شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع والعشرون [4]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فلا زلنا عند حديث معاذ ، ولنا وقفة عند قوله صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله)، قوله صلى الله عليه وسلم: (على من يسره الله)، فيها وقفة ضراعة وإنابة، ووقفة عودة العبد إلى ربه، وقفة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].

لنعلم أيها الإخوة أن حقيقة التوفيق بيد الله، فكم من قوي في بدنه يشق عليه أن يركع وينحني لله، وكم من غني في ماله تشح نفسه أن تجود بدرهم في سبيل الله، وصدق الله العظيم: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45]، والخشوع عمل القلب، و(القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف شاء) .

قوله: (وإنه ليسير على من يسره الله): فمن وجد نفسه على طريق مستقيم وتيسرت له عبادة ربه فليحمد الله، ولا تغرنه نفسه، وليعلم أن هذا تيسير من الله له، وقد كان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه يقول: والله إني لا أهتم لإجابة الدعاء فقد وعد الله بها، ولكني أهتم للدعاء نفسه، فإذا وفقت للدعاء فقد استجاب الله لي.

حتى الدعاء .. فإنك ترفع أكف الضراعة إلى المولى تسأله من خيري الدنيا والآخرة، فتلك نعمة من الله عليك.

فتح أبواب الخير لمن أراد الزيادة

ووصلنا في هذا الحديث أيها الإخوة إلى أبواب الخير، وذكرنا منها: (الصوم جنة)، والصوم له باب في الجنة يقال له الريان يدعى منه الصائمون.

وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم باباً لمن يقوم الليل، وباباً لمن يتصدق في السر، وباباً لمن يجاهد، وكما هو معلوم أن أبواب الجنة ثمانية، يدعى كل جنس وطائفة من باب خاص بهم، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (يا رسول الله! ما على من يدعى من تلك الأبواب ضرورة، وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم) وإن لم يكن أبو بكر منهم فمن يكون؟

الصديق الذي يقول صلى الله عليه وسلم في حقه: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم)، فلا يستبعد أن يدعى منها كلها.

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً لماذا؟ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120]، وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124].

فهو أمة وهو إمام، وذلك لأنه ابتلي فوفى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37]، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:104-107].

فقوله: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ كان هذا البلاء بالتكاليف التي كلِّف بها، وقد ا بتلاه الله ولم يبتلِ أحداً كما ابتلى إبراهيم عليه السلام.

وقد توقفنا عند قوله عليه الصلاة والسلام: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل)، والمقصود بالصلاة في جوف الليل: صلاة النافلة، كما كان الكلام على الصوم وعلى الصدقة فكذلك الصلاة، أي أن أبواب الخير هنا هي للنوافل، وما ذكِر في أول الحديث عند قوله: (تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)، يخص الفرائض، وأما الشهادتان فداخلة في قوله: (تعبد الله لا تشرك به شيئا).

وأبواب الخير هنا هي التزود من النوافل، وأشرنا إلى أن الفريضة محدودة، وأن النافلة مجالها واسع، ونجد أن الإسلام جعلها من درجات التفاضل بين العباد، فعلى حسب همة العبد ويقينه يكون أخذه منها.

حكمة الله في تكليف عباده بما يطيقون وجوباً وبما زاد تطوعاً

وهنا نقطة أود أن تظهر وتنكشف لنا جلياً، وهي أن الإسلام يضع حداً أدنى يستوي فيه الجميع، ثم يترك المجال مفتوحاً، ويجعل سلَّم العروج إلى الملأ الأعلى مفتوحاً، وكل بحسب استطاعته وقدرته، كما جاء في قارئ القرآن أنه إذا جاء يوم القيامة يقال له: (اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)، فكل آية يقرؤها يصعد درجة، ويقف عند آخر آية يقرؤها، فكذلك أعمال الخير، يكون لها حد أدنى يستوي فيه التكليف للجميع، وأما الحد الأعلى فكل بحسبه، والتسابق والمنافسة في فضائل الأعمال باب مفتوح.

نأتي أولاً إلى نص القرآن في الصوم، نعلم جميعاً بأن الله افترض الصوم بالتدريج، وكان فيه التخيير، ثم قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ [البقرة:183-184]، كلمة (يطيقونه) ربما يجد طالب العلم في بعض التفاسير زيادة لفظة (لا) فيكون المعنى: (لا يطيقونه)، وقراءة علي رضي الله تعالى عنه تفسر المعنى: (يَطَّوَّقُونَه) بين قولهم: والشخص يَطَّوَّق الفعل، ويُطِيْق الفعل، فرق بعيد، فالذي يطيقه أي أنه في طاقته وحدود قدرته، لكن (يَطَّوَّقه) بوزن يتفعَّلهن، والمعنى: يستطيع أن يأتي به ولكن في أقصى درجات الطاقة، والمقصود من الآية: والذين يجهدهم الصوم مع القدرة عليه فعليهم فدية -هذا كان أولاً- فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فهذا حد أدنى للجميع، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184]، أي: أطعم أكثر من مسكين بأن أطعم اثنين أو ثلاثة.. أو أكثر، على قدر جهده وطاقته، فذلك خير له.

ثم رجع إلى الصوم، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، فهذا في التطوع، لأن الصوم يرجع على النفس.

نأتي في المعاملات وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ))[النحل:126]، ثم قال بعدها:

وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ [النحل:126-127]، فيعطيك حد المساواة الأدنى: من اعتدى عليك فلك الحق أن ترد بمثل ما اعتدي عليك، ولكن إن صبرت ولم ترد، ولم تجاز السيئة بسيئة مثلها فقد دخلت باب التسابق في الخيرات فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ويأتي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ.. [النحل:126]، أي إن عاقبتم فعاقبوا بالمثلية، ولكن إن صبرتم عن العقوبة لهو خير للصابرين، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ.. [النحل:127]، إذاً: هناك تدرج.

وإذا جئنا في هذا المجال عند الأدباء أو عند علماء الاجتماع في المعاملة بالمعروف أو بالإحسان أو بالمقاصة في المعاملة، نجد الشاعر يقول:

إذا كنت في كل الأمور معاتبـاً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً أو صل أخاك فإنـه مقارف ذنب تارة ومجانــبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

يقول لك: سامح واعف حتى لا تصير منعزلاً وتعيش وحيداً، يعني اشتر صديقك بأن تصفح عنه، ولكن القرآن يقول: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ.. [النحل:126-127]، فيدعوك أن تصبر لوجه الله لا للمكافأة، ومن خير ما قيل في هذا عند الأدباء:

وكنت إذا الصديق أراد غيظي وأشرقني على حنق بريقي

غفرت ذنوبه وعفوت عنــه مخافة أن أعيش بلا صديق

وهنا يقول تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، أي: هو خير لهم عند الله، فكأن المؤمن يتدرج في الكمال بالعفو والمسامحة لوجه الله لا لعوض يرجوه في المجتمع.

وإذا جئنا إلى العبادات نجد جميع نوافل العبادات بابها مفتوح، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، والمرأة التي جعلت لها حبلاً في السقف، حتى إذا غلبها النوم كانت تمسك الحبل، فقال صلى الله عليه وسلم: (مه! ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد)، وقال أيضاً: (خذوا من الأعمال ما تطيقون) .

ووصلنا في هذا الحديث أيها الإخوة إلى أبواب الخير، وذكرنا منها: (الصوم جنة)، والصوم له باب في الجنة يقال له الريان يدعى منه الصائمون.

وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم باباً لمن يقوم الليل، وباباً لمن يتصدق في السر، وباباً لمن يجاهد، وكما هو معلوم أن أبواب الجنة ثمانية، يدعى كل جنس وطائفة من باب خاص بهم، قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: (يا رسول الله! ما على من يدعى من تلك الأبواب ضرورة، وقال: هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم) وإن لم يكن أبو بكر منهم فمن يكون؟

الصديق الذي يقول صلى الله عليه وسلم في حقه: (لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم)، فلا يستبعد أن يدعى منها كلها.

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً لماذا؟ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل:120]، وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124].

فهو أمة وهو إمام، وذلك لأنه ابتلي فوفى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37]، وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:104-107].

فقوله: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ كان هذا البلاء بالتكاليف التي كلِّف بها، وقد ا بتلاه الله ولم يبتلِ أحداً كما ابتلى إبراهيم عليه السلام.

وقد توقفنا عند قوله عليه الصلاة والسلام: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل)، والمقصود بالصلاة في جوف الليل: صلاة النافلة، كما كان الكلام على الصوم وعلى الصدقة فكذلك الصلاة، أي أن أبواب الخير هنا هي للنوافل، وما ذكِر في أول الحديث عند قوله: (تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت)، يخص الفرائض، وأما الشهادتان فداخلة في قوله: (تعبد الله لا تشرك به شيئا).

وأبواب الخير هنا هي التزود من النوافل، وأشرنا إلى أن الفريضة محدودة، وأن النافلة مجالها واسع، ونجد أن الإسلام جعلها من درجات التفاضل بين العباد، فعلى حسب همة العبد ويقينه يكون أخذه منها.

وهنا نقطة أود أن تظهر وتنكشف لنا جلياً، وهي أن الإسلام يضع حداً أدنى يستوي فيه الجميع، ثم يترك المجال مفتوحاً، ويجعل سلَّم العروج إلى الملأ الأعلى مفتوحاً، وكل بحسب استطاعته وقدرته، كما جاء في قارئ القرآن أنه إذا جاء يوم القيامة يقال له: (اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)، فكل آية يقرؤها يصعد درجة، ويقف عند آخر آية يقرؤها، فكذلك أعمال الخير، يكون لها حد أدنى يستوي فيه التكليف للجميع، وأما الحد الأعلى فكل بحسبه، والتسابق والمنافسة في فضائل الأعمال باب مفتوح.

نأتي أولاً إلى نص القرآن في الصوم، نعلم جميعاً بأن الله افترض الصوم بالتدريج، وكان فيه التخيير، ثم قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ [البقرة:183-184]، كلمة (يطيقونه) ربما يجد طالب العلم في بعض التفاسير زيادة لفظة (لا) فيكون المعنى: (لا يطيقونه)، وقراءة علي رضي الله تعالى عنه تفسر المعنى: (يَطَّوَّقُونَه) بين قولهم: والشخص يَطَّوَّق الفعل، ويُطِيْق الفعل، فرق بعيد، فالذي يطيقه أي أنه في طاقته وحدود قدرته، لكن (يَطَّوَّقه) بوزن يتفعَّلهن، والمعنى: يستطيع أن يأتي به ولكن في أقصى درجات الطاقة، والمقصود من الآية: والذين يجهدهم الصوم مع القدرة عليه فعليهم فدية -هذا كان أولاً- فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184]، فهذا حد أدنى للجميع، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ [البقرة:184]، أي: أطعم أكثر من مسكين بأن أطعم اثنين أو ثلاثة.. أو أكثر، على قدر جهده وطاقته، فذلك خير له.

ثم رجع إلى الصوم، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:184]، فهذا في التطوع، لأن الصوم يرجع على النفس.

نأتي في المعاملات وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ))[النحل:126]، ثم قال بعدها:

وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ [النحل:126-127]، فيعطيك حد المساواة الأدنى: من اعتدى عليك فلك الحق أن ترد بمثل ما اعتدي عليك، ولكن إن صبرت ولم ترد، ولم تجاز السيئة بسيئة مثلها فقد دخلت باب التسابق في الخيرات فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ويأتي وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ.. [النحل:126]، أي إن عاقبتم فعاقبوا بالمثلية، ولكن إن صبرتم عن العقوبة لهو خير للصابرين، وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ.. [النحل:127]، إذاً: هناك تدرج.

وإذا جئنا في هذا المجال عند الأدباء أو عند علماء الاجتماع في المعاملة بالمعروف أو بالإحسان أو بالمقاصة في المعاملة، نجد الشاعر يقول:

إذا كنت في كل الأمور معاتبـاً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

فعش واحداً أو صل أخاك فإنـه مقارف ذنب تارة ومجانــبه

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

يقول لك: سامح واعف حتى لا تصير منعزلاً وتعيش وحيداً، يعني اشتر صديقك بأن تصفح عنه، ولكن القرآن يقول: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ.. [النحل:126-127]، فيدعوك أن تصبر لوجه الله لا للمكافأة، ومن خير ما قيل في هذا عند الأدباء:

وكنت إذا الصديق أراد غيظي وأشرقني على حنق بريقي

غفرت ذنوبه وعفوت عنــه مخافة أن أعيش بلا صديق

وهنا يقول تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [النحل:126]، أي: هو خير لهم عند الله، فكأن المؤمن يتدرج في الكمال بالعفو والمسامحة لوجه الله لا لعوض يرجوه في المجتمع.

وإذا جئنا إلى العبادات نجد جميع نوافل العبادات بابها مفتوح، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، والمرأة التي جعلت لها حبلاً في السقف، حتى إذا غلبها النوم كانت تمسك الحبل، فقال صلى الله عليه وسلم: (مه! ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد)، وقال أيضاً: (خذوا من الأعمال ما تطيقون) .


استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر 3523 استماع
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] 3212 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] 3185 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون 3134 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] 3115 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر 3067 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] 3044 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] 2994 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] 2890 استماع
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] 2877 استماع