شرح زاد المستقنع كتاب النفقات [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين. أما بعد:

إلزام الزوج بمئونة نظافة زوجته

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ وعليه مئونة نظافة زوجته دون خادمها ]

أشار المصنف رحمه الله في هذه المسألة إلى أن الزوج ملزم بدفع التكاليف التي تتعلق بمئونة تنظيف الزوجة، وقد نص طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم أن الأمور التي تحتاجها المرأة للتنظيف من السدر والأشنان يلزم الزوج أن يهيئ ذلك لها؛ لأن هذا مما يتحقق به المقصود من النكاح.

حكم إخدام الزوج لزوجته

أما بالنسبة لمن يخدمها، وهي المرأة التي تقوم على خدمتها، فليس بملزم بنفقتها، وإنما يختص الحكم بالمرأة نفسها، وهذا متعلق بالمسألة التي ذكرناها من أن بعض النساء يلزم الزوج بإخدامهن، وذكرنا أن ذلك مبني على العرف، وأنها إذا كانت من بيئة يخدم مثلها فإنه يجب على الزوج أن يخدمها وأن يحضر لها خادمة، فإذا أحضر لها الخادمة فإنه لا تلزمه مئونة تنظيف الخادمة؛ لأن الاستمتاع بالزوجة وليس بالخادمة، ومن هنا تلزمه مئونة الزوجة دون مئونة الخادمة.

وعندما قال: (وعليه) دل على أنه أمر لازم وواجب عليه، وفي زماننا ما يكون من الصابون وأدوات التنظيف التي تحتاج إليها المرأة للنظافة إذا اغتسلت، فتحتاج مثلاً إلى الليف الذي تتنظف به في جسدها، وتحتاج إلى الصابون، وتحتاج إلى بعض المطهرات في الحدود التي يستطيعها الزوج.

وأما إذا أراد الأكمل والأفضل فزادها وطلب لها الأفضل والأكمل في هذه الأشياء، فهذا أجره أعظم عند الله عز وجل؛ لأنه من كمال العشرة، ومن كمال الإحسان، بشرط ألا يصل إلى الإسراف.

فإذاً: من حيث الأصل: على الزوج تهيئة الأدوات التي تحتاجها المرأة للنظافة، ومن هنا إذا احتاجت ماءً لتغتسل به فإن عليه أن يحضر هذا الماء، وكذلك أيضاً إذا احتاجت إلى الصابون والمطهرات، وفي زماننا الأشياء المنظفة المعروفة في كل زمان بحسبه، يحضر هذه الأشياء إليها.

ولذلك تتضرر المرأة ويضيق عليها الأمر إذا كانت لا تجد هذه الأشياء، فلو عاشت مع زوج لا تجد ما تتنظف به فإن هذا يؤذيها ويضر بها، ولا يحسن منها التبعل لزوجها.

ومن هنا قالوا: إن هذا يحقق مقصود الشرع من حصول الألفة والمحبة، والمرأة إذا تزينت لزوجها وتجملت لبعلها في الحدود الشرعية دون إسراف ولا بذخ ولا مشاكلة لأعداء الإسلام، فإن هذا يبعده عن الفتنة، ويعينها على العفة، ويمكنها من أن تحسن لبعلها أكثر.

وكان هذا محفوظاً حتى في السير وأخبار الصحابيات أنهن يتزيَّنَّ ويتجملن، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (فتمتشط الغائبة وتدّهن) وهذا يدل على أن المرأة تتجمل لبعلها وتتزين لبعلها، فيشمل هذا أدوات التنظيف -كما ذكرنا- وأدوات التسريح للشعر، وأدوات الحلاقة التي تحلق بها أو تنتف بها شعرها، مما جرى العرف به في كل عرف بحسبه.

في القديم كان الصابون وكانت أمشاط العاج على اختلاف طبقات النساء، وفي زماننا توجد مساحيق طبيعية ليست مشتملة على مواد محرمة، ويمكن للمرأة أن ترتفق بها، فهذا يحبب الزوج لزوجته.

حكم معالجة الزوج لزوجته

قال رحمه الله: [ لا دواء وأجرة طبيب ]

أي: ليس على الزوج أن يداوي زوجته، وليس على الزوج أن يعالجها إذا مرضت، وهذا محل إجماع واتفاق بين المذاهب الأربعة رحمة الله عليهم وغيرهم، فكلهم نصوا على أن الزوج ليس ملزماً بعلاج زوجته، وذلك لأن المرض متعلق ببدنها، وهذا أمر يتعلق بذاتها وليس له صلة بالحياة الزوجية، صحيح أنه لا يمكنه أن يستمتع بها إلا إذا شفيت، هذا شيء لا يعنيه، مثل ما لو استأجر أجيراً لعمل فمرض الأجير، فليس من حق الأجير أن يطالب بعلاجه.

وإن كانت في بعض القوانين والأعراف تُلزم رب العمل بمداواة الأجير، ولكن هذا ليس له أصل في الشرع، فالأجير بيني وبينه عقد أن يقوم ببناء أو أن يقوم بعمل ويأخذ أجره، أما أن أكلف بعلاجه ودوائه فهذا ليس له أصل شرعي يدل عليه، وهذا هو المعروف عند العلماء.

ولذلك لما ذكروا مسألة الزوجة أنه لا يجب تطبيبها قاسوها على مسألة الإجارة، كما نبه على ذلك الإمام ابن قدامة وغيره رحمة الله عليه؛ لأن طب البدن نفسه من مصلحة الزوجة لذاتها، وإن كان لا يستطيع أن يحقق مقصوده من الاستمتاع بها.

إذاً: إذا أحب أن يتفضل فهذا فضل منه وليس بفرض عليه، فليس بواجب عليه أن يعالج زوجته، ولكن من المعروف والإحسان أن الزوج يقوم على معالجة زوجته، ويسعى في تطبيبها ودوائها، وهذا من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل؛ لأن فيه إحساناً إلى أقرب الناس إليك بعد والديك وهي زوجك وحِبك وأهلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

والعلاج ينقسم إلى: طب دوائي وطب وقائي، فإن خرج عن الطب العلاجي والوقائي إلى أمور بعضها قد يكون معارضاً للشريعة، فحينئذٍ لا، فإذا كانت المرأة محتاجة لعلاج ضروري لإنقاذ نفسها من أمراض كأمراض القلب وأمراض الشرايين -أعاذنا الله وإياكم منها- ونحو ذلك من الأمراض المميتة، فهذه ضرورية، أو كانت حاجية كآلام الضرس ونحوها، فهذه حاجية؛ لأن فيها حرجاً، أو كانت وقائية مثل أن تستخدم بعض العقاقير لأمر يغلب على الظن أنها وقوعه، وبعض العقاقير التي يقصد منها التحصين من الأمراض ونحوها.

أما إذا خرج عن الدواء والوقاء وأصبح من الفضول، أو أصبح مخالفاً لمقصود الشرع مثل: وضع اللولب، فهذا ليس بعلاج ولا دواء، وليس بوقاية من حيث الأصل، وفيه استباحة الفرج مع اشتماله على المحاذير، من استباحة النظر إلى الفرج، والإيلاج في الفرج، ومس العورة وكشفها، وكذلك إرباك العادة، فإنه يربك العادة، مع أنه يخالف مقصود الشرع؛ لأنه يقطع النسل في مدة وجوده، ومقصود الشرع من الزواج التكاثر والتناسل.

ولذلك لما ضعف إيمان الناس في هذا الزمان إلا من رحم الله عز وجل، وأصبحت المرأة تشتكي من الحمل؛ أصبح كل شيء ضرورياً، وأصبحت تقول: ضرورة. مع أن الله عز وجل أثبت أن الحمل كره وأنه وهن على وهن، وأنه عذاب، ولماذا أعطى الله الأم من الحق ما لم يعطه للأب، وأعطاها من الفضل والخير والأجر، حتى إنها لو ماتت في نفاسها فهي شهيدة؟ هذا كله يدل على أن الشرع له مقصود في هذا.

فالمقصود أنه إذا كان علاجها مشتملاً على تغيير الخلقة، أو مشتملاً على محذور، فهذا لا يعالجه؛ لأنه إذا عالجها على هذا الوجه أعانها على معصية الله عز وجل. فيداويها ويعالجها إذا احتاجت، أما إذا كان العلاج للحمل، فالحمل واجب عليه أن ينفق عليه وأن يقوم عليه؛ لأن الولد ولده، ولذلك قال تعالى: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:6] فبيّن سبحانه وتعالى أن الحمل مستحق لوالده، ولذلك يُلزم بالنفقة عليه، فإذا احتاجت لدواء لهذا الحمل وجب عليه أن ينفق على هذا الجنين؛ لأن حياته ونجاته بإذن الله عز وجل موقوفة على هذا الدواء أو هذا العلاج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولذلك يجب عليه أن ينفق، ونفقة حياة الجنين والمحافظة على حياة الجنين أعظم من نفقة ما يتبع ذلك.

ولذلك يجب عليه أن يعالج المرأة إذا كان ذلك متعلقاً بحملها، بناءً على ما قرره العلماء رحمهم الله من أن المولود له، وأنه يطالب بنفقة الحمل.

يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ وعليه مئونة نظافة زوجته دون خادمها ]

أشار المصنف رحمه الله في هذه المسألة إلى أن الزوج ملزم بدفع التكاليف التي تتعلق بمئونة تنظيف الزوجة، وقد نص طائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم أن الأمور التي تحتاجها المرأة للتنظيف من السدر والأشنان يلزم الزوج أن يهيئ ذلك لها؛ لأن هذا مما يتحقق به المقصود من النكاح.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] 3698 استماع
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] 3616 استماع
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق 3438 استماع
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] 3370 استماع
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة 3336 استماع
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] 3317 استماع
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] 3267 استماع
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] 3223 استماع
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص 3183 استماع
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] 3163 استماع