خطب ومحاضرات
سلسلة مقتطفات من السيرة [25]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده.
وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه هي الحلقة الخامسة والعشرون من حلقاتنا في السيرة النبوية العطرة، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات.
وهذا هو الدرس الأخير في شهر شعبان، وهكذا الدنيا تمضي.
وهذه الحلقة الخامسة والعشرون لعلها تكون مسك الختام في مسألة الصلاة، وندعو الله عز وجل أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم فك الكرب عن المكروبين، وسد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين.
اللهم فك عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف كروبنا، واشرح صدورنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً في طريقنا إلا أبعدته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته يا أكرم الأكرمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ما ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً إلا وبينه وشرحه لأمته وحضهم عليه، وما ترك شراً يحيط بالأمة إلا وضحه وبينه وحذر المسلمين منه، فكان يقول فيما يقول صلى الله عليه وسلم: (من زهد في الدنيا أحبه الله، ومن زهد فيما في أيدي الناس أحبه الناس).
آخر منتهى الآمال في الحياة أن يحبك الله وأن يحبك الناس، وهذه غاية لا يكون الوصول إليها بسهولة، فكيف أبقى محموداً عند الله وعند الناس؟
يجب أن تعرف أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين رضوان الله عليهم جميعاً كانوا زاهدين في الدنيا، لأنه كما يقول العلماء: اشتغالك فيما هو مضمون لك -الذي هو الرزق- وتقصيرك عما هو مطلوب منك -الذي هو العمل- دليل على انطماس البصيرة فيك.
أي: أن تعمل ليل نهار للشيء المضمون، وتنام ليل نهار عن الشيء المطلوب، هذا دليل على أنك مطموس البصيرة والعياذ بالله، لكن مضاء البصيرة مشتغل فيما هو مطلوب منه، ومتوكل بما هو مضمون له.
يقول سيدنا عيسى عليه السلام: يا ابن آدم! إن كان الغد من أجلك فسوف يأتيك فيه رزق -يعني: إن كان غداً من أجلك فرزقك مضمون- وإن كان الغد ليس من أجلك فلا تشغلن نفسك برزق غيرك، فإن من رزقك سوف يرزقهم.
وتجد أغلب الناس اليوم يعمل صباح مساء قائلاً: أؤمن أولادي، والصواب: أن الذي يريد أن يؤمن مستقبل أولاده، فليؤمنهم بالتقوى، وبالرصيد الإيماني، وبأن يربيهم على طاعة الله، فعندما يموت لا يأكل الأولاد حراماً، وأنا أضمن مائة في المائة أنه ما دام الأولاد لم يأكلوا حراماً فإن ربهم سوف يبارك لهم ويرزقهم.
فإن قلت: الولد لا يصلي؛ فالسبب أنك تؤكله حراماً، أو قلت: الولد يعصيني؛ فهذا لأنك عققت أباك قبل هذا، وإن كان الولد يشتم أمه؛ فلأنك شتمت أمك قبل هذا، وأمه -التي هي امرأتك- كانت تتأفف من أمها قبل هذا.
وهكذا، فكما تدين تدان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان)، هذا كلام الحبيب عليه الصلاة والسلام.
يعني: الذي سوف تزرعه سيأتيك ولو بعد أربعين أو خمسين أو سبعين سنة، فالذي عملته في أبيك وأمك سوف يعمل فيك، والذي عملته من خير في الناس، فأنت عندما تكبر سيعمل فيك نفس الخير، وعندما تقوم للرجل الكبير السن من مجلسك، وتهدئ السيارة من أجل الرجل العجوز أن يمشي، فسيقيض الله لك من يصنع معك هذا وأكثر؛ لأن البر عند الله لا يبلى، فأنت قدم لنفسك خيراً فقط، وستجازى عليه عاجلاً أو آجلاً، فقبل أن تدخل في حفرة مظلمة وحيداً، نورها الآن بأعمال الخير، وستنير لك هناك إن شاء الله. اللهم أنر لنا مستقبلنا في القبر وعلى الصراط يا رب العالمين.
وما معنى: أن ينور الله لنا قبرنا؟
يجب أن تعلم أنه من رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل جلَّ عذاب أمته في القبر، يعني: مجموعة من ذنوبك تتخلص منها وأنت في القبر، وهذا من كرم الله لنا، أي: أن نخرج من القبور ونكون قد تخلصنا من 95% من الذي علينا، ويفضل قليل، والخمسة في المائة هذه عبارة عن حقوق عباد، وربنا يغري الذي ظلمته فيقول له: أتريد حقك منه؟ يقول: نعم، أريد حقي، فما هو حقك؟ فيقول: هذا باع لي شيئاً وغشني فيه، بكم جنيه؟ فيقول: بألف جنيه مثلاً، فكم سيأخذ من ثوابك مقابل الألف جنيه؟ ننظر: الألف جنيه هذه فيها مليون مليم، إذا قسمناها على اثنين سيكون الناتج نصف مليون، يقول العلماء في تفسير الحديث: (من أخذ من حق أخيه دانقاً)، الدانق: هو مليمان، فسيأخذ صاحب الحق مقابل الاثنين ثواب سبعمائة صلاة مكتوبة مفروضة مقبولة، وسوف يبقى نصف مليون، ستكون بثلاثمائة وخمسين مليوناً، وأنت لم تصل الصلاة هذه كلها، وصلاتك نفسها مشكوك في أمرها، إلا ما كان صلاة الجماعة، قيل لـأبي موسى : يا أبا موسى الأشعري ! ماذا تحب؟ قال: أحب صلاة الجماعة، أضمن ثوابها وأكفى سهوها. يعني: حتى إن سهوت فيها فهي مقبولة، فصلاة الإمام تجبر صلاة المأمومين كلهم، وإذا كانت صلاة الإمام والمأمومين كلها سواء لا قيمة لها رغم هذا يفخر بنا ربنا أمام الملائكة، رغم أن قلوبنا هواء، فيقول: (يا ملائكتي! أرأيتم عبادي وقد اصطفوا يصلون من أجلي، ويسبحون كما تفعلون، أشهدكم أني قبلت صلاتهم وغفرت ذنوبهم، ورضيت عنهم)، وهذا من فضل صلاة الجماعة.
لكن لو صليت لوحدي، فالأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لابن آدم من صلاته إلا ما عقل منها)، أي: لا يؤجر إلا على ما وعى منها، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].
كيفية الخشوع في الصلاة
إذاً: فلما أقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] أفكر في الحمد، ومعناه: أني أثني عليه سبحانه لكونه رب العالمين كلهم.
