الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل عمله وعلمه لتعطلت آثار النبوة، واضمحلت الديانة، وفشت الضلالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وكان الذي خشينا أن يكون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فمن سعى لأحياء هذه الشعيرة العظيمة، فقد فاز عند الله بالحظ الأكبر، وظفر بالنصيب الأجزل الأوفر، ونحن نعيش زمناً عصيباً وفترة حرجة، تتعلق بمصير أمتنا، التي تُتَخطف في كل مكان، إن النجاة في تمسكنا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد كتب الله لهذه الأمة حين تحيد عن كتاب الله أن تتقلب في ثنايا الإهانات، وتنتقل من هزيمة إلى هزيمة، فاعلم أيها المسلم: أن هذه الشعيرة هي من أشرف الأقوال وأفضل الأعمال، والقائم بها هو خليفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبها التمكين في الأرض، فلا تستقيم الأديان والناس إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالواجب الأخذ على أيدي السفهاء قبل أن يهلكوا ونهلك جميعاً.
قال الشاعر:
لو أُنكر المنكر لم يشتهر *** بين الورى فسق وعصيانُ لو دُفع الباطل بالحق لم *** يعمل لذي الباطل بنيانُ
قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [ التوبة :71]، فجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقدماً على الصلاة والزكاة وما ذكره.
وقوله جل اسمه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ .
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78-88]، فأخبر تعالى أنهم استوجبوا اللعنة حين لم يتناهوا عن المنكر.وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من قوم يكون فيهم رجل يعمل بالمعاصي ويقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا عمهم الله بعذاب» (رواه الإمام أحمد [4/363]).
قال ابن عقيل الحنبلي: "لو سكت المحقون ونطق المبطلون لتعود النشء ما شاهدوا، وأنكروا ما لم يشاهدوا".
وقال بلال بن سعد: "إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت ضرت العامة"، فإذا فشت المنكرات هلك الناس، ولا يستجاب لهم دعاء، ويحرمهم الله تعالى البركة والخير والنجاح في الدنيا والآخرة.
فحق بكل مسلم أن يكون في الغيرة والصلابة في دينه، ولا يتحبب إلى الناس بالمداهنة، ويغير المنكر بفعله، وإن لم يستطع فبقوله، أو يكره بقلبه، ويصبر على ما يصيبه من المكروه ويوطن نفسه بتحمل ما يأتيه من الأذى، ويثق بالثواب من الله تعال، أن صلحت نيته، وكان مقصده إعلاء كلمة الله تعالى ودعا برفق، فإن العزة لله جميعاً.
إذا أكرم الرحمن عبداً بعزه *** فلن يقدر المخلوق يوماً يهينه ومن كان مولاه العزيز أهانه *** فلا أحد بالعز يوماً يعينه
فإن من أكبر الذنوب أن يقول الرجل لأخيه المسلم اتق الله، فيقول: عليك نفسك، أنت تأمرني بهذا...؟!
ومن رأى المنكر ورضي به وعنده استطاعة على إنكاره ولم ينكره كان شريكه في إثمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل ينعش لسانه حقاً يعمل به بُعده إلا أجرى الله عليه أجره إلى يوم القيامة ثم وفاه الله عز وجل ثوابه يوم القيامة » (مسند الإمام أحمد [3/266]).
قال الله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63].
قال أبو حيان: "لولا، تخصيص يتضمن توبيخ العلماء والعباد على سكوتهم عن النهي عن معاصي الله تعالى والأمر بالمعروف".
(البحر المحيط [3/522]).
وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المنافقين، قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة:68].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من مشابهة بني إسرائيل فيما رواه عنه عبد الله بن مسعود: «أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض..».
(سنن أبي داود [4/121]).
وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث»، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117].
فالمانع والحائل من نزول العذاب هو الإصلاح لا مجرد الصلاح، فيجب على المسلم أن يكون صالحاً في نفسه أولاً.
وحقيقة الصلاح وتمامه: أن تكون مصلحاً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71].
قال الغزالي: "مفهوم الآية: أن من هجرهما خرج من المؤمنين"، وقال القرطبي: "جعلهما الله فرقاناً بين المؤمنين والمنافقين".
قال أبي الدرداء: "إذا تركتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سلط الله عليكم سلطاناً ظالماً لا يبجل كبيركم ولا يرحم صغيركم، ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون، وتستغفرون فلا يغفر لكم".
وقال لقمان لأبنه: "يا بني، كذب من قال الشر يطفأ بالشر، فإن كان صادقاً فليوقد نارين ولينظر: هل تطفئ أحدهما الأخرى؟ بل إن الخير يطفئ الشر كما أن الماء يطفئ النار ".
وروي أن الله أوحى إلى يوشع بن نون: "إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم، وستين ألفاً من شرارهم.
فقال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فقال: لأنهم لم يغضبوا لغضبي، وآكلوا أهل المعاصي وشاربوهم".
وكان أويس القرني يقول: "إن قيام المؤمن بالحق لم يدع له في الدنيا صديقاً، وما أمر أحد الناس بتقوى الله ونهاهم عن المنكر إلا رموه بالعظائم وشتموا عرضه.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين وأوليائك المقربين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
منصور محمد الشريدة