الحقائق الثلاث


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

أيها الأحبة في الله! هناك حقائق ثلاث مترابطة، يلزم من وقوع أولاها وقوع الثانية، ومن وقوع الثانية وقوع الثالثة .. لا تنفك عن بعضها، وهي سنن كونية ربانية يجريها الله عز وجل على أهل هذه الحياة، ولا يستطيع أي إنسان مهما كان أن يخرج على هذه الحقائق الثلاث، ومن يعرفها ويعتقدها ويعمل بمقتضياتها هو من عرف حقيقة الحياة، ومن يجهلها ولا يتأملها ولا يعمل بمقتضاها فهذا ما عرف حقيقة الحياة، ولا حقيقة نفسه، ولا سر وجوده، فهو يعيش عيشة البهائم، ويموت كما تموت الأنعام، ولكن يبعث يوم القيامة ويسأل ويحاسب، فيخف في الموازين، ويتمنى أن لو صار تراباً، ويتحسر ويتألم على أنه ضيع هذه الحياة من غير أن يعرف تلك الحقائق الثلاث، وهي عنوان المحاضرة: "الحقائق الثلاث".

وقد جاءت هذه الحقائق الثلاث كلها في آية واحدة في كتاب الله عز وجل، هذه الحقائق هي:

أولاً: حقيقة الخلق: خلق الله لك أيها الإنسان.

ثانياً: حقيقة الموت.

ثالثاً: حقيقة البعث.

هذه السنن تجري على الناس من غير اختيار، هل هناك أحد أُخذ رأيه حينما خلق فقيل له: أتريد أن تخلق أم لا؟ لا. تخلق من غير أن يؤخذ برأيك، وهل من أحد يؤخذ برأيه عند الموت: أتريد أن تموت أم لا؟ لا. وهل من أحد سيؤخذ رأيه عند البعث: أتريد أن تبعث أم لا؟ لا. فهي سنن كونية جارية.

كنت أتحدث قبل فترة مع تاجر، فدعوته إلى الله، فكأنه استيقظ من النوم، وكنت قد دعوته إلى الله عن طريق الحديث عن البعث والآخرة والجنة والنار، فقال لي عبارة ساذجة، لكن لها معنى في قلبه، قال لي: حسناً! والذي لا يريد أن يبعث؟ أي: إذا جاءه الموت والشخص لا يريد أن يبعث؟ قلت: من لا يريد أن يبعث كمن لا يريد أن يموت، ما رأيك أنت تريد أن تموت؟ قال: لا. لكني سوف أموت رغماً عني، قلت: وتبعث رغماً عنك، مثلما أنك خلقت رغماً عنك، وتموت رغماً عنك، فإنك تبعث رغماً عنك.

ولو أن شخصاً استطاع أن يخرج عن هذه السنن، وأراد الله له الخلق، فقال: أنا لا أريد أن أخلق، أو أراد الله له خلقاً فخلقه، ولما أراد الله له أن يموت قال: أنا لا أريد أن أموت، كيف أموت وأنا ملك، وكل شيء عندي؟ هل صنع أحد هذا من نبي أو قوي، أو تاجر وثري؟ لا. كل الناس يموتون، لا يوجد شخص يستطيع أن يشذ عن هذه القاعدة.

ومادام أن قاعدة الخلق جرت على الناس كلهم، وقاعدة الموت جرت على الموتى كلهم، إذن تبقى الثالثة، وهي قاعدة البعث، ستجري على الناس كلهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده! لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتسألن عما كنتم تعملون).

بداية خلق الإنسان من طين

هذه الحقائق الثلاث -كما قلت لكم- جاءت في آية من كتاب الله عز وجل، وهي قول الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] هذه الحقيقة الأولى.

لست أنت من خلق نفسه، يقول الله: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] فما خلقت من غير شيء، وما أنت الخالق، وما من أحد خلقك إلا الله.

يقول الله: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] الأم نفسها تحمل الجنين في أحشائها ولا تعرف عنه شيئاً، يقول الله عز وجل: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] فالذي خلقك هو الله وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] هذا الأصل، أصل الإنسان طيني .. السلالة، التكوين، التركيبة الأولى للإنسان طين، لكن عبر مراحل انتقل من الطين وصار نطفة.

هل تصدق أن هناك من يقول: كيف كنت طيناً؟ أيعقل أني كنت طيناً؟ نقول: نعم كنت طيناً، كيف؟ نقول: انظر حين تمني وتضع المني في سروالك أو ثوبك، هل تصدق أنك كنت هذا؟ نعم. يا صاحب العضلات! يا صاحب العقل! كنت يوماً من الأيام هذه النطفة.

ولهذا لما مر المهلب بن أبي صفرة على الحسن البصري، وكان يمشي متبختراً متكبراً، وهو قائد من قواد الجيوش، فقال له الحسن: [إن هذه مشية يبغضها الله، قال: أما تدري من أنا؟ -تقول لي هذا الكلام وما تدري من أنا؟- قال: بلى أعرفك، أنت الطين، أنت الماء المهين، أنت من خرجت من موضع البول مرتين، الأولى من ذكر أبيك، والثانية من رحم أمك، أولك نطفة مذرة، ونهايتك جيفة قذرة، وفي بطنك وثناياك تحمل العذرة!].

من أنت أيها الإنسان؟!

أطوار خلق الإنسان في الرحم

بعض الناس متكبر متغطرس يقول: أنا أتيت من السماء في صندوق، بل أنت في مرحلة من مراحل خلقك كنت طيناً، ثم مرحلة ثانية كنت نطفة، الرجل يضع في الدفقة الواحدة أربعمائة مليون حيوان منوي -واحد منها هو أنت- تموت جميعها ولا يبقى إلا واحد، البقاء للأقوى الذي يصل إلى البويضة في أعلى قناة فالوب، والبقية تموت في الطريق وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12].

ثم المرحلة الثانية والطور الثاني من أطوار الخلق؛ لأن الله يقول: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح:14] أي: طوراً من بعد طور، ومراحل .. وتركيبات، قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] جعل الله هذا الإنسان نطفة في قرار مكين، أين القرار المكين؟ قناة فالوب في أعلى رحم المرأة، قال عز وجل: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:20-23] ولهذا بعض النساء حينما تمرض يؤدي مرضها إلى الإجهاض، ما هو الإجهاض؟

إن البويضة والنطفة إذا حصل بينهما امتزاج تخلق حينها المولود، وإذا كان الرحم والقناة فيهما مرض فلا يسمح ببقاء هذا المولود فتحمل شهراً أو شهرين ثم تسقط، فهذا مرض يعالج الآن، لكن غالبية النساء يحملن ويبقى الولد أو البنت في هذا المكان؛ لأنه قرار مكين، المرأة تتعرض لصدمات، ولآلام، ولشبع، وتنام على بطنها، وجنبها، وظهرها، والولد في مكانه في قرارٍ مكين، قال عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:12-13].

ثم المرحلة الثالثة من مراحل الخلق، وهي: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً [المؤمنون:14] أربعون يوماً نطفة كما هي، ثم بعد أربعين يوماً يحول الله النطفة إلى علقة.

والعلقة أنا رأيتها بعيني في المجهر عبارة عن قطعة من اللحم طويلة مثل الإصبع، أشبه بدودة صغيرة تعيش في المياه يسمونها علقة، يعرفها أهل البادية، فهي تأتي في الماء وتنفرد وتمشي وتعلق في ألسنة البهائم، تأتي البهيمة أو البقرة أو الجمل -مثلاً- فيشرب، فيمتصها مع الماء فتعلق في فمه وبالتالي لا يستطيع أن يأكل حتى يخرجها، وإلا ماتت البهيمة.

فأصلي وأصلك مثل هذه التي سماها الله علقة: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً [المؤمنون:14] بعد ذلك فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [المؤمنون:14].

ثم جاءت المرحلة الرابعة: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً [المؤمنون:14] بعد أن تكون فترة أربعين يوماً علقة، تتحول بعد أربعين يوماً أخرى إلى مضغة، ما هي المضغة؟ قطعة لحم، كانت علقة دماً، ثم صارت دماً متماسكاً يعني: فيها نوع من التماسك، كأنها لقمة شخص مضغها على أضراسه وأخرجها، ولو دققت النظر في المضغة البشرية للإنسان لوجدت، هذه الآثار، ويقولون: إنها تأسيسات للعمود الفقري للإنسان، وتنظره متعرجاً، وآثار التضاريس طالعة ونازلة مثل آثار الأضراس إذا مضغت قطعة لحم ثم أخرجتها، فالإنسان في يوم من الأيام كان مضغة على هذا النحو.