ثم أمجده فأقرأ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، وكلمة (الرحمن) أعم وأشمل من (الرحيم)؛ ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة)؛ لأن في الدنيا يرحم ربنا المؤمن والكافر، يرحم الكافر بأن يسهل له أن يعمل خيراً، ينتفع به الناس ويجازيه عليه في الدنيا، فتراه في تقدم وحضارة، وربح، وهواء نظيف، وكل هذا من أجل أن يموت وقد أخذ حقه كاملاً، وليس له في الآخرة إلا النار.
أما المسلم فيجازى على عمل الخير دنيا وآخرة، لكن ربنا يسلب الدنيا عن المؤمن أحياناً، كما يمنع أهل المريض بعض أنواع الطعام عن مريضهم؛ لمصلحته وعافيته، ولله المثل الأعلى، فهو كذلك يمنع المال أحياناً عن المؤمن من أجل ألا يطغى، وأنت لا تدري بحالك عند حيازته، ولذلك سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه كان لا يملك شيئاً، فكان يقعد للرسول في الباب ليل نهار، ويسمع من الرسول ويأخذ منه ويتعلم، وليس معنى هذا أنه انقطع للعبادة، لكن نحن دائماً نضحك على أنفسنا، فنقول: ساعة لربك وساعة لقلبك، ثم اكتشفنا أننا نضحك بهذه الكلمة أيضاً على أرواحنا، فلا توجد لا ساعة ولا دقيقة لربك.
وهذه الخمس الصلوات التي في اليوم كم تأخذ منك؟ أطول صلاة تأخذ منك عشر دقائق، أو ربع ساعة ولو جعلناها ربع ساعة، وقرأنا فيها: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، لقال أناس: هذا تطويل، والرجل يطول على المصلين، هناك رجل أول مرة يصلي التراويح في رمضان، فقرأ الإمام قوله تعالى: (مداهمتان) فاغتاظ الرجل وقال: وأيضاً مداهمتان مش مداهمة واحدة؟
والثاني قرأ: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ولما قالوا: آمين، قرأ: (طه)، وكبر وركع، سبحان الله! ما هذه العجلة العجيبة؟! مع أن أكثر صلاة تصليها تأخذ منك عشر دقائق، ولو جمعت الصلوات كلها فإنها لا تستغرق ساعة واحدة، وبقيت معك ثلاث وعشرون ساعة أين تذهب؟! فينبغي الإخلاص في العبادة، لا في الأكل والشرب ونحوهما من متاع الدنيا، بل المسلم إذا أراد أن يحبه الله يزهد في الدنيا كما كان صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
الاستغناء عما سوى الله
والمسلم لا يستغني أبداً عن الله، فيستغني عن أي شيء لكن لا يترك الصلاة، ولا يترك قيام الليل، ولا الأخلاق الحميدة.
إذاً: فالمسلم في الدنيا يزهد مما في أيدي الناس، وما دام أنه زهد بالذي عند الناس، فإنهم سيحبونه، لكن لو طلب منهم ما في أيديهم فإنه سيثقل عليهم، والناس لا يريدون النظر إلى خلقته، فأول ما ينظر إليه يكشر، والأغنياء يوم القيامة مالهم سوف يصفح صفائح من نار، وتكوى بها ثلاثة أماكن: الجباه والجُنوب والظهور، قال تعالى: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة:35].
فالغني أول ما يأتيه يكشر في وجهه ويعطيه جنبه ثم ظهره، لكن لو جاء إليه المحافظ: أهلاً يا سعادة الباشا، ولا يعطيه جنبه، ولا ظهره، فالله تعالى عاقبه في هذه الثلاثة الأماكن، في الجبهة التي كانت تنقبض في وجه الفقير، وكذا الجنب الذي كنت تعطيه الفقير كذلك، ثم الظهر الذي أعطيته المسكين.
إذاً: فالمسلم لا يتكبر على أحد، ثم هو في الدنيا غريب، سابح ضد التيار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاء هذا الدين غريباً وسوف يمضي كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء الذين يستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).
اللهم اجعلنا من أهل الغربة يا أرحم الراحمين، وانصرنا على من عادانا، وقو عقيدتنا، وألهمنا صوابنا، وتوفنا على الإسلام، يا أكرم الأكرمين.
فعند أن أقرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، أتأمل معناها، وأنها تعني: الحمد لك يا رب! وقلنا: هو رب العالمين، لا رب المسلمين فحسب أو رب النصارى، أو اليهود، أو الأمريكان فقط، فحينها يتقي رب العالمين، وكل ما سوى الله عالم، فهو إذاً رب الملكوت كله.
إذاً: فلما أقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] أفكر في الحمد، ومعناه: أني أثني عليه سبحانه لكونه رب العالمين كلهم.
ثم أمجده فأقرأ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، وكلمة (الرحمن) أعم وأشمل من (الرحيم)؛ ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة)؛ لأن في الدنيا يرحم ربنا المؤمن والكافر، يرحم الكافر بأن يسهل له أن يعمل خيراً، ينتفع به الناس ويجازيه عليه في الدنيا، فتراه في تقدم وحضارة، وربح، وهواء نظيف، وكل هذا من أجل أن يموت وقد أخذ حقه كاملاً، وليس له في الآخرة إلا النار.
أما المسلم فيجازى على عمل الخير دنيا وآخرة، لكن ربنا يسلب الدنيا عن المؤمن أحياناً، كما يمنع أهل المريض بعض أنواع الطعام عن مريضهم؛ لمصلحته وعافيته، ولله المثل الأعلى، فهو كذلك يمنع المال أحياناً عن المؤمن من أجل ألا يطغى، وأنت لا تدري بحالك عند حيازته، ولذلك سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه كان لا يملك شيئاً، فكان يقعد للرسول في الباب ليل نهار، ويسمع من الرسول ويأخذ منه ويتعلم، وليس معنى هذا أنه انقطع للعبادة، لكن نحن دائماً نضحك على أنفسنا، فنقول: ساعة لربك وساعة لقلبك، ثم اكتشفنا أننا نضحك بهذه الكلمة أيضاً على أرواحنا، فلا توجد لا ساعة ولا دقيقة لربك.
وهذه الخمس الصلوات التي في اليوم كم تأخذ منك؟ أطول صلاة تأخذ منك عشر دقائق، أو ربع ساعة ولو جعلناها ربع ساعة، وقرأنا فيها: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، لقال أناس: هذا تطويل، والرجل يطول على المصلين، هناك رجل أول مرة يصلي التراويح في رمضان، فقرأ الإمام قوله تعالى: (مداهمتان) فاغتاظ الرجل وقال: وأيضاً مداهمتان مش مداهمة واحدة؟
والثاني قرأ: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ولما قالوا: آمين، قرأ: (طه)، وكبر وركع، سبحان الله! ما هذه العجلة العجيبة؟! مع أن أكثر صلاة تصليها تأخذ منك عشر دقائق، ولو جمعت الصلوات كلها فإنها لا تستغرق ساعة واحدة، وبقيت معك ثلاث وعشرون ساعة أين تذهب؟! فينبغي الإخلاص في العبادة، لا في الأكل والشرب ونحوهما من متاع الدنيا، بل المسلم إذا أراد أن يحبه الله يزهد في الدنيا كما كان صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وإن أردت أن يحبك الناس فازهد بما في أيديهم، يقول سيدنا علي : أنفق على من شئت تكن أميره، واستغن عن من شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
والمسلم لا يستغني أبداً عن الله، فيستغني عن أي شيء لكن لا يترك الصلاة، ولا يترك قيام الليل، ولا الأخلاق الحميدة.
إذاً: فالمسلم في الدنيا يزهد مما في أيدي الناس، وما دام أنه زهد بالذي عند الناس، فإنهم سيحبونه، لكن لو طلب منهم ما في أيديهم فإنه سيثقل عليهم، والناس لا يريدون النظر إلى خلقته، فأول ما ينظر إليه يكشر، والأغنياء يوم القيامة مالهم سوف يصفح صفائح من نار، وتكوى بها ثلاثة أماكن: الجباه والجُنوب والظهور، قال تعالى: فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التوبة:35].
فالغني أول ما يأتيه يكشر في وجهه ويعطيه جنبه ثم ظهره، لكن لو جاء إليه المحافظ: أهلاً يا سعادة الباشا، ولا يعطيه جنبه، ولا ظهره، فالله تعالى عاقبه في هذه الثلاثة الأماكن، في الجبهة التي كانت تنقبض في وجه الفقير، وكذا الجنب الذي كنت تعطيه الفقير كذلك، ثم الظهر الذي أعطيته المسكين.
إذاً: فالمسلم لا يتكبر على أحد، ثم هو في الدنيا غريب، سابح ضد التيار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاء هذا الدين غريباً وسوف يمضي كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء الذين يستمسكون بسنتي عند فساد أمتي).
اللهم اجعلنا من أهل الغربة يا أرحم الراحمين، وانصرنا على من عادانا، وقو عقيدتنا، وألهمنا صوابنا، وتوفنا على الإسلام، يا أكرم الأكرمين.
أهمية التعود على الخطابة
نأخذ أولاً أحكام الجمعة، لأنه أحياناً يفاجأ المسجد بأن الإمام غائب، فافرض أنك دخلت مسجداً وإمامه لما يأت بعد، والمؤذن لا يحسن الخطابة، فيقوم أحد الإخوة ويأتي بكلمتين يذكر الناس، وطبعاً كل القاعدين بعد الخطبة سيكونون نقاداً من الدرجة الأولى، وهذا موضوع سهل.
وفي البلاد خطيب الجمعة لما يأت بعد، فبحثوا في البلد عمن يخطب الجمعة فلم يجدوا، مع أن الشيخ المأذون لابس عمامة، وعليه هيبة العلماء، ومن باب الشيء بالشيء يذكر، بينما الشيخ عبد العزيز البشري رحمة الله عليه يمشي في شارع فؤاد، وهو من علماء الأزهر وأبوه كان من هيئة كبار العلماء، وهو لابس لبس العلماء، وكان عليه سمت ووقار، وكان فلاح يمشي فقال: سيدنا الشيخ، قال: نعم، قال له: اقرأ لي هذا الجواب، الشيخ عبد العزيز لقي الجواب عبارة عن طلاسم لم يفهمها، فقال له: خذ يا بني! ما أستطيع قراءته، فالفلاح غضب منه، وقال: لابس عمامة، وعليه سمت العلماء! وغضب، فقال له الشيخ: خذ العمامة واقرأها أنت، أي: إذا كانت المسألة باللبس، فخذ العمامة واقرأها أنت، إذا كانت العمامة هي التي تقرأ.
فأصحاب البلد قالوا: من يخطب الجمعة؟ هلا أخبرتم الشيخ أو المأذون ليبحث عن خطيب، فيكون الناس في ورطة بسبب غيابه، إذاً: فالحل إن فرضنا أن الإمام يأت أن يقوم واحد من المصلين فيخطب، وليست هناك مشكلة.
ويقال: إن هناك خطيباً قام ليخطب، وهو غير متعود، فذهب ما في رأسه من آية أو حديث، حتى الآية التي يقرؤها عند الزواج، فقال: وقفت ورجلاي ليستا قادرتين على حملي، قال: ثم فتح الله علي والحمد لله، فقلت: الشهادتين، ثم أما بعد، وقلت: سيأتيني الكلام بعدها فلم يأت، فقلت: ثم ثاني مرة اسمعوا، قال: ومددت الصوت فيها قليلاً، فقال له رجل من آخر الجامع: يا مولانا! أنت الله يفتح عليك قلت: اسمعوا أول مرة وسمعنا، ثم قلت: اسمعوا ثانية وسمعنا، ثم قلت: اسمعوا الثالثة، فانتظرنا ماذا ستقول الآن؟ قال الخطيب: ثم أخذوني وأنزلوني.
وفي مكان آخر وللأسف الشديد، رفض الحاضرون أن يقف أحدهم ليخطب؛ فصلوا الجمعة ظهراً، فيأثم الحاضرون جميعهم؛ لأنهم صلوا أربع ركعات، ولا يوجد هناك خطيب، فقام أحدهم يصلي بهم ظهراً.
أركان الخطبة
أركان خطبة الجمعة: الحمد، والشهادتان، وأما بعد، وخطبتان بينهما استراحة، وفيهما ما يحض على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو كلمة: اتقوا الله، أو: احذروا النار، أو: ارجوا الجنة، أو: اعملوا خيراً، أو يخلص نفسه ويقرأ سورة (ق) لو كان حافظاً، ويقول: أما بعد، فيقرأ سورة (ق)، ثم يقول: وأقم الصلاة، وصلاتهم صحيحة وخطبتهم صحيحة تماماً، فهذه أركان خطبة الجمعة.
عبد الملك بن مروان بينما هو قاعد، وكان فقيهاً في اللغة، قال ذات يوم لأصحابه: ليصعد أحدكم ليخطب لنا الجمعة، وكان الحكام قديماً هم الذين يصلون بالناس؛ لأنهم كانوا أبلغ الناس وأعلمهم، فصعد الرجل وأمير المؤمنين ينظر إليه، فارتبك وقال: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض في ستة أشهر، فقال أمير المؤمنين: ويحك! في ستة أيام، قال: احمد الله يا أمير المؤمنين! أني لم أقل لكم: في ست سنوات؛ لأن الموقف رهيب.
