سلسلة مقتطفات من السيرة [23]


الحلقة مفرغة

أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

اللهم لا تدع لنا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قطعته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته.

اللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعل هذه الجلسات في ميزان حسناتنا يوم القيامة، اللهم ثقل بمجالس العلم موازيننا يوم القيامة، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم من رب الأرض والسماوات.

روى الإمام الدارقطني وابن حبان في صحيحه أن سويداً الأسدي رضوان الله عليه قال: (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: معه إخوته الستة وهو سابعهم، دخلوا على سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فقال: من القوم؟ قالوا: نحن المؤمنون) يعني يفتخر أنه مسلم، ولا يحرج من الناس أن يقول: والله أنا أحضر درس علم؛ لأن الذين في المكتب يقولون له: نحن عندنا فيديو، ومسرحية في الموضوع الفلاني، وهو كذلك لا يحرج، بل العكس، يجب أن يعتز بإيمانه ويحمد الله على هذه النعمة؛ لأن نعمة الإيمان لا تساويها نعمة، حتى قيل: أيما رجل أو امرأة حفظ كتاب الله، ثم ظن أن أحداً أعطي خيراً منه فقد استقل نعمة الله عليه، لكن المصيبة أن يحفظ العبد القرآن ويتاجر به، ويأخذ القرآن ويجعله وسيلة من وسائل التجارة، والمسلم من الواجب عليه دائماً أن يستغل نعم الله عز وجل في منفعة عباد الله، حتى قالوا: إن الذي يأخذ على القرآن أجراً والعياذ بالله لا ثواب له فيما قرأ.

ثم الكارثة الكبرى في البدعة التي تحدث حول قراءة القرآن، تجد في دور المناسبات العشرات جالسين يكتمون أنفاسهم من رائحة الدخان التي تنبعث من داخل الدار، بل إن المسجد فيه ملائكة تحضر مجالس الذكر، وأشك -والعياذ بالله- أن تكون دور المناسبات فيها الملائكة؛ لما يحدث فيها من المظاهر الكاذبة والسرقات والفوضى، وأتمنى من الذي يكتب لنا تقريراً أن يتقي الله في كتابته، ونحن لا نخاف إلا من الله عز وجل، لكن القضية أن دور المناسبات عبارة عن عنوان للبدع التي سوف يجد الإنسان فيها كلاب النار والعياذ بالله! كما قال صلى الله عليه وسلم: (أهل البدع هم كلاب أهل جهنم).

أهل البدع الذين يخترعون في الإسلام اختراعات ليست في الكتاب ولا في السنة، هؤلاء والعياذ بالله كلاب على أهل جهنم في جهنم، نسأل الله السلامة لنا ولكم.

يقرأ قارئ من الناس القرآن والناس يتكلمون ولا يبالون، القرآن يقرأ وكل شخص يتحدث مع الثاني وكل هذا الإنفاق من مال اليتيم أو الصغار الذين مات أبوهم، يأتي عمهم ويصرف أربعمائة أو خمسمائة جنيه أو ما كثر أو قل على قدر الحاجة، ثم إذا به يطالب اليتامى بمصاريف الجنازة، ويقول: إنني أعطيت صاحب المحل مائة، والمقرئ أخذ أربعمائة، ودار المناسبات أخذت مائتين، وصاحب القهوة أخذ أربعين، والعمال أخذوا إكرامية على الرجل الذي مات! فصار الموت صورة من صور التجارة!

وللأسف الشديد أن المصريين آلوا على أنفسهم أن يدخنوا قبل أن تأتي علامات الساعة الكبرى وإن من علامات الساعة الدخان كما في سورة الدخان، وقد ذكرنا أن علامات الساعة الكبرى ست وهي:

طلوع الشمس من مغربها، ثم ظهور الدابة، ثم ظهور الدخان، وهو دخان يغشى الناس كما في سورة الدخان، قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ [الدخان:10-11] فهو دخان مظلم، ما هذا الدخان يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على رأس المؤمن كالزكمة) أي: كالزكام في الشتاء، وعلى رأس الكافر والفاجر والمنافق قال: (كنيران تغلي) نسأل الله السلامة، يكون به دوخة من صعوبة هذا الجو الصعب، هذا من ضمن علامات الساعة الكبرى، نسأل الله السلامة.

كذلك ظهور المسيخ الدجال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر صحابته منه ويقول: (إن ظهر وأنا بينكم فأنا حجيجه دونكم)، يعني: أنا أكفيكم مشكلته لا تخافوا، (وإن ظهر من بعدي فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مؤمن) يعني: الله عز وجل سيحافظ على المؤمنين الباقين على الإيمان، الذين لا تزلزلهم العواصف ولا القواصف، لأن اعتمادهم على الله عز وجل.