قال عز وجل: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً [المؤمنون:14] فالمضغة هذه تصبح هيكلاً عظمياً كاملاً، وبعد ذلك: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً [المؤمنون:14] هذه العظام تكون هيكلاً عظمياً كاملاً يشمل الجمجمة والعمود الفقري والأضلاع والذراعين والكتفين والساقين والفخذين والأقدام، وقد رأيت الأضلاع في مرحلة من مراحل الخلق كمثل الدبابيس منحنية ومتشابكة مع العمود الفقري من الوراء، ومتقابلة عند الصدر .. هيكل كامل! هذه المضغة تحولت إلى عظام، وهذه العظام يكسوها الله عز وجل لحماً وعضلات مترابطة لكي تتماسك هذه الخلقة في أصل تكوين الإنسان، قال عز وجل: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً [المؤمنون:14].

اختلاف الصور رغم اتحاد الأطوار

ثم قال: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون:14] هل هناك نسبة بينك وبين النطفة؟ لا. خلقاً آخر يختلف كل الاختلاف عن أصلك الطيني، ولكن ليس فيك طين، هل أنت طوبة نبني بك؟ لا. أصلك نطفة لكنك لست نطفة الآن، أصلك علقة لكنك لست علقة، بل خلق آخر: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] لا إله إلا الله ما أعظم الله في هذه الصنعة!! فهو أحسن الخالقين! وبعد ذلك خلق خلقاً آخر في كل واحد.

الآن المطبعة تطبع كتاباً واحداً ملايين النسخ، والمصنع يصنع قطعة غيار وينتج منها مائة أو ألفاً أو عشرة آلاف، السيارة ينتجون من نوع واحد عشرات الآلاف.

لكن ليس هناك إنسان مثل الإنسان الثاني أبداً، لو أتيت الآن بمن على وجه الأرض، وتعدادهم الآن خمسة مليارات إنسان، وأدخلتهم في فناء وأخرجتهم واحداً تلو الآخر فلن تجد اثنين متطابقين مائة في المائة، لابد من وجود اختلاف بينهم، ولن تجد شبيهاً لإصبعي الإبهام، هذه المنطقة الصغيرة (2سم×1سم) لا يوجد في الأرض الآن اثنين سواء، ولا يوجد في الأرض ممن ماتوا سواء، ولا يوجد ممن سيأتون إلى يوم القيامة اثنين سواء، ما هذا الخلق العجيب؟! لا إله إلا الله!

كنت أتصور أن (الكوريين) سواء؛ لأنهم على صورة رجل واحد، أشاهدهم دائماً سواء في شكلهم وطولهم، وجوههم مستديرة، وعيونهم دائرية، وأنوفهم صغيرة، فقلت: إنهم كلهم سواء، ولهذا أقول: كيف يتعارفون؟ كيف يعرف الشخص أخاه وأباه وجده؟ وقدر لي أن عملت في شركة (كهرباء) الجنوب وأن أكون متعاملاً مع الكوريين، وحين اقتربت منهم وإذا بكل واحد منهم له خلقة ثانية، ليس هناك اثنان متشابهان أبداً بأي حال من الأحوال، الأفارقة ليس فيهم اثنان متشابهان، والأوروبيون كذلك، والعرب والهنود والباكستانيون والفلبينيون والأندنوسيون، جميع فئات الأرض لا تجد فيهم اثنين متشابهين، بل حتى التوأم لابد من وجود اختلاف بينهم، أنا مرة قدر الله لي أن أرى توأمين فيهما وجه شبه كبير، وكانا يعملان في إدارة حكومية في أبها ، فهما في الطول والوجه سواء، لكن حين تكلما إذا بهذا صوته منخفض وهذا صوته غليظ، لابد من وجود فارق، من الذي يستطيع أن يوجد هذه الفوارق كلها؟ إنها قدرة الله فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].

هذه هي الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق، وليس فيها مراء، هل من أحد عنده مراء أو جدال في هذه الحقيقة أيها الإخوة؟ لا. والذي عنده مراء ينظر حين يتزوج كيف يأتيه الولد، ثم يراقب مراحل النمو، يكون جنيناً أولاً، ثم يبلغ يومين وثلاثة وأربعة ثم سنة وإذا به يمشي .. ثم يذهب إلى المدرسة في السادسة، ثم صار بعدها في المتوسطة والثانوية، وإذا به يصبح رجلاً، ولم يعلم وهو يعيش هذه المراحل من النمو من الذي ينميه ويراعيه ويربيه. إنه الله فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] هذه هي الحقيقة الأولى.

المصير المنتظر بعد الخلق هو الموت

جاءت بعدها الحقيقة الثانية، قال عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15] بعد حقيقة الخلق جاءت مباشرة حقيقة الموت، وهذه لا مراء فيها ولا جدالاً، ولا يوجد أحد يماري فيها؛ لأن الذي يماري نقول له: إذاً اصبر قليلاً، فأنت الآن لا تصدق بالموت، ولكن اصبر وستموت كما مات أبوك، وجدك، والبشر من قبلك، مذ آدم عليه السلام، يقول الشاعر:

سر إن استطعت في السماء رويداً     لا اختيالاً على رفات العباد

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض     إلا من هذه الأجساد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب     فأين القبور من عهد عاد؟

يقول: إذا أردت أن تمشي متبختراً فطر أو امش لا مختالاً على رفات العباد، وعظام الناس، يقول: فما أظن أصل هذا الطين الموجود الآن إلا من رفات الذين قد ماتوا، كم عاش على وجه الأرض من البشر؟ ملايين بل مليارات من البشر عاشوا وماتوا كلهم وأكلهم الطين، خلقوا من الطين، وعادوا إلى أصلهم الطين، وهم الآن ينتظرون الحقيقة الثالثة.

الحقيقة الأولى نحن الآن نعيشها وهي الخلق.

والحقيقة الثانية وهي: الموت، نحن الآن قد حجزنا لها، وأكدنا الحجز؛ لأن الناس ثلاثة أصناف:

- صنف سافروا.

- وصنف حجزوا.

- وصنف في الانتظار.

فالذين سافروا هم الذين ماتوا، والذين حجزوا هم الأحياء، وكل شخص رحلته معلومة، والذين في الانتظار هم الذين لم يأتوا بعد، فإذا وصلوا حجز لهم.

فمنذ أن كان الإنسان في بطن أمه حجز له متى يسافر إلى الآخرة.

فهنا الحقيقة الثانية وهي حقيقة الموت، قال عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15] والضمير هنا عائد على الخلق، أي: بعد ذلك الخلق لميتون.

سبحان الله! لماذا يخلقك الله هذا الخلق العجيب ثم تموت؟ لابد من وجود حكمة، هل يعقل أن الله يخلقك هذا الخلق، وتتعب أمك في حملك ووضعك وتربيتك، ثم أنت تتعب في معاناة الحياة ومصارعة الدنيا لكسب العيش، ومقابلة المشاكل، والصبر على الأمراض والمصائب من أجل أن تموت؟!

لا. لاشك أن هناك حكمة، لا بد أن الله خلقك لشيء، ما هو هذا الشيء؟ هو الذي أخبر الله به في كتابه، وهو العبادة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

ثم جاءت بعد ذلك في هذه الآية نفسها الحقيقة الثالثة، وهي الأخيرة من حقائق هذه الحياة، والتي بعدها ينقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، قال عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:16] الخلق تم، ثم حصل الموت، ثم جاء البعث، وبعد البعث يأتي الحساب، حساب ونقاش ومؤاخذات وسؤال، ومن ينجح فاز، ومن يسقط خسر، والمنهج واضح، وهو الكتاب والسنة، والمصدق له الجنة، والمكذب والمتساهل والكافر والفاجر -والعياذ بالله- له النار قال تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].

هذه هي حقائق الحياة الثلاث، وسوف نتكلم عن كل واحدة بالتفصيل.

هذه الحقائق الثلاث -كما قلت لكم- جاءت في آية من كتاب الله عز وجل، وهي قول الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] هذه الحقيقة الأولى.

لست أنت من خلق نفسه، يقول الله: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ [الطور:35-36] فما خلقت من غير شيء، وما أنت الخالق، وما من أحد خلقك إلا الله.

يقول الله: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [الواقعة:58-59] الأم نفسها تحمل الجنين في أحشائها ولا تعرف عنه شيئاً، يقول الله عز وجل: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] فالذي خلقك هو الله وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12] هذا الأصل، أصل الإنسان طيني .. السلالة، التكوين، التركيبة الأولى للإنسان طين، لكن عبر مراحل انتقل من الطين وصار نطفة.

هل تصدق أن هناك من يقول: كيف كنت طيناً؟ أيعقل أني كنت طيناً؟ نقول: نعم كنت طيناً، كيف؟ نقول: انظر حين تمني وتضع المني في سروالك أو ثوبك، هل تصدق أنك كنت هذا؟ نعم. يا صاحب العضلات! يا صاحب العقل! كنت يوماً من الأيام هذه النطفة.

ولهذا لما مر المهلب بن أبي صفرة على الحسن البصري، وكان يمشي متبختراً متكبراً، وهو قائد من قواد الجيوش، فقال له الحسن: [إن هذه مشية يبغضها الله، قال: أما تدري من أنا؟ -تقول لي هذا الكلام وما تدري من أنا؟- قال: بلى أعرفك، أنت الطين، أنت الماء المهين، أنت من خرجت من موضع البول مرتين، الأولى من ذكر أبيك، والثانية من رحم أمك، أولك نطفة مذرة، ونهايتك جيفة قذرة، وفي بطنك وثناياك تحمل العذرة!].

من أنت أيها الإنسان؟!

بعض الناس متكبر متغطرس يقول: أنا أتيت من السماء في صندوق، بل أنت في مرحلة من مراحل خلقك كنت طيناً، ثم مرحلة ثانية كنت نطفة، الرجل يضع في الدفقة الواحدة أربعمائة مليون حيوان منوي -واحد منها هو أنت- تموت جميعها ولا يبقى إلا واحد، البقاء للأقوى الذي يصل إلى البويضة في أعلى قناة فالوب، والبقية تموت في الطريق وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12].

ثم المرحلة الثانية والطور الثاني من أطوار الخلق؛ لأن الله يقول: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح:14] أي: طوراً من بعد طور، ومراحل .. وتركيبات، قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:13] جعل الله هذا الإنسان نطفة في قرار مكين، أين القرار المكين؟ قناة فالوب في أعلى رحم المرأة، قال عز وجل: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:20-23] ولهذا بعض النساء حينما تمرض يؤدي مرضها إلى الإجهاض، ما هو الإجهاض؟

إن البويضة والنطفة إذا حصل بينهما امتزاج تخلق حينها المولود، وإذا كان الرحم والقناة فيهما مرض فلا يسمح ببقاء هذا المولود فتحمل شهراً أو شهرين ثم تسقط، فهذا مرض يعالج الآن، لكن غالبية النساء يحملن ويبقى الولد أو البنت في هذا المكان؛ لأنه قرار مكين، المرأة تتعرض لصدمات، ولآلام، ولشبع، وتنام على بطنها، وجنبها، وظهرها، والولد في مكانه في قرارٍ مكين، قال عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون:12-13].

ثم المرحلة الثالثة من مراحل الخلق، وهي: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً [المؤمنون:14] أربعون يوماً نطفة كما هي، ثم بعد أربعين يوماً يحول الله النطفة إلى علقة.

والعلقة أنا رأيتها بعيني في المجهر عبارة عن قطعة من اللحم طويلة مثل الإصبع، أشبه بدودة صغيرة تعيش في المياه يسمونها علقة، يعرفها أهل البادية، فهي تأتي في الماء وتنفرد وتمشي وتعلق في ألسنة البهائم، تأتي البهيمة أو البقرة أو الجمل -مثلاً- فيشرب، فيمتصها مع الماء فتعلق في فمه وبالتالي لا يستطيع أن يأكل حتى يخرجها، وإلا ماتت البهيمة.

فأصلي وأصلك مثل هذه التي سماها الله علقة: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً [المؤمنون:14] بعد ذلك فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً [المؤمنون:14].

ثم جاءت المرحلة الرابعة: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً [المؤمنون:14] بعد أن تكون فترة أربعين يوماً علقة، تتحول بعد أربعين يوماً أخرى إلى مضغة، ما هي المضغة؟ قطعة لحم، كانت علقة دماً، ثم صارت دماً متماسكاً يعني: فيها نوع من التماسك، كأنها لقمة شخص مضغها على أضراسه وأخرجها، ولو دققت النظر في المضغة البشرية للإنسان لوجدت، هذه الآثار، ويقولون: إنها تأسيسات للعمود الفقري للإنسان، وتنظره متعرجاً، وآثار التضاريس طالعة ونازلة مثل آثار الأضراس إذا مضغت قطعة لحم ثم أخرجتها، فالإنسان في يوم من الأيام كان مضغة على هذا النحو.

قال عز وجل: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً [المؤمنون:14] فالمضغة هذه تصبح هيكلاً عظمياً كاملاً، وبعد ذلك: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً [المؤمنون:14] هذه العظام تكون هيكلاً عظمياً كاملاً يشمل الجمجمة والعمود الفقري والأضلاع والذراعين والكتفين والساقين والفخذين والأقدام، وقد رأيت الأضلاع في مرحلة من مراحل الخلق كمثل الدبابيس منحنية ومتشابكة مع العمود الفقري من الوراء، ومتقابلة عند الصدر .. هيكل كامل! هذه المضغة تحولت إلى عظام، وهذه العظام يكسوها الله عز وجل لحماً وعضلات مترابطة لكي تتماسك هذه الخلقة في أصل تكوين الإنسان، قال عز وجل: فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً [المؤمنون:14].

ثم قال: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون:14] هل هناك نسبة بينك وبين النطفة؟ لا. خلقاً آخر يختلف كل الاختلاف عن أصلك الطيني، ولكن ليس فيك طين، هل أنت طوبة نبني بك؟ لا. أصلك نطفة لكنك لست نطفة الآن، أصلك علقة لكنك لست علقة، بل خلق آخر: ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] لا إله إلا الله ما أعظم الله في هذه الصنعة!! فهو أحسن الخالقين! وبعد ذلك خلق خلقاً آخر في كل واحد.

الآن المطبعة تطبع كتاباً واحداً ملايين النسخ، والمصنع يصنع قطعة غيار وينتج منها مائة أو ألفاً أو عشرة آلاف، السيارة ينتجون من نوع واحد عشرات الآلاف.

لكن ليس هناك إنسان مثل الإنسان الثاني أبداً، لو أتيت الآن بمن على وجه الأرض، وتعدادهم الآن خمسة مليارات إنسان، وأدخلتهم في فناء وأخرجتهم واحداً تلو الآخر فلن تجد اثنين متطابقين مائة في المائة، لابد من وجود اختلاف بينهم، ولن تجد شبيهاً لإصبعي الإبهام، هذه المنطقة الصغيرة (2سم×1سم) لا يوجد في الأرض الآن اثنين سواء، ولا يوجد في الأرض ممن ماتوا سواء، ولا يوجد ممن سيأتون إلى يوم القيامة اثنين سواء، ما هذا الخلق العجيب؟! لا إله إلا الله!

كنت أتصور أن (الكوريين) سواء؛ لأنهم على صورة رجل واحد، أشاهدهم دائماً سواء في شكلهم وطولهم، وجوههم مستديرة، وعيونهم دائرية، وأنوفهم صغيرة، فقلت: إنهم كلهم سواء، ولهذا أقول: كيف يتعارفون؟ كيف يعرف الشخص أخاه وأباه وجده؟ وقدر لي أن عملت في شركة (كهرباء) الجنوب وأن أكون متعاملاً مع الكوريين، وحين اقتربت منهم وإذا بكل واحد منهم له خلقة ثانية، ليس هناك اثنان متشابهان أبداً بأي حال من الأحوال، الأفارقة ليس فيهم اثنان متشابهان، والأوروبيون كذلك، والعرب والهنود والباكستانيون والفلبينيون والأندنوسيون، جميع فئات الأرض لا تجد فيهم اثنين متشابهين، بل حتى التوأم لابد من وجود اختلاف بينهم، أنا مرة قدر الله لي أن أرى توأمين فيهما وجه شبه كبير، وكانا يعملان في إدارة حكومية في أبها ، فهما في الطول والوجه سواء، لكن حين تكلما إذا بهذا صوته منخفض وهذا صوته غليظ، لابد من وجود فارق، من الذي يستطيع أن يوجد هذه الفوارق كلها؟ إنها قدرة الله فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14].

