علامات الساعة المتبقية [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

نعمة تحبيب الإيمان وتزيينه في قلب المؤمن وتبغيض الكفر والفسق والعصيان، وكون الإنسان راشداً في كل تصرفاته، وفي كل ما يأتي ويذر .. هذه النعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ذكرها الله، في سورة الحجرات، فيقول ربنا عز وجل: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات:7].

وهذا التحبيب للإيمان والتزيين له في قلب المؤمن، والتبغيض للكفر، يقابله في الجانب الآخر في قلب الكافر والفاسق والمنافق والعياذ بالله أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان، ويكره الإيمان ويبغض طريقه وأهله، وهذا هو الضلال بعينه.

وحتى تكون ممن حبب إليه الإيمان، وزين في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان؛ لا بد من أشياء تسبق هذا الأمر، ولا بد من سلوك تسلكه، وطريق تسير فيه، وجهود تبذلها، وأسباب تتعاطاها، فإذا علم الله منك صدق الإخلاص، وقوة الطلب، وحسن المتابعة؛ قذف بعد ذلك النور في قلبك وهو معنى حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم. فهذا لا يأتي مباشرة من الباب، فلابد أن تبذل جهداً كبيراً حتى يصل هذا الأمر إلى قلبك، ومعنى هذا الأمر جاء صريحاً وواضحاً في الحديث القدسي الذي يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى، والحديث في صحيح البخاري : (ما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فالله يحب منك شيئاً وهو الفريضة، وأيضاً حتى يحبك لا بد أن تأتي بالنافلة.

فهو يحب منك العمل وهو الفريضة، ولكنه لا يحبك أنت إلا إذا تقربت إليه بالنوافل: (فإذا أحببته -إذا تقرب إليَّ بالفرائض ثم تقرب إلي بالنوافل، ثم حصلت له المحبة من الله- كنت سمعه الذي يسمع به) لا إله إلا الله! أي تكريم أعظم من هذا أن تسمع بالله، وأن يكون سمعك مسدداً، فلا تسمع إلا ما يرضي الله، ويكون سمعك ربانياً لا يمكن أن يستسيغ أو يستمرئ شيئاً يغضب الله، فتكون موفقاً في السمع؛ فلا ترضى ولا ترتاح إلى سماع كلمة تغضب الله، ولكنك تطمئن وتسكن وترتاح إذا سمعت كلاماً يحبه الله؛ لأنك تسمع بالله: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) أي: أن يكون موفقاً، ومسدداً، ومحاطاً بالعناية الإلهية في بصره؛ فلا يمكن أن يقع ببصره في شيء يغضب الله، هل يمكن أن يبصر بالله إلى ما يبغض الله؟ لا. إن الذي يبصر بالله يبصر على أمر الله، وعلى ضوء إرشاد الله، ولا يمكن أن يقع بصره على شيء يغضب الله.