إذاً: فينبغي للمسلم ألا يهتز ولا يرتبك، وهؤلاء الحاضرون كلهم إخوانه، لكن حقيقة أن الذي يصعد للخطابة يكون كل أحد مركزاً عليه، ناظراً إليه، هذا من ناحية اللغة، والآخر من ناحية الحديث، والثالث من ناحية شكله، والرابع من ناحية كلامه، وهكذا، لكن نحن لو تعاملنا بالود، فالمسألة بسيطة، لو صعد الرجل فقال ما فتح الله عليه، فجزاه الله خيراً، وكثر خيره، وقد أنقذ الله الموقف به، حتى لا يأثم الكل بترك الجمعة.
آداب الجمعة وفضلها
ويوم الجمعة هو أفضل الأيام عند الله، وفيه ساعة ما وافقها عبد مسلم بالدعاء إلا استجاب الله له، ولا أحد يعرف وقتها بالضبط، وهناك من يقول: هي بعد صلاة الصبح قبل الشمس تطلع، وقيل: ما بين جلستي الإمام على المنبر، وقيل: ما بين صعود الإمام لغاية نزوله، وقيل: ما بين اصفرار الشمس بعد العصر لغاية الغروب، المهم: أن من فجر الجمعة إلى مغرب الجمعة يوم مبارك عند الله سبحانه وتعالى.
وسمي يوم الجمعة لأن الناس يتجمعون فيه، وكان قبل الإسلام يسمى يوم العروبة، وسموه بعد بيوم الجمعة.
ويوم الجمعة هذا يعوضنا عنه ربنا في الآخرة، فاللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب، اللهم أدخلنا الجنة بدون حساب أو عذاب، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين.
يوم الجمعة تصل للمسلمين في القبور بطاقات دعوة، والرسول سماها بطاقة دعوة، يعني: (بطاقة) لغة عربية، ففي الحديث: (بطاقة دعوة، مكتوب عليها كلمات أربع).
الأغنياء الآن يكتبون الدعوات التي للزواج على بطاقة من فضة، فربنا في الجنة يبعث لك بطاقة فيها: (أربع كلمات: عبدي اشتقت إليك فزرني)، والذي أتى بها ليس مأمور الضرائب، وإنما تأتي بها الملائكة، ووراء الملائكة الخدم وأطفالنا الذين ماتوا وهم صغار، يا فرحة من مات له ولد، وصبر عليه، فالأولاد أمام الجنة يأبون الدخول إلا مع آبائهم وأمهاتهم، فيكرم الله الذي مات له طفل وصبر، فيقول: (ماذا صنع عبدي؟) ويقول ربنا للملائكة: (أخذتم فلذة كبد عبدي) فيسمى الولد فلذة كبد، ثم قال سبحانه: (أقبضتم ولد عبدي؟ يقولوا: نعم يا رب، يقول: وماذا صنع؟ يقولون: لقد حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي في الجنة قصراً وسموه قصر الحمد، وألحقوا به أبناءه).
اللهم اجعلنا منهم يا رب، واجعلنا من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، آمين يا رب العالمين.
إذاً: فيقول الله: (عبدي اشتقت إليك فزرني)، والأطفال هؤلاء وصفهم كما قال الله: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا [الإنسان:19]، وفي الجنة أيضاً الحور العين، والملائكة، والغلمان، ومخلوقات لا يعلمها إلا الله، وقصور ونور وأشجار وطيور وخير كثير، وفي الحديث: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
ويوم الجمعة تعد لك النجائب، يعني: عندما يكون الرجل مسئولاً في الدنيا تجهز له السيارات، بعضها عن يمينه وأخرى عن شماله، وأمامه وخلفه، إلى أن يصل إلى مقصوده، ثم يفتح له الباب، والحرس حوله، وكل هذا في الدنيا.
أما في الآخرة فالملائكة هي التي توسع لك الطريق، وتهيئ لك المكان، والأشجار تسلم على المؤمن فتقول: السلام عليك ولي الله، السلام عليك يا حبيب الله!
فسبحان من جعل الشجر يوسع لك وكنت في الدنيا لا يوسع لك أحد، وقلنا قبل هذا: إن الكلاب إذا رأت غنياً حركت أذنابها، وإن رأت فقيراً كشرت أنيابها، فالمؤمن يوسع له الشجر في الجنة والملائكة ترحب به، وتجتمع في سوق لا يباع فيه ولا يشترى، وكل الذي تريده تجده، أما في الدنيا فإن أردت أن تأكل أو تشرب أو تلبس فقد تجد وقد لا تجد، لكن في الجنة لك ما تشاء.
الاغتسال والتبكير
أولاً: الاغتسال.
ثانياً: التبكير له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة)، والمراد بالساعة الأولى: وقت الضحى، أي: الساعة السابعة؛ لأن الساعة الأولى تبدأ من بعد أن تنشر الشمس أشعتها، وهذا الأول كأنما قدم بدنة، أي: كأنما ضحى في سبيل الله بناقة كبيرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن راح في الساعة الثانية) إلى أن بلغ الساعة الأخيرة، وهي التي قبل صعود الإمام بنصف ساعة، أو بساعة، وهذه الساعة ما تجد أحداً فيها في المسجد، بل هناك من يقول: الإمام ينزل من على المنبر الساعة الثانية عشرة فنحن نحضر الساعة الثانية عشرة ونصف إلا ثلاث دقائق، يعني: من أجل أن يضبط مجيئه على الصلاة، مع أنه لا جمعة له؛ لأن خطبة الجمعة تعدل ركعتين، ومن جاء في الساعة الأخيرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكأنما قدم بيضة).
وأول ما يقول الإمام: السلام عليكم تغلق الملائكة الصحف، ولا تكتب أحداً ممن دخل بعد، فإن جاء يوم القيامة وقال: أنا كنت أحضر الجمعة، فيقال له: أنت كنت تأتي بعد أن يرتقي الإمام المنبر.
إذاً: فالمسلم يبكر ليوم الجمعة، يلبس أفضل الثياب، وإن رزقه ربنا طيباً يتطيب به، والمساجد يجوز أن تبخر يوم الجمعة، حتى تكون رائحتها طيبة، ولا ينبغي أن تبقى لابساً للشراب من ثلاثة أيام ثم تأتي يوم الجمعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا)، وهل البصل حرام؟ لا، ليس حراماً، ولكن من أجل الريحة المنبعثة من آكله، ولو أكل بصلاً فينبغي له أن يصلي خارج المسجد، أو في آخر صف، أو لا يدخل الجامع أصلاً؛ لئلا يؤذي الناس.