المسيخ الدجال أكثر أتباعه اليهود والمنافقون والنساء، سبعون ألف من يهود أصبهان، والمنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام والعياذ بالله! والنساء لضعف عقولهن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى يعود الرجل إلى بيته فيربط أمه وأخته وزوجته وابنته مخافة أن يخرجن فيتبعن المسيخ الدجال).

أما صفته: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رجل جعد قطط)، أي: رجل طويل شعره جعد (له عين طافية كالعنبة)، أي: له عين بارزة إلى الخارج، شكلها مثل العنبة (المؤمن يقرأ على جبهته كافر)، يعني المؤمن ينظر إلى صورته فيقرأ على جبهة: كافر، قال: (يقرأ المؤمن عليه فواتح سورة الكهف)، أربع آيات من أول الكهف.

ولذلك مما ينبغي للمسلم ليلة الجمعة ويوم الجمعة أن يقرأ سورة الكهف، فعندما تقرأ فواتح سورة الكهف لن يسلط عليك بإذن الله، فهو معه قوة سحرية وإمكانيات يستطيع أن يؤثر بها في الناس! ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن السماء لا تنزل مطراً لأنه لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، حيث يتقاتل الناس فلا يدري القاتل لم قتل، ولا المقتول فيم قتل، يسأل القاتل: لم قتلته يا أخي؟ قال: لا أعلم، ويسأل المقتول: لم قتلت يا فلان؟

كذلك تظهر الفاحشة وترتكب علناً في الطريق والعياذ بالله يعني: مقدماتها ظاهرة.

إذاً: المسيخ الدجال لا ينزل المطر من السماء في وقته، والأرض لا تخرج النبات، إذاً: لا يوجد أمن غذائي، وهذه أكبر فتنة يتعرض المسلمون لها، فتنة صعبة، فينظر الدجال إلى السماء فيقول لها: يا سماء! أمطري، فتمطر، ويا أرض أنبتي! فتنبت الأرض زرعاً، ويقول: إن معي جنة وناراً، من آمن بي أدخلته الجنة، ومن كفر بي أدخلته النار، وجنته نار، وناره جنة، فجاء الرجل الأعرابي ودخل على سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فسمعه يذكر الدجال ، قال: لابد أن أكلمه، فمنعه سيدنا عمر وقال له: اسكت، إن الرسول حزين على المسلمين الذين بعثهم في سرية وغدر بهم المشركون وقتلوهم، فيقول الأعرابي: لابد أن أكلمه ولن أتركه حتى يضحك، فدخل على سيدنا الحبيب، وقال: (سمعتك تقول: إن المسيخ الدجال يأتي ولا طعام في الأرض، أفأدعي أنني قد آمنت به فأضرب في ثريده بيدي حتى تمتلئ بطني ثم أكفر به مرة أخرى؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: بل يطعمك الله بما يطعم به عباده المؤمنين) أي: لا تخف إن الله سيغنيك من فضله، قال: إن الله يطعم المؤمنين يومئذ بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يلهمونه كما يلهمون النفس، يقول: سبحان الله ويشبع، الحمد الله ويشبع، فيستغني عن المسيخ ؛ لأنه مع الله رب العالمين.

فيظل المسيخ يعيث فساداً في الأرض، فينتشر في بقاع الأرض، إلا أماكن ثلاثة فهو ممنوع من دخولها، وهي مكة والمدينة، وبيت المقدس، ويقف على حدود المدينة، فيخرج إليه المنافقون منها؛ لأنه يوجد منافقون في المدينة، وهناك منافقون في مكة، فهؤلاء يخرجون إليه ويسمعون له، فتنفي المدينة خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد.

وبعضهم يقول لك: أرض السعودية المقدسة، والأرض المقدسة إنما هي مكة والمدينة وبيت المقدس، ولها حدود وضحتها الكتب، وأنت داخل على مكة تعرف أن هذا بداية أرض الحرم التي لا يجب أن نقتل صيدها، ولا أن نقطع حشيشها، أي: النبات الذي فيها، ولا أن نغلو فيها، والسيئة فيها مضاعفة، والحسنة فيها مضاعفة.

يمكث المسيخ الدجال في الأرض أربعين يوماً، والناس يكونون في شدة الكرب حتى ينزل المسيح ابن مريم عليه السلام عند المنارة الشرقية شرقي دمشق، ثم بعد ذلك يعرفه الناس، فيدخل على المسلمين في المسجد، فتقام الصلاة ويقدمه إمام المسلمين للصلاة فيقول: كلا، إنما جئت تابعاً لمحمد، فيصلي سيدنا عيسى مأموماً خلف إمام المسلمين.

ثم يتتبع المسيخ الدجال حتى قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم : (يلقاه على باب لد) واللد: هذه مدينة في فلسطين، فعندما يراه المسيخ الدجال يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله هناك.

ثم يظهر يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، وينهد السد الذي عمله ذو القرنين، ينساحون بعد ذلك في الأرض، ويشربون بحيرة طبرية، -وهي في فلسطين، ماؤها عذب- وينشرون الفساد في الأرض، فعندئذ يدعو المسلمون وراء سيدنا عيسى، فالله عز وجل يقول لعيسى: يا عيسى! حرز بعبادي جانب الطور، وكل عباد الله يذهبون ناحية جبل الطور في صحراء سيناء، عندئذ يدعو عيسى ومن معه على هؤلاء القوم الذين هم يأجوج ومأجوج، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون كلهم أمواتاً، فعندئذ يملأ نتنهم الأرض؛ لأنهم آلاف مؤلفة وأعداد كبيرة لا يعلم عددها إلا الله، تأتي طيور لها أعناق كأعناق البخت -أي الإبل- فتأخذ الجثث وتلقيها في البحر، ثم تمطر السماء مطراً تغسل الأرض من نتنهم، ثم تهب ريح تقتل المؤمنين من تحت آباطهم، فلا يبقى على الأرض إلا شرار الخلق عليهم تقوم الساعة.

هذه هي علامات الساعة الكبرى، وفي الحقيقة عندما أتدبر الموضوع أجد أنه لم تبق علامة من علامات الساعة الصغرى إلا وقد ظهرت؛ لأن من علامات الساعة الصغرى وآخرها في الفتن والملاحم، أن ينحسر نهر الفرات عن كنز من ذهب، أو جبل من ذهب، فيتقاتل الناس عليه يموت من كل مائة تسعة وتسعون، حتى يقول كل واحد منهم: لعلي أنا الذي أنجو، لا يدري القاتل لم قتل، ولا المقتول لم قتل، ثم لا يجدون شيئاً، يعني: بعدما يتقاتلون لن يكسب أحد شيئاً؛ لأن المنطقة قد نهبت وأخذها الأوربيون والأمريكان.

نسأل الله أن يعصمنا، وأن يعيد إلينا أبناءنا سالمين غانمين، وأن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وإن أراد بعباده فتنة فليقبضنا إليه معافين غير فاتنين ولا مفتونين، ولا مغيرين ولا مبدلين، ولا ضالين ولا مضلين، إن ربنا على ما يشاء قدير.

فسيدنا سويد الأسدي قال : (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من القوم؟ قلنا: المؤمنون فقال: لكل شيء حقيقة وفي -رواية أخرى- لكل حق حقيقة فما هي حقيقة إيمانكم قالوا: خمس عشرة خصلة، خمس آمنا بها، وخمس عملنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية إن شئت أبقيناها وإن شئت تركناها)، انظر إلى الأدب عند هؤلاء!

والمعنى: إن وجدتها صواباً أبقيناها، واليوم بعض الناس يقول لك: أنا أصلي، لكن الغيبة لا أستطيع أن أتركها، خذ الإسلام كله، إن الإسلام كله دستور عمل، قولوا: سمعنا وأطعنا، لا تأخذ الشيء الذي تهواه وتترك الشيء الآخر، يقول لك: أنا أريد أن أعرف حقوق الزوج على زوجته، فنقول: كذلك اسأل ما هي واجبات الزوج نحو زوجته؟! ما هي حقوق المرأة؟! لماذا تسأل فقط في الذي يهمك؟!

يقول لك: كلمنا عن بر الآباء، ولماذا لا أكلمك أيضاً عن بر الأبناء؟! ابنك لابد أن يبرك، لكن كذلك أنت لابد أن تبره أيضاً، لا تكن عاقاً له، عندما تمنعه عن المسجد فهذا عقوق، وعندما تزوجه بالمرأة التي تريدها أنت وهي ليست محجبة فهذا عقوق، فعندما تزوجه اتق الله عز وجل وحافظ على بيته، لا تزوجه بامرأة سفيهة اللسان أو عاصية لزوجها، أنت مسلم يجب أن تعوض السعادة في أبنائك ما لم تحققها أنت في نفسك.

قال: (ما هي هذه الخمسة التي آمنتم بها؟) والحديث ضعفه بعض علماء الحديث، ولكن تقوى بآثار أخرى، وذكره الإمام أحمد في المسند ووصل إلى درجة الصحة، قال: (أما الخمسة التي آمنا بها يا رسول الله فنحن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)، كل هذه غيب، الله عز وجل بالنسبة لبعض الناس غيب، لكن بالنسبة للمؤمن ليس بغيب.

