دور الحكماء في مؤامرة الثلاثاء
مدة
قراءة المادة :
13 دقائق
.
غني عن البيان أنه ليس بالضرورة أن لا يُذَكِّرَ الحكماءَ بدورهم إلا من هو فوقهم! وليس صحيحًا ألا يستفيد الحكماء إلا ممن يسبقونهم!، فمن قبل استفاد أول ابني آدم من الغراب، وانتفع سليمان من الهدهد!، وما كان النصر في غزوة بدر إلا بركة مشورة النبي صلى الله عليه وسلم لجندي من جيشه، وهو (الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ رضي الله عنه)، وما كان النصرُ في غزوةِ الخندقِ إلا بركةَ مشورةِ النبي صلى الله عليه وسلم لجنديٍ أعجميٍ من جيشه، حديثَ عهد بعبودية، وَرِقِّ، وهو (سلمان الفارسي رضي الله عنه)، لعل هذه المقدمة المقتضبة تشفع لي عند الأكابر ممن اعتادوا أن يقولوا فيسمع لهم، وأن يكتبوا فيقرأ لهم! ولم يعد لهم وقت أن يسمعوا لغيرهم، أو يقرءوا إلا لكتاباتهم!
أرجوا ألا يعتبروا نصحي لهم اجتراءً عليهم، أو مزاحمة لرتبهم، أو تقحمًا لمنزلتهم! فاعتبار النصيحة ذنبًا ظلم أعيذهم بالله منه ولله دره القائل الحكيم: "رَجُلَانِ ظَالِمَانِ يَأْخُذَانِ غَيْرَ حَقِّهِمَا: رَجُلٌ وُسِّعَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ ضَيِّقٍ فَتَرَبَّعَ وَانْتَفَخَ، وَرَجُلٌ أُهْدِيَتْ لَهُ نَصِيحَةٌ فَجَعَلَهَا ذَنْبًا" (الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/572)).ألا فليتذكروا أن نبي الله سليمان أصغى للهدهد! كما أنصت نبينُا محمدٌ صلى الله عليه وسلم لجنوده، ومن بينهم عبد حديث عهد بالعتق من الصدقة ، فلا أكون عندهم أقل من الغراب، والهدهد وليكن لهم أسوة بأهل الفضل من الحكم، والعلم في قبولهم النصيحة! ورحم الله عمر بن عبد العزيز الذي لم يمنعه بريق السلطان من قبول النصيحة، فروى عنه عمر بن المهاجر قائلا: "قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا رأيتني قد حدت عن الحق فخذ بثيابي، وهزني وقل: مالك يا عمر؟!، وكان في ذلك متبعًا سيرة جده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ إذ يقول: "رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا، فأحوج الخلق إلى النصائح والمواعظ السلطان" (صيد الخاطر (1/69))، ورحم الله وكيع إذ يقول: "لاَ يَكْمُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ، وَعَمَّنْ هُوَ مِثْلَهُ، وَعَمَّنْ هُوَ دُوْنَهُ" (تهذيب الكمال في أسماء الرجال (1/166)، سير أعلام النبلاء (9/159))، ورحم الله ابن حجر إذ بين منهجه في التصنيف، ودافعه إليه، ثم عقب طالبًا للنصيحة: ((وقد تعقبت جميع ذلك مبينًا محررًا مع إنى لا أدعي العصمة من الخطأ، والسهو؛ بل أوضحت ما ظهر، لي فليوضح من يقف على كلامي ما ظهر له، فما القصد إلا بيان الصواب طلبًا للثواب)) (تعجيل المنفعة (1/237))، والخلاصة: أن قبول السامع لكلام المتكلم لا يقل من شأنه، ولا يحط من قدره؛ بل يجعله بالصالحين من المهتدين، وبالنبيين من المقتدين وكما أسلفت لا أكون عندهم أقل من الغراب، أو الهدهد.
أيها الحكماء العقلاء من رجال الدعوة ، والقضاء، والجيش، والشرطة، والإعلام! وأخص من بينهم أهل العلم لجليل الأمانة التي في أعناقهم، ولعظيم موقفهم بين يدي الله تعالى! ثم لغيابهم الخانق عن حاجات الأمة ومطالبها المشروعة! لا يخفى على ذي لب ما يُدَبِّر يوم الثلاثاء المقبل من هدمٍ للدولة، وخرابٍ للبلاد، وإفسادٍ في الأرض، وإزهاقٍ للأرواح وتضييع لكل فرصة للأمة في استرداد كرامتها، وعزها، ومجدها! وقد اجتمع على هذا الهدف الخسيس كل أعداء الأمة من الداخل والخارج، أما في الداخل، فاليسار الشيوعي الملحد، وما يحمله من حقد على الإسلام! والليبرالية الإباحية المتهتكة وما ترجوه من الفجر ، والدعارة! والفلول الفاجر الماجن وما يحمله من آثام الدماء، والأرواح، والنهب، والسلب، والتزوير! والحاقدون من النصارى الذين تآلفوا مع أقباط المهجر لخراب مصر ، واحتلالها!
وأما في الخارج فالصليبيون من الأمريكان والأوربيين، واليهود حرصًا على بقاء سياسة الإذلال للمسلمين التي دعمها الطاغية المخلوع والفلول شر هؤلاء جميعًا، وأشرسهم لما يعنيه الاستقرار لهم من محاكمتهم المحاكمة العادلة التي يجب أن يقف أمامها كل مجرم تلطخ بالدماء الزكية، والأرواح الطاهرة، فحق لهم أن يبذلوا كل الأموال المنهوبة، والثروات السليبة في خراب البلد؛ حماية لأنفسهم من المحاكمة، ولذا فليس في قلبي عليهم ذرة لوم، أو عتاب! إذ لم يفعلوا إلا واجبهم في حماية أنفسهم، وحق لهم ذلك! وقد رأوا الرئيس حفظه الله انتفض نفضة المسلم الحر الذي غضب لكل الدماء البريئة التي سفكت، والأرواح التي أزهقت، وعزم على إنصاف كل مظلوم من ظالمه! ويالها من جريمة نكراء عند من عاشوا حياتهم خائضين في الظلم والطغيان! ولكن لومي وعتابي على من يعرفون عن الله ما يجهله الناس! ودرجة الحرج لا تسمح بكلام أطول من هذا، فالمنتظر يوم الثلاثاء أن يقوم الخونة الفجرة بتنفيذ مخططهم الأثيم بالقتل، والسلب، والنهب، والحرق، والتخريب!، وكالعادة : يقوم الإعلام الخائن اللعين الفاجر النجس بنسبة كل هذا القتل، والسلب، والنهب، والحرق، والتخريب إلى الضحايا والمعتدى عليهم من الإخوان وغيرهم! وهذا من خلال زحف المخربين إلى مقرات الإخوان، وتجمعات الفضلاء والاعتداء عليهم لإشعال الفتن عياذًا بالله، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم ألا يمكن لهم من ذلك.
وألخص ما أراه واجبًا على فئات الحكماء، والمسئولين لوقف هذه الخيانة العظمى:
أولاً: أهل الدعوة والعلم:
عليم أن يشكلوا اجتماعًا على الهواء لا يغيب عنه واحد من مشاهير الدعاة ثم يؤيدون فيه الرئيس وقراراته الرامية إلى تطهير البلاد من الفساد والمفسدين، ويدعو كل واحد منهم جميع طلابه من الخطباء والدعاة الأقل شهرة إلى تبيين الأمر للناس كل قدر طاقته، ثم يأمر جميع الدعاة المغمورون، والمشهورون الناس بالخروج في مسيرة شعبية زاحفين للقصر تأييدًا للرئيس فيما يتخذه من إجراءات التطهير يوم الثلاثاء، ثم يصعد جميع المشهورين المنصة، ويختارون أحدهم ليتلو بيانًا عامًا للأمة باسم جميع علماء الأمة ويوضحون في هذا البيان عدة أمور، أهمها:
أولاً: وجوب تطبيق الشريعة ، وحكم كل من يرفضها، أو يدعي عدم صلاحيتها لأي زمان، أو مكان، أو يرى غيرها من الشرائع أولى بتطبيقها.
ثانيًا: واجب الحاكم من السعي في تطبيق الشريعة بصورة تدريجية لا تجلب المفاسد على الأمة.
ثالثًاً: واجب الأمة، ودورها في تطبيق الشريعة.
رابعًا: واجب الأمة في طاعة الحاكم في طاعة الله.
خامسًا: واجب الأمة في نصرة الحاكم على الحق، وذكر العديد من النصوص في ذلك، منها على سبيل المثال:
1- قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «...وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَر...» (رواه مسلم [1844]).
2- عن أَبي بَكْرَةَ؛ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ أَكْرَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ أَهَانَهُ اللَّهُ» (رواه الترمذي (2224)، وابن أبي عاصم في السنة (1017)، قال الألباني : صحيح).
3- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَشَى إِلَى سُلْطَانِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ لِيُذِلَّهَ؛ أَذَلَّ اللَّهُ رَقَبَتَهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَعَ مَا ذَخَرَ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ وَسُلْطَانُ اللَّهِ: كِتَابُهُ، وَسُنَنُ نَبِيِّهِ» (رواه ابن أبي عاصم في السنة (1462)، والطبراني في الكبير (11216)، وابن زنجويه في الأموال (44)).
4- قَالَ حُذَيْفَةُ: "مَا سَعَى قَوْمٌ لِيُذِلُّوا سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا أَذَلَّهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا" [المعرفة والتاريخ (2/762)، جامع معمر بن راشد (11/344)، وابن زنجويه في الأموال (1/85)].
وغير ذلك من الأدلة راجع المقال الموسوم بـ: ((مصر من اضطهاد الشعب لاضطهاد الرئيس)).
سادسًا: نصيحة لكل أذناب الطاغية من الفلول الباقية بالتوبة من محاولة إشعال الحرب، وتخريب البلاد، وبيان عقوبة ذلك، ودور الشعب في التصدي لمحاولة الخروج على الحاكم الذي صحت بيعته بيعة شرعية، وأهمية فرض العقوبات الرادعة لكل من تسول له نفسه تعطيل مركبة الإصلاح، والتقدم.
سابعًا: بيان دور الجيش، والشرطة في دعم الشرعية، والحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة، والتصدي لكل المحاولات الفجة لتلطيخ الوجه المصري بتشوهات العلمانية الفاجرة، أو تلويثها باليسارية الداعرة.
ثم يختمون بضرورة التفاف الأمة حول الرئيس ومساندته في تطهير البلاد من الفساد والمفسدين مهما كانت مراكزهم، وأيًا كانت رتبهم، ثم ينتهي الأمر بتجديد البيعة للحاكم على الكتاب والسنة والسعي سعيًا حثيثًا في سبيل ذلك بالصورة التي تحقق المقاصد الشرعية، وتتجنب المحاذير الشرعية، ومصافحته على ذلك والأخذ على يديه، هذا العمل لن يستغرق منهم ساعتين، أو أكثر قليلا! ولكني أحسبه عند الله عظيمًا! أعظم من الكثير من البرامج التي يقدمونها في الفضائيات، هذا العمل كان كفيلا باستدرار دموع الشعب المسلم الذي رأى لأول مرة حاكمًا يلتف حوله الصالحون والفضلاء، بل والله هذا العمل كان كفيلا أن يستمطر من الله الرحمات والبركات التي يعيننا بها على مواصلة العمل لتطبيق شريعة رب الأرض والسماوات.
وأهم من ذلك: يجب أن يوجهوا دعوة للقوات المسلحة، والشرطة يوضحون فيها لهم أنهم مسئولون أمام الله ثم أمام الأمة عن تأمين جميع المنشآت والممتلكات، والأرواح.
وأهم ما في الأمر: سرعة الانتشار العسكري على كل المنشآت الحيوية، وتأمينها مع إعطاء كل الصلاحيات للحراس في التعامل مع المعتدين المفسدين في الأرض.
وعمل نقاط تأمينية بالأسلاك الشائكة على مفارق الطرق المؤدية للتحرير يتمركز فيها قوات عسكرية مؤهلة للتعامل الفوري مع المستجدات، يصحب كل نقطة أمنية واحد من الدعاة المشاهير، ومعه مجموعة من طلبة العلم، وبعض الشرفاء من رجال القضاء، والإعلام، والصحافة، وكاميرات مراقبة متناهية الدقة.
كل هؤلاء بقصد رصد بؤرة الإرهاب، ومنبع التخرييب حتى يكونوا شهودًا على حقيقة البادئ في الإرهاب وليكونوا بذلك شهداء على الحقيقة، وشهداء على صحة استخدام القوة في محلها الصحيح.
كما يجب مناصحة الرئيس باستخدام حقه التشريعي في سن القوانين الصارمة الرادعة لكل من تسول له نفسه حمل السلاح، وتهديد الآمنين، وحرق المنشآت، والتخريب في البلاد، والإفساد في الأرض، فإن هذا من شأنه أن يفوت الفرصة على المفسدين في الأرض.
وأما دور شرفاء القضاء بصورة خاصة أن يقوموا بأعمال المضربين عن العمل من المشاغبين، والمخربين، والمفسدين في الأرض احتسابًا لوجه الله تعالى كما لا يخفى أن أفضل مكان لوقفات التأييد وتجديد البيعة هو القصر الجمهوري، وليس ميدان عابدين لقربة من المفسدين بميدان التحرير مما يسهل عملية التربص.
هذا ما أراه واجبًا على أهل العلم في هذه الفترة الحرجة! وأتمنى أن يُحْمَلَ كلامي على محمله الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، وأرجو أن أكون بذلك قائمًا لله بما يرضيه عني نحو أمتي في حدود طاقتي، فما كان من خير فمن الله وحده لاشريك له، وما كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان، والله منه بريء.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ، وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.
وكتبه الفقير لعفو مولاه/ محمد بن فريد بن فرج بن فراج.
باحث شرعي.
البريد الإلكتروني:
[email protected]