ولذلك يقول الفقهاء: من كان عنده انفلونزا فلا يصلي صلاة الجماعة في المسجد؛ حتى لا يعدي أحداً، فقد وضعت عنه صلاة الجماعة، فيقعد في البيت؛ من أجل ألا يعدي غيره، إذاً: فالمسلم ينبغي عليه أن يراعي هذه المسائل.
وإذا تأخر أحد عن الجمعة فلا يؤذي إخوانه بمزاحمتهم؛ ليفسحوا له، فيتخطى رقابهم ويؤذيهم، واحد من الصحابة جاء متأخراً والرسول على المنبر يخطب، وعلاوة على هذا يريد الصف الأول، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آنيت وآذيت)، أي: جئت متأخراً وتؤذي الناس.
وفي الحديث: (من فرق بين مسلمين يوم الجمعة فرق الله شمله يوم القيامة، ومن تخطى الرقاب يوم الجمعة تخطى الله به جسراً إلى جهنم)، (من سد فرجة في الصف سد الله عنه باباً من أبواب جهنم) فهذه بعض آداب الجمعة.
كثير من المسلمين للأسف يبقى في يده سبحة وأنا ما أدري من أول من اخترع السبحة، والسبحة ليست من الإسلام في شيء، وأنت عندما تسبح بيدك فالجوارح كلها تشهد لك يوم القيامة، أما السبحة فلن تشهد، والرسول صلى الله عليه وسلم سبح بيديه، والصحابة سبحوا بأيديهم ونحن لم نطلب منك أكثر من ثلاثة وثلاثين، وليس حسابها صعباً؟ لكن عندما تحسب مائة ألف جنيه تحسبها بدقة وسرعة فائقة، وكذا عندما تحسب ميراث أبيك، فتقول: لي ثلاثة فدانات وأربعة عشر قيراطاً وستة أسهم، والسهم كذا متراً، والقيراط مائة وخمسة وسبعون متراً، والمتر...، وهكذا يحسبها بالدقة، لكن في التسبيح يصير الأمر صعباً، فسبح بيديك.
الإنصات وعدم اللغو
ولو دخل جارك والإمام يخطب فقعد بجوارك وقال: السلام عليكم، فهل ترد عليه أم لا؟ لا ترد، ولا حتى بالإشارة، وبعد الصلاة خذ صاحبك وعلمه آداب الجمعة، وحذره من إضاعته لها؛ وقل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (من قال لجاره والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له).
حكم السفر يوم الجمعة
فما دام أنه ليست هناك ضرورة فليس هناك داع للسفر، والضرورة مثل صلة رحم، أو أداء زكاة، ونحو ذلك، أما غيره فلا داعي للسفر يوم الجمعة، وإذا أردت أن تسافر فسافر مبكراً؛ من أجل أن يأتي وقت ظهر الجمعة قد وصلت للمكان الذي أردته.
ومن ترك ثلاث جمع اسود قلبه.
وقالوا: كل المخلوقات تبقى خائفة يوم الجمعة ما عدا الإنس والجن؛ لأن كل المخلوقات تتوقع أن القيامة تقوم يوم الجمعة، فكل المخلوقات خائفة، أما الذين سيحاسبون من الإنس والجن فلا يخافون! وكانت الريح إذا هبت يوم الجمعة أكثر الرسول صلى الله عليه وسلم من الخروج والدخول، يخشى أن تكون بوادر الساعة.
قراءة القرآن يوم الجمعة
فيلسوف يقول: يا شيخ! ليس كل من في الجامع يستطيع أن يقرأ القرآن، ولا الجامع فيه مصاحف تكفي المصلين كلهم.
ويقال له: أما المصاحف فكل واحد من المصلين يأتي بمصحف صغير معه، أما النقطة الثانية: فمن لا يستطيع القراءة فيقرأ ويكرر الفاتحة والإخلاص والمعوذتين، وإن لم يحفظها فيسبح ويذكر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهل ليوم الجمعة أذان واحد أم اثنان؟
كان بلال يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاناً واحداً، أول ما سيدنا الحبيب عليه الصلاة والسلام يرتقي المنبر.
حكم البيع بعد أذان الجمعة
وهناك مساجد تكون فيها زحمة، وفيها أناس يبيعون الجرائد خارج المسجد، فمن أجل أن يجد المصلي له مكاناً يشتري جريدة ويصلي عليها، وهذا غير صواب، فما دام الإنسان متأخراً فلا يزيد الطين بلة بصلاته على ما قد يكون فيه اسم الله، أو صفحة الوفيات، وهي الصفحة الصادقة الصحيحة في الصحف العربية، أو فيها آيات أو أذكار أو اسم الله أو نحو ذلك، فيحرم أن تقف برجليك على اسم الله.
حكم الصلاة على ثوب فيه صور ونحوها
إذاً: فتمنع الصلاة على ما فيه شاغل من كتابة ونقوش ونحوها، ويحرم البيع بعد أذان الجمعة.
عثمان بن عفان هو الذي أمر بالأذان الأول للجمعة
كان التجار يتأخرون في عهد سيدنا عثمان فيأتيهم بواحد يؤذن قبل الصلاة في السوق بمدة، وقديماً لم يكونوا يخافون على محلاتهم من السرقة؛ لأن الحدود كانت تقام، فاللص يخاف أن تقطع يده، إذا شهد عليه عدلان بأنه سرق، ولابد في الشاهد أن يرى، وإلا ترد شهادته، ولو اجتمع سبعون على الشهادة ولم يروا فلا يقام حد بشهاتدهم، ونقول لأحدهم: انظر إلى الشمس، أتراها؟ سيقول: نعم، فنقول له: على مثلها فاشهد، فإن كنت تنظر إلى الحق مثلما أنت تنظر إلى الشمس فاشهد وإلا فلا.
إذاً: فكان سيدنا عثمان يبعث في السوق من يؤذن، ثم يبعث من يؤذن ثانية للصلاة؛ فيهرع الناس نحو المسجد، فيصعد سيدنا عثمان للخطابة ويقول: السلام عليكم، ويقف عند الخطابة على الأرض، وكان سيدنا أبو بكر يخطب وهو على الدرجة الثانية، انظروا التواضع والأدب، وكان سيدنا عمر يقف على الدرجة الأولى، فسيدنا عثمان أول ما تولى خطب واقفاً على الأرض، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! كل واحد منكم يأتي وينزل درجة، وسوف يأتي زمن على الناس يخطبنا الناس في خندق، فكانت نكتة لطيفة أو طيبة، فحينها ارتقى سيدنا عثمان الدرجة التي كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقف عليها.
وللأسف أن الشيعة -هداهم الله- يأخذون هذه على سيدنا عثمان ، فيقولون: كيف أبو بكر وعمر -وهم لا يحبونهما- يفعلان هكذا؟ أي: لماذا يقف أبو بكر على الدرجة الثانية، وعمر على الدرجة التي تحتها، وعثمان يرتقي الدرجة التي فوق، هذا لا يصلح، فنقول: وإلى متى يستمر هذا؟ أي: من جاء ينزل درجة درجة.
حكم الأذانين للجمعة
لا ليست بدعة، وقد ذهب أحد العلماء إلى إحدى البلاد فقالوا له: الحمد لله أنك أتيت، فبلادنا انقسمت نصفين، نصف موافق على أذان واحد يوم الجمعة، ونصف آخر يقول: لا بد من أذانين يوم الجمعة، وكل واحد من الفريقين يصلي عند من وافقه، قالوا: ونحن نريد منك فتوى، فقال لهم: الأذان سنة، واتباع المسلمين واجتماعهم فرض، والفرض مقدم على السنة، فأرجو ألا تأتي أسئلة في أذان أو أذانين، فلا نريد أن نعمل خلافات في المساجد، لكن يقال: ما هو الأمثل أو الأصح والأفضل؟
وهل ثبت أن المؤذن أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عصر الصحابة أو التابعين كان بعد أن ينهي الأذان يقول: الصلاة والسلام على سيدنا حبيب الله، يا أسود الشعر! يا كحيل العينين! يا أبيض الوجه؟ الجواب: لا، فهل يتهم من لا يفعل ذلك أنه لا يحب النبي؟
وفي هذه الأيام يكره الدراويش أهل السنة، بسبب مخالفتهم لبدعهم، واتباعهم لسنة نبيهم، مثلاً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي).
ولو أنكم أيها الدراويش تفهمون اللغة لعلمتم أن (ثم) تقتضي الترتيب مع التراخي، وحروف العطف على ثلاثة أحوال، فعند أن أقول: دخل أحمد ومحمود، فحرف العطف الواو يفيد المعية، يعني: دخل أحمد مع محمود، وعندما أقول: دخل أحمد فمحمود، فالفاء تقتضي الترتيب مع الفورية، وعندما أقول: دخل أحمد ثم محمود، فـ(ثم) تقتضي التراخي مع الترتيب، وفي الحديث: (قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي)، أي: بعد قولكم كقوله صلوا علي، أي: أنتم يا من تسمعون لا أنت أيها المؤذن؛ لأننا بعد الأذان نقول: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، ثم بعد ذلك نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
وحذار من الابتداع في الدين؛ لأن الزيادة في الدين كالنقص منه تماماً، فإياك أن تشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وقد قال الله لحبيبه عليه الصلاة والسلام: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
وإن دخلت والإمام على المنبر، فبعض المذاهب تقول: يجوز أن يصلي الإنسان ركعتين خفيفتين، والجمهور يقولون: طالما والإمام على المنبر ودخلت المسجد فينبغي أن تقعد؛ لأن صلاتنا أصلاً بدون أصوات محيطة صلاة مشوشة، فما بال الإمام يخطب وأنا أصلي؟ فمن باب أولى إذا طلع الإمام إلى المنبر أن أقعد.
سنة الجمعة وقراءة سورة الكهف
قالوا: نعم، تصلي السنة أربعاً، اثنتين اثنتين، أو أربعاً مع بعض، هذا إن أردت أن تصلي في الجامع، أما إن صليت في البيت فصل ركعتين.
ومن آداب الجمعة: قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها؛ لحديث: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، أعطاه الله نوراً إلى الجمعة التي تليها)، فالذي يواظب على قراءة سورة الكهف في كل جمعة يخلصه الله من فتنة المسيخ الدجال إذا ظهر، وهو على ظهر الأرض.
ميزة الصدقة يوم الجمعة
الصدقة يوم الجمعة بالنسبة للأسبوع مثل رمضان بالنسبة للسنة، فالصدقة فيه أفضل من الصدقة في غيره، والصلاة فيه خير من الصلاة في غيره، كما أن البر فيه خير من البر في غيره، لكن حذار من المحترفين الذين يقفون على باب المسجد كل جمعة، إلى غاية حفظ أشكالهم.
نتحدث اليوم إن شاء الله عن فضل وآداب صلاة الجمعة، من أجل تكملة صلاة الجماعة، ثم سنتكلم عن أحكام الجنائز وصلاة الجنازة، وتغسيل الميت، ثم أحكام القبور، ودفن الموتى.
نأخذ أولاً أحكام الجمعة، لأنه أحياناً يفاجأ المسجد بأن الإمام غائب، فافرض أنك دخلت مسجداً وإمامه لما يأت بعد، والمؤذن لا يحسن الخطابة، فيقوم أحد الإخوة ويأتي بكلمتين يذكر الناس، وطبعاً كل القاعدين بعد الخطبة سيكونون نقاداً من الدرجة الأولى، وهذا موضوع سهل.
وفي البلاد خطيب الجمعة لما يأت بعد، فبحثوا في البلد عمن يخطب الجمعة فلم يجدوا، مع أن الشيخ المأذون لابس عمامة، وعليه هيبة العلماء، ومن باب الشيء بالشيء يذكر، بينما الشيخ عبد العزيز البشري رحمة الله عليه يمشي في شارع فؤاد، وهو من علماء الأزهر وأبوه كان من هيئة كبار العلماء، وهو لابس لبس العلماء، وكان عليه سمت ووقار، وكان فلاح يمشي فقال: سيدنا الشيخ، قال: نعم، قال له: اقرأ لي هذا الجواب، الشيخ عبد العزيز لقي الجواب عبارة عن طلاسم لم يفهمها، فقال له: خذ يا بني! ما أستطيع قراءته، فالفلاح غضب منه، وقال: لابس عمامة، وعليه سمت العلماء! وغضب، فقال له الشيخ: خذ العمامة واقرأها أنت، أي: إذا كانت المسألة باللبس، فخذ العمامة واقرأها أنت، إذا كانت العمامة هي التي تقرأ.
فأصحاب البلد قالوا: من يخطب الجمعة؟ هلا أخبرتم الشيخ أو المأذون ليبحث عن خطيب، فيكون الناس في ورطة بسبب غيابه، إذاً: فالحل إن فرضنا أن الإمام يأت أن يقوم واحد من المصلين فيخطب، وليست هناك مشكلة.
ويقال: إن هناك خطيباً قام ليخطب، وهو غير متعود، فذهب ما في رأسه من آية أو حديث، حتى الآية التي يقرؤها عند الزواج، فقال: وقفت ورجلاي ليستا قادرتين على حملي، قال: ثم فتح الله علي والحمد لله، فقلت: الشهادتين، ثم أما بعد، وقلت: سيأتيني الكلام بعدها فلم يأت، فقلت: ثم ثاني مرة اسمعوا، قال: ومددت الصوت فيها قليلاً، فقال له رجل من آخر الجامع: يا مولانا! أنت الله يفتح عليك قلت: اسمعوا أول مرة وسمعنا، ثم قلت: اسمعوا ثانية وسمعنا، ثم قلت: اسمعوا الثالثة، فانتظرنا ماذا ستقول الآن؟ قال الخطيب: ثم أخذوني وأنزلوني.
وفي مكان آخر وللأسف الشديد، رفض الحاضرون أن يقف أحدهم ليخطب؛ فصلوا الجمعة ظهراً، فيأثم الحاضرون جميعهم؛ لأنهم صلوا أربع ركعات، ولا يوجد هناك خطيب، فقام أحدهم يصلي بهم ظهراً.
إذاً: تفادياً لهذا كله، ينبغي أن نعرف أركان الخطبة.
أركان خطبة الجمعة: الحمد، والشهادتان، وأما بعد، وخطبتان بينهما استراحة، وفيهما ما يحض على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو كلمة: اتقوا الله، أو: احذروا النار، أو: ارجوا الجنة، أو: اعملوا خيراً، أو يخلص نفسه ويقرأ سورة (ق) لو كان حافظاً، ويقول: أما بعد، فيقرأ سورة (ق)، ثم يقول: وأقم الصلاة، وصلاتهم صحيحة وخطبتهم صحيحة تماماً، فهذه أركان خطبة الجمعة.
عبد الملك بن مروان بينما هو قاعد، وكان فقيهاً في اللغة، قال ذات يوم لأصحابه: ليصعد أحدكم ليخطب لنا الجمعة، وكان الحكام قديماً هم الذين يصلون بالناس؛ لأنهم كانوا أبلغ الناس وأعلمهم، فصعد الرجل وأمير المؤمنين ينظر إليه، فارتبك وقال: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض في ستة أشهر، فقال أمير المؤمنين: ويحك! في ستة أيام، قال: احمد الله يا أمير المؤمنين! أني لم أقل لكم: في ست سنوات؛ لأن الموقف رهيب.
إذاً: فينبغي للمسلم ألا يهتز ولا يرتبك، وهؤلاء الحاضرون كلهم إخوانه، لكن حقيقة أن الذي يصعد للخطابة يكون كل أحد مركزاً عليه، ناظراً إليه، هذا من ناحية اللغة، والآخر من ناحية الحديث، والثالث من ناحية شكله، والرابع من ناحية كلامه، وهكذا، لكن نحن لو تعاملنا بالود، فالمسألة بسيطة، لو صعد الرجل فقال ما فتح الله عليه، فجزاه الله خيراً، وكثر خيره، وقد أنقذ الله الموقف به، حتى لا يأثم الكل بترك الجمعة.
وهناك آداب للمسلم يوم الجمعة، لابد أن نعرفها، وأحكام يوم الجمعة قد ينساها الإنسان يوم الجمعة.
ويوم الجمعة هو أفضل الأيام عند الله، وفيه ساعة ما وافقها عبد مسلم بالدعاء إلا استجاب الله له، ولا أحد يعرف وقتها بالضبط، وهناك من يقول: هي بعد صلاة الصبح قبل الشمس تطلع، وقيل: ما بين جلستي الإمام على المنبر، وقيل: ما بين صعود الإمام لغاية نزوله، وقيل: ما بين اصفرار الشمس بعد العصر لغاية الغروب، المهم: أن من فجر الجمعة إلى مغرب الجمعة يوم مبارك عند الله سبحانه وتعالى.
وسمي يوم الجمعة لأن الناس يتجمعون فيه، وكان قبل الإسلام يسمى يوم العروبة، وسموه بعد بيوم الجمعة.
ويوم الجمعة هذا يعوضنا عنه ربنا في الآخرة، فاللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب، اللهم أدخلنا الجنة بدون حساب أو عذاب، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين.
يوم الجمعة تصل للمسلمين في القبور بطاقات دعوة، والرسول سماها بطاقة دعوة، يعني: (بطاقة) لغة عربية، ففي الحديث: (بطاقة دعوة، مكتوب عليها كلمات أربع).
الأغنياء الآن يكتبون الدعوات التي للزواج على بطاقة من فضة، فربنا في الجنة يبعث لك بطاقة فيها: (أربع كلمات: عبدي اشتقت إليك فزرني)، والذي أتى بها ليس مأمور الضرائب، وإنما تأتي بها الملائكة، ووراء الملائكة الخدم وأطفالنا الذين ماتوا وهم صغار، يا فرحة من مات له ولد، وصبر عليه، فالأولاد أمام الجنة يأبون الدخول إلا مع آبائهم وأمهاتهم، فيكرم الله الذي مات له طفل وصبر، فيقول: (ماذا صنع عبدي؟) ويقول ربنا للملائكة: (أخذتم فلذة كبد عبدي) فيسمى الولد فلذة كبد، ثم قال سبحانه: (أقبضتم ولد عبدي؟ يقولوا: نعم يا رب، يقول: وماذا صنع؟ يقولون: لقد حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي في الجنة قصراً وسموه قصر الحمد، وألحقوا به أبناءه).
اللهم اجعلنا منهم يا رب، واجعلنا من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، آمين يا رب العالمين.
إذاً: فيقول الله: (عبدي اشتقت إليك فزرني)، والأطفال هؤلاء وصفهم كما قال الله: إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا [الإنسان:19]، وفي الجنة أيضاً الحور العين، والملائكة، والغلمان، ومخلوقات لا يعلمها إلا الله، وقصور ونور وأشجار وطيور وخير كثير، وفي الحديث: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).
ويوم الجمعة تعد لك النجائب، يعني: عندما يكون الرجل مسئولاً في الدنيا تجهز له السيارات، بعضها عن يمينه وأخرى عن شماله، وأمامه وخلفه، إلى أن يصل إلى مقصوده، ثم يفتح له الباب، والحرس حوله، وكل هذا في الدنيا.
أما في الآخرة فالملائكة هي التي توسع لك الطريق، وتهيئ لك المكان، والأشجار تسلم على المؤمن فتقول: السلام عليك ولي الله، السلام عليك يا حبيب الله!
فسبحان من جعل الشجر يوسع لك وكنت في الدنيا لا يوسع لك أحد، وقلنا قبل هذا: إن الكلاب إذا رأت غنياً حركت أذنابها، وإن رأت فقيراً كشرت أنيابها، فالمؤمن يوسع له الشجر في الجنة والملائكة ترحب به، وتجتمع في سوق لا يباع فيه ولا يشترى، وكل الذي تريده تجده، أما في الدنيا فإن أردت أن تأكل أو تشرب أو تلبس فقد تجد وقد لا تجد، لكن في الجنة لك ما تشاء.
إذاً: فيوم الجمعة له آداب:
أولاً: الاغتسال.
ثانياً: التبكير له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة)، والمراد بالساعة الأولى: وقت الضحى، أي: الساعة السابعة؛ لأن الساعة الأولى تبدأ من بعد أن تنشر الشمس أشعتها، وهذا الأول كأنما قدم بدنة، أي: كأنما ضحى في سبيل الله بناقة كبيرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن راح في الساعة الثانية) إلى أن بلغ الساعة الأخيرة، وهي التي قبل صعود الإمام بنصف ساعة، أو بساعة، وهذه الساعة ما تجد أحداً فيها في المسجد، بل هناك من يقول: الإمام ينزل من على المنبر الساعة الثانية عشرة فنحن نحضر الساعة الثانية عشرة ونصف إلا ثلاث دقائق، يعني: من أجل أن يضبط مجيئه على الصلاة، مع أنه لا جمعة له؛ لأن خطبة الجمعة تعدل ركعتين، ومن جاء في الساعة الأخيرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكأنما قدم بيضة).
وأول ما يقول الإمام: السلام عليكم تغلق الملائكة الصحف، ولا تكتب أحداً ممن دخل بعد، فإن جاء يوم القيامة وقال: أنا كنت أحضر الجمعة، فيقال له: أنت كنت تأتي بعد أن يرتقي الإمام المنبر.
إذاً: فالمسلم يبكر ليوم الجمعة، يلبس أفضل الثياب، وإن رزقه ربنا طيباً يتطيب به، والمساجد يجوز أن تبخر يوم الجمعة، حتى تكون رائحتها طيبة، ولا ينبغي أن تبقى لابساً للشراب من ثلاثة أيام ثم تأتي يوم الجمعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا)، وهل البصل حرام؟ لا، ليس حراماً، ولكن من أجل الريحة المنبعثة من آكله، ولو أكل بصلاً فينبغي له أن يصلي خارج المسجد، أو في آخر صف، أو لا يدخل الجامع أصلاً؛ لئلا يؤذي الناس.
ولذلك يقول الفقهاء: من كان عنده انفلونزا فلا يصلي صلاة الجماعة في المسجد؛ حتى لا يعدي أحداً، فقد وضعت عنه صلاة الجماعة، فيقعد في البيت؛ من أجل ألا يعدي غيره، إذاً: فالمسلم ينبغي عليه أن يراعي هذه المسائل.
وإذا تأخر أحد عن الجمعة فلا يؤذي إخوانه بمزاحمتهم؛ ليفسحوا له، فيتخطى رقابهم ويؤذيهم، واحد من الصحابة جاء متأخراً والرسول على المنبر يخطب، وعلاوة على هذا يريد الصف الأول، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آنيت وآذيت)، أي: جئت متأخراً وتؤذي الناس.
وفي الحديث: (من فرق بين مسلمين يوم الجمعة فرق الله شمله يوم القيامة، ومن تخطى الرقاب يوم الجمعة تخطى الله به جسراً إلى جهنم)، (من سد فرجة في الصف سد الله عنه باباً من أبواب جهنم) فهذه بعض آداب الجمعة.
كثير من المسلمين للأسف يبقى في يده سبحة وأنا ما أدري من أول من اخترع السبحة، والسبحة ليست من الإسلام في شيء، وأنت عندما تسبح بيدك فالجوارح كلها تشهد لك يوم القيامة، أما السبحة فلن تشهد، والرسول صلى الله عليه وسلم سبح بيديه، والصحابة سبحوا بأيديهم ونحن لم نطلب منك أكثر من ثلاثة وثلاثين، وليس حسابها صعباً؟ لكن عندما تحسب مائة ألف جنيه تحسبها بدقة وسرعة فائقة، وكذا عندما تحسب ميراث أبيك، فتقول: لي ثلاثة فدانات وأربعة عشر قيراطاً وستة أسهم، والسهم كذا متراً، والقيراط مائة وخمسة وسبعون متراً، والمتر...، وهكذا يحسبها بالدقة، لكن في التسبيح يصير الأمر صعباً، فسبح بيديك.
ومن الآداب: أن الإمام عندما يخطب فلا تحرك السبحة لو كانت معك؛ لأنك حينها كأنما مسست الحصى، ومن مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له.
ولو دخل جارك والإمام يخطب فقعد بجوارك وقال: السلام عليكم، فهل ترد عليه أم لا؟ لا ترد، ولا حتى بالإشارة، وبعد الصلاة خذ صاحبك وعلمه آداب الجمعة، وحذره من إضاعته لها؛ وقل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (من قال لجاره والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له).
أما السفر يوم الجمعة، فقد أجمع الفقهاء على كراهيته، وفي الحديث الذي عند الدارقطني رحمه الله مرفوعاً: (إن الملائكة لتدعو على من سافر يوم الجمعة في غير ضرورة: لا صحبك الله أيها المسافر!).
فما دام أنه ليست هناك ضرورة فليس هناك داع للسفر، والضرورة مثل صلة رحم، أو أداء زكاة، ونحو ذلك، أما غيره فلا داعي للسفر يوم الجمعة، وإذا أردت أن تسافر فسافر مبكراً؛ من أجل أن يأتي وقت ظهر الجمعة قد وصلت للمكان الذي أردته.
ومن ترك ثلاث جمع اسود قلبه.
وقالوا: كل المخلوقات تبقى خائفة يوم الجمعة ما عدا الإنس والجن؛ لأن كل المخلوقات تتوقع أن القيامة تقوم يوم الجمعة، فكل المخلوقات خائفة، أما الذين سيحاسبون من الإنس والجن فلا يخافون! وكانت الريح إذا هبت يوم الجمعة أكثر الرسول صلى الله عليه وسلم من الخروج والدخول، يخشى أن تكون بوادر الساعة.
استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة مقتطفات من السيرة [15] | 2692 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [23] | 2533 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [16] | 2144 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [12] | 2126 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [8] | 2058 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [17] | 2053 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [19] | 2035 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [18] | 2014 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [24] | 1981 استماع |
سلسلة مقتطفات من السيرة [11] | 1947 استماع |