شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [30]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:

[ ودل الحديث المتقدم على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يستشفع به إلى الله عز وجل، أي: يطلب منه أن يسأل ربه الشفاعة في الدنيا والآخرة، فأما في الآخرة فيطلب منه الخلق الشفاعة في أن يقضي الله بينهم، وفي أن يدخلوا الجنة، ويشفع في أهل الكبائر من أمته، ويشفع في بعض من يستحق النار ألا يدخلها، ويشفع في بعض من دخلها أن يخرج منها ].

وينبغي التنبه إلى ما قرره الشيخ من أن كون النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع يوم القيامة شفاعات خاصة وعامة، لا يعني ذلك جواز أن تطلب منه الشفاعة في الآخرة من قبل الأحياء في الدنيا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لم يعد يدعى ولا يطلب منه، إنما يكون باب الشفاعة مفتوحاً في الآخرة، أما في الدنيا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن لأحد أن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من هذه الشفاعات المثبتة في الآخرة.

إنما يقصد الشيخ أن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا نزاع بين جماهير الأئمة أنه يجوز أن يشفع لأهل الطاعة المستحقين للثواب، ولكن كثيراً من أهل البدع والخوارج والمعتزلة أنكروا شفاعته لأهل الكبائر، فقالوا: لا يشفع لأهل الكبائر، بناء على أن أهل الكبائر عندهم لا يغفر الله لهم ولا يخرجهم من النار بعد أن يدخلوها لا بشفاعة ولا غيرها ].

وذلك أنهم أخذوا بنصوص الوعيد، وتركوا نصوص الوعد، وهذا من تلبيس الشيطان عليهم، ومن تلبيسهم على الناس، وهو دليل جهلهم وأنهم خالفوا منهج السلف في الاستدلال، والمخالفة في الاستدلال هي أكبر الأسباب لخروج أهل الأهواء عن منهج السنة والجماعة، خاصة الأوائل؛ فالخوارج والرافضة والقدرية الأوائل أول ما أُتوا من الخلل في منهج الاستدلال فأخذوا نصوصاً من الكتاب والسنة ففسروها على غير وجهها، ولم يردوا النصوص إلى بعضها.

المعنى الصحيح للاستشفاع والتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم

قال رحمه الله تعالى: [ ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد، بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان.

لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته ].

كلمة (لكن) هذا كلام مستأنف يرجع إلى ما سبق، فمن بعد استطراد الشيخ في هذه المسألة رجع ليقول: (لكن هذا الاستسقاء) أي الذي سبق ذكره في حديث سابق، (والاستشفاع والتوسل به وبغيره، إنما يكون في حياته)، كما حدث من الصحابة، فإنهم طلبوا منه أن يدعو الله أن يسقيهم وهو حي، فلما مات طلبوا الاستسقاء من الأحياء؛ مثل العباس ويزيد بن الأسود .. وغيرهما.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ بمعنى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، فكان توسلهم بدعائه، والاستشفاع به طلب شفاعته، والشفاعة دعاء ].

معنى الشفاعة هنا التوسل بالدعاء؛ لأن المشكلة أن كلمة (توسل) لا تزال موهمة، وأكثر الناس قد يفهم منها التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو التوسل به ميتاً كالتوسل به حياً، وهذا خطأ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للناس وهو حي.

وقد يفهم بعض الناس أن المقصود بالتوسل التبرك، وهذا خطأ، فإن التبرك شيء والتوسل شيء آخر، وإن كان أحدهما يطلق على الآخر، لكن الصحيح أن التبرك غير التوسل، وإن كان من أنواعه، فالتوسل: هو اتخاذ الشيء أو الشخص وسيلة، وهذا لا يجوز حتى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والذين توسلوا به ما جعلوا ذاته بينهم وبين ربهم، إنما توسلوا بدعائه، فطلبوا منه أن يدعو لهم، وطلبوا من الله أن يقبل دعاءهم في حاجتهم، وهذه هي حقيقة التوسل كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فكان توسلهم -أي: الصحابة- بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والاستشفاع به أيضاً ليس بذاته، إنما هو طلب الشفاعة منه، والشفاعة هنا إنما هي الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لمن طلب ذلك.

بيان أن التوسل بالذات النبوية الكريمة لم تكن من هدي الصحابة والتابعين

قال رحمه الله تعالى: [ فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته، مثل: الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء، أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم، فليس هذا مشهوراً عند الصحابة والتابعين، بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، لما أجدبوا استسقوا، وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حياً كـالعباس وكـيزيد بن الأسود ، ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره، بل عدلوا إلى البدل كـالعباس وكـيزيد ، بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عمر : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا؛ فجعلوا هذا بدلاً عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه.

وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به ويقولوا في دعائهم في الصحراء بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل، أو السؤال به، فيقولون: نسألك أو نقسم عليك بنبيك، أو بجاه نبيك.. ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس ].

نعم، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وهذا من أقوى الردود وأقوى الحجج؛ في أن الصحابة رضي الله عنهم حينما استسقوا، لو كان يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم لاستسقوا عند قبره، أو لجعلوا القبر أمامهم ليتوجهوا إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم يفعلوا.

قد يقول قائل: الاستسقاء به أو التوسل به المقصود به التوسل بجاهه.

يقول: كذلك الصحابة لما خرجوا إلى الصحراء، فلو كان التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأيسر لهم والأسهل أن يتوسلوا بجاهه وهم بالصحراء، فإن التوسل بالجاه لا يلزم منه غير ذكر ذلك في اللسان أو التوجه به إلى الله عن التصريح بالجاه، فلم يفعلوا ذلك أيضاً، وعدلوا عن التوسل بالذات والتوسل بالجاه لأنه ليس بمشروع، إلى أن توسلوا بالموجودين من الصحابة، وطلبوا منهم الدعاء، ولذلك تجدون الشيخ استعمل العبارات كلها، من أجل أن يسد منافذ الفهم الخاطئ، يقول في السطرين الأخيرين: (ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا)، وقال قبلها: (لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا وتشفعوا واستشفعوا)، لأنه لو قال: لم يتوسلوا، لقالوا: نحن نقصد الاستشفاع، أو نقصد الاستسقاء.

قال رحمه الله تعالى: [ ومذهب الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وسائر أهل السنة والجماعة أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أهل الكبائر، وأنه لا يخلد في النار من أهل الإيمان أحد، بل يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من إيمان أو مثقال ذرة من إيمان.

لكن هذا الاستسقاء والاستشفاع والتوسل به وبغيره كان يكون في حياته ].

كلمة (لكن) هذا كلام مستأنف يرجع إلى ما سبق، فمن بعد استطراد الشيخ في هذه المسألة رجع ليقول: (لكن هذا الاستسقاء) أي الذي سبق ذكره في حديث سابق، (والاستشفاع والتوسل به وبغيره، إنما يكون في حياته)، كما حدث من الصحابة، فإنهم طلبوا منه أن يدعو الله أن يسقيهم وهو حي، فلما مات طلبوا الاستسقاء من الأحياء؛ مثل العباس ويزيد بن الأسود .. وغيرهما.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ بمعنى أنهم يطلبون منه الدعاء فيدعو لهم، فكان توسلهم بدعائه، والاستشفاع به طلب شفاعته، والشفاعة دعاء ].

معنى الشفاعة هنا التوسل بالدعاء؛ لأن المشكلة أن كلمة (توسل) لا تزال موهمة، وأكثر الناس قد يفهم منها التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم، أو التوسل به ميتاً كالتوسل به حياً، وهذا خطأ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يدعو للناس وهو حي.

وقد يفهم بعض الناس أن المقصود بالتوسل التبرك، وهذا خطأ، فإن التبرك شيء والتوسل شيء آخر، وإن كان أحدهما يطلق على الآخر، لكن الصحيح أن التبرك غير التوسل، وإن كان من أنواعه، فالتوسل: هو اتخاذ الشيء أو الشخص وسيلة، وهذا لا يجوز حتى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والذين توسلوا به ما جعلوا ذاته بينهم وبين ربهم، إنما توسلوا بدعائه، فطلبوا منه أن يدعو لهم، وطلبوا من الله أن يقبل دعاءهم في حاجتهم، وهذه هي حقيقة التوسل كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فكان توسلهم -أي: الصحابة- بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والاستشفاع به أيضاً ليس بذاته، إنما هو طلب الشفاعة منه، والشفاعة هنا إنما هي الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لمن طلب ذلك.

قال رحمه الله تعالى: [ فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته، مثل: الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء، أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم، فليس هذا مشهوراً عند الصحابة والتابعين، بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، لما أجدبوا استسقوا، وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حياً كـالعباس وكـيزيد بن الأسود ، ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره، بل عدلوا إلى البدل كـالعباس وكـيزيد ، بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عمر : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا؛ فجعلوا هذا بدلاً عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه.

وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به ويقولوا في دعائهم في الصحراء بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل، أو السؤال به، فيقولون: نسألك أو نقسم عليك بنبيك، أو بجاه نبيك.. ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس ].

نعم، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وهذا من أقوى الردود وأقوى الحجج؛ في أن الصحابة رضي الله عنهم حينما استسقوا، لو كان يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم لاستسقوا عند قبره، أو لجعلوا القبر أمامهم ليتوجهوا إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم يفعلوا.

قد يقول قائل: الاستسقاء به أو التوسل به المقصود به التوسل بجاهه.

يقول: كذلك الصحابة لما خرجوا إلى الصحراء، فلو كان التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأيسر لهم والأسهل أن يتوسلوا بجاهه وهم بالصحراء، فإن التوسل بالجاه لا يلزم منه غير ذكر ذلك في اللسان أو التوجه به إلى الله عن التصريح بالجاه، فلم يفعلوا ذلك أيضاً، وعدلوا عن التوسل بالذات والتوسل بالجاه لأنه ليس بمشروع، إلى أن توسلوا بالموجودين من الصحابة، وطلبوا منهم الدعاء، ولذلك تجدون الشيخ استعمل العبارات كلها، من أجل أن يسد منافذ الفهم الخاطئ، يقول في السطرين الأخيرين: (ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا)، وقال قبلها: (لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا وتشفعوا واستشفعوا)، لأنه لو قال: لم يتوسلوا، لقالوا: نحن نقصد الاستشفاع، أو نقصد الاستسقاء.

قال رحمه الله تعالى: [ وروى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عند الله عظيم).

وهذا الحديث كذب ليس في شيء من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث، ولا ذكره أحد من أهل العلم بالحديث، مع أن جاهه عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين.

وقد أخبرنا سبحانه عن موسى وعيسى عليهما السلام أنهما وجيهان عند الله، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا [الأحزاب:69]، وقال تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آل عمران:45].

فإذا كان موسى وعيسى وجيهين عند الله عز وجل فكيف بسيد ولد آدم، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه عليه الأولون والآخرون، وصاحب الكوثر والحوض المورود الذي آنيته عدد نجوم السماء، وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة حين يتأخر عنها آدم، وأولو العزم، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ويتقدم هو إليها وهو صاحب اللواء، آدم ومن دونه تحت لوائه، وهو سيد ولد آدم وأكرمهم على ربه عز وجل، وهو إمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، ذو الجاه العظيم صلى الله عليه وسلم وعلى آله.

ولكن جاه المخلوق عند الخالق تعالى ليس كجاه المخلوق عند المخلوق، فإنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم:93-94]، وقال تعالى: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:172-173].

والمخلوق يشفع عند المخلوق بغير إذنه فهو شريك له في حصول المطلوب، والله تعالى لا شريك له؛ كما قال سبحانه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22-23] ].

ظهور الشرك في الأرض وعلاقته بالتوسل البدعي

قال رحمه الله تعالى: [ وقد استفاضت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن من يفعل ذلك، ونهى عن اتخاذ قبره عيداً؛ وذلك لأن أول ما حدث الشرك في بني آدم كان في قوم نوح، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، وثبت ذلك في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن نوحاً أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض)، وقد قال الله تعالى عن قومه أنهم قالوا: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا [نوح:23-24] ].

الحديث الذي فيه أن نوحاً أول رسول يدل على أن الأنبياء غير الرسل؛ لأنه ثبت أيضاً أن آدم عليه السلام نبي، لكن الرسالة مقام أعلى من النبوة، ومعروف أن آدم عليه السلام هو أول البشر، وذريته كانوا على الفطرة وعلى الاستقامة، فما كانوا بحاجة إلى كتاب منزل؛ لأن الله عز وجل علم آدم كل شيء.

فلما نسي الناس مقتضى الفطرة، وخالفوا شرع الله الذي كان على عهد آدم، وكثر الجهل واندثرت معالم النبوة، بعث الله نوحاً رسولاً.

فكون نوح أول الرسل لا يتنافى مع كون آدم نبياً، أي: فآدم نبي لكن ليس برسول، وهذا هو الراجح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال غير واحد من السلف: هؤلاء كانوا قوماً صالحين في قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم.

وقد ذكر البخاري في صحيحه هذا عن ابن عباس ، وذكر أن هذه الآلهة صارت إلى العرب، وسمى قبائل العرب الذين كانت فيهم هذه الأصنام.

فلما علمت الصحابة رضوان الله عليهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حسم مادة الشرك بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد، وإن كان المصلي يصلي لله عز وجل، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس لئلا يشابه المصلين للشمس، وإن كان المصلي إنما يصلي لله تعالى، وكان الذي يقصد الدعاء بالميت أو عند قبره أقرب إلى الشرك من الذي لا يقصد إلا الصلاة لله عز وجل لم يكونوا يفعلون ذلك.

وكذلك علم الصحابة أن التوسل به إنما هو التوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته وموالاته، أو التوسل بدعائه وشفاعته، فلهذا لم يكونوا يتوسلون بذاته مجردة عن هذا وهذا.

فلما لم يفعل الصحابة رضوان الله عليهم شيئاً من ذلك، ولا دعوا بمثل هذه الأدعية، وهم أعلم منا وأعلم بما يجب لله ورسوله وأعلم بما أمر الله به رسوله من الأدعية، وما هو أقرب إلى الإجابة منا، بل توسلوا بـالعباس وغيره ممن ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم، دل عدولهم عن التوسل بالأفضل إلى التوسل بالمفضول أن التوسل المشروع بالأفضل لم يكن ممكناً ].

نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذرائع الشرك

قال رحمه الله تعالى: [ وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، رواه مالك في موطئه ورواه غيره.

وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني).

وفي الصحيحين أنه قال في مرض موته: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا، قالت عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً).

وفي صحيح مسلم عن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يموت بخمس: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاًُ لاتخذت أبا بكر خليلاً، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك).

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) ].


استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [9] 3406 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [1] 2847 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [10] 2815 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [16] 2787 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [31] 2751 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [8] 2657 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [35] 2591 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [29] 2547 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [26] 2521 استماع
شرح كتاب قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة [36] 2457 استماع