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

الله لا يغيب أبداً عن المؤمن، بالعكس أنت ترى آثاره في كل وقت وحين، وترى آثار رحمته، انظر إلى آثار رحمة ربك، سترى رحمة الله موجودة في كل شيء، عندما يشفي المريض وعندما يغني الفقير، وعندما يحل المشكلة، وعندما يسهل العسير، وعندما يهدي العاصي، وعندما يتوب على المسلم، كل هذه من آثار رحمة الله عز وجل.

عندما تنام وتصحو كل يوم هي آية من آيات الله، بل إنها من أكبر الآيات، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42] يعني: هذا النوم صورة من صور الموت، وقال الحبيب: (النوم أخو الموت).

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب نائمة في الدنيا بائسة في الآخرة، رب طاعمة في الدنيا جائعة في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه.. جاء الموت بما فيه.. جاء الموت بما فيه..).

تخيل أن شخصاً يسمع الرسول يقول هكذا كل ليلة هل يصحو أو لا؟ يوقظ النساء، ثم يذهب إلى سيدنا علي ، وحبيبته فاطمة فيقول: يا علي ! يا فاطمة ! ألا تصليان؟ فسيدنا علي يقول: يا رسول الله! إن أرواحنا بيد الله، إن شاء أيقظها وإن شاء أمسكها، فيخرج الرسول من عندهما وهو يضرب كفاً في كف ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)، أتجادل يا علي ؟! قم ويكفي!

لكنه كان حبيبه وكان يدلعه ويقول له: يا أبا تراب ! ولذلك قيل: إن جماعة كانوا جالسين فكان أحدهم من سلالة الوليد بن المغيرة الذي قيل فيه: لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31] قال: أنا ابن العظيم في القريتين، والآخر جالس عند أبي جعفر المنصور الذي هو أمير المؤمنين، فقال: وأنا ابن أمير المؤمنين، وآخر رجل مسكين ليس له فخر فقال: وأنا ابن من أمر الله الملائكة أن تسجد له، من الذي غلب؟! انظروا إلى هؤلاء الناس كيف كانوا يفكرون!

فسيدنا سويد الأسدي قال له: أين أول علامة من علامات الإيمان بالله؟ قال: إننا نشهد لله عز وجل في كل وقت وحين، الصغير والكبير! ثم بعد ذلك قال: وكذلك نؤمن بالملائكة، والإيمان بالملائكة غيب، لكن عندما تقرأ في القرآن أن الله خلق الملائكة وجعلهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، إذاً: هل هذا غيب أم شهادة؟ صار الغيب شهادة؛ لأننا نصدق ما جاء في كتاب الله، يعني: الذي يقوله عز وجل يكون حقاً وحقيقة.

نؤمن بالرسل ولا نفرق بين أحد منهم، لا تقل: فلان لا يعجبني، فلست أنت الذي تختار ما يعجبك، أنت لا تفرق بين أحد من رسل الله، ثم بعد ذلك الإيمان بالكتب المنزلة، وهي: التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وهكذا.

كذلك نؤمن باليوم الآخر إيماناً عملياً، فإنك لو سألت شخصاً: هل هناك يوم آخر أم لا؟ سيجيب: نعم، فتقول: وهل تجهزت له؟ هل جهزت نفسك؟ يقول لك: لا، الشخص بقدر استطاعته، وليس هذا فحسب، إننا نريدك أن تكون مثل التلميذ المستعد للامتحان، فعندما يأتي إليك ملك الموت تكون جاهزاً للقاء الله!

فهذه هي الخمسة التي آمنتم بها، فما هي الخمسة التي عملتم بها؟ (قالوا: نحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً).

فسيدنا سويد الأسدي قال : (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من القوم؟ قلنا: المؤمنون فقال: لكل شيء حقيقة وفي -رواية أخرى- لكل حق حقيقة فما هي حقيقة إيمانكم قالوا: خمس عشرة خصلة، خمس آمنا بها، وخمس عملنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية إن شئت أبقيناها وإن شئت تركناها)، انظر إلى الأدب عند هؤلاء!

والمعنى: إن وجدتها صواباً أبقيناها، واليوم بعض الناس يقول لك: أنا أصلي، لكن الغيبة لا أستطيع أن أتركها، خذ الإسلام كله، إن الإسلام كله دستور عمل، قولوا: سمعنا وأطعنا، لا تأخذ الشيء الذي تهواه وتترك الشيء الآخر، يقول لك: أنا أريد أن أعرف حقوق الزوج على زوجته، فنقول: كذلك اسأل ما هي واجبات الزوج نحو زوجته؟! ما هي حقوق المرأة؟! لماذا تسأل فقط في الذي يهمك؟!

يقول لك: كلمنا عن بر الآباء، ولماذا لا أكلمك أيضاً عن بر الأبناء؟! ابنك لابد أن يبرك، لكن كذلك أنت لابد أن تبره أيضاً، لا تكن عاقاً له، عندما تمنعه عن المسجد فهذا عقوق، وعندما تزوجه بالمرأة التي تريدها أنت وهي ليست محجبة فهذا عقوق، فعندما تزوجه اتق الله عز وجل وحافظ على بيته، لا تزوجه بامرأة سفيهة اللسان أو عاصية لزوجها، أنت مسلم يجب أن تعوض السعادة في أبنائك ما لم تحققها أنت في نفسك.

قال: (ما هي هذه الخمسة التي آمنتم بها؟) والحديث ضعفه بعض علماء الحديث، ولكن تقوى بآثار أخرى، وذكره الإمام أحمد في المسند ووصل إلى درجة الصحة، قال: (أما الخمسة التي آمنا بها يا رسول الله فنحن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)، كل هذه غيب، الله عز وجل بالنسبة لبعض الناس غيب، لكن بالنسبة للمؤمن ليس بغيب.

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد

الله لا يغيب أبداً عن المؤمن، بالعكس أنت ترى آثاره في كل وقت وحين، وترى آثار رحمته، انظر إلى آثار رحمة ربك، سترى رحمة الله موجودة في كل شيء، عندما يشفي المريض وعندما يغني الفقير، وعندما يحل المشكلة، وعندما يسهل العسير، وعندما يهدي العاصي، وعندما يتوب على المسلم، كل هذه من آثار رحمة الله عز وجل.

عندما تنام وتصحو كل يوم هي آية من آيات الله، بل إنها من أكبر الآيات، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42] يعني: هذا النوم صورة من صور الموت، وقال الحبيب: (النوم أخو الموت).

بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب نائمة في الدنيا بائسة في الآخرة، رب طاعمة في الدنيا جائعة في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه.. جاء الموت بما فيه.. جاء الموت بما فيه..).

تخيل أن شخصاً يسمع الرسول يقول هكذا كل ليلة هل يصحو أو لا؟ يوقظ النساء، ثم يذهب إلى سيدنا علي ، وحبيبته فاطمة فيقول: يا علي ! يا فاطمة ! ألا تصليان؟ فسيدنا علي يقول: يا رسول الله! إن أرواحنا بيد الله، إن شاء أيقظها وإن شاء أمسكها، فيخرج الرسول من عندهما وهو يضرب كفاً في كف ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)، أتجادل يا علي ؟! قم ويكفي!

لكنه كان حبيبه وكان يدلعه ويقول له: يا أبا تراب ! ولذلك قيل: إن جماعة كانوا جالسين فكان أحدهم من سلالة الوليد بن المغيرة الذي قيل فيه: لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف:31] قال: أنا ابن العظيم في القريتين، والآخر جالس عند أبي جعفر المنصور الذي هو أمير المؤمنين، فقال: وأنا ابن أمير المؤمنين، وآخر رجل مسكين ليس له فخر فقال: وأنا ابن من أمر الله الملائكة أن تسجد له، من الذي غلب؟! انظروا إلى هؤلاء الناس كيف كانوا يفكرون!

فسيدنا سويد الأسدي قال له: أين أول علامة من علامات الإيمان بالله؟ قال: إننا نشهد لله عز وجل في كل وقت وحين، الصغير والكبير! ثم بعد ذلك قال: وكذلك نؤمن بالملائكة، والإيمان بالملائكة غيب، لكن عندما تقرأ في القرآن أن الله خلق الملائكة وجعلهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، إذاً: هل هذا غيب أم شهادة؟ صار الغيب شهادة؛ لأننا نصدق ما جاء في كتاب الله، يعني: الذي يقوله عز وجل يكون حقاً وحقيقة.

نؤمن بالرسل ولا نفرق بين أحد منهم، لا تقل: فلان لا يعجبني، فلست أنت الذي تختار ما يعجبك، أنت لا تفرق بين أحد من رسل الله، ثم بعد ذلك الإيمان بالكتب المنزلة، وهي: التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وهكذا.

كذلك نؤمن باليوم الآخر إيماناً عملياً، فإنك لو سألت شخصاً: هل هناك يوم آخر أم لا؟ سيجيب: نعم، فتقول: وهل تجهزت له؟ هل جهزت نفسك؟ يقول لك: لا، الشخص بقدر استطاعته، وليس هذا فحسب، إننا نريدك أن تكون مثل التلميذ المستعد للامتحان، فعندما يأتي إليك ملك الموت تكون جاهزاً للقاء الله!

فهذه هي الخمسة التي آمنتم بها، فما هي الخمسة التي عملتم بها؟ (قالوا: نحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً).

