سلسلة شرح كتاب الفوائد [16]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد:

فنسأل الله عز وجل أن يجعل جمعنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل بيننا شقياً ولا محروماً.

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالب حاجة إلا قضيتها له يا رب العالمين.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين.

اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

هذه -بمشيئة الله عز وجل- هي الحلقة الأخيرة من كتاب الفوائد، فاللهم اجعلها لنا فوائد في الدنيا والآخرة يا أكرم الأكرمين، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

يقول سهل بن عبد الله التستري : ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي.

إن الله عز وجل يحاسب العبد يوم القيامة على أمور أربعة سنذكرها بعد، وهي مضافة إلى السؤال عن العمر والشباب والمال والعلم.

وأول من يسأل يوم القيامة هم الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا [المائدة:109] فمن شدة وطأة وثقل يوم القيامة قالوا: (لا علم لنا) وبعد ذلك يسأل الله تعالى سيدنا عيسى بقوله: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116] فيقول: يا رب! مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:117-118] والمتبادر إلى الذهن أن يقول: إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم سبحانك، ولكن لشدة المقام الواقف فيه سيدنا عيسى لم يناسب ذكر المغفرة.

وكل مجموعة ينادى إمامها بعد الرسل، وكل مجموعة لها قائد، فمجموعة الخير في منطقة كذا في بلد كذا في الفترة الزمانية الفلانية ينادى قائدها، فيقف أمام الله، فيقال له: ماذا صنعتم؟ فيقول: يا رب! صلينا وصمنا وتعلمنا وعملنا كذا وكذا. فيقول: اذهب فبشر أصحابك بالجنة وخذ بأيديهم إلى رضوان الله.

وإذا كان إماماً في الشر يقال له: ما صنعتم؟ فيذكر ما صنعوه، ثم يعود إلى مجموعته فلا يعرفون وجهه من الاكتئاب، فيقول: ألا تعرفونني؟! لقد ذهبت حتى وقفت عند الميزان، فتعالوا إلى النار وبئس القرار.

فعلى الإنسان أن يلتصق بأهل الخير، فكن عالماً أو متعلماً أو أحبهم، فإن لم تفعل فلا تبغضهم.

إن الناس يعيبون على أهل الدين تعقيدهم للأمور، وهذا غير صحيح، فإن المسلم مرح ولطيف وسهل، ولذلك يروى أن أحد تلاميذ الإمام أبي حنيفة رضوان الله عليه استأجر بيتاً، فكان السقف لقِدَمِه يكاد أن يسقط، وكان صاحبه يطلب الأجرة أول الشهر، فيقول له: أعطني الأجرة، فقال له يوماً: يا أخي! أصلح لنا السقف؛ لأن السقف يقرقع، فقال له: إنه لا يقرقع، بل إنه يسبح. فقال له ذلك الفقيه: أخاف أن تدركه الخشية فيسجد.

وكذلك كان سيدنا الحبيب، فقد جاءت إليه امرأة تشكو من زوجها، فقال لها: (زوجك الذي في عينيه بياض) فقالت له: لا، فقال: (ما من بشر إلا وفي عينيه بياض)، فكان يمزح، ولكن لا يقول إلا حقاً صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك أن أحد الصحابة قبل أن يتوب الله عليه كان يحب أن يجلس جلسة النساء، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ماذا تصنع هنا يا أبا عبد الله؟ قال: إن لي حبلاً لأربط به بعيري يا رسول الله).

ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي

فالأب عندما يرى ابنه قد أخطأ يوهمه بأنه لا ينظر إليه، فكان كلما وجده يقول له: (ما صنع البعير يا أبا عبد الله؟)، فكان إذا صلى يصلي في آخر المسجد حتى لا يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذات مرة بين صلاة الظهر والعصر دخل الحبيب المسجد، فوجده يصلي، فأطال الصلاة، فتبسم الرسول وقال: (يا أبا عبد الله! أطل ما تطل) أي: لو أطلت كثيراً فإني سأنتظرك فانظر إلى لطفه وحنانه صلى الله عليه وسلم.

فلما فرغ من صلاته قال له: (يا أبا عبد الله! كيف حال بعيرك؟ فقال: والله ما عندي بعير، وما يشرد لي بعير)، ثم قال: (يا رسول الله! ادع الله لي. فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده على صدره، فقال: اللهم تب عليه واهده).

فهذه حياتهم مع سيدنا مع الحبيب، فاللهم احشرنا في زمرتهم وأرناهم في الجنة يا رب العالمين.

إن العبد عندما يقف عند الميزان يسأل عن أشياء أربعة:

فأول شيء: الأوامر.

وثاني شيء: النواهي.

وثالث شيء: الذكر.

ورابع شيء: الشكر.

فأول ذلك الأوامر، ولأجل تنفيذ ذلك أنصح حال قراءة القرآن بأن يكون مع القارئ دفتر صغير، فكلما قرأ صفحة كتب ما فيها من الأوامر، وفي الصفحة الثانية من الدفتر يكتب النواهي، ثم بعد ذلك فينظر في الأمر الذي نفذه فيعلم عليه بالأخضر، والأمر الذي لم ينفذه فيعلم عليه بالأحمر، وكذلك النهي، وهكذا في كل يوم.

فلو أني كل يوم أقول: في هذا الشهر سأطبق من الأوامر كذا، وبقي علي كذا ودرَّبت نفسي على ما بقي شيئاً فشيئاً، فإني سأجد نفسي بعد ذلك مؤتمراً بأوامر الله منتهياً عن نواهي الله عز وجل.

فالله تعالى سيسألني عن الأوامر، وسيسألني عن النواهي.

كما أنه تعالى سيسألني عن الذكر، والذكر ليس المراد به الذكر اللساني، بل الذكر بجنس ما أنعم الله عليك، كما لو كان هناك رجل له مكانة يستطيع بها أن يخدم الناس ويمشي في مصالحهم، فلو أن هذا الإنسان ترك ذلك وذهب يصلي ليل نهار، فهل تقبل صلاته وهو يستطيع أن يعطي الناس من وقته ومن جهده لقضاء مصالحهم ما هو خير له من الصلاة ومن الذكر؟!

إذاً: ذكر هذا الرجل أن ينجز أعمال الناس بخير.

والعالم ذكره لله أن يعلم الناس العلم، والغني ذكره لله أن يخرج من ماله، وهكذا كل واحد له مفتاح يدخل به على الله عز وجل، فاللهم أدخلنا عليك من جميع الأبواب.

ثم بعد ذلك الشكر، فنحمد الله على كل حال، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يسره قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)، وإذا رأى ما يكرهه. قال: (الحمد لله على كل حال).

فـسهل التستري يقول: ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي؛ لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب الله عليه، وإبليس أمر بأن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه.

فترك الأمر أعظم عند الله جريرة وذنباً من ارتكاب النهي، فعندما يقال للرجل: صل، فلا يصلي، وعندما يقال للمرأة: تحجبي، فلا تتحجب، وعندما يقال: قل خيراً، فلا يقول خيراً، وعندما يقال: تعامل مع الناس بالخير، فلا يتعامل مع الناس إلا بالشر، فذلك تعطيل لأوامر الله عز وجل.

فترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وذلك من وجوه عديدة:

الوجهان الأول والثاني لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي

الأول: ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس، فالله تاب على أحدهما ولم يتب على الآخر؛ لأن هذا ارتكب منهياً وهذا ترك أمراً.

الثاني: أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة.

يعني: أنه محتاج إلى أن يأكل؛ لأن شهوته تدعوه إلى أن يأكل، فهناك دافع يدفعه إلى ارتكاب النهي.

أما الأمر فذنب تركه مصدره في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

ومثال ذلك في شارب الخمر، فهو مرتكب للنهي، والخمر من الكبائر، ولكنَّه يصلي، وفلان لا يصلي ولا يشرب الخمر، ففي رأي ابن القيم يكون شارب الخمر أقرب إلى الله من تارك الصلاة؛ لأن شارب الخمر لم يترب تربية جيدة، ولم يجد تربية إسلامية، ولا بيئة إيمانية، وإنما وجد مجتمعه كله يشرب فشرب، فهناك ما يدفعه لشربها.