هذه هي الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق، وليس فيها مراء، هل من أحد عنده مراء أو جدال في هذه الحقيقة أيها الإخوة؟ لا. والذي عنده مراء ينظر حين يتزوج كيف يأتيه الولد، ثم يراقب مراحل النمو، يكون جنيناً أولاً، ثم يبلغ يومين وثلاثة وأربعة ثم سنة وإذا به يمشي .. ثم يذهب إلى المدرسة في السادسة، ثم صار بعدها في المتوسطة والثانوية، وإذا به يصبح رجلاً، ولم يعلم وهو يعيش هذه المراحل من النمو من الذي ينميه ويراعيه ويربيه. إنه الله فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] هذه هي الحقيقة الأولى.

جاءت بعدها الحقيقة الثانية، قال عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15] بعد حقيقة الخلق جاءت مباشرة حقيقة الموت، وهذه لا مراء فيها ولا جدالاً، ولا يوجد أحد يماري فيها؛ لأن الذي يماري نقول له: إذاً اصبر قليلاً، فأنت الآن لا تصدق بالموت، ولكن اصبر وستموت كما مات أبوك، وجدك، والبشر من قبلك، مذ آدم عليه السلام، يقول الشاعر:

سر إن استطعت في السماء رويداً     لا اختيالاً على رفات العباد

خفف الوطء ما أظن أديم الأرض     إلا من هذه الأجساد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب     فأين القبور من عهد عاد؟

يقول: إذا أردت أن تمشي متبختراً فطر أو امش لا مختالاً على رفات العباد، وعظام الناس، يقول: فما أظن أصل هذا الطين الموجود الآن إلا من رفات الذين قد ماتوا، كم عاش على وجه الأرض من البشر؟ ملايين بل مليارات من البشر عاشوا وماتوا كلهم وأكلهم الطين، خلقوا من الطين، وعادوا إلى أصلهم الطين، وهم الآن ينتظرون الحقيقة الثالثة.

الحقيقة الأولى نحن الآن نعيشها وهي الخلق.

والحقيقة الثانية وهي: الموت، نحن الآن قد حجزنا لها، وأكدنا الحجز؛ لأن الناس ثلاثة أصناف:

- صنف سافروا.

- وصنف حجزوا.

- وصنف في الانتظار.

فالذين سافروا هم الذين ماتوا، والذين حجزوا هم الأحياء، وكل شخص رحلته معلومة، والذين في الانتظار هم الذين لم يأتوا بعد، فإذا وصلوا حجز لهم.

فمنذ أن كان الإنسان في بطن أمه حجز له متى يسافر إلى الآخرة.

فهنا الحقيقة الثانية وهي حقيقة الموت، قال عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ [المؤمنون:15] والضمير هنا عائد على الخلق، أي: بعد ذلك الخلق لميتون.

سبحان الله! لماذا يخلقك الله هذا الخلق العجيب ثم تموت؟ لابد من وجود حكمة، هل يعقل أن الله يخلقك هذا الخلق، وتتعب أمك في حملك ووضعك وتربيتك، ثم أنت تتعب في معاناة الحياة ومصارعة الدنيا لكسب العيش، ومقابلة المشاكل، والصبر على الأمراض والمصائب من أجل أن تموت؟!

لا. لاشك أن هناك حكمة، لا بد أن الله خلقك لشيء، ما هو هذا الشيء؟ هو الذي أخبر الله به في كتابه، وهو العبادة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

ثم جاءت بعد ذلك في هذه الآية نفسها الحقيقة الثالثة، وهي الأخيرة من حقائق هذه الحياة، والتي بعدها ينقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، قال عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:16] الخلق تم، ثم حصل الموت، ثم جاء البعث، وبعد البعث يأتي الحساب، حساب ونقاش ومؤاخذات وسؤال، ومن ينجح فاز، ومن يسقط خسر، والمنهج واضح، وهو الكتاب والسنة، والمصدق له الجنة، والمكذب والمتساهل والكافر والفاجر -والعياذ بالله- له النار قال تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].

هذه هي حقائق الحياة الثلاث، وسوف نتكلم عن كل واحدة بالتفصيل.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع