شرح زاد المستقنع باب الحضانة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [ وإن أراد أحد أبويه سفراً طويلاً].

شرع المصنف رحمه الله في بيان بعض المسائل والأحكام التي تترتب على الحضانة، وهذه المسائل تكثر فيها الخصومات والنزاعات بين قرابة الولد المحضون من والد ووالدة أو حاضر من القرابة، فيختلفون فيمن يتولى حضانة الطفل.

وقد بين المصنف الشروط التي ينبغي توافرها، وبعد ذلك رتب أولياء وقرابة الطفل المحضون، ثم شرع بعد ذلك في جواب سؤال مفترض: وهو أننا إذا علمنا من هو الأحق بالحضانة، وفوجئنا أنه يريد أن يسافر بهذا المحضون أو يخرج به، فما الحكم؟

وهذه المسألة على صور:

منها ما يتعلق بسبب الخروج والسفر، ومنها ما يتعلق بالمسافة التي يريد أن يخرج إليها هذا المسافر، ومنها ما يتعلق بحال الشخص أثناء السفر، هل هو مأمون أو غير مأمون؛ وكذلك أيضاً حال الطريق التي يريد أن يسلكها أثناء السفر، وحال البلد الذي يريد أن ينزل فيه.

ومن هنا يتبين فضل الله عز وجل على علماء الفقه الإسلامي حيث لم يطلقوا الأحكام دون نظر إلى صفات مهمة تؤثر في أصل المسألة.

فالحضانة في أصلها قائمة على الحضن والرعاية والصيانة، فالذي يتولى الحضانة يقوم على حفظ الصغير عما يضره في دينه ودنياه، وهذا الأمر الذي هو الأساس لا بد أن يرتبط بالصفات والأحوال التي يتم بها السفر، وبالجهة التي يسافر إليها، والشخص الذي يتولى السفر به.

ومن هنا ضبط المصنف رحمه الله مسألة السفر بضوابط: أولاً: إذا أراد الزوج أو الزوجة السفر فلا إشكال إذا كان سفرهما إلى نفس البلد، أو ينتقلون من مدينة إلى مدينة آمنة، ويكون الاثنان مع بعضهما، وحينئذٍ لا تقع خصومة غالباً؛ لأنه إذا انتقل به الوالد أو الوالدة سيكونان مع بعضهما، أو على الأغلب في حالٍ قريب من حال البعض، إلا أن من أهل العلم من يقول: الأب أحق به على كل حال؛ لأن السفر خطر، ويعظم ضرره ويكثر شره، فلا أمانة إلا بالله ثم بالوالد؛ لأن الوالد أقدر على الحفظ والصيانة من الوالدة، والله عز وجل وصف النساء بالضعف، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إني أحرّج حق الضعيفين: المرأة واليتيم) ، فالمرأة ضعيفة في أصل خلقتها وتكوينها الفطري، ومن هنا يقولون: إذا أرادا أن يخرجا فالأصل أن تكون الحضانة للوالد وحينئذٍ يكون أحق بهذا الولد.

وبناءً على هذا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصغير لأمه: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، فينتزع الولد عند السفر من الأم، ويعطى إلى الأب في حال السفر، حتى يصلا إلى المدينة أو القرية أو المكان المراد، ثم يُرَدُّ الولد إلى أمه.

إذاً: هذا الحكم في حال السفر إذا كانا مسافرين إلى بلدٍ واحد، لكن إذا كانا مسافرين إلى بلدين مختلفين؛ هل الأحق به الوالد أم الأم؟

نص النبي صلى الله عليه وسلم على أن الأم أحق بولدها ما لم تنكح وتتزوج؛ لأن الأم تحفظ الصغير وتقوم على شئون تربيته وإصلاح حاله حتى يميز، لكن إذا سافرت به، فإن الوالد يرفض ذلك، فنقول: هل نرده إلى أبيه أو نبقيه مع أمه؟

بعض العلماء يقول: إنه يبقى مع أمه؛ لأن الأم هي الأصل، والقاعدة تدل على استصحاب الأصل والأصل أنه عند أمه، فيستصحب الأصل، واستصحاب الأصل دلّت عليه الأصول الشرعية، وهو مسلك في الفقه الإسلامي لا إشكال فيه.

والذين قالوا: يكون عند الأب؛ قالوا: إن استصحاب الأصل شرطه أن لا يرد عارض يوجب الانتقال عن هذا الأصل، والعارض هنا: أن الأم ضعيفة ولا تقوى على حفظ الولد، وعليه فينتقل إلى الوالد.

والمصنف رحمه الله ضبط المسألة حين اشترط أن يكون السفر آمناً، وبناءً على ذلك: إذا كان مخوفاً، فمن أهل العلم من قال: السفر المخوف يكون المرد والمعوّل فيه على الله ثم على الأب، وهذا القول تدل عليه الأصول، فإن الأب أقدر على حفظ الولد وعلى صيانته، وأيضاً فكلهم متفقون على أن الأنثى إذا عقلت واستغنت عن والدتها وجب ردها إلى أبيها حتى يزوجها، وكأن الأب أقدر على حفظ العرض من الأم، فإذا كنا قد اتفقنا أنه في حال اكتمال عقل المرأة بعد السابعة تدفع لأبيها، فكذلك هنا.

فإذاً: قولنا إن الأب أحق من حيث الأصل أقوى للعارض؛ لكن حق الأم جاء في النص: (أنت أحق به ما لم تنكحي) ولم يفرق، من كونها في حضر أو سفر.

ومن هنا يقول بعض العلماء: أنا أستمسك بالأصل، وهو أن السنة دلت على أن الأم أحق به ما لم تطرأ طوارئ، سواء كانت في السفر أو أثناء السفر أو المدينة المسافر إليها.

وإذا قلنا إن الحضانة ترد إلى الأب إذا كانت الأم تريد أن تسافر، فإن كان الذي يريد أن يسافر هو الأب فلا إشكال، وهو البقاء على الأصل، وهو أن الطفل عند الأم، والحقيقة أن هذا القول هو أعدل الأقوال: أعني أن نبقى على الأصل في الحضانة، ولكن إذا كان السفر مخوفاً واحتيج إلى رعاية وصيانة فإننا نرد الولد إلى والده؛ لأنه أقدر على حفظه وصيانته، حتى ينتقل إلى المكان الذي ينتقل إليه ويعود الأمر إلى ما كان.

بالنسبة للسفر هناك سفر لضرورة أو واجب ديني مثل السفر للحج أو للعمرة، فمثلاً: لو أن القاضي قضى بانتقال الولد إلى والده وثبتت الحضانة للوالد، وقد تزوجت الأم ونكحت، ثم أراد الأب أن يسافر إلى الحج أو العمرة، فعلى الأصل الذي قررناه فإنه يسافر، ونقول: إن الولد يرجع إلى أمه؛ لأن السفر فيه خطر وضرر على الولد، وليس بمتعين خروج الولد، وهذا إذا كان السفر لحاجة دينية واجبة.

أما الواجب الدنيوي مثل أن يحتاج الوالد أن يسافر لعلاج مريض والولد في كفالته وحضانته، فهل يسافر به أو يتركه؟

نقول: يبقيه عند أمه؛ لأن العلة التي كنا نقول: إن الأم لو كانت هي التي تحضن الطفل وأرادت أن تسافر والسفر مخوف، فإننا نرده إلى أبيه، والسفر من حيث هو مخوف وفيه ضرر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب)، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن السفر عذاب، وهو على الصغار أشد عذاباً وأعظم بلاء، وبناءً على ذلك نقول: يوضع الولد في هذه الحالة عند أمه وتقوم على رعايته.

إذاً: بين المصنف رحمه الله حال السفر إذا كان الطريق آمناً، أما إذا كان مخوفاً وأحدهما مسافر والآخر غير مسافر فإنه يكون الحق للذي لا يسافر؛ لأنه ألزم للأصل الذي ذكرناه، ولأن الحضانة شُرِعت للصيانة والحفظ، والخروج يفوت ذلك، فوجب بقاء المحضون عند الحاضن غير المسافر.

وقوله: [وإن أراد أحد أبويه سفراً طويلاً] لماذا قال المصنف: وإن أراد أحد أبويه ولم يقل: وإن أراد الحاضن؟ نقول: الحضانة هي صيانة الصغير وحفظه والقيام على شئونه ورعايته، لكن هذا الحق يرتبط به حق آخر للوالد أو الوالدة إذا حُكِم به لضده.

فمثلاً: الأم إذا ثبتت لها الحضانة وقضى القاضي أنها أحق بحضانة الولد، وكانا في نفس المدينة أو نفس القرية وليس هناك خروج، فالوالد يتولى تعليم الولد ورعايته وإطعامه وشرابه، وتتولى الأم مرضه وسقمه، فلو أنه مرض أو أصابته علة أو آفة فإنه ينقل إلى الأم، وإذا اصطلحوا على أن الأم تأتيه وتمرضه في بيت والده فلا إشكال.

فالأم أحق به في حال المرض حتى ولو كان الحاضن الوالد؛ لأنها أقدر على هذا الشيء، وانظر كيف أن علماء الإسلام ينظرون إلى الأشياء التي تؤثر وتحقق المصالح وتدرأ المفاسد، فالحضانة المقصود بها تحقيق مصلحة الصبي ودرأ المفسدة والشر عنه، فحيثما وجد السبب الموجب لتحقيق هذا الأصل فإننا معه، سواء مع الوالد أو مع الوالدة.

فإذا ثبت أن الطرف الآخر له حق، فحينئذٍ إذا أراد أن يسافر أحدهما ضاع حق الآخر؛ لأننا إذا قلنا: إنه يريد أن يسافر إلى بلد لا يوجد فيه الآخر، فلو أن الأب حكم له القاضي بأنه حاضن، وأراد أن يسافر بابنه إلى الخارج لسياحة أو نزهة، فإن الأم ستقول: أنا أتضرر بخروج ولدي وأخشى على الولد، والعكس لو قضى القاضي للأم أنها أحق وأخذت صغيرها، فأرادت أن تسافر به ولو لصلة رحم أو زيارة قرابتها، يقول الوالد: أنا أريد أن أرى ابني، وأخشى على ابني من هذا السفر، فلها الحق في الحضانة ما دامت مقيمة، أما إذا أرادت أن تخاطر بالطفل فلا.

إذاً: هذه هي المسألة، ولذلك تدور أقوال العلماء وتفصيلاتهم حول تحقيق مصلحة الصبي ودفع الضرر عنه.

إذاً: علينا أن نلزم السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأم أحق، والتفصيل الذي ذكرناه بالأصول الشرعية في ترتيب المستحق للحضانة، ثم إذا طرأ أي طارئ يتحقق به الضرر أو تزول به المصلحة ويحصل في ذلك شر على الصبي، ونظرنا في سببه، فإنه يجب منع ذلك السبب سواءً كان سفراً إلى بلدٍ آمن أو بلد غير آمن، أو كان الطريق مخوفاً أو الشخص نفسه الذي يسافر مخوفاً، فكل هذا ينظر فيه القاضي؛ ولذلك ترد هذه المسائل إلى القضاة للنظر في الأصلح والأفضل للصغير، وهو الأسلم.

ومن هنا كان الأصل الشرعي أن يُنظر إلى مصلحة الصبي، فنحن لا نضبطه بهذه الأوصاف كقاعدة كلية، ولكن نقول: إنه متى كان السفر يترتب عليه الضرر للصغير والمسافر أحد الوالدين وجب بقاء الصبي مع الذي لا يسافر، وأما إذا كان السفر غالبه السلامة أو يؤمن على الصبي من ضرره أو ضرر البلد الذي سيسافر إليه والشخص الذي يسافر معه، فحينئذٍ لا إشكال أن الحاضن يبقى حقه في الحضانة.

حكم استصحاب المحضون في السفر الطويل

وقوله: [سفراً طويلاً].

هنا سؤال: إذا كانت الأم حاضنة لولدها فأرادت أن تخرج إلى غير سفر، فمثلاً: حصلت مناسبة في ضاحية المدينة، فهل من حقها الخروج؟ نفس الشيء لو كان الحاضن هو أبوه ثم وقعت مناسبة في ضاحية المدينة أو أطراف المدينة، فهل من حقه أن يخرج به؟

قال المصنف: (سفراً)، ويشترط في السفر أن يكون طويلاً، فيخرج ما كان في الحضر؛ لأنهم في الحضر أشبه بالمكان الواحد أو بالمدينة الواحدة، وحينئذٍ فلا إشكال، لكن مع هذا لا يجوز للوالد ولا للوالدة أن يخرجا بهذا الصغير إلى مكانٍ فيه ضرر، كأن يخرجا إلى أطراف المدينة وفيها السباع والهوام، وفيها مثلاً المزارع والآبار، فقد يسقط الصبي في بئر، وقد يتعثر في شيء.

فإذاً: مسألة السفر ليست هي التي ينحصر فيها الضرر فقط، فالواجب شرعاً على الوالد أو الوالدة: أنه متى ما أدرك أن خروجه بهذه الصغيرة أو هذا المحضون فيه ضرر، فعليه أن يرده إلى الطرف الثاني كي يتولى حفظه ورعايته، هذا هو الواجب شرعاً؛ صيانة لحق الصبي المحضون ونصيحة له، وهذا هو الواجب على الوالدين، أما من لم ينصح لولده فلا خير فيه؛ لأن أولى الناس بأن ينصح لهم هم أقرب الناس من الإنسان.

وقوله: [إلى بلد بعيد ليسكنه].

أي: كأن يريد أن ينتقل، فيتضرر الطرف الثاني، فالأم تريد أن ترى ولدها، والوالد يريد أن يرى ولده، وبعض العلماء يقول: ننظر في البلد الذي تزوج فيه، فمن كان فيه فهو أحق، وبعضهم يقول: ننظر إلى أخف البلدين وأكثرهما أمناً.

والحقيقة أن هذه المسألة إذا نظر فيها القاضي ووجد أن هناك ضرراً على الصبي في سفره منعه، وإن كان الضرر في إقامته أمر بسفره لانتقاله مع من يسافر بشرط أن يكون محافظاً عليه، فقد يكون بقاء الصبي فيه ضرر، مثل ما يقع في بعض الأمكنة، حيث يدخلها فساد في أخلاقها، فهذا ضرر ديني، أو يدخلها فساد في صحتها من انتشار الأضرار والأمراض ونحو ذلك، فهذا فساد دنيوي، أو يكون فيها فقر وشدة مئونة، فأراد أن يتحول إلى ما هو أرفق، فهذا كله ينظر فيه القاضي إلى ما فيه مصلحة المحضون.

وقوله: [ وهو وطريقه آمنان ].

أي: أما إذا كان الطريق مخوفاً فلا؛ ولذلك يقول بعض العلماء: إذا كان الطريق مخوفاً فالحق للمقيم، فلو أن زوجاً وزوجة اختلفا في الولد، وقضى القاضي أنه للزوجة، فإذا أرادت الزوجة أن تسافر في طريق مخوفٍ رد الولد إلى والده، وقيل لها: سافري وحدك، أو اجلسي مع ولدك، وهذا عين العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض؛ لأن المراد حفظ الطفل، والصبي بريء ولا يحمل تبعة غيره؛ ولذلك إذا كان الطريق مخوفاً كأرض مُسبعة، أو أرضٍ فيها هوام، أو يريد أن يركب به البحر والبحر هائج، أو يركب بوسيلة خطرة فيخاطر بها، فلا يجوز.

وهذه مسائل تساهل فيها كثير من الناس إلا من رحم الله، فاليوم الناس بين إفراط وتفريط، فتجد حتى الآباء قد يتقصد الواحد منهم أذية الأم وجرح مشاعرها وإخافتها وإقلاقها وإزعاجها، ويبحث عن أي شيء يسيء إلى أهل زوجته، ويزعج هذه الزوجة المسكينة الضعيفة بأخذ ولدها إلى الأسفار أو الأمكنة المخيفة، وقد يستخدم ذلك لأغراضٍ يريدها لنفسه، وحتى مثلاً لو أنه طلقها فقد يحتال ليكون الولد عند أمه أو عنده، وبعد ذلك يضغط عن طريق الولد حتى يرد الزوجة إليه.

وهذا كله من الظلم: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، وإن لله ليملي للظالم ولكن لا يهمله، وويلٌ للظالم إذا نزلت به نقمة ربه، فالله سبحانه وتعالى عزيزٌ ذو انتقام وهو بالمرصاد، لا تخفى عليه خافية، وبالأخص مسائل الوالدة وولدها؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين أمٍ وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)، وهذا في بيع أمهات الأولاد، ومع أن للرجل حق البيع والملكية، ومع هذا ضرب الله هذا الوعيد.

ومن هنا ينبغي أن ينتبه الوالد إلى أن أذية الأم وإضرارها بولدها ظلم عظيم، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب المثل في عظيم رحمته سبحانه وتعالى بين للناس بالتمثيل الذي لا يقصد به التشبيه، جاءت المرأة بالسبي تصيح ولهى على ولدها حتى رأته، فلما أخذته ضمته ضَمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟! قالوا: لا، قال: والله أرحم بعباده من هذه بولدها)، فجاء بأعظم شيء في هذه الدنيا حناناً ورحمة وشفقة وهو حنان الأم وعاطفتها تجاه الولد، وهذا الأمر تظافرت به نصوص الكتاب والسنة، فاستغلال هذه العاطفة بالسفر بمحضون، أو استغلال هذه العاطفة لإقلاق الأم وإزعاجها بأخذ المحضون في الأماكن المخيفة وتعريضه للخطر؛ لا شك أنه من أعظم الضرر والأذية، والله يقول بعد الطلاق: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] فإذا حصل الطلاق والفراق بين الزوجين فليذكر الزوج فضل زوجته وفضل أهلها، والزوجة تذكر فضل زوجها وفضل أهله.

كذلك أيضاً استغلال أهل الزوجة لحكم القاضي بأنهم أحق بالولد من منعهم الوالد من رؤية ولده وأذيته إذا جاء يرى ولده، والتضييق والتشويش عليه، والأعظم من هذا والأدهى والأمر أن يسيء الوالد أو الوالدة إلى الولد بتكريهه للطرف الثاني، ويغرس في قلبه كراهيته وعقوقه لوالده وتمرده عليه والعكس، فالوالد يغرس في ولده الكراهية لأمه، فيحاول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان بالأساليب القولية أو الفعلية تنفير هذا الضعيف المسكين وإبعاده عن والدته، وكل هذا من الظلم، ولا شك أنه من خيانة الأمانة.

فإذا كانت الأم عندها ولدها فعليها أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى يحصي عليها ما تقوله وتشهد به، فلذلك لا يجوز أن تملأ قلوب الذرية الضعيفة من الأبناء والبنات غيظاً على الوالد، فاستغلال الحضانة لأذية الطرف الثاني ظلمٌ عظيم، وقد انتشر هذا الأمر بين الناس إلا من رحم الله، وعلى الخطباء والأئمة أن ينبهوا الناس على هذا الموضوع المهم الذي غفل عنه الكثير، واستغلال الحضانة للأذية والضرر وقطع الرحم والظلم للأطفال والتضييق عليهم، والجبروت بالتسلط من الآباء على أبنائهم، فمنهم من يحبس الولد ويضربه ضرباً شديداً، أو يفزعه ويقلقه حتى لا يصل إلى أمه.

أقول: إن الأمر تعدى إلى ما هو أسوأ وأعظم مما رأيناه وعرض علينا من خلال فتاوى الناس وأسئلتهم، إلى درجة أن الولد ليكره والدته، وسحر الولد حتى يكره أباه وقرابته، وإلى الله المشتكى، فإذا نزع الدين من القلوب فلا تسأل عن حال صاحبه، ولكن: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وإن الله يستدرج الظالم حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فالعبد عليه أن يحذر من عقوبات الله، ومن أخذات الله وسطواته عز وجل، فيحذر مثل هذه الأمور التي يجاوز فيها قدره، ويتعدى فيها حده، فيظلم الظلم المبين، فإن من أعظم الظلم بعد الشرك بالله عز وجل: عقوق الوالدين، فإذا كان الحاضن يستغل الحضانة لعقوق الوالدين، والحاضنة تستغل الحضانة كذلك، فلماذا الحضانة؟ الحضانة أصلها التربية والرعاية والتنشئة على الخير والصلاح والبر، وإذا بها على العكس تماماً.

ومن هنا: على الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم وبناتهم، وعلى الأمهات أن يتقين الله عز وجل، وليعلموا أنها أمانة، وأن العبد يوم القيامة تصور له الأمانة فيرمى في نار جهنم، ويقال له: أدّ أمانتك، فينزل إلى قعر نار جهنم، حتى إذا صعد إلى أعلاها ردت عليه ثانية فيرجع والعياذ بالله، فهو يتقلب في دركات الجحيم من عذابه حتى يؤدي أمانته.

وهذا على قدر الأمانة التي يضيعها، فما بالك بأعظم الأمانات بعد توحيد الله وهو بر الوالدين، إذا كان ربى ولده وربت الأم ولدها على بغض أبيه والنفرة منه وأذيته وإضراره، وإعطائه المغريات حتى يكرهه منذُ نعومة أظفاره، نسأل الله السلامة والعافية، فيربى بطريقة حقد وهو جاهل مسكين، على كراهية والده أو العكس، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيذنا من منكرات الأخلاق وشأن أهل النفاق، وأن يرزقنا الأمانة، وأن يعيذنا من الخيانة فإنها بئست البطانة!

الواجب النظر إلى مصلحة الصبي ومصلحة الصبية وما يتحقق به درأ الشر عنهما، فيقضي القاضي بما هو أرفق وأصلح، فحضانته لأبيه، كما ذكرنا؛ لأنهم غلبوا الجانب الأقوى، فإذا كان يريد أن يسافر إلى بلد يسكنه والطريق آمن فإننا نحكم بأن الحضانة للوالد كما اختاره المصنف رحمه الله؛ لأن الرعاية والصيانة من الوالد أقوى، فإن كان هو المسافر فإنه سيحفظه، ولا ضرر على الصبي، وإن كان هو المقيم فلا إشكال، ولكن الأمر يرجع إلى حال الشخص المحضون.

بعض الأحيان يكون الوالد في شغل وهم وغم، ويكون معتنياً بالدنيا وقد أخذت الدنيا مجامع قلبه لا يلوي فيها على ولد، ولا يفكر فيها في تنشئته ومصلحته، وكل هذه أمور ينبغي أن تربط بالقاضي فينظر فيها الأصلح، والفقهاء رحمهم الله حينما ينصون على مثل هذه المسائل فيقصدون ذلك عند انتفاء الموانع وعدم وجود الدوافع، لترجيح إحدى الكفتين للوالدة أو الوالد.

حكم سفر أحد الأبوين لحاجة أو سكنى بمرافقة المحضون

وقوله: [ وإن بعد السفر لحاجة ].

مثل السفر من المدينة إلى مكة للحج أو العمرة، فهي حاجة دينية، أو أراد أن يسافر من المدينة إلى الرياض للتجارة.

وقوله: [ أو قرب لها ].

أي: للحاجة، ولما قال: للحاجة خرج السفر بدون حاجة مثل النزهة والسياحة، فهذا يمنع، ويبقى الولد عند الشخص المقيم منهما على الأصل الذي قرره المصنف رحمه الله.

فإذا كان يريد أن يسافر لغير حاجة كالنزهة مثلاً ويريد أن يأخذ الولد معه، فلا يأخذه؛ لأن السفر خطر عليه وسواء بعد السفر أو قصر.

وقوله: [ أو للسكنى ].

كأن يريد أن ينتقل فيسكن في موضع بعيد عن الموضع الذي كان فيه، فيحكم به في هذه الصور للأم، لأن الأم هي الأحق في الأصل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، ولأن هذا الخروج يضر بالولد عند اختلاف الأحوال، وانتقاله يضر بمصلحة الولد.

ومن هنا يبقى في البلد والمكان الذي هو فيه، ولا يخرج الولد.

فحينما يريد أبوه أن يسافر لعمرة نقول له: اذهب إلى العمرة واترك الولد عند أمه، أو أراد أبوه أن يسافر للتجارة نقول له: اذهب إلى تجارتك واترك الولد عند أمه، وهذا فيما إذا قضى القاضي بأن الحضانة للوالد.

أما إذا كانت الحضانة للأم، فنقول: يبقى الحكم كما هو، لكن إذا كان عند الأب وأراد أن يسافر للحج والعمرة وقال: أنا أريد أن أحج وأريد الولد أن يذهب معي. نقول: لا. بل يبقى عند أمه، فهي أحق وأولى؛ لأن مصلحة الصبي أن لا يسافر، وهذا إذا كان دون التمييز؛ لأن الصبي إذا ميز خُيّر بين والده ووالدته، والمرأة ترجع إلى أبيها.

وقوله: [سفراً طويلاً].

هنا سؤال: إذا كانت الأم حاضنة لولدها فأرادت أن تخرج إلى غير سفر، فمثلاً: حصلت مناسبة في ضاحية المدينة، فهل من حقها الخروج؟ نفس الشيء لو كان الحاضن هو أبوه ثم وقعت مناسبة في ضاحية المدينة أو أطراف المدينة، فهل من حقه أن يخرج به؟

قال المصنف: (سفراً)، ويشترط في السفر أن يكون طويلاً، فيخرج ما كان في الحضر؛ لأنهم في الحضر أشبه بالمكان الواحد أو بالمدينة الواحدة، وحينئذٍ فلا إشكال، لكن مع هذا لا يجوز للوالد ولا للوالدة أن يخرجا بهذا الصغير إلى مكانٍ فيه ضرر، كأن يخرجا إلى أطراف المدينة وفيها السباع والهوام، وفيها مثلاً المزارع والآبار، فقد يسقط الصبي في بئر، وقد يتعثر في شيء.

فإذاً: مسألة السفر ليست هي التي ينحصر فيها الضرر فقط، فالواجب شرعاً على الوالد أو الوالدة: أنه متى ما أدرك أن خروجه بهذه الصغيرة أو هذا المحضون فيه ضرر، فعليه أن يرده إلى الطرف الثاني كي يتولى حفظه ورعايته، هذا هو الواجب شرعاً؛ صيانة لحق الصبي المحضون ونصيحة له، وهذا هو الواجب على الوالدين، أما من لم ينصح لولده فلا خير فيه؛ لأن أولى الناس بأن ينصح لهم هم أقرب الناس من الإنسان.

وقوله: [إلى بلد بعيد ليسكنه].

أي: كأن يريد أن ينتقل، فيتضرر الطرف الثاني، فالأم تريد أن ترى ولدها، والوالد يريد أن يرى ولده، وبعض العلماء يقول: ننظر في البلد الذي تزوج فيه، فمن كان فيه فهو أحق، وبعضهم يقول: ننظر إلى أخف البلدين وأكثرهما أمناً.

والحقيقة أن هذه المسألة إذا نظر فيها القاضي ووجد أن هناك ضرراً على الصبي في سفره منعه، وإن كان الضرر في إقامته أمر بسفره لانتقاله مع من يسافر بشرط أن يكون محافظاً عليه، فقد يكون بقاء الصبي فيه ضرر، مثل ما يقع في بعض الأمكنة، حيث يدخلها فساد في أخلاقها، فهذا ضرر ديني، أو يدخلها فساد في صحتها من انتشار الأضرار والأمراض ونحو ذلك، فهذا فساد دنيوي، أو يكون فيها فقر وشدة مئونة، فأراد أن يتحول إلى ما هو أرفق، فهذا كله ينظر فيه القاضي إلى ما فيه مصلحة المحضون.

وقوله: [ وهو وطريقه آمنان ].

أي: أما إذا كان الطريق مخوفاً فلا؛ ولذلك يقول بعض العلماء: إذا كان الطريق مخوفاً فالحق للمقيم، فلو أن زوجاً وزوجة اختلفا في الولد، وقضى القاضي أنه للزوجة، فإذا أرادت الزوجة أن تسافر في طريق مخوفٍ رد الولد إلى والده، وقيل لها: سافري وحدك، أو اجلسي مع ولدك، وهذا عين العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض؛ لأن المراد حفظ الطفل، والصبي بريء ولا يحمل تبعة غيره؛ ولذلك إذا كان الطريق مخوفاً كأرض مُسبعة، أو أرضٍ فيها هوام، أو يريد أن يركب به البحر والبحر هائج، أو يركب بوسيلة خطرة فيخاطر بها، فلا يجوز.

وهذه مسائل تساهل فيها كثير من الناس إلا من رحم الله، فاليوم الناس بين إفراط وتفريط، فتجد حتى الآباء قد يتقصد الواحد منهم أذية الأم وجرح مشاعرها وإخافتها وإقلاقها وإزعاجها، ويبحث عن أي شيء يسيء إلى أهل زوجته، ويزعج هذه الزوجة المسكينة الضعيفة بأخذ ولدها إلى الأسفار أو الأمكنة المخيفة، وقد يستخدم ذلك لأغراضٍ يريدها لنفسه، وحتى مثلاً لو أنه طلقها فقد يحتال ليكون الولد عند أمه أو عنده، وبعد ذلك يضغط عن طريق الولد حتى يرد الزوجة إليه.

وهذا كله من الظلم: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، وإن لله ليملي للظالم ولكن لا يهمله، وويلٌ للظالم إذا نزلت به نقمة ربه، فالله سبحانه وتعالى عزيزٌ ذو انتقام وهو بالمرصاد، لا تخفى عليه خافية، وبالأخص مسائل الوالدة وولدها؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من فرق بين أمٍ وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)، وهذا في بيع أمهات الأولاد، ومع أن للرجل حق البيع والملكية، ومع هذا ضرب الله هذا الوعيد.

ومن هنا ينبغي أن ينتبه الوالد إلى أن أذية الأم وإضرارها بولدها ظلم عظيم، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب المثل في عظيم رحمته سبحانه وتعالى بين للناس بالتمثيل الذي لا يقصد به التشبيه، جاءت المرأة بالسبي تصيح ولهى على ولدها حتى رأته، فلما أخذته ضمته ضَمة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟! قالوا: لا، قال: والله أرحم بعباده من هذه بولدها)، فجاء بأعظم شيء في هذه الدنيا حناناً ورحمة وشفقة وهو حنان الأم وعاطفتها تجاه الولد، وهذا الأمر تظافرت به نصوص الكتاب والسنة، فاستغلال هذه العاطفة بالسفر بمحضون، أو استغلال هذه العاطفة لإقلاق الأم وإزعاجها بأخذ المحضون في الأماكن المخيفة وتعريضه للخطر؛ لا شك أنه من أعظم الضرر والأذية، والله يقول بعد الطلاق: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] فإذا حصل الطلاق والفراق بين الزوجين فليذكر الزوج فضل زوجته وفضل أهلها، والزوجة تذكر فضل زوجها وفضل أهله.

كذلك أيضاً استغلال أهل الزوجة لحكم القاضي بأنهم أحق بالولد من منعهم الوالد من رؤية ولده وأذيته إذا جاء يرى ولده، والتضييق والتشويش عليه، والأعظم من هذا والأدهى والأمر أن يسيء الوالد أو الوالدة إلى الولد بتكريهه للطرف الثاني، ويغرس في قلبه كراهيته وعقوقه لوالده وتمرده عليه والعكس، فالوالد يغرس في ولده الكراهية لأمه، فيحاول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سواء كان بالأساليب القولية أو الفعلية تنفير هذا الضعيف المسكين وإبعاده عن والدته، وكل هذا من الظلم، ولا شك أنه من خيانة الأمانة.

فإذا كانت الأم عندها ولدها فعليها أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى يحصي عليها ما تقوله وتشهد به، فلذلك لا يجوز أن تملأ قلوب الذرية الضعيفة من الأبناء والبنات غيظاً على الوالد، فاستغلال الحضانة لأذية الطرف الثاني ظلمٌ عظيم، وقد انتشر هذا الأمر بين الناس إلا من رحم الله، وعلى الخطباء والأئمة أن ينبهوا الناس على هذا الموضوع المهم الذي غفل عنه الكثير، واستغلال الحضانة للأذية والضرر وقطع الرحم والظلم للأطفال والتضييق عليهم، والجبروت بالتسلط من الآباء على أبنائهم، فمنهم من يحبس الولد ويضربه ضرباً شديداً، أو يفزعه ويقلقه حتى لا يصل إلى أمه.

أقول: إن الأمر تعدى إلى ما هو أسوأ وأعظم مما رأيناه وعرض علينا من خلال فتاوى الناس وأسئلتهم، إلى درجة أن الولد ليكره والدته، وسحر الولد حتى يكره أباه وقرابته، وإلى الله المشتكى، فإذا نزع الدين من القلوب فلا تسأل عن حال صاحبه، ولكن: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وإن الله يستدرج الظالم حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فالعبد عليه أن يحذر من عقوبات الله، ومن أخذات الله وسطواته عز وجل، فيحذر مثل هذه الأمور التي يجاوز فيها قدره، ويتعدى فيها حده، فيظلم الظلم المبين، فإن من أعظم الظلم بعد الشرك بالله عز وجل: عقوق الوالدين، فإذا كان الحاضن يستغل الحضانة لعقوق الوالدين، والحاضنة تستغل الحضانة كذلك، فلماذا الحضانة؟ الحضانة أصلها التربية والرعاية والتنشئة على الخير والصلاح والبر، وإذا بها على العكس تماماً.

ومن هنا: على الآباء أن يتقوا الله في أبنائهم وبناتهم، وعلى الأمهات أن يتقين الله عز وجل، وليعلموا أنها أمانة، وأن العبد يوم القيامة تصور له الأمانة فيرمى في نار جهنم، ويقال له: أدّ أمانتك، فينزل إلى قعر نار جهنم، حتى إذا صعد إلى أعلاها ردت عليه ثانية فيرجع والعياذ بالله، فهو يتقلب في دركات الجحيم من عذابه حتى يؤدي أمانته.

وهذا على قدر الأمانة التي يضيعها، فما بالك بأعظم الأمانات بعد توحيد الله وهو بر الوالدين، إذا كان ربى ولده وربت الأم ولدها على بغض أبيه والنفرة منه وأذيته وإضراره، وإعطائه المغريات حتى يكرهه منذُ نعومة أظفاره، نسأل الله السلامة والعافية، فيربى بطريقة حقد وهو جاهل مسكين، على كراهية والده أو العكس، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيذنا من منكرات الأخلاق وشأن أهل النفاق، وأن يرزقنا الأمانة، وأن يعيذنا من الخيانة فإنها بئست البطانة!

الواجب النظر إلى مصلحة الصبي ومصلحة الصبية وما يتحقق به درأ الشر عنهما، فيقضي القاضي بما هو أرفق وأصلح، فحضانته لأبيه، كما ذكرنا؛ لأنهم غلبوا الجانب الأقوى، فإذا كان يريد أن يسافر إلى بلد يسكنه والطريق آمن فإننا نحكم بأن الحضانة للوالد كما اختاره المصنف رحمه الله؛ لأن الرعاية والصيانة من الوالد أقوى، فإن كان هو المسافر فإنه سيحفظه، ولا ضرر على الصبي، وإن كان هو المقيم فلا إشكال، ولكن الأمر يرجع إلى حال الشخص المحضون.

بعض الأحيان يكون الوالد في شغل وهم وغم، ويكون معتنياً بالدنيا وقد أخذت الدنيا مجامع قلبه لا يلوي فيها على ولد، ولا يفكر فيها في تنشئته ومصلحته، وكل هذه أمور ينبغي أن تربط بالقاضي فينظر فيها الأصلح، والفقهاء رحمهم الله حينما ينصون على مثل هذه المسائل فيقصدون ذلك عند انتفاء الموانع وعدم وجود الدوافع، لترجيح إحدى الكفتين للوالدة أو الوالد.

وقوله: [ وإن بعد السفر لحاجة ].

مثل السفر من المدينة إلى مكة للحج أو العمرة، فهي حاجة دينية، أو أراد أن يسافر من المدينة إلى الرياض للتجارة.

وقوله: [ أو قرب لها ].

أي: للحاجة، ولما قال: للحاجة خرج السفر بدون حاجة مثل النزهة والسياحة، فهذا يمنع، ويبقى الولد عند الشخص المقيم منهما على الأصل الذي قرره المصنف رحمه الله.

فإذا كان يريد أن يسافر لغير حاجة كالنزهة مثلاً ويريد أن يأخذ الولد معه، فلا يأخذه؛ لأن السفر خطر عليه وسواء بعد السفر أو قصر.

وقوله: [ أو للسكنى ].

كأن يريد أن ينتقل فيسكن في موضع بعيد عن الموضع الذي كان فيه، فيحكم به في هذه الصور للأم، لأن الأم هي الأحق في الأصل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنت أحق به ما لم تنكحي)، ولأن هذا الخروج يضر بالولد عند اختلاف الأحوال، وانتقاله يضر بمصلحة الولد.

ومن هنا يبقى في البلد والمكان الذي هو فيه، ولا يخرج الولد.

فحينما يريد أبوه أن يسافر لعمرة نقول له: اذهب إلى العمرة واترك الولد عند أمه، أو أراد أبوه أن يسافر للتجارة نقول له: اذهب إلى تجارتك واترك الولد عند أمه، وهذا فيما إذا قضى القاضي بأن الحضانة للوالد.

أما إذا كانت الحضانة للأم، فنقول: يبقى الحكم كما هو، لكن إذا كان عند الأب وأراد أن يسافر للحج والعمرة وقال: أنا أريد أن أحج وأريد الولد أن يذهب معي. نقول: لا. بل يبقى عند أمه، فهي أحق وأولى؛ لأن مصلحة الصبي أن لا يسافر، وهذا إذا كان دون التمييز؛ لأن الصبي إذا ميز خُيّر بين والده ووالدته، والمرأة ترجع إلى أبيها.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع