم المعاني، وليس للنصوص معان، فقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54] لا ندري ما معنى استوى، لا نعرف المعنى ولا الكيفية، فنفوا الصفات ونفوا المعنى ويقولون: إن النصوص ألقاب، لا يعرف المسلم منها إلا اللفظ فقط، ينطق باللفظ أما المعنى غير معروف، فمذهبهم أدى بهم إلى القولين الأولين، أي: أنهم حرفوا وعطلوا الرب سبحانه وتعالى، وادعوا أنهم ينزهون، فكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين؛ ولهذا قال كثير من العلماء: المفوضة شر من المعطلة، المفوضة الذين يفوضون المعنى، يقولون: لا ندري ما معنى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ واستوى أي: استقر، وهم يقولون: لا ندري ما معنى استوى، فهي حروف لا ندري ما معناها، وهي ألفاظ لا فرق بينها وبين الحروف الأعجمية! فأنت سواء قرأت حروفاً أعجمية أو ألفاظاً عربية في نصوص الاستواء فالحكم واحد، وهذا مخالف لقوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، ولم يقل إلا آيات الصفات، لو لم تتدبروها لم يعرف معناها، إلا أنهم لا يثبتون الصفات، فهؤلاء يسمون المفوضة فهم شر من المعطلة.

(فهم جانبوا القولين الأولين وأخذوا بزعمهم ينزهون)، زعموا أنهم ينزهون الرب، (وهم يكذبون، فأداهم ذلك إلى القولين الأولين)، أي: أنهم عطلوا وشبهوا، (وكانوا أعظم ضرراً من الطائفتين الأولتين).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فمن السنة اللازمة السكوت عما لم يرد فيه نص عن الله ورسوله، أو يتفق المسلمون على إطلاقه، وترك التعرض له بنفي أو إثبات، فكما لا يثبت إلا بنص شرعي، كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي ].

يقول: (من السنة، اللازمة السكوت عما لم يرد فيه نص عن الله وعن رسوله)، فما لم يرد فيه نص عن الله وعن الرسول نسكت فيه، فلا نثبت ولا ننفي، فكما أننا لا نثبت إلا بدليل فلا ننفي إلا بدليل، فمن السنة السكوت عما لم يرد فيه نص عن الله وعن رسوله، أو يتفق المسلمين على إطلاقه على الله.

وأما ما لم يأت نص ولا كتاب ولم يتفق المسلمون على إثباته للرب لا نثبته، بل نتوقف، فلا نثبت إلا بدليل ولا ننفي إلا بدليل، (وترك التعرض له بنفي أو إثبات)، فالشيء الذي سكتت النصوص عنه، أي: لم يرد فيه نص لا عن الله ولا عن رسول الله ولا اتفق المسلمون على إطلاقه، فهذا لا يثبت ولا ينفى ولا يتعرض له بنفي ولا إثبات بل يتوقف فيه؛ لأن الإثبات يحتاج إلى دليل، والنفي يحتاج إلى دليل، ولهذا قال المؤلف: (فكما لا يثبت إلا بنص شرعي، كذلك لا ينفى إلا بدليل سمعي)، والمقصود بالدليل السمعي أي: المسموع من الكتاب والسنة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يرضيه من القول والعمل والنية، وأن يحيينا على الطريقة التي يرضاها، ويتوفنا عليها، ويلحقنا بنبيه وخيرته من خلقه محمد المصطفى وآله وصحبه، ويجمعنا معهم في دار كرامته، إنه سميع قريب مجيب ].

وهذا دعاء من المؤلف رحمه الله، سؤال التضرع إلى الله قال: (نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يرضيه من القول والعمل والنية)، وهذا هو الشرع الذي جاءت به الشريعة، فقد جاءت بالقول والعمل والنية لما يرضيه، فالذي يرضاه الله هو ما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله، نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه من القول، ولما يرضيه من العمل ولما يرضيه من النية، (وأن يحيينا على الطريقة التي يرضاها ويتوفانا عليها)، وهي الطريقة التي جاء بها الإسلام وشرعها الله لنا في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، (وأن يلحقنا بنبيه وخيرة خلقه محمد عليه الصلاة والسلام)، هو نبي الله وهو خيرته من خلقه؛ لأن أفضل الخلق محمد المصطفى الذي اصطفاه الله من بين العالمين، (وآله) يعني: أتباعه على دينه، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً أزواجه وذريته، وعماه: الحمزة ، والعباس (وصحبه): أصحابه، والصاحب: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على الإسلام فهو من الصحابة، (ويجمعنا معهم في دار كرامته) وهي الجنة.

(إنه سميع قريب مجيب): هذا توسل إلى الله بأسمائه السميع والقريب والمجيب، ثلاثة أسماء.

قال: [ وكل حديث لم نضفه إلى من أخرجه فهو متفق عليه، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ].

هذا اصطلاح المؤلف، يقول: الحديث الذي لم يضفه إلى شيء فهو متفق عليه، أخرجه الشيخان البخاري ومسلم ، وإذا كان في غيرهما فإنه يضيفه إلى من أخرجه.

قال: [ آخره، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ].

(الحمد لله وحده وصلى الله على نبينا محمد) يعني: دعاء، هذا سؤال الله أن يثني على نبيه في الملأ الأعلى، صلاة الله: هي ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، (صلى الله) يعني: نسألك يا الله! أن تثني على نبيك محمد وعلى آله، وأتباعه على دينه وصحبه، (وصحبه): من لقيه ومات على الإسلام، (وسلم تسليماً كثيراً) يعني: دعاء له بالسلامة، يعني: سلمه من الآفات ومن الشرور في الدنيا والآخرة، (تسليماً) هذا مصدر (كثيراً) تأكيد للمصدر.

والحمد لله رب العالمين، وعلى هذا وعليه فنحمد الله سبحانه وتعالى على التمام.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [3] 2163 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [2] 2156 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [1] 1967 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [7] 1963 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [10] 1700 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [6] 1696 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [14] 1685 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [11] 1562 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [13] 1500 استماع
شرح الاقتصاد في الاعتقاد للمقدسي [4] 1392 استماع