الصبر عند البلاء

ما هي الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ قالوا: (الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والثبات عند اللقاء، وترك شماتة الأعداء، والتوكل على رب الأرض والسماء) ما أحسن هذا الكلام!

فسيدنا الحبيب أعجب بها، فانظروا إلى كلامه الجميل: قال: (حكماء وعلماء من فقههم كادوا أن يكونوا أنبياء).

لنأت إلى الخمسة التي أتوا بها، (أولاً: الصبر عند البلاء):

فعلام يكون الصبر؟ على ضد راحة النفس؛ الصبر على ألم، على مرض، على مضايقة شخص، على ضنك معيشة، على بلاء، على مشاكل مسلمين، فهذا كله يجب أن يستكمل الإنسان الإيمان بالصبر!

الشكر عند الرخاء

ثانياً: (والشكر عند الرخاء).

بالنسبة للصبر عند البلاء هذه سهلة، أتعرفون ما الأصعب منها؟ الشكر عند الرخاء؛ لأن الناس عندما يوسع الله عز وجل عليهم حالهم كما قال الله: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء:83].

سيدنا أيوب عليه السلام مكث مبتلى ثماني عشرة سنة لا يتحرك، إنك إن ابتليت تقول: ما هذا؟! ألم ينفع الطب؟ احضروا لي دكتوراً، أعطوني دواء، إنني قد ضقت من رقدة السرير، يا رجل! خفف قليلاً، إن هذا من الذنوب التي عليك، فهي تمحى بصبرك على المرض، فإبليس دخل على أيوب وقال: يا أيوب! لو كنت نبي الله حقاً لدعوت الله أن يفرج عنك ما أنت فيه، ألست نبياً؟ قال: يا إبليس! إنني في نعمة لو علمتها لحسدتني عليها، قال: وأين هذه النعمة؟ شخص مشلول لا يتحرك والحشرات تدب عليه، ولا يستطيع أن يذبها عنه؛ لأن الشلل وصل إلى يديه أيضاً.

فقال: أنا في نعمة الرضا عن الله، قال لي: يا أيوب! ارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس، فأنا راض بما قسم الله لي، يا إبليس! عشت سبعين سنة صحيح البدن، وأستحي أن أطلب من الله الشفاء بعد ثمانية عشر عاماً من المرض أمام سبعين عاماً من الصحة.

وامرأته ذهبت تحضر الدواء فتأخرت عليه، فحلف بالله أن يضربها مائة جلدة، وهو لا يستطيع أن يتحرك، لكن نفسية المريض مثل الطفل، يريد من كل أحد أن يداريه، ونسأل الله أن يصبر كل إنسان مريض، ولأن هذا المريض يحتاج إلى رعاية ومتابعة وصبر، وانشراح صدر.

والمسلم عندما يموت وهو مريض خير من أن يموت وهو صحيح؛ لأنك عندما تموت وأنت مريض تموت وأنت ذليل لله، تقول: يا رب! اشفني، فيستجيب الله لك الدعاء بأن يشفيك من مرض الدنيا كله ويأخذك إلى رحمته، وأنت لو تعرف الحقيقة لرأيت أن ما عند الله خير مما عندك في الدنيا، وأولادك لهم رب لا يغفل عنهم ولا ينام.

فعندما تأخرت زوجته نزل سيدنا جبريل، وقال له: اضرب برجلك في الأرض، قال له: وهل أستطيع أن أتحرك، قال له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42]، فضرب برجله فخرج نبع من الماء، قال له: هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42]، اشرب واغتسل، فأخذ من الماء الذي نبع تحت رجله، فشرب واغتسل فرجع أيوب مثلما كان، فدخلت امرأته تقول له: يا أخانا! ألم تر أيوب زوجي؟! يقول لها: أنا أيوب، تقول: من أيوب؟ يقول لها: أيوب الذي كان مريضاً.

تعالي أنا حلفت أن أضربك مائة جلدة، لماذا تأخرت؟ فهذه المرأة الصابرة أكرمها الله عز وجل وقال: يا أيوب! خذ عثكولاً من عثاكيل النخل فيه مائة شمراخ واضربها به ضربة واحدة: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44].

الثبات عند اللقاء

ثالثاً: (ونثبت عند اللقاء):

أي: عندما تكون هناك حرب لا نولي الأدبار، ولكن نثبت؛ ولذلك سيدنا عبد الله بن أم مكتوم الذي نزلت فيه: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1] أتى في القادسية وقال لسيدنا سعد : أريد أن أقاتل معكم، قال: ليس على الأعمى حرج، إن الله وضع عنك الجهاد، إنك لست مكلفاً بالقتال! فقال: أريد أن أقاتل فأرزق الشهادة في سبيل الله ثم قال: أنا أمسك راية الجيش وأنا كفيف لا أرى، إن غلبتم فإنني لن أتحرك، طالما يرى المسلمون الراية مرفوعة يقاتلون بإذن الله فرفع الراية يوم القادسية ورزقه الله الشهادة، ومن أخذ الله منه نعمة العينين لا يجد له جزاء يوم القيامة إلا أن يبيح له وجهه الكريم ينظر إليه بكرة وعشياً!

يعني: الشخص الذي يأخذ الله عز وجل منه الحبيبتين يكافئه الله، والله عز وجل سمى العينين حبيبتين يقول في الحديث القدسي: (ما أخذت من عبدي الحبيبتين إلا ولم أجد له جزاء في الجنة إلا أن أبيح له وجهي، ينظر فيه بكرة وعشياً).

(وعينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله) فالذي غض بصره عن محارم الله، فإن الله عز وجل يمنع النار من الوصول إلى عينيه فغضوا أبصاركم عن عورات الناس، يغض الناس أبصارهم عن عوراتكم، ومن غض بصره كشف الله بصيرته، وأعطاه نوراً في البصيرة.

كان بشار بن برد كفيفاً، فقال له رجل: أتعرف بيت أبي حنيفة ؟ قال له: نعم، قال: صفه لي، قال: اسلك ثلاث منحنيات، وهو في المنحنى الرابع، البيت الثاني على الشمال، بشار يصف للذي يرى بعينيه، فقال له: ربما أتوه، تعال لتقودني، الذي يرى بعينيه يقول لـبشار الكفيف: تعال دلني وأنا أمشي وراءك، فـبشار يمشي وهو ماسك بيد الرجل، ويقول:

أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم قد ضل من كانت العميان تهديه

فضحك بشار وقال:

ومن جعل الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، يثبت عند اللقاء؛ ولذا يقول علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق -يعني: كانت المعركة شديدة- نحتمي بظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان كل الصحابة يختبئون وراء النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان الصحابة يتعلمون الرماية، وكان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً) أي: تعلموا الرمي من أجل أن تكونوا متعلمين فنون القتال.

ترك شماتة الأعداء

رابعاً: (وترك شماتة الأعداء):

والشماتة: أن تستريح أنت بمن شمت فيه، يعني: أن تشمت في شخص أنه حصل له مكروه، هذه هي الشماتة.

فلا تعير بالذنب على أخيك فيعافيه ثم يبتليك، والعياذ بالله رب العالمين!

وصحابة رسول الله كانوا صابرين عند البلاء، وشاكرين عند الرخاء، وثابتين عند اللقاء، وسابقين عند لقاء الأعداء، ومتوكلين على رب الأرض والسماء.

ما هي الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ قالوا: (الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والثبات عند اللقاء، وترك شماتة الأعداء، والتوكل على رب الأرض والسماء) ما أحسن هذا الكلام!

فسيدنا الحبيب أعجب بها، فانظروا إلى كلامه الجميل: قال: (حكماء وعلماء من فقههم كادوا أن يكونوا أنبياء).

لنأت إلى الخمسة التي أتوا بها، (أولاً: الصبر عند البلاء):

فعلام يكون الصبر؟ على ضد راحة النفس؛ الصبر على ألم، على مرض، على مضايقة شخص، على ضنك معيشة، على بلاء، على مشاكل مسلمين، فهذا كله يجب أن يستكمل الإنسان الإيمان بالصبر!

ثانياً: (والشكر عند الرخاء).

بالنسبة للصبر عند البلاء هذه سهلة، أتعرفون ما الأصعب منها؟ الشكر عند الرخاء؛ لأن الناس عندما يوسع الله عز وجل عليهم حالهم كما قال الله: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء:83].

سيدنا أيوب عليه السلام مكث مبتلى ثماني عشرة سنة لا يتحرك، إنك إن ابتليت تقول: ما هذا؟! ألم ينفع الطب؟ احضروا لي دكتوراً، أعطوني دواء، إنني قد ضقت من رقدة السرير، يا رجل! خفف قليلاً، إن هذا من الذنوب التي عليك، فهي تمحى بصبرك على المرض، فإبليس دخل على أيوب وقال: يا أيوب! لو كنت نبي الله حقاً لدعوت الله أن يفرج عنك ما أنت فيه، ألست نبياً؟ قال: يا إبليس! إنني في نعمة لو علمتها لحسدتني عليها، قال: وأين هذه النعمة؟ شخص مشلول لا يتحرك والحشرات تدب عليه، ولا يستطيع أن يذبها عنه؛ لأن الشلل وصل إلى يديه أيضاً.

فقال: أنا في نعمة الرضا عن الله، قال لي: يا أيوب! ارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس، فأنا راض بما قسم الله لي، يا إبليس! عشت سبعين سنة صحيح البدن، وأستحي أن أطلب من الله الشفاء بعد ثمانية عشر عاماً من المرض أمام سبعين عاماً من الصحة.

وامرأته ذهبت تحضر الدواء فتأخرت عليه، فحلف بالله أن يضربها مائة جلدة، وهو لا يستطيع أن يتحرك، لكن نفسية المريض مثل الطفل، يريد من كل أحد أن يداريه، ونسأل الله أن يصبر كل إنسان مريض، ولأن هذا المريض يحتاج إلى رعاية ومتابعة وصبر، وانشراح صدر.

والمسلم عندما يموت وهو مريض خير من أن يموت وهو صحيح؛ لأنك عندما تموت وأنت مريض تموت وأنت ذليل لله، تقول: يا رب! اشفني، فيستجيب الله لك الدعاء بأن يشفيك من مرض الدنيا كله ويأخذك إلى رحمته، وأنت لو تعرف الحقيقة لرأيت أن ما عند الله خير مما عندك في الدنيا، وأولادك لهم رب لا يغفل عنهم ولا ينام.

فعندما تأخرت زوجته نزل سيدنا جبريل، وقال له: اضرب برجلك في الأرض، قال له: وهل أستطيع أن أتحرك، قال له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص:42]، فضرب برجله فخرج نبع من الماء، قال له: هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ [ص:42]، اشرب واغتسل، فأخذ من الماء الذي نبع تحت رجله، فشرب واغتسل فرجع أيوب مثلما كان، فدخلت امرأته تقول له: يا أخانا! ألم تر أيوب زوجي؟! يقول لها: أنا أيوب، تقول: من أيوب؟ يقول لها: أيوب الذي كان مريضاً.

تعالي أنا حلفت أن أضربك مائة جلدة، لماذا تأخرت؟ فهذه المرأة الصابرة أكرمها الله عز وجل وقال: يا أيوب! خذ عثكولاً من عثاكيل النخل فيه مائة شمراخ واضربها به ضربة واحدة: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44].

ثالثاً: (ونثبت عند اللقاء):

أي: عندما تكون هناك حرب لا نولي الأدبار، ولكن نثبت؛ ولذلك سيدنا عبد الله بن أم مكتوم الذي نزلت فيه: عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1] أتى في القادسية وقال لسيدنا سعد : أريد أن أقاتل معكم، قال: ليس على الأعمى حرج، إن الله وضع عنك الجهاد، إنك لست مكلفاً بالقتال! فقال: أريد أن أقاتل فأرزق الشهادة في سبيل الله ثم قال: أنا أمسك راية الجيش وأنا كفيف لا أرى، إن غلبتم فإنني لن أتحرك، طالما يرى المسلمون الراية مرفوعة يقاتلون بإذن الله فرفع الراية يوم القادسية ورزقه الله الشهادة، ومن أخذ الله منه نعمة العينين لا يجد له جزاء يوم القيامة إلا أن يبيح له وجهه الكريم ينظر إليه بكرة وعشياً!

يعني: الشخص الذي يأخذ الله عز وجل منه الحبيبتين يكافئه الله، والله عز وجل سمى العينين حبيبتين يقول في الحديث القدسي: (ما أخذت من عبدي الحبيبتين إلا ولم أجد له جزاء في الجنة إلا أن أبيح له وجهي، ينظر فيه بكرة وعشياً).

(وعينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله) فالذي غض بصره عن محارم الله، فإن الله عز وجل يمنع النار من الوصول إلى عينيه فغضوا أبصاركم عن عورات الناس، يغض الناس أبصارهم عن عوراتكم، ومن غض بصره كشف الله بصيرته، وأعطاه نوراً في البصيرة.

كان بشار بن برد كفيفاً، فقال له رجل: أتعرف بيت أبي حنيفة ؟ قال له: نعم، قال: صفه لي، قال: اسلك ثلاث منحنيات، وهو في المنحنى الرابع، البيت الثاني على الشمال، بشار يصف للذي يرى بعينيه، فقال له: ربما أتوه، تعال لتقودني، الذي يرى بعينيه يقول لـبشار الكفيف: تعال دلني وأنا أمشي وراءك، فـبشار يمشي وهو ماسك بيد الرجل، ويقول:

أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم قد ضل من كانت العميان تهديه

فضحك بشار وقال:

ومن جعل الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، يثبت عند اللقاء؛ ولذا يقول علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق -يعني: كانت المعركة شديدة- نحتمي بظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان كل الصحابة يختبئون وراء النبي صلى الله عليه وسلم.

وكان الصحابة يتعلمون الرماية، وكان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً) أي: تعلموا الرمي من أجل أن تكونوا متعلمين فنون القتال.