من ذا الذي يسمع بالشيطان، ويبصر بالشيطان؟ إنه الذي يقع بعينه ويسمع بأذنه ما يبغضه الله، ولا يحب ما يحبه الله، بل يحب عكس ما يحب الله؛ لأنه لا يسمع ولا يبصر بالله، بل يسمع ويبصر بالشيطان، فيقع بسمع الشيطان وبصره فيما يغضب الله. (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه) بلغت الدرجة فيما بينه وبين الله أنه بمجرد أن يسأل الله يعطيه، فهو عبد يعيش مع الله (كنت سمعه الذي يسمع به) فكل تصرفاته وحركاته، وبطشه، وسيره .. كلها بالله وعلى منهج الله، وبعد ذلك يحصل له من الله كرامة؛ فتزول بينه وبين الله الحجب، ولم يعد هناك إلا اتصالاً مباشراً: (ولئن سألني لأعطينه) لأعطينه: هنا مؤكدة بتوكيدين، النون المشددة الثقيلة واللام، لم يقل: أعطيه بل قال: (لأعطينه). (وإن استعاذني لأُعيذنه) وفي بعض روايات الحديث خارج صحيح البخاري ، وهي زيادة في السنن : (وما ترددت بشيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) وهذا معنى الرشد، وهو أن تكون راشداً في كل تصرفاتك، ليس هناك غواية؛ لأن هناك رشد وهناك ضلال وغواية، فالراشد الذي يسير في طريق الراشدين مسترشداً بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سألني أحد الشباب وقال لي: إنه التزم، واهتدى، ولكن يقول: بأي ضوابط وموازين أستطيع أن أعرف هل أنا مؤمن أم لا؟ يقول: أنا في قلبي خوف، وعندي أمل، لكن لا أعلم، أريد شيئاً أمسكه بيدي وأرى أني عليه، وأعلم إن شاء الله أني من المقبولين عند الله عز وجل. فقلت له: يا أخي الكريم! هذا من أبسط الأمور والحمد لله أننا نعبد الله عز وجل في طريق واضح، ومحجة ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ليس في ديننا أسرار، ولا خيالات، ولا معميات ومتاهات، بل ديننا دين الوضوح، وموازيننا ثابتة، وضوابطنا واضحة، قلت له: إذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أم لا؛ فاعرض نفسك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعرف أين موقعك ومن أنت؟ فإن وجدت أنك مع الأوامر فتأتيها، ومع النواهي فتذرها، ومع الأخبار فتصدق بها؛ فاعلم أنك مؤمن، وكن على يقينٍ أن الله لا يضيع عملك، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء:40].

اتباع الأوامر والحرص عليها

قال الرجل الشاب وهو جالس معي: وكيف أعرف ذلك من نفسي؟

قلت: سأعطيك أمثلة: هل تصلي صلاة الفجر في المسجد؟

قال: لا.

قلت: لماذا؟

قال: نومي ثقيل والطقس بارد وأنا أسهر لأذاكر مع زملائي.

قلت له: إذن كيف وصفت نفسك بأنك ملتزم؟ كيف عرفت؟

قال: الحمد لله أنا أحب الخير.

قلت: هذه دعوى، فكل واحد يقول: أنا أحب الخير، ولكنها دعوى لا تثبت إلا بدليلها، فدليل حبك للخير هو الانقياد والإذعان لأوامر الله، والذي لا يصلي الفجر في المسجد هذا يعلن عدم إيمانه بالله، لماذا؟ للحديث الصحيح في البخاري ومسلم ، يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر) فهي أثقل من الجبال على المنافق (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) أي: لو يعلمون بعظم الثواب وعظم الدرجة والمنزلة العظيمة التي يتبوؤها صاحب صلاة الفجر. فهذا المنافق الذي يعيش في بيته ويسحب البطانية على رأسه ويستمر في نومه رغم أنه سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، وسمع الصلاة خير من النوم، والله لو كان يعلم معنى الإيمان حقيقةً لقام واستجاب وأتى ولو حبواً على ركبتيه ويديه، لكنه لا يعلم، يعني أن الإيمان عنده فاسد.

(أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولو أن أحدهم يعلم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهد الجماعة) والمرماة هي: الضلع، والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل بما هو في أذهان الناس، فإن في أذهانهم في ذلك الزمان الجوع والفقر، وعدم وجود شيء من الطعام، والضلع الواحد بما عليه من اللحم يشكل أكبر كرامة، ولو يعلم الشخص أن في المسجد ضلعين بلحمتها، (حسنتين) يعني عليها لحمة وشحمة لشهد الجماعة.

واليوم الناس أتخمت بطونهم من اللحوم، ولو علموا أن هناك طعاماً فلن يأتوا، لكن نقول لهم بما يحبون: فلو قيل لكم من يشهد صلاة الفجر في جماعة يأخذ رقماً من البلدية ويأخذ منحة أرضية، والذي يأتي الأول يأخذ الأول، ويأخذ المواقع الجيدة على الشوارع الجيدة، ما رأيكم هل أحد ينام ذاك اليوم؟ بل والله ينامون في المسجد، ويتنازعون على الصف الأول والثاني، وكل واحد ينام في مكانه، وكل ذلك من أجل حب الأراضي والدرهم والدينار الذي دخل في قلوبنا. لكن حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحاول. قال تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، ولذا لا يقوم الإنسان المنافق لصلاة الفجر، ربما يصلي المغرب؛ لأنه آتٍ من التمشية، وربما يصلي الظهر؛ لأنه أدركه في الدوام، وهي فرصة للتخلص من العمل قليلاً، يعني: يمضي وقتاً، لكن العور يظهر في صلاة العصر وصلاة الفجر، ولذا رتب النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة، فقال: (من صلى البردين دخل الجنة) والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، والبردين برد النهار: العصر، وبرد الليل: الفجر، وقد جاء الأمر بهاتين الصلاتين في القرآن على وجه الخصوص، ففي العصر يقول الله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] رغم أن الوسطى من الصلوات لكن التأكيد عليها لوحدها لدليل أهميتها، ويقول في الفجر: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي) ومعنى في ذمة الله: أي في عهد الله وأمانته، بمعنى أنك إذا مت في ذلك اليوم وأنت في ذمة الله لا يدخلك الله النار.

كيف يعذبك وأنت في ذمته؟ (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ومن مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله بنور ساطعٍ يوم القيامة).. (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ونعرف هذا في واقعنا الآن، تجد مسجداً في أحد الأحياء يصلون صلاة المغرب ستة صفوف، أو سبعة وفي الفجر يصلون صفاً، ما بالهم؟ قد يقول أحد الناس نوم، نقول: لا. ليس نوماً، ما بالهم في رمضان لا ينامون؟ أفي رمضان ينامون عن السحور؟ والذي ما عنده ساعة ألا يذهب ويشتري ساعة؟ والذي ما عنده منبه تراه طول الليل يتقلب وعينه على الساعة، متى سوف تأتي الساعة الثالثة والنصف ويقوم يتسحر، لماذا؟ يخاف أن يصبح دون طعام، فيصوم بدون سحور، وتعتبر كارثة عند الشخص، إذا طلع عليه النهار ذلك اليوم ولم يتسحر، يقوم كأن الدنيا قد خربت، ما بالك؟ قال: طلع النهار علينا، وما أكلنا، ويذهب إلى الدوام مهموماً، وزوجته مهمومة، وأهله مهمومون، لكن هل يحصل له هذا الشعور إذا قام يوماً من الأيام ولم يصلِ الفجر في الجماعة؟ أبداً. طبيعي، لا يفكر أن يصلي في المسجد جماعة، ولهذا كانت الفجر مقياساً وضابطاً من ضوابط الإيمان.

صلاة العشاء والفجر في جماعة المسلمين في استمرار لا يوفق لها إلا مؤمن، ولا يحرمها ويتكاسل عنها إلا منافق، أعوذ بالله وإياكم من النفاق.

فقلت للأخ الكريم هذا ضابط، قال: عرفت أنني لست بمؤمن ولهذا إن شاء الله من غدٍ، أصلي الفجر؟

اجتناب المنهيات والبعد عن أسبابها

قلت: نعم. لكن بقي شيء. إذا نظرت إلى امرأة وهي تسير في الشارع تنظر لها أو تغض بصرك؟ قال: والله أتلفت، قلت: أين الإيمان؟ مسكين أنت ما عرفت الإيمان، أنت تتصور أن الإيمان أشياء ذهنية، وأشكال ظاهرية، ولكن الإيمان يشمل الشكل الظاهري، والمعنى الباطني والذهني والسلوك العملي، الإيمان في تعريف أهل السنة والجماعة هو: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وتطبيق بالجوارح والأركان، هذا هو الإيمان، يزيد بالطاعات، وينقص بالعصيان، كيف تنظر إلى امرأة والله قد قال لك في القرآن في سورة النور قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]؟! إن الذي ينظر إلى النساء كأنه يقول: يا رب! أنا لست منهم، فالذي ينظر في الحرام وفي النساء ويمتع عينه بالحرام كأنه يقول: إنك يا ربِّ أمرت رسولك أن يوجه الأمر للمؤمنين، وأنا لست من المؤمنين.

فالذي يرضى أن يكون من غير المؤمنين؛ ينظر أين يكون إن لم يكن منهم؟ أعوذ بالله وإياكم من النفاق: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] فلا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تسيطر على بصرك إلا قوة الله بفعل إيمانك، تستطيع أن تضحك على الناس، وأن تنظر في بيت شخص وعينك على زوجته في الشباك، فإذا جاءك وقال: لماذا تنظر في عيالي؟ تقول له: وما عيالك؟ قال: أراها في الشباك، وأراك تنظر إليها، فتقول: سبحان الله! أنت نظرتك سيئة -يا أخي- أنا أنظر في نوع الألمنيوم للشباك .. يعجبني هذا المنظر ولهذا سوف أذهب لأعمل مثله، لكن الله يعلم أين تنظر أنت، فتستطيع أن تضحك على الرجل وتقول: إني لا أنظر في بيتك بل أنظر في العمارة أو الشكل الخارجي للمبنى، لكن الله يقول: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] ولذا ورد في بعض الأحاديث في السنن : (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً في قلبه يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) أي: ليس فيها رياء، ربما يدخل الرياء كل شيء إلا هذه المسألة لا يدخلها رياء؛ لأنك تغض بصرك ولا أحد يستطيع أن يضبطك إلا الله.

قلت له: هل تسمع الأغاني؟ قال: نعم. قلت: ما أبقيت من الدين شيئاً، ما هو الالتزام في نظرك؟ قال: وماذا هناك في الأغاني؟

قلت: أما سمعت قول الله عز وجل وهو يصف أهل الإيمان في سورة المؤمنون فيقول: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] أي: قد فازوا ونجحوا وحصلت لهم السعادة في الدنيا والآخرة بفوزهم في الدنيا بالإيمان، وبإنزالهم في الآخرة في الجنان: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:2-3] فالمؤمن يترفع ويتنزه عن هذه القذارات، فالأغاني أوساخ وكلام ساقط، وألحان هابطة، لو فكرت فيه بعقلك وليس بشهوتك -انتبه! إذا فكرت بشهوتك في الأغاني لقمت ترقص، لكن إذا فكرت بعقلك في الكلمات والألحان والبداية والشكل والمضمون- لتقيأت ورفضت هذا الكلام وترفعت عنه، وقلت: هذا كلام لا يصلح، ما خلقني الله لهذا، ثم اسأل نفسك: أتكون هذه الأغاني في ميزان الحق أو في ميزان الباطل يوم القيامة؟!

من يقول: إنها في ميزان الحق؟ كل شخص يقول: إنها في ميزان الباطل، ولما سئل الإمام أحمد عن الأغاني. سألهم وقال: أحق هو؟ قالوا: لا. قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال، ما دام ليس حقاً أين يكون؟ يكون في الضلال، فلماذا تعيش مع الضلال، فلا تسمع الأغاني وكن معرضاً عنها؛ لأن الله يقول: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55]

إذا أتى في مجلس وسمعهم يغنون؛ يقول: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وإذا أتى في حفل زواج ورآهم يرقصون؛ يقول: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، إذا أتى في مجلس فيه نميمة يقوم وينكر بالرفض والتحدي لماذا؟ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55].. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] هذه صفات أهل الإيمان، فكيف تسمع الأغاني وتنظر إلى الحرام، ولا تصلي الفجر في المسجد ومع هذا تقول: إني مؤمن؟ قس نفسك على هذا.

ولو ذهبنا نستقصي الآيات والأحاديث لطال المقام جداً، لكني أتيت بها كمقدمة.

أعمال تنافي الإيمان

وأذكر بعض ما ينافي الإيمان على سبيل الاختصار:

الكذب: الكذاب ليس بمؤمن .. الذي يكذب على مديره، أو موظفيه، أو زوجته، أو أولاده، أو إخوانه، هذا الكذاب يقول الله عز وجل فيه: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [النحل:105]، كان النبي صلى الله عليه وسلم عند امرأة فقالت لولدها: تعال أعطيك تمرة، فجاءها فأعطته تمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تعطه لكتبت عليكِ كذبة) ليس هناك داع للكذب، لماذا تكذب أصلاً؟ لو احترقت الدنيا كلها لا تكذب، وكن واضحاً، فإذا جئت متأخراً في الدوام، وسئلت: لماذا؟ فقل: نمت ولا تقل: بنشر إطار السيارة،. فتبنشر على جسر جهنم؛ لأنك خفت هذا وما خفت الله. وبعضهم يخرج من الدوام ويأتي المدير يبحث عنه أثناء الدوام فيسأله: أين كنت؟ يقول: في الحمام.. تريدني أستأذن منك حتى في الحمام؟ وهو قد كان في السوق يتبضع يوم الثلاثاء ويريد أن يأخذ قسمه من السوق، ثم مرت الأيام وبعد يومين أو ثلاثة وإذا بواحد من زوار المدير أو من زملائه أو من جلسائه في مجلس من المجالس، قال: أما زال فلان عندكم؟ قال: نعم. قال: ما شاء الله، كنت أظنه قد استقال. قال: لماذا وما يدريك به؟

قال: رأيته أمس في السوق، يتبضع الله يوفقنا وإياه. قال: متى رأيته؟

قال: الساعة الحادية عشرة.

قال: أمس الساعة الحادية عشرة كان في الحمام.

ويدعوه المدير في اليوم التالي، ويقول: تعال يا فلان! أين كنت أمس، في الحمام أو في سوق الثلاثاء. قال: والله الذي لا إله إلا هو إني كنت في الحمام.

فماذا تقولون لهذا؟

وإذا أتت الصلاة ذهب ليصلي، فهذا مستهتر بالله كذاب، والكذاب ليس فيه خير، لكن ما عليك إذا خرجت بدون إذن ورجعت إلى المدير ودعاك، وقال: أين كنت؟ قلت: والله كنت في السوق. فيقول: لماذا تخرج بدون إذن، هل العمل فوضى؟! فتقول: لا والله ما هو فوضى، لكن استحيت منك وخفت أن أطلبك فترفض، وإذا رفضت وخرجت بعد الرفض تصير العقوبة عقوبتين، فقلت: سأنزل، فإن رجعت ولم تعلم بخروجي سلامات والحمد لله، وإن كشفتني فالله يعينني على الجزاء، فهذه أبسط والله مليون مرة من أن تقول له: والله الذي لا إله إلا هو إنني ما خرجت، لماذا؟

لأنه باليمين سيصدقك، لكن من داخل قلبه يكذبك، ويقول: فلان صادق ليس له مصلحة في أن يخبرني عنك، وبعدها تسقط من عينيه إلى يوم القيامة .. عرف أنك كذاب، لو تأتي غداً بخبر صادق مائة بالمائة لقال: كذاب؛ لأنه قد جرب عليك كذباً، لا تخاف الله، ولا تحترم أوامر الله عز وجل، قال تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل:105] إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [النحل:105] فالغش مُنافٍ للإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث، والحديث في السنن : (يطبع المؤمن على كل شيء إلا الكذب والخيانة) فيمكن أن يكون جباناً، أو بخيلاً، أو عنده بعض صفات النقص؛ فالكمال لله، لكن يستحيل أن تجد في المؤمن خصلتان هما: الكذب والخيانة، فلا يعقل أن يخونك سواء علمت أو لم تعلم؛ لأن الخيانة مضادة لصفات المؤمنين، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27] وفي الحديث يذكر صلى الله عليه وسلم صفات المنافقين والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم فيقول: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان).

