الأنبياء والصلاة
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الأنبياء والصلاةالصلاة [1] في الإسلام لها منزلة كبرى لا تعدلها عبادة أخرى، فهي عماد الدين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وفرضها الله تعالى ليلة الإسراء والمعراج، وقد شرعها الله تعالى على جميع الأمم السابقة لشريعة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى بعد أن ذكر جملة من الأنبياء الكرام: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم: 58].
وقد جاء في السنة النبوية المطهرة ما يدل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قبل النبي صلى الله عليه وسلم قد فرض الله تعالى عليهم الصلاة، وأنهم كانوا يصلون في أوقات وقتها الله تعالى لهم؛ كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ، صَلَّى بِيَ الظُّهْرَ حِينَ مَالَتِ الشَّمْسُ قَدْرَ الشِّرَاكِ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِيَ الْفَجْرَ حِينَ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، وَصَلَّى بِيَ الْغَدَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَصَلَّى بِيَ الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِيَ الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِيَ الْعِشَاءَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، وَصَلَّى بِيَ الْغَدَاةَ بَعْدَمَا أَسْفَرَ، ثُمَّ الْتَفَتْ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ»[2].
فالصلاة أهم العبادات، وأول عبادة دعا إليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أقوامهم، بعد توحيد الله تعالى، ولذا جاءت في شرائعهم، وأثنى الله تعالى بها عليهم، وإليكم بعض الأمثلة من صلوات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام:
1- نبي الله شعيب عليه السلام:
دعا قومه إلى التوحيد، ثم أمرهم بترك البخس، والنقص في المكيال والميزان، وكان عليه السلام مصليا، وأنكر قومه عليه صلاته، مع ما يدعوهم إليه من الإيمان، فقال الله تعالى: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ﴾ [هود: 87].
وإسناد "الأمر إلى الصلاة دون غيرها من العبادات؛ لأنه كان كثير الصلاة معروفًا بذلك حتى إنهم كانوا إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا" [3].
فقد دلت الآية الكريمة على أن نبي الله شعيب عليه السلام كان محافظًا على الصلاة، لكن قومه سخروا من صلاته، فهم لا يريدون للصلاة أن تحكم عاداتهم الاجتماعية والاقتصادية.
2- نبي الله داود عليه السلام:
كان عليه السلام كثير الرجوع إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة, ولكثرة استغفاره وعبادته، مدحه الله تعالى، فقال الله تعالى: ﴿ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ﴾ [ص: 24].
فإذا تيقَّن أهل الإسلام أن أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، كانوا على رأس التائبين مع فضلهم ومنزلتهم، فغيرهم في أشد الحاجة إلى التوبة اقتداءً بهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود عليه السلام وحدث عنه، بيَّن فضله واجتهاده في العبادة، فعن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ»[4].
فدل الحديث أن صيام يوم وإفطار يوم هو أفضل الصيام، وأن صلاة ثلث الليل هي أفضل الصلاة بعد المكتوبة، وليس هذ غلوًّا، بل هو من المسابقة إلى الخيرات، والمسارعة في الطاعات لله جل وعلا.
3- نبي الله زكريا عليه السلام:
لم ينقطع عن الدعاء وسؤال الولد، وعن العبادة والتوجه إلى ربه، فجاءته البشرى وهو في محراب صلاته؛ قال الله تعالى: ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ﴾، فخاطبته الملائكة وأسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته[5].
فالمحراب هو "الْمصلى [6]، والمحراب أصله في المسجد، وهو اسم خصَّ به صدر المجلس، فسمِّي صدر البيت محرابًا تشبيهًا بمحراب المسجد" [7].
فمن أسباب استجابة الدعاء التضرع إلى الله عز وجل في حال السجود ونحوه، فإن الله تعالى ذكر استجابته لبعض الأنبياء في صلواتهم، ومنهم نبيه زكريا عليه السلام وهو قائم يصلي في المحراب، وهكذا من يدقِّق النظر في سير الرسل عليهم الصلاة والسلام يلحَظ فيها الثقة في الله تعالى، ويجد فيها أيضا زادًا لمقاومة حالتي اليأس والقنوط.
فمما ينبغي علينا الاقتداء بالرسل عليهم الصلاة والسلام في إيمانهم، وعبادتهم، وسلوكهم؛ لأنهم أعظم الناس إيمانًا ومعرفة بالله تعالى، وأكثرهم تعبدًا لله تعالى، وأشدهم خشية له وتوكلًا عليه.
[1] الصلاة هي: العبادة المخصوصة، أصلها: الدعاء، وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه، والصلاة من العبادات التي لم تنفك شريعة منها، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع؛ [المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني، ص491].
[2] سنن أبي داود: كتاب الصلاة، باب المواقيت، ج1 ص293، رقم ح393، وفي سنن الترمذي: أبواب الصلاة، مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ج1 ص219 رقم ح150؛ (قال الترمذي: حسن).
[3] تفسير المراغي: أحمد بن مصطفى المراغي، ج12، ص72-73، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط1، 1365 هـ - 1946 م.
[4] صحيح البخاري: كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، ج4 ص161، رقم ح3420، وفي صحيح مسلم: كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر، ج2 ص816، رقم ح 1159.
[5] تفسير القرآن العظيم: ابن كثير، ج2 ص31.
[6] الدر المنثور: عبدالرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، ج3 ص527؛ تحقيق: مركز هجر للبحوث، دار هجر - مصر، 1424هـ ، 2003م.
[7] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني: شهاب الدين محمود بن عبدالله الحسيني الألوسي، ج12، ص171، تحقيق: علي عبدالباري عطية، دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1415 هـ.