الأخذ بالأسباب الحسية والأدوية القلبية للوقاية من كورونا
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
الأخذ بالأسباب الحسية والأدوية القلبية للوقاية من كوروناالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فما أنزل الله من داء ووباء، إلا أنزل له دواء وشفاء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل من داء إلا أنزل له شفاء))؛ [متفق عليه].
ومن طرق العلاج وأسباب الشفاء للأمراض والأوبئة، بالإضافة إلى الأسباب الحسية: الأدوية القلبية، التي لها تأثير عظيم في العلاج والشفاء؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ها هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتدِ إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم، من الأدوية القلبية والروحانية، وقوة القلب واعتماده على الله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة والدعاء، والتوبة والاستغفار، والإحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب، فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لم يصل إليه علمُ أعلم الأطباء، ولا تجربته ولا قياسه، وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية، وقال: ومن أعظم علاجات المرض: فعل الخير، والإحسان، والذكر والدعاء، والتضرع والابتهال إلى الله، والتوبة، ولهذه الأمور تأثير في دفع العلل، وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية".
وعن عطاء قال: ((قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلتُ: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرعُ وإني أتكشف، فادعُ الله لي، فقال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يُعافيَك، فقالت: أصبرُ، فقالت: إني أتكشف، فادعُ الله لي ألَّا أتكشف، فدعا لها))؛ [أخرجه البخاري]؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك..
أعظم من تأثير الأدوية البدنية".
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: "إن الله سبحانه وتعالى جعل فيما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة العلاجَ لجميع ما يشكو منه الناس من أمراض حسية ومعنوية، وقد نفع الله بذلك العباد، وحصل به من الخير ما لا يحصيه إلا الله عز وجل"، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: "وأحيانًا يكون الدواء بالدعاء أنجع بكثير من الدواء الحسي المادي".
فينبغي على المسلم الحرص على الأخذ بهذه الأدوية الإيمانية قبل نزول أي مرض أو وباء به، وبعد نزوله، فهي أدوية بإذن الله رافعة للمرض والوباء، دافعة له.
لقد ابتلى الله عز وجل بعباده في هذا العام الهجري (1441) بوباء كورونا، الذي أضر بالعباد والبلاد، وقد أوصت بعض المنظمات الصحية بالأخذ بأسبابٍ حسيةٍ تقلل من الإصابة به، من أهمها ثلاثة؛ وهي:
الأول: التباعد الاجتماعي.
الثاني: تطهير الأيدي بالمعقمات.
الثالث: ارتداء الكمامات.
وهي أسباب يأخذ بها المسلم، ولكن لا يكون اعتماده عليها، بل يكون اعتماده على الله عز وجل، فهو حسبه وهو كافيه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، ومن أخذ بهذه الأسباب لتكون سببًا للوقاية له من الإصابة من وباء كورونا، فليجاهد نفسه في الأخذ بالأدوية القلبية والإيمانية التي لها تأثير في دفع الوباء ورفعه، فمع تطهير الأيدي بالمعقمات، يحرص المسلم على تطهير قلبه من المعاصي القلبية؛ ومنها: الحسد والرياء، والعجب والكبر، والفخر والخيلاء، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والفرح والسرور بأذى المسلمين، والشماتة بمصيبتهم، ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم، وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وتمنِّي زوال ذلك عنهم، ونحو ذلك، وغفلة بعض الناس عن المعاصي القلبية جعلتهم يتهاونون في ارتكابها؛ يقول ابن القيم رحمه الله: "فواجبات القلوب أشدُّ وجوبًا من واجبات الأبدان، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل من الفضائل والمستحبات، فتراه يتحرَّج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشدُّ تحريمًا وأعظم إثمًا".
فطوبى لمن كان حرصه على تعقيم يديه وقايةً من الإصابة بوباء كورونا دافعًا له لتطهير قلبه من المعاصي القلبية، فهي داء مهلك، ولها عواقب؛ من أهمها: أنها تمرض القلب، فلا يرى الحق حقًّا، أو يراه على خلاف ما هو عليه، ومنها: أنها قد تكون سببًا في سوء الخاتمة، ومنها: أنها من أسباب حرمان حلاوة الإيمان، ولذة الطاعة، ومنها: أنها من أسباب الوقوع في الأمراض والأزمات النفسية، فما يعانيه كثير من الناس اليوم من قلق وآلام نفسية من أهم أسبابها الوقوع في المعاصي القلبية.
ومن رامَ أن يتجنب الوقوع في المعاصي القلبية، فعليه أن يعمُرَ قلبَه بالطاعات القلبية؛ كمحبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، والإخلاص والتوكل، والخوف والرجاء، والصبر والرضا والشكر، والصدق والحياء، والإنابة، ونحوها، فهي سد منيع يحجز مَن امتلأ قلبه منها من الوقوع في المعاصي القلبية، وإن مما يعين المسلم على ذلك - بعد توفيق الله له - أمور؛ منها: قراءة القرآن الكريم بتدبر، ودوام ذكر الله عز وجل، وطلب العلم الشرعي، والدعاء والتضرع بصلاح القلب وزكاته.
ومع التباعد الاجتماعي يحرص المسلم كذلك على التباعد عن الذنوب، فكما يبتعد عن أي إنسان مخافة أن يكون مصابًا بالمرض فينقله له، فليبتعد عن أي ذنب صغيرًا كان أو كبيرًا مخافة أن يعذبه الله به في الدنيا أو الآخرة، وليبادر إلى التوبة، وربنا غفور رحيم كريم يقبل التوبة من عباده، مهما أسرفوا على أنفسهم من الذنوب؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]، ويا سعادة من كان حرصه على التباعد عن الآخرين وقايةً من الإصابة بوباء كورونا دافعًا له إلى التباعد عن الذنوب، والتوبة والإنابة إلى الله.
ومع ارتداء كمامات الوجه، يحرص المسلم كذلك على ارتداء لباس التقوى؛ فلباس التقوى خير لباس؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]، فاللباس نوعان: ظاهري يستر به العبد عورته، وباطني وهو التقوى الذي يستمر مع العبد؛ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "قوله تعالى: ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ قال العوفي عن ابن عباس: العمل الصالح، وعن عروة بن الزبير: لباس التقوى: خشية الله.
فهنيئًا لمن كان حرصه على ارتدائه للكمامات وقايةً من الإصابة بوباء كورونا مذكِّرًا له بأهمية أن يرتديَ اللباس المعنوي، وهو لباس التقوى، فالتقوى معناها: حفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، فمن حفظها حفظه الله؛ قال عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما: ((يا غلامُ، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك))، ومن حفِظَهُ الله، حفظه من كل سوء؛ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "ومن حفظ الله للعبد: أن يحفظه في صحةِ بدنه وقوته وعقله وماله...
ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه...
حفظه من الحيوانات المؤذية بالطبع"، فمن حفظه الله من الحيوانات المؤذية إذا اتقى الله عز وجل، حفظه من الأمراض مثل الفيروسات المؤذية.
حفظ الله جميع المسلمين من كل وباء ومكروه.