فـابن القيم يقول: إن هذا الذي لا ينفذ الأمر عبارة عن إنسان متكبر، والجنة محرمة على المتكبر، فمصدر تركه الأمر في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنا وسرق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: (لا إله إلا الله) دخل الجنة، فقال أبو ذر : يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟! فقال: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق، فقال: وإن زنى وإن سرق، فقال: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر)، فكان أبو ذر في المسجد يذهب ويجيء ويقول: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر ؛ سروراً بذلك؛ لأنه لم يكن يسرق ولا يزني.

فالمذنب مبتلى بضعف العزيمة، فمن الواجب أن نعامله كمريض، والمريض لا ننهره، ولا نضربه، بل لابد من أن نقف بجانبه؛ لأنه مبتلى، والابتلاء في الدين أصعب أنواع الابتلاء، وأصعب من الابتلاء في الدين ابتلاء السلب بعد العطاء، حين يعطي الله تعالى الإنسان حلاوة نوره ثم بعد ذلك يسلبها منه، فيعتاد على درس علم ثم بعد ذلك يسلبه اعتياده.

فعلى العبد أن يداوم على الأعمال حتى وإن قلت، فمن يقول: (سبحان الله) ثلاث مرات في اليوم ويواظب عليها طيلة عمره أحسن ممن يقول ذلك ألف مرة في يوم ثم بعد ذلك يترك، ففي الحديث: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، ولذلك روي أن سيدنا داود قال: يا رب! كم تسع كفة الميزان؟ قال: يا داود! تسع أطباق السماوات والأرض، فقال سيدنا داود: يا رب! ومن أين آتي بحسنات لكي أملأها؟! فقال: يا داود! إذا رضيت عن عبد ملأت له كفة حسناته بشق تمرة يتصدق بها مخلصاً من أجلي.

ولذلك روي عن رجل من بني إسرائيل أنه عبد الله ستين سنة، ثم جاءته إلى صومعته امرأة بغي، فوقع عليها فارتكب الفاحشة، وكان معه رغيفان، فذهب قبل أن يتوب ليغتسل، فوجد مسكيناً، فأعطى المسكين الرغيفين، ثم مات وهو يمد يده بالرغيفين، فوزنت عبادة الستين سنة بالزنية التي ارتكبها فأذهبت عبادة الستين سنة، ثم دخل الجنة بالرغيفين.

فأنت لا تعرف من أين يأتي الخير.

إن الخوف من الله عز وجل يجب أن يتعادل مع الرجاء، ولكن يجب أن يكون الخوف أكثر من الرجاء؛ لأن الرجاء لا يفيد في زمن كثرت فيه الآمال، ولأن نخاف اليوم ونأمن يوم القيامة خير لنا من أن نأمن اليوم ونخاف يوم القيامة، ففي الحديث: (لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، إن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، وإن أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة).

بيان ما يحصل به التطهير من الذنوب بعد الموت

إن مظالم العباد والصلاة التي لم يصلها العبد، والزكاة التي لم يزكها يطهر منها العبد على مرحلتين:

الأولى: في القبر.

فجل عذاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم في القبور، فمن فضل الله أن كثيراً من الذنوب تتطهر عن العصاة في القبر.

الثانية: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشفاعة المؤمنين، فالمسلم قد يجد مسلماً يكاد أن يقع في النار، فيقول: يا رب! شفعني فيه؛ فلقد رآني مرة مظلوماً فنصرني، فيقول الله تعالى: خذ بيد أخيك وادخلا الجنة.

ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من الأخلاء الصالحين، فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة)، كل مؤمن له شفاعة، مثل الرجل أو المرأة التي لها صلة طيبة بالناس، فإنهما إذا مرضا زارهما في المستشفى أناس كثيرون؛ لأن الرجل محبوب، والمرأة حنونة على الكل وحنونة على الأسرة كلها، فالأسرة كلها تحبها.

ففي الحديث: (أكثروا من الأخلاء الصالحين؛ فإن لكل مؤمن شفاعته يوم القيامة)، وأول من يشفع هو الرسول صلى الله عليه وسلم، يشفع لأصحاب الكبائر من أمته، الذين عملوا كبائر ولم يتوبوا، وبعد شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم يشفع العلماء، ثم الشهداء ثم الصالحون، فهذه أربعة أنواع من الشفاعات، وبعد ذلك يقول الله عز وجل: (شفع الأنبياء وشفع حبيبي محمد وشفع العلماء وشفع الشهداء وشفع الصالحون، وبقيت شفاعتي، فيقول: أخرجوا من النار كل من قال: لا إله إلا الله)، فالحمد لله على أننا من أهل (لا إله إلا الله).

فالله عز وجل يعطينا مواسم للعبادة ومواسم للطاعة، من أجل أن الواحد منا يكون عنده أمل في رحمة الله عز وجل، وعنده أمل في فضل الله عز وجل، وأمل في كرم الله عز وجل.

والناس الذين لا تنفع معهم الشفاعة هم الذين قال تعالى عنهم: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18] فلا شفيع ولا صديق ولا أحد، فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [المدثر:48]، فهؤلاء الشفاعة أغلقت من ناحيتهم، كصاحب البدعة، والمصر على المعصية، والمستهزئ بالله عز وجل، والذي كان يفضل مزامير الشيطان على كلام الرحمن، والذي يطبق الإحسان لغير الله ولا يطبق الإحسان لله، حيث يقول له شخص: والله العظيم لقد حصل كذا، فيقول: لا أصدقك، ثم يقول له: علي الطلاق لقد حصل كذا، فيقول: خلاص أنا أصدقك، والعياذ بالله، وكثير من الناس هكذا.

وآخر من يخرج من النار يقضي فيها مدة، ومقدار هذه المدة إلى أن يأذن الله، فيعذب مدة من أجل أن يطهر من الإثم الذي عليه، ثم ينادي ويقول: يا رب! أخرجني من النار، يا رب! أخرجني فقط، لا تجعلني أشقى خلقك، فآخر رجل يخرج من النار رجل طال عذابه فيها يقول: يا رب! أخرجني من النار، فيقول الله عز وجل: عبدي! إن أخرجتك اعترفت لي بذنوبك؟ فيقول: يا رب! أعترف، ولكن أخرجني، فعندما يخرج من النار يقول الله عز وجل له: اعترف بذنوبك، إنك وعدت بأن تعترف، فيقول: يا رب! ليس لي ذنوب، فأنا لم أرتكب ذنباً قط، فيقول الله تعالى: يا عبدي! إن لي عليك بينة، فهناك شهود وحجج وبراهين وأدلة تقول: إنك أذنبت، فينظر عن يمينه فلا يرى أحداً، وينظر عن شماله فلا يرى أحداً، وينظر خلفه وأمامه فلا يرى أحداً، فيقول: (لا أرضى شهيداً على نفسي إلا نفسي)، أي: أنا أشهد على نفسي، لا أحد يشهد علي، قال صلى الله عليه وسلم: (فختم الله على لسانه وتنطق الجوارح بالمحقرات من ذنوبه)، فالجوارح تنطق بالذنوب الصغيرة فقط، ثم يعاد إليه النطق، فيقول: (تباً لكن، فعنكن كنت أناضل) أي: أنا كنت أكذب من أجلكن، (فيقول الله عز وجل: عمداً عمداً عمداً فعلت، أدخلوه الجنة، فيقول: يا رب! لقد ذكرت لي ذنوباً صغيرة)، فإذا كان الأمر هو دخول الجنة فلابد من ذكر كبائر الذنوب، فيقول: (يا رب! إن لي ذنوباً أكبر من ذلك، فيقول: يا عبدي! نحن إذا غفرنا، فقد غفرنا أجئت لتعلم لطيفاً خبيراً)، أي: عندما نحكم ينتهي الأمر، فهذا آخر من يخرج من النار.

والجهنميون الذين قضوا مدة العقوبة وخرجوا من النار لا يدخلون الجنة مباشرة، فلو دخلوها فإن أهل الجنة سينظرون إليهم ويقولون: هؤلاء الذي قضوا في النار مدة طويلة، فالعذاب ظاهر في أشكالهم، بل قال صلى الله عليه وسلم: (فيغمسون في نهر يسمى نهر الحياة، فيخرجون كالأقمار ليلة التمام، يراهم أهل الجنة فيقولون: لقد سبقنا هؤلاء بزمن طويل)، فهؤلاء أصحاب النور سبقونا في دخول الجنة.

إذاً: العبد إذا ارتكب منهياً فالأمر أيسر من تعطيله الأمر، فالجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

الوجه الثالث لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي

الأمر الثالث: أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي؛ لأن أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها وهي أمر، فأحب أمر عند الله هو أن أصلي الصلاة في وقتها، فهذا هو أفضل الأعمال عند الله، وفي الحديث (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، عندما تأتي النهي والله عز وجل قد نهى عنه، فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علق سبحانه المحبة بفعل الأوامر، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصف:4]، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146].

أما في جانب المناهي فأكثر ما جاء هو نفي المحبة، كما قال تعالى: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205]، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:23]، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190]، لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148]، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].

وفي موضع ذكر المنهيات وأخبر تعالى أنه يكرهها ويسخطها، فقال تعالى: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء:38]، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ [محمد:28].

قال: إذا عرف هذا -يعني: العبد- ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات، ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على ذلك مما يجب.

فالله عز وجل قدر على كل شخص حظه من الذنوب، ففي الحديث: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، النظر واليد تزني وزناها اللمس، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه).

فالإنسان له حظ من الذنوب لابد من أن يعملها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم)، يعني: أنت إذا لم تذنب فإن الله عز وجل سيأتي بأناس يذنبون ويستغفرون؛ لأن الله سبحانه وتعالى سوف يغفر لهم، فاللهم اجعلنا من الذين إذا أذنبوا استغفروا يا أرحم الرحمين.

الوجه الرابع لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي

ففعل المأمور مقصود لذاته، وترك المنهي مقصود لتكميل فعل المأمور، فهو منهي عنه؛ لأجل كونه يخل بفعل المأمور أو يضعفه.

ففعل المأمورات من باب حفظ قوة الإيمان وبقائها، وترك المنهيات من باب الحمية عما يشوش قوة الإيمان، فأنا عندما أعمل أمر الله سبحانه وتعالى أحفظ بذلك قوة إيماني؛ لأني أصلي، فربنا سيعطيني قوة، وأزكي وأصوم وأحج وأعتمر وأعمل الخير، فكلما نفذت أمراً من الأوامر أقترب من الله، وإذا لم أبتعد عن المناهي لا أضيع المأمور الذي أمرت به، كشخص يصلي ويكذب، فالكذب يكون ذنباً عليه، والصلاة يأخذ عليها حسنات.

إذاً: عندما ارتكب النهي تحمل الإثم، والثواب مرتبط بفعل الأمر، فهو نفذ الأمر وصلى، ولكن كيف يصلي ويكذب؟ ويصلي ويختلس؟! ويصلي ويرتشي؟! ويصلي وهو يأكل الحرام؟! فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا خير فيها، لا خير في الصلاة إلا أن تكون لها ثمرة، ومن الثمرات أن المرء يكون عنده عزيمة على أن لا يرتكب المنهيات.

الوجه الخامس لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي

إن فعل المأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره ولذته ونعيمه، أما ترك المنهيات بدون ذلك فلا يحصل به شيء من ذلك؛ لأنه لو ترك المرء جميع المنهيات ولم يأت بالإيمان والأعمال المأمور بها؛ لم ينفعه ذلك الترك، مثل الذي لا يصلي ولا يصوم، ولكن يقول: أنا أعامل الناس معاملة حسنة ولا أسرق ولا أغتاب أحداً ولا أنم. فهذا ترك المنهيات، ولكن لم يعمل الأوامر التي هي الصلاة والحج وغيرهما، فهل هذا يقبل منه الإيمان؟! مع أنه ترك كل المنهيات التي نهى عنها الله عز وجل، فلا يفتري على أحد، ولا يكذب على أحد.

وليس معنى هذا أن الأمر نفسه نهي، لا، فالأمر أمر والنهي نهي، فربنا سبحانه وتعالى أمرني بأوامر ونهاني عن مناه، فلابد من أن آتمر بالأمر.

يقول ابن القيم : (لكن فعل الأمر أفضل). فمازال يؤكد أن فعل الأمر أفضل عند الله من ترك النهي.

يقول: فمن فعل المأمورات والمنهيات فهو إما ناج مطلقاً إن غلبت حسناته سيئاته، وإما ناج بعد أن يؤخذ منه الحق ويعاقب على سيئاته، فمآله إلى النجاة، وذلك بفعل المأمور، ومن ترك المأمورات والمنهيات فهو هالك غير ناج.

فهذا هو الكلام المؤكد، يقول: شخص يعمل المأمورات، فالله عز وجل أمره بأوامر فهو يعملها، يصلي ويصوم ويتقي الله، ويغض البصر، وفعل المنهي، حيث كذب وسرق، قال: هذا أمره إلى الله، فإن غلبت حسناته سيئاته نجا؛ إذ إننا في الآخرة ثلاثة أصناف: فمنا من حسناته تغلب السيئات، ومنا من تستوي حسناته وسيئاته، ومنا من تكون سيئاته أكثر من الحسنات، ثم إن من كانت حسناته أكثر من سيئاته فريقان: مقربون وأصحاب يمين، فمن المقربين أبو بكر وعمر وعلي وعثمان .

فإذا كنا نفعل المأمورات ونرتكب المنهيات وغلبت الحسنات السيئات فذلك خير وبركة.

وإذا كانت حسناتنا مثل السيئات كنا من أصحاب الأعراف، وإذا جاءت السيئات أكثر من الحسنات فهناك ننجو بشفاعة، أو يأتي عفو الرحمن.

أما من يترك المأمورات والمنهيات، فلا يصلي ولا يصوم فهو هالك، إذاً: الأساس كله يدور على فعل المأمورات وقد يشكل الهلاك بالشرك، وذلك أمر مجاب عنه، فإن قلنا: إنما هلك بارتكاب المحظور وهو الشرك، قيل: يكفي في الهلاك ترك نفس التوحيد المأمور به.

الذي يشرك بالله هذا ارتكب منهياً، ولكنَّه ترك مأموراً، وهو التوحيد، فالقضية في الشرك ترك المأمور الذي هو توحيد الله عز وجل.

كما أن المدعو إلى الإيمان إذا قال: لا أصدق ولا أكذب، ولا أحب ولا أبغض، ولا أعبده ولا أعبد غيره؛ كان كافراً، كشخص يقول لك: إن هناك قوة في العالم أنت تسميها الله أو تسميها أي شيء، فأنا لا أعبد الله ولا أعبد غير الله، والعياذ بالله، فهذا يكون كافراً بمجرد الترك والإعراض بخلاف ما إذا قال: أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به، وأفعل ما أمرني، ولكن شهوتي وإرادتي وطبعي حاكمة علي لا تدعني أترك ما نهاني عنه، وأنا أعلم أنه قد نهاني وكره لي فعل المنهي، ولكن لا صبر لي عنه، فهذا لا يعد كافراً، ولكنه مؤمن عاص.

فهو يؤمن بأنه يحب الرسول ويعمل المأمورات، ولكن الشهوات تغلبه جداً إلى درجة أنه يأخذ من مال الناس ما لا يحق له، وينظر نظرة محرمة، ويسمع السماع، ويشرب كذا، وكل هذه الأمور الله سبحانه وتعالى سوف يغفرها له إذا شاء، ولكن عندما يترك الأمر فيقول: أنا لا أحب ولا أبغض، ولا أعمل المنهي؛ يكون كافراً والعياذ بالله.

الوجه السادس لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي

يقول: إن الطاعة والمعصية إنما تتعلق بالأمر أصلاً وبالنهي تبعاً، فالمطيع ممتثل مأمور، والعاصي تارك المأمور.

فالله تعالى يقول: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ [التحريم:6]، وقال موسى لأخيه: يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه:92-93] إذاً: هنا عصيان الأمر.

وقال عمرو بن العاص عند موته: أنا الذي أمرتني فعصيت -يخاطب الله سبحانه وتعالى- ولكن لا إله إلا أنت، أي: المهم أنني أموت على التوحيد.

الوجه السابع لكون ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي

يقول: والمقصود من إرسال الرسل طاعة المرسل.

يعني أن المقصود من إرسال الرسل أن نطيع الله سبحانه وتعالى، ولا تحصل طاعته إلا بامتثال أوامره، واجتناب المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه، ولهذا لو اجتنب المرء المناهي ولم يفعل ما أمر به؛ لم يكن مطيعاً وكان عاصياً، بخلاف ما لو أتى بالمأمورات وارتكب المناهي، فإنه -وإن عد عاصياً مذنباً- مطيع بامتثال الأمر عاص بارتكاب النهي.

الأول: ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس، فالله تاب على أحدهما ولم يتب على الآخر؛ لأن هذا ارتكب منهياً وهذا ترك أمراً.

الثاني: أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة.

يعني: أنه محتاج إلى أن يأكل؛ لأن شهوته تدعوه إلى أن يأكل، فهناك دافع يدفعه إلى ارتكاب النهي.

أما الأمر فذنب تركه مصدره في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.

ومثال ذلك في شارب الخمر، فهو مرتكب للنهي، والخمر من الكبائر، ولكنَّه يصلي، وفلان لا يصلي ولا يشرب الخمر، ففي رأي ابن القيم يكون شارب الخمر أقرب إلى الله من تارك الصلاة؛ لأن شارب الخمر لم يترب تربية جيدة، ولم يجد تربية إسلامية، ولا بيئة إيمانية، وإنما وجد مجتمعه كله يشرب فشرب، فهناك ما يدفعه لشربها.

فـابن القيم يقول: إن هذا الذي لا ينفذ الأمر عبارة عن إنسان متكبر، والجنة محرمة على المتكبر، فمصدر تركه الأمر في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنا وسرق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: (لا إله إلا الله) دخل الجنة، فقال أبو ذر : يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟! فقال: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق؟! قال: وإن زنى وإن سرق، فقال: وإن زنى وإن سرق، فقال: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر)، فكان أبو ذر في المسجد يذهب ويجيء ويقول: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي ذر ؛ سروراً بذلك؛ لأنه لم يكن يسرق ولا يزني.

فالمذنب مبتلى بضعف العزيمة، فمن الواجب أن نعامله كمريض، والمريض لا ننهره، ولا نضربه، بل لابد من أن نقف بجانبه؛ لأنه مبتلى، والابتلاء في الدين أصعب أنواع الابتلاء، وأصعب من الابتلاء في الدين ابتلاء السلب بعد العطاء، حين يعطي الله تعالى الإنسان حلاوة نوره ثم بعد ذلك يسلبها منه، فيعتاد على درس علم ثم بعد ذلك يسلبه اعتياده.

فعلى العبد أن يداوم على الأعمال حتى وإن قلت، فمن يقول: (سبحان الله) ثلاث مرات في اليوم ويواظب عليها طيلة عمره أحسن ممن يقول ذلك ألف مرة في يوم ثم بعد ذلك يترك، ففي الحديث: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، ولذلك روي أن سيدنا داود قال: يا رب! كم تسع كفة الميزان؟ قال: يا داود! تسع أطباق السماوات والأرض، فقال سيدنا داود: يا رب! ومن أين آتي بحسنات لكي أملأها؟! فقال: يا داود! إذا رضيت عن عبد ملأت له كفة حسناته بشق تمرة يتصدق بها مخلصاً من أجلي.

ولذلك روي عن رجل من بني إسرائيل أنه عبد الله ستين سنة، ثم جاءته إلى صومعته امرأة بغي، فوقع عليها فارتكب الفاحشة، وكان معه رغيفان، فذهب قبل أن يتوب ليغتسل، فوجد مسكيناً، فأعطى المسكين الرغيفين، ثم مات وهو يمد يده بالرغيفين، فوزنت عبادة الستين سنة بالزنية التي ارتكبها فأذهبت عبادة الستين سنة، ثم دخل الجنة بالرغيفين.

فأنت لا تعرف من أين يأتي الخير.

إن الخوف من الله عز وجل يجب أن يتعادل مع الرجاء، ولكن يجب أن يكون الخوف أكثر من الرجاء؛ لأن الرجاء لا يفيد في زمن كثرت فيه الآمال، ولأن نخاف اليوم ونأمن يوم القيامة خير لنا من أن نأمن اليوم ونخاف يوم القيامة، ففي الحديث: (لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، إن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة، وإن أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة).


استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [7] 2692 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [3] 2204 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [14] 2111 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [9] 1971 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [10] 1903 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [5] 1870 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [8] 1853 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [2] 1736 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [13] 1686 استماع
سلسلة شرح كتاب الفوائد [12] 1661 استماع