كذلك الوعد: فوعد المؤمن صادق، وإذا أرغم على إخلافه كان ذلك بمبررٍ شرعي وبعذر مقبول، وقبله يستبيحه، أما أن يقول: طيب ولا يأتي، لا. فإنه يسهل عليك ألف مرة أن تقول: لا. قبل الموعد ولا تخلف بعد الموعد، فإنك تستطيع أن لا تلزم نفسك، فتقول لأخيك لا أستطيع يا أخي! أتريدني أن أقول: حسناً ثم أكذب؟ لا. أقول لك: لا. أحسن مما أشغلك وأشغل نفسي. فهذا أحسن لك وأحسن للناس.

ذكر الله عز وجل من علامات المؤمنين، الخوف من الله عند ذكره، فقال عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

هذه مجمل صفات الإيمان وإلا فهي كثيرة جداً جداً، وما عليك -يا أخي- إلا أنك كلما مررت بصفات المؤمنين تقف عندها وتراجع نفسك وتسأل أين أنت من هذه الصفات؟ فإن وجدت أنك معها وأنك تدور في فلكها؛ فاعلم أنك مؤمن ولا يخالطك شك، وكن فقط في حالة من الخوف والرجاء .. خوف أن لا يقبل الله منك، ورجاء أن يقبل الله منك، وإلا فإن الله عز وجل لا يضيع عملك، يقول الله عز وجل: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران:195] ويقول: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة:105].

فلسنا والحمد لله في حاجة إلى أن يعيش الإنسان في أوهام، وإنما عليه أن يثق بعدل الله، ويثق برحمة الله، ويتعرض للأسباب التي توصله إلى هذه العدالة، وهذه الرحمة، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

قال الرجل الشاب وهو جالس معي: وكيف أعرف ذلك من نفسي؟

قلت: سأعطيك أمثلة: هل تصلي صلاة الفجر في المسجد؟

قال: لا.

قلت: لماذا؟

قال: نومي ثقيل والطقس بارد وأنا أسهر لأذاكر مع زملائي.

قلت له: إذن كيف وصفت نفسك بأنك ملتزم؟ كيف عرفت؟

قال: الحمد لله أنا أحب الخير.

قلت: هذه دعوى، فكل واحد يقول: أنا أحب الخير، ولكنها دعوى لا تثبت إلا بدليلها، فدليل حبك للخير هو الانقياد والإذعان لأوامر الله، والذي لا يصلي الفجر في المسجد هذا يعلن عدم إيمانه بالله، لماذا؟ للحديث الصحيح في البخاري ومسلم ، يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر) فهي أثقل من الجبال على المنافق (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) أي: لو يعلمون بعظم الثواب وعظم الدرجة والمنزلة العظيمة التي يتبوؤها صاحب صلاة الفجر. فهذا المنافق الذي يعيش في بيته ويسحب البطانية على رأسه ويستمر في نومه رغم أنه سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، وسمع الصلاة خير من النوم، والله لو كان يعلم معنى الإيمان حقيقةً لقام واستجاب وأتى ولو حبواً على ركبتيه ويديه، لكنه لا يعلم، يعني أن الإيمان عنده فاسد.

(أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولو أن أحدهم يعلم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهد الجماعة) والمرماة هي: الضلع، والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل بما هو في أذهان الناس، فإن في أذهانهم في ذلك الزمان الجوع والفقر، وعدم وجود شيء من الطعام، والضلع الواحد بما عليه من اللحم يشكل أكبر كرامة، ولو يعلم الشخص أن في المسجد ضلعين بلحمتها، (حسنتين) يعني عليها لحمة وشحمة لشهد الجماعة.

واليوم الناس أتخمت بطونهم من اللحوم، ولو علموا أن هناك طعاماً فلن يأتوا، لكن نقول لهم بما يحبون: فلو قيل لكم من يشهد صلاة الفجر في جماعة يأخذ رقماً من البلدية ويأخذ منحة أرضية، والذي يأتي الأول يأخذ الأول، ويأخذ المواقع الجيدة على الشوارع الجيدة، ما رأيكم هل أحد ينام ذاك اليوم؟ بل والله ينامون في المسجد، ويتنازعون على الصف الأول والثاني، وكل واحد ينام في مكانه، وكل ذلك من أجل حب الأراضي والدرهم والدينار الذي دخل في قلوبنا. لكن حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحاول. قال تعالى: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14]، ولذا لا يقوم الإنسان المنافق لصلاة الفجر، ربما يصلي المغرب؛ لأنه آتٍ من التمشية، وربما يصلي الظهر؛ لأنه أدركه في الدوام، وهي فرصة للتخلص من العمل قليلاً، يعني: يمضي وقتاً، لكن العور يظهر في صلاة العصر وصلاة الفجر، ولذا رتب النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة، فقال: (من صلى البردين دخل الجنة) والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، والبردين برد النهار: العصر، وبرد الليل: الفجر، وقد جاء الأمر بهاتين الصلاتين في القرآن على وجه الخصوص، ففي العصر يقول الله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] رغم أن الوسطى من الصلوات لكن التأكيد عليها لوحدها لدليل أهميتها، ويقول في الفجر: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً [الإسراء:78] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي) ومعنى في ذمة الله: أي في عهد الله وأمانته، بمعنى أنك إذا مت في ذلك اليوم وأنت في ذمة الله لا يدخلك الله النار.

كيف يعذبك وأنت في ذمته؟ (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ومن مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله بنور ساطعٍ يوم القيامة).. (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ونعرف هذا في واقعنا الآن، تجد مسجداً في أحد الأحياء يصلون صلاة المغرب ستة صفوف، أو سبعة وفي الفجر يصلون صفاً، ما بالهم؟ قد يقول أحد الناس نوم، نقول: لا. ليس نوماً، ما بالهم في رمضان لا ينامون؟ أفي رمضان ينامون عن السحور؟ والذي ما عنده ساعة ألا يذهب ويشتري ساعة؟ والذي ما عنده منبه تراه طول الليل يتقلب وعينه على الساعة، متى سوف تأتي الساعة الثالثة والنصف ويقوم يتسحر، لماذا؟ يخاف أن يصبح دون طعام، فيصوم بدون سحور، وتعتبر كارثة عند الشخص، إذا طلع عليه النهار ذلك اليوم ولم يتسحر، يقوم كأن الدنيا قد خربت، ما بالك؟ قال: طلع النهار علينا، وما أكلنا، ويذهب إلى الدوام مهموماً، وزوجته مهمومة، وأهله مهمومون، لكن هل يحصل له هذا الشعور إذا قام يوماً من الأيام ولم يصلِ الفجر في الجماعة؟ أبداً. طبيعي، لا يفكر أن يصلي في المسجد جماعة، ولهذا كانت الفجر مقياساً وضابطاً من ضوابط الإيمان.

صلاة العشاء والفجر في جماعة المسلمين في استمرار لا يوفق لها إلا مؤمن، ولا يحرمها ويتكاسل عنها إلا منافق، أعوذ بالله وإياكم من النفاق.

فقلت للأخ الكريم هذا ضابط، قال: عرفت أنني لست بمؤمن ولهذا إن شاء الله من غدٍ، أصلي الفجر؟

قلت: نعم. لكن بقي شيء. إذا نظرت إلى امرأة وهي تسير في الشارع تنظر لها أو تغض بصرك؟ قال: والله أتلفت، قلت: أين الإيمان؟ مسكين أنت ما عرفت الإيمان، أنت تتصور أن الإيمان أشياء ذهنية، وأشكال ظاهرية، ولكن الإيمان يشمل الشكل الظاهري، والمعنى الباطني والذهني والسلوك العملي، الإيمان في تعريف أهل السنة والجماعة هو: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وتطبيق بالجوارح والأركان، هذا هو الإيمان، يزيد بالطاعات، وينقص بالعصيان، كيف تنظر إلى امرأة والله قد قال لك في القرآن في سورة النور قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]؟! إن الذي ينظر إلى النساء كأنه يقول: يا رب! أنا لست منهم، فالذي ينظر في الحرام وفي النساء ويمتع عينه بالحرام كأنه يقول: إنك يا ربِّ أمرت رسولك أن يوجه الأمر للمؤمنين، وأنا لست من المؤمنين.

فالذي يرضى أن يكون من غير المؤمنين؛ ينظر أين يكون إن لم يكن منهم؟ أعوذ بالله وإياكم من النفاق: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] فلا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تسيطر على بصرك إلا قوة الله بفعل إيمانك، تستطيع أن تضحك على الناس، وأن تنظر في بيت شخص وعينك على زوجته في الشباك، فإذا جاءك وقال: لماذا تنظر في عيالي؟ تقول له: وما عيالك؟ قال: أراها في الشباك، وأراك تنظر إليها، فتقول: سبحان الله! أنت نظرتك سيئة -يا أخي- أنا أنظر في نوع الألمنيوم للشباك .. يعجبني هذا المنظر ولهذا سوف أذهب لأعمل مثله، لكن الله يعلم أين تنظر أنت، فتستطيع أن تضحك على الرجل وتقول: إني لا أنظر في بيتك بل أنظر في العمارة أو الشكل الخارجي للمبنى، لكن الله يقول: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] ولذا ورد في بعض الأحاديث في السنن : (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً في قلبه يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) أي: ليس فيها رياء، ربما يدخل الرياء كل شيء إلا هذه المسألة لا يدخلها رياء؛ لأنك تغض بصرك ولا أحد يستطيع أن يضبطك إلا الله.

قلت له: هل تسمع الأغاني؟ قال: نعم. قلت: ما أبقيت من الدين شيئاً، ما هو الالتزام في نظرك؟ قال: وماذا هناك في الأغاني؟

قلت: أما سمعت قول الله عز وجل وهو يصف أهل الإيمان في سورة المؤمنون فيقول: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] أي: قد فازوا ونجحوا وحصلت لهم السعادة في الدنيا والآخرة بفوزهم في الدنيا بالإيمان، وبإنزالهم في الآخرة في الجنان: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:2-3] فالمؤمن يترفع ويتنزه عن هذه القذارات، فالأغاني أوساخ وكلام ساقط، وألحان هابطة، لو فكرت فيه بعقلك وليس بشهوتك -انتبه! إذا فكرت بشهوتك في الأغاني لقمت ترقص، لكن إذا فكرت بعقلك في الكلمات والألحان والبداية والشكل والمضمون- لتقيأت ورفضت هذا الكلام وترفعت عنه، وقلت: هذا كلام لا يصلح، ما خلقني الله لهذا، ثم اسأل نفسك: أتكون هذه الأغاني في ميزان الحق أو في ميزان الباطل يوم القيامة؟!

من يقول: إنها في ميزان الحق؟ كل شخص يقول: إنها في ميزان الباطل، ولما سئل الإمام أحمد عن الأغاني. سألهم وقال: أحق هو؟ قالوا: لا. قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال، ما دام ليس حقاً أين يكون؟ يكون في الضلال، فلماذا تعيش مع الضلال، فلا تسمع الأغاني وكن معرضاً عنها؛ لأن الله يقول: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص:55]

إذا أتى في مجلس وسمعهم يغنون؛ يقول: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وإذا أتى في حفل زواج ورآهم يرقصون؛ يقول: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، إذا أتى في مجلس فيه نميمة يقوم وينكر بالرفض والتحدي لماذا؟ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ [القصص:55].. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3] هذه صفات أهل الإيمان، فكيف تسمع الأغاني وتنظر إلى الحرام، ولا تصلي الفجر في المسجد ومع هذا تقول: إني مؤمن؟ قس نفسك على هذا.

ولو ذهبنا نستقصي الآيات والأحاديث لطال المقام جداً، لكني أتيت بها كمقدمة.




استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
كيف تنال محبة الله؟ 2924 استماع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2920 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2800 استماع
أمن وإيمان 2672 استماع
حال الناس في القبور 2671 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2596 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2568 استماع
النهر الجاري 2472 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2464 استماع
مرحباً شهر الصيام 2394 استماع