شرح زاد المستقنع باب المساقاة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد شرع المصنف رحمه الله في هذه الجملة في بيان بعض الأحكام المترتبة على عقد المساقاة، وقد ذكرنا غير مرة أن العلماء والفقهاء رحمهم الله إذا بينوا العقود الشرعية من حيث اللزوم وعدم اللزوم فإنهم يشرعون بعد ذلك في بيان الآثار المترتبة على هذه العقود، فإذا اتفق طرفان: المالك للأرض والنخيل أو الأعناب مع العامل على سقي العنب والنخيل، وتمت المساقاة بالصورة الشرعية؛ فإن هناك التزامات على العامل، وهناك التزامات على رب الأرض، فيرد السؤال: ما هو الواجب على العامل أن يقوم به بناء على هذا العقد؟

وما هو الواجب على رب الأرض صاحب النخل بناء على هذا العقد؟

فعقد المساقاة عقد مقابلة ومعاوضة، فكل واحد من الطرفين يعطي للآخر شيئاً ويأخذ مقابل ذلك شيئاً آخر، فالعامل عليه التزامات، وضبط بعض العلماء هذه الالتزامات بأنه يجب عليه القيام بكل ما يتكرر في العام مثل تأبير النخل وتصليحه، وتصليح العراجين التي فيها ثمرة النخل، ومثل تقليم العنب، وغير ذلك من الأمور التي سنبينها ونفصلها إن شاء الله تعالى، فهذه الأمور تتجدد.

وعلى رب الأرض ومالكها أيضاً التزامات ينبغي أن يقوم بها، فالآن سيشرع المصنف رحمه الله في بيان هذه الالتزامات حتى لا يدخل العامل على حق رب المال، ولا يدخل رب المال على حق العامل، ولا يلزم العامل بشيء لا يلزمه بالعقل، فلا بد من معرفة ما الذي على العامل وما الذي على رب الأرض.

فيلزم العامل كل شيء فيه مصلحة الثمرة وهذا يشمل أموراً منها ما يتعلق بالنخلة ذاتها أو شجرة العنب نفسها، حيث يقوم بأشياء معينة هي من مصلحة الثمرة، بحيث إذا أخل بها أضر بالثمرة.

فعندنا مثلاً تأبير النخل، لو أنه لم يحسن تأبير النخل أضر بالثمرة، فهو ملزم بناء على حق المساقاة أن يقوم بالتأبير وتصليح النخل بالطريقة المعروفة والمتبعة، والتي يسير عليها الناس في العرف.

كذلك هو ملزم في تقليمه للعنب وقيامه على مصالح الثمرة بجميع ما جرى به عرف المزارعين، وأصحاب الأعناب في إصلاح هذه الثمرة، هذا بالنسبة لنفس الشجرة، فيشمل هذا إزالة الشوك الذي يسمى في عرف العامة اليوم (البرش) برش النخيل، ويشمل إصلاح الأقنية، والذي يعرف في عرف العامة اليوم (تعديل الأقنية)، ويلزم بالتأبير.

أما بالنسبة لما يتعلق بأرض النخلة فيلزمه حرث الأرض، والمراد بذلك ضربها بمسحاة وقلب ظهرها وإخراج بطنها حتى يشمس، ووضع السماد، وإزالة الحشيش، وهذا سنبين أسبابه؛ لأن هذه الأشياء كلها إذا قام بها العامل انتفعت الثمرة.

فالأرض إذا سقيت وكانت أرضاً زراعية فيها غذاء، وفيها القوة، فإن الثمرة تكون قوية، والقوة التي تعين الأرض بقدرة الله عز وجل وتساعد على صلاح ثمرة المزروع فيها لا بد من تعاطي أسبابها، فعندما تحرث الأرض ويقلب بطنها ظاهراً وتأتي الشمس عليه تنتفع الأرض أكثر وتتفكك، وحينئذ تقوى عروق النخل على امتصاص الماء، كذلك يضع السماد فيها، فإن السماد إذا وضع في الأرض اغتذت الأرض، بحيث إذا امتصت جذور النخيل امتصت غذاء فانتفعت الثمرة، فيكبر حجمها ويجود طعمها، ولربما كثرت الغلة، فبدل أن تخرج النخلة عذقاً أو عذقين أو ثلاثة قد تخرج عشرة، وهذا كله يعرفه أهل الخبرة بالنخيل.

فإذاً: مادام أن حرث الأرض يصلح الثمرة فإنه يلزم العامل، لكن نلزمه بالعرف عند أهل النخل، مثلاً أنها تحرث مرة في السنة فنلزمه بمرة في السنة، وإذا جرى العرف في المزارع التي حصلت فيها مساقاة أنها تحرث مرتين فحينئذ نقول: احرثها مرتين، وهذا الحرث يكون على صورتين: تارة بنفسه يضرب بالمسحاة، وهذا أشق ما يكون من عناء، خاصة إذا كان في مزرعة كبيرة، وتارة (يعزق) بالآلة، آلة الحرث من بقر أو ما يوجد في زماننا من الآلات التي يستعان بها بعد الله عز وجل في (عزق) الأرض وقلب بطنها إلى ظهر.

إذاً حوض النخلة يحتاج إلى إصلاحه بالسماد وإصلاحه بالمسحاة بعزقه، وربما أيضاً تحتاج النخلة إلى إصلاح الحوض لحفظ الماء، وهو ما يسمى بالعقوم، فيقوم بعقم الأحواض، وكل نخلة لها عقم، فتارة يكون صغيراً، وتارة يكون كبيراً، فلو أن هذا العقم تساقط مع مرور الشهر والشهرين خاصة مع الرياح إذا كانت الأرض جافة، فينزل العقم وإذا نزل كانت نسبة الماء قليلة ولا ترتوي بها النخلة، وإذا قل الماء قلت الثمرة فنقول: أنت مطالب برفع هذه العقوم، وإذا كانت العقوم تحيط بالنخلة فعليه أن يرفعها رفعاً يعين على إصلاح الثمرة ويتحقق به النتاج على أتم الوجه وأكملها، هذا بالنسبة للأمور التي نطالب بها العامل في حوض النخلة والأرض.

وهناك أمور نطالبه بها في جريان الماء ووصوله من البئر إلى النخيل أو الأعناب، فإذا كان هناك جداول فإنه يطالب بإصلاح الجداول، والتي تعرف في زماننا (القمطرة)، وقمطرة الماء تحتاج إلى كتفين يجري بينهما الماء وهو الذي يسمى بـ(المقمطرة) ويسمى في القديم الجدول، فكل هذا يطالب به، فنقول له: هذه المزرعة ما دمت قد التزمت بسقيها فأنت مطالب بكل ما يعين على سقيها ووصول الماء إلى النخيل، فيطالب بإقامة هذه العقوم، ويطالب بتقسيمها بين النخيل من أجل أن يجعل لكل نخلة حوضاً، ويجعل لكل مجموعة من الأعناب حوضاً أيضاً، فإذا طالبناه بذلك طالبنا بمصلحة الثمرة، ولا يقول العامل: إن الجدول يُطالَب به رب الأرض؛ لأن الجدول سيبقى في الأرض بعد خروج العامل وانتهاء المساقاة، فقد يقول العامل: رب الأرض هو المطالب بالجدول، نقول له: لا؛ لأن العقد تم على السقي، والقاعدة تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فلما كان التزامك في العقد بينك وبين رب الأرض أن تسقي النخيل وسقي النخيل مفتقر إلى إقامة هذه الجداول، فأنت مطالب بها.

كذلك بالنسبة لهذا الماء فيه مسألتان:

المسألة الأولى: تتعلق باستخراجه من البئر، فالعامل مطالب باستخراج الماء من البئر، ومطالب أيضاً بجريانه من الموضع الذي استخرج منه كالبركة أو نحوها، ووصوله إلى النخيل، وإلى الأعناب، فنطالبه أولاً باستخراج الماء فما يكون من الآلات التي تحتاج إلى إدارة مثل ما هو موجود في زماننا من المكائن الزراعية فإنه يطالب بتشغيلها والقيام عليها من أجل إدارتها حتى تدار ويخرج الماء، وإذا كانت تسقى بالنضح والدلو والرشاء، فنطالبه بالجلب إن كانت تسقى بالسواني، ونطالبه بإدارة السواني، فهو يطالب فقط بتحصيل أو بإدارة ما يمكن من خلاله وصول الماء، لكن بالنسبة للآلة نفسها التي هي السانية أو المكينة الزراعية فهي على رب الأرض، ولكن إدارتها وتشغيلها يطالب به العامل.

فنقول: رب الأرض يحضر المكينة ويلزم بإصلاحها إذا تعطلت ويلزم بوقودها وبكل ما يعين على إدارتها وتشغيلها، فلو تعطلت وكان عطلها بدون تفريط من العامل طولب رب الأرض بإصلاحها، هذا بالنسبة لمسألة إخراج الماء من البئر.

قال بعض العلماء: في القديم كان هناك ما يسمى بالعيون، وكانت الآبار تنقسم إلى قسمين: هناك آبار التي تعرف في زماننا بالآبار الارتوازية، فهذه بقدرة الله عز وجل الماء يكون فيها بإصابة العين؛ لأن الماء يجري تحت الأرض بعيون ولربما يكون مثل البحر على حسب كثرته وقلته، قال الله عن الماء: فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ [المؤمنون:18] فالله أسكن الماء في الأرض وأجراه عيوناً، ثم هذه العيون والآبار الارتوازية الموجودة في زماننا ليست كالقديمