أرشيف المقالات

فردريش شيلر

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
بمناسبة احتفال ألمانيا بذكراه للأستاذ محمد عبد الله عنان منذ عامين احتفلت ألمانيا بذكرى شاعرها الأكبر (جيته) لمناسبة مرور قرن على وفاته؛ وتحتفل ألمانيا اليوم بذكرى شاعرها الثاني (شيلر) لمناسبة مرور مائة وخمسة وسبعين عاماً على مولده.
وإذا كانت حياة الخالدين تمثل دائماً في الأذهان المستنيرة، فإن الاحتفاء بهذه الذكريات يضاعف الاهتمام بسيرتهم وآثارهم.
ومن ثم فأنا نلتمس هذه المناسبة لنأتي على ترجمة الشاعر العظيم. كانت حياة شيلر صفحة مؤثرة من ذلك الكفاح الذي يضطر إلى خوضه أصحاب المثل الأعلى حتى يفوزوا بمثلهم أو يزهقوا دونها؛ وقد أنفق حداثته وشبابه في خوض هذا الغمار، حتى إذا اكتملت له أسباب الفوز والطمأنينة، غادر هذه الحياة شاباً في إبان ظفره، وذروة خصبه، وروعة شاعريته؛ وكان مولده في العاشر من نوفمبر سنة 1759 في مدينة مارباخ الواقعة على نهر نكز في أسرة رقيقة الحال؛ وكان أبوه يوهان كاسبار جراحاً مساعداً في الجيش، استقر في مارباخ بعد عوده من الحرب وتزوج اليزابيث كودفايس، وهي ابنة صاحب فندق؛ فرزق منها أولاً بابنة تدعى اليزابيث؛ ثم كان مولد الشاعر، ثم ابنة أخرى تدعى لويزا.
ونشأ الطفل فريدريش أو فرتز (شيلر) ضعيف البنية، كثير الحياء والوجل، وتلقى دروسه الأولى في مدرسة لورش، ثم انتقلت الأسرة إلى مدينة لودفجسبورج حيث نقل الأب، وكانت يومئذ مقام دوق فرتمبورج؛ وهنالك التحق شيلر (بالمدرسة اللاتينية)، وبدأ دارسة الأدب واللاتينية، وقرأ هوراس وأوفيد وفرجيل؛ وكان لأستاذه القس موزر أثر كبير في تكوينه.
وفي سنة 1773 دخل شيلر (أكاديمية كارل) التي أسسها الدوق في شتوتجارت، ودرس الحقوق أولاً ثم الطب والتاريخ، وأظهر تفوقاً في اليونانية واللاتينية؛ بيد أنه لم يكن ميالاً إلى هذا النوع من الدراسة، وكان شغوفاً بالأدب، تهجس به في أوقات فراغه شاعرية قوية؛ وكان يكثر من قراءة هومير وفرجيل وكلوبشتوك شاعر ألمانيا في هذا العصر، وبتأثر تفكيره أيما تأثير.
وفي ذلك الحين ظهرت قطعتان مسرحيتان قويتان هما: (أوجولينو) لجرستنبرج، و (جتزفون برلنخجن) لجيته؛ فتأثر شيلر بقراءتهما واتجه ذهنه إلى المسرح؛ وكتب بعض القصائد والمناظر المسرحية الأولى، ولكنه مزقها، ثم بدأ بكتابة روايته المسرحية الأولى: (قطاع الطريق).
وفي سنة 1779 أتم دراسته وحصل على إجازته، وسنحت له بهذه المناسبة أول فرصة لرؤية الشاعر العظيم الذي ملأ صيته ألمانيا يومئذ، ونعني (جيته)؛ فقد وفد مع دوق فيمار على شتوتجارت في فاتحة سنة 1780 ليشهدا احتفال الأكاديمية بتوزيع الإجازات.
وكان شيلر يومئذ فتى في عشرينه، يحمل إجازة الطب والجراحة، ولكن هوى الشعر يحمله ويملأ جوانحه.
وكان يتوق إلى التعرف بزعيم الشعر وإمامه؛ ولم يكن يحلم أنه سيغدو في أعوام قلائل قرينه وزميله الأوفى.
ولم يهتم جيته في هذا اللقاء الأول بأمر الشاعر الحدث الذي لم يسمع به أحد بعد، ولكن نجم الشاعر الحدث كان على وشك البزوغ.
ذلك أنه ما كاد يعين على أثر تخرجه طبيباً في حامية شتوتجارت بمرتب يسير، حتى عكف على إتمام درامته (قطاع الطريق)، ولكنه لم يلق ناشراً يقوم بطبعها، فاقترض نفقات الطبع من بعض أصدقائه وظهرت القصة سنة 1781 غفلاً من اسم مؤلفها؛ وهي قطعة مسرحية عنيفة تحمل طابع البداية، وفيها يصور شيلر كثيراً من عواصف حداثته.
ومثلت (قطاع الطريق) عقب صدورها في شتوتجارت، ثم مثلت في العام التالي في مانهايم؛ وأحدث ظهورها وتمثيلها ضجة كبيرة.
ولكن شيلر لم يؤخذ بهذا النجاح الجزئي.
وكانت وظيفته العسكرية تثقل على نفسه، فاعتزم مغادرة شتوتجارت خفية إلى أفق أوسع، وفي أكتوبر سنة 1782 غادرها مع صديق موسيقي يدعى شترايشر إلى مدينة مانهايم.
وكان يحمل معه مخطوط درامة جديدة هي (فيسكو) فعرضها على مدير مسرح يدعى (دالبرج) فأعجب بها ومثلت بنجاح، وكتب في الأشهر التالية (المؤامرة والحب) ومثلت أيضاً.
وكلتاهما قرينة (قطاع الطريق) في طابعها العنيف وحماستها الساذجة.
بيد أنه رأى المسرح لم يحقق أمله، ولم تسعفه موارد القطع التمثيلية، فاضطر أن يبحث للعيش عن وسيلة أخرى، ولكن في دائرة الأدب أيضاً، فأصدر مجلة أدبية نقدية اسمها (تاليا) وظهر العدد الأول منها في مارس 1785 وفيه قسم جديد من درامته الجديدة (دون كارلوس) ولكنها لم تستقبل بحماسة.
وفي ذلك الحين جاء دوق فيمار إلى (دار مشتات) لزيارة صهره (اللاند جراف) وكان شيلر قد سمع كثيراً عن نبله ورفيع خلاله وتعضيده للآداب والفنون، فسار لرؤيته مزوداً ببعض خطابات التوصية، فاستقبله الدوق بعطف، وأذن له أن يتلو بين يديه الفصل الأول من (دون كارلوس) فاستحسنه وشجع المؤلف بكلمات طيبة، واستأذنه شيلر في أن يهديه قصته فأذن له، وأنعم عليه بلقب (مستشار) في خدمته، وهو لقب لم تكن له سوى قيمة أدبية واجتماعية. وكان شيلر يومئذ فتى في الخامسة والعشرين يضطرم أملاً نحو العلياء والمجد؛ وكان يقضي حياة عاصفة في الدرس والتفكير والكتابة؛ وكان قلبه الكبير يخفق أحياناً للحب، ولكن في اعتدال ورزانة.
ولم تحمل شيلر نحو النساء تلك النوبات الغرامية العاصفة التي كانت تملأ حياة جيته؛ ولكنه عرف الحب في تلك الفترة؛ وتعلق بادئ بدء بفتاة تدعى مرجريت شفان، وهي ابنة كتبي في مانهايم، وكانت فتاة ساحرة لعوباً خطرة الأهواء؛ وفكر شيلر في الاقتران بها ولكن أباها رفض في رقة وأدب لأنه لم يأنس في الشاعر بلا ريب مستقبلاً يحمل على الطمأنينة.
ثم تعرف شيلر بعد ذلك على فتاة تدعى شارلوت دوستايم، وشغفت هي به حباً؛ ولكنها لم تلبث أن اقترنت بضابط يدعى (فون كالب)؛ وانتقلت معه إلى فيمار؛ واستحال حب الشاعر ومدام فون كالب بعد ذلك إلى صداقة حميمة استمرت مدى الحياة. وأنفق شيلر في مانهايم زهاء عامين ونصف عام، وهو يشهد آماله تنهار تباعاً، وموارد العيش تضيق به.
وأخيراً اعتزم أن يغادر مانهايم، وأن يهجر تلك المهنة التي لم تؤته قوته - مهنة القريض؛ وأن يلتمس العيش من مهنة أخرى مستبقياً للشعر أوقات فراغه؛ فغادر مانهايم بعد وداع ممزق لصديقه الحميم شترايشر؛ وقصد إلى قرية جوليس بالقرب من لايبزج حيث كان يقيم صديقه العزيز (كرنر) وكان كرنر ذهناً رفيعاً وقلباً كبيراً، ألفى فيه الشاعر مثل الصداقة الأعلى؛ فأقام إلى جانبه مدى حين في جوليس ثم في درسدن، وأتم في تلك الفترة قصته (دون كارلوس) (سنة 1786).
وكان ظهورها طفراً حقيقياً للشاعر، وكانت في الواقع بداية مجده، وحداً فاصلاً بين ماضيه الغامر ومستقبله الباهر.
وكانت مدينة فيمار يومئذ كعبة الشعر ومقام إمامة جيته، وفيها يجتمع حول الشاعر الأكبر جمهرة من الشعراء والأدباء مثل هردر، وفيلاند، وماير، ويظللهم دوق فيمار جميعاً برعايته؛ وكان شيلر يفكر منذ حين في السفر إلى فيمار ليجرب حظه في ذلك المحيط الأدبي الزاهر؛ وكانت صديقته الحميمة مدام فون كالب تقيم هنالك منذ حين؛ وكان فيلاند يدعوه فوق ذلك للاشتراك معه في تحرير مجلته (مركور)؛ فقصد إلى فيمار في أغسطس سنة 1787، وقلبه مفعم بالآمال الكبيرة؛ فاستقبله الدوق بفتور، ولكن مدام فون كالوب استقبلته بعطف مؤثر؛ ورحب به فيلاند الشاعر أيما ترحيب، واشترك معه في تحرير مجلته؛ واشترك أيضاً في تحرير مجلة أخرى في (يينا) وترك مجلته الخاصة؛ واستمر يعاون فيلاند مدى عامين، ثم ترك التحرير معه، ولكنه لبث صديقه الحميم. وفي سنة 1788، أقام شيلر حيناً في قرية (فولكشتات) الهادئة، وهنالك أتم قصته (الهائم)، وتاريخ (ثورة الأراضي السفلى) الذي بدأه من قبل في ذلك الحين كان جيته في إيطاليا يطوف ربوعها؛ ثم عاد من رحلته في سبتمبر.
وكان شيلر يرقب مقدمه ليراه ويتعرف به.
وسنحت له هذه الفرصة؛ واجتمع بالشاعر الأكبر وصديقته مدام دي شتاين وهردر في منزل أسرة لنجفلد التي صاهرها شيلر فيما بعد.
وهنالك رأى شيلر ذلك الرجل الذي بلغ ذرى المجد، والذي رآه من قبل لأول مرة في حفلة توزيع الإجازات عام تخرجه من المدرسة؛ وكان شيلر يعلق على هذه المقابلة آمالاً كبيرة؛ ولكن جيته استقبله بفتور ظاهر، ولم يكن قد لفت نظره إلى ذلك الحين.
وكانت صدمة مؤلمة لشيلر؛ فكتب إلى صديقه كرنر يصف أثر هذا اللقاء في نفسه: (يلوح لي من كل الظروف أن الفكرة السامية لدي عن جيته لم يزعزعها هذا التعارف الشخصي، بيد أني أشك أننا نستطيع أن نتقارب بأي وجه.
إن قسماً عظيماً مما يزال يشغلني، ومما زلت أؤمل قد انتهى وقته لديه، والواقع أن كل شخصه يميل إلى ناحية غير التي أميل إليها، وبين وجهات نظرنا اختلاف جوهري.
وعلى أي حال فلسنا نستطيع أن نستخلص من هذه المقابلة شيئاً مؤكداً أو ثابتاً.
وسوف يعلمنا الزمن ما تبقى)
.
ولما عاد شيلر إلى فيمار من مقامه المنعزل لم يحاول كثيراً أن يرى جيته.
بيد أن فتور جيته نحوه لم يدم طويلاً فقد رأى في قصيدته (آلهة اليونان) جمالاً يلفت النظر؛ ويعترف شيلر من جهة أخرى بأنه كان من ذلك الحين يخشى نقد جيته، وأنه كان متأثراً بتلك العاطفة حينما وضع قصيدته (الفنانون) وتأنق في صياغتها. على أن الذي لا ريب فيه هو أن لقاء الشاعرين - جيته وشيلر - كان من أعظم حوادث حياتهما إن لم يكن أعظمها جميعاً.
وسرعان ما تحول ذلك الفتور الذي أبداه الشاعر الأكبر نحو زميله الفتي إلى حب وإعجاب خالصين، ولم تمض أعوام قلائل حتى توثقت بينهما أواصر صداقة عميقة؛ ولم يمنع تنافسهما النبيل في آفاق الشعر أن تبقي هذه الصداقة إلى الأبد، مقرونة بالوفاء الخالص والإعجاب المتبادل، وأن تغدو صفحة خالدة في تاريخ التعاون الأدبي.
كان شيلر رجل المثل العليا، وفيلسوفاً ذا آراء ونظريات خاصة في الحياة.
ولكن جيته كان رجل الحقيقة، يعرض ما في الطبيعة ويصوره كما يراه؛ وكان شيلر شاعر (الدرامة) وكان جيته شاعر الخيال والفروسية؛ ولكن كلا منهما كان جندياً عظيماً لبناء الآداب الرفيعة وتحطيم الآداب المبتذلة؛ وكان كلاهما قائد عظيم لحركة (العاصفة والدفع) التي كانت ظاهرة التفكير والآداب الألمانية في أواخر القرن الثامن عشر، والتي كانت ترمي إلى تحطيم القديم وتجديد كل شئ؛ وكان لهذه الصداقة الحميمة، وهذا التعاون الأدبي الوثيق بين الشاعرين الكبيرين أثره في نفس جيته وفي نظمه، يبدو ظاهراً في (أغانيه) وفي قصة (هرمان ودروتيا)، وغيرهما مما أخرج في هذا العهد. وفي سنة 189 عين شيلر أستاذاً للتاريخ بجامعة بينا بمعاونة صديقه وأستاذه جيته، وفي العام التالي اقترن بالآنسة لنجلفد التي تعرف بها وبأسرتها قبل ذلك بأشهر قلائل؛ وبذلك استقرت حياته، وعاش في نوع من الصفاء والرغد؛ وانكب في هذه الفترة على دراسة التاريخ؛ وألف كتابه عن (حرب الثلاثين) وأصدر مجلة أدبية فلسفية بعنوان (الساعات) كانت نموذجاً بديعاً للتفكير الرفيع، وفيها كان يكتب أئمة العصر: جيته، وهردر، وكانت، وفخته، وماير، وانجل، وجاكوبي، وغيرهم؛ وكان لها أثر عظيم في سير الثقافة الألمانية والتفكير الألماني في ذلك العصر.
وكان شيلر من أنصار الثورة الفرنسية التي كانت تضطرم في ذلك الحين، وظهر ذلك العطف في كثير من كتاباته وقصائده حتى أن (المؤتمر الوطني) الفرنسي منحه لقب (مواطن فرنسي).
وفي تلك الفترة أيضاً أخرج شيلر درامته القوية (فالنشتاين) (1799)، واستمر في تدريس التاريخ في يينا حتى سنة 1800، ثم استقال من منصبه، وعاد فاستقر في فيمار إلى جانب جيته؛ وهنالك أخرج عدة قطع جديدة: ماريا ستوارت؛ وعذراء أورليان وعروس مسيني فكان لصدورها جميعاً دوي عظيم؛ وكانت جميعاً من أبدع ما كتب. واستقر شيلر في فيمار نهائياً، ولم يغادرها إلا ليزور برلين زيارة قصيرة ليشرف هنالك على إخراج بعض قطعه.
وكانت فيمار يومئذ كعبة الأدب الرفيع، يجتمع فيها حول إمامي الشعر، جيته وشيلر، صفوة من أقطاب الشعر والأدب؛ وكانت صداقة جيته وشيلر أبدع وأروع مظاهر هذا المجتمع الأدبي الباهر.
وفي سنة 1804 كتب شيلر درامته (ولهلم تل) فكانت أعظم قصصه وأروعها.
والمعروف أنه استقى موضوعها من صديقه جيته، وكان جيته قد زار سويسرا قبل ذلك بقليل ودرس هنالك تاريخ تل بطل سويسرا القومي، وزار الأمكنة التي تقول الأسطورة إنها كانت ميادين بطولته، لينتفع بذلك الدرس في قصة يعتزم كتابتها عن تل.
ولكنه لما عاد إلى فيمار نبذ الفكرة، وأعطى مواد دراسته إلى شيلر لينتفع بها هو؛ فاستقى منها موضوع قصته (ولهلم تل) فجاءت أبدع ما كتب، وأثارت من جيته أيما إعجاب.
بيد أنها كانت أيضاً آخر ما أخرج شيلر.
ذلك أنه مرض في أوائل سنة 1805، ومرض أيضاً جيته في الوقت نفسه؛ واشتدت عليهما وطأة المرض، حتى صرح جيته بأنه يشعر بدنو أجله، وأن أحدهما لا بد ذاهب.
ولكن الذي توفي هو شيلر.
توفي في الثامن من شهر مايو، في الخامسة والأربعين فقط، فوقع موته في فيمار وقع الصاعقة، وارتدت ثوب الحداد مدى حين.
وتلقى جيته نبأ الفاجعة وهو في فراش مرضه، فبعثت إلى نفسه أيما حزن، وسمع ليلاً وهي يبكي أحر بكاء.
وكتب يومئذ إلى أحد أصدقائه مشيراً إلى فقد شيلر: (لقد فقدت نصف حياتي)، وغلب عليه الحزن حيناً فأضرب عن العمل والكتابة؛ والى ذلك يشير بقوله: (إن مذكراتي في هذه الفترة صحف بيضاء.
والصحف البيضاء عنوان الفراغ في حياتي.
ولم يك ثمة شئ يستهويني في تلك الأيام)
. وهكذا مات شيلر في إبان مجده وذروة شاعريته، ولم ينعم بالحياة الناعمة المستقرة إلا ردحاً قليلاً؛ فكانت حياته كلها صفحة كفاح مستمر، بيد أنه خرج من هذا الكفاح ظافراً متسماً بميسم المجد والخلود.
ولم يكن شيلر شاعراً مبدعاً فقط، ولكنه كان فيلسوفاً عظيماً، وفناناً كبيراً، ومؤرخاً بارعاً؛ وكان يؤمن بالثقافة كوسيلة لرفع الإنسانية إلى ذرى القوة والعظمة، ويرى أن الفن ليس ترفاً لذوي الفراغ والجدة.
وليس لهواً يستمرئه الخامل، ولكنه قوة عظيمة ذات أغراض جدية وإن كانت وسائله شائقة سارة، وإن قرين الدين يعاون على تنظيم هذا العالم.
وكان ذهناً ثائراً جريئاً جلداً يمجد بالحرية، ويمقت كل صنوف الاستعباد؛ وكان قلباً رقيقاً يفيض حساً وإنسانية؛ خبيراً بأسرار الطبائع والنزعات البشرية؛ وكان مؤرخاً بارعاً ينفذ إلى أسرار التاريخ، ويستوعبها بقوة ودقة.
وهذه النزعة التاريخية الناقدة تبدو في كثير من قطعه المسرحية.
ولو مد في حياة شيلر، كما مد في حياة صديقه جيته، لظفرت منه الآداب الألمانية بأضعاف ما ظفرت؛ وكان على الأرجح ينازع جيته إمارته في الشعر الألماني، بيد أنه مع ذلك يتبوأ إلى جانبه المقام الأول في عالم المجد والخلود. محمد عبد الله عنان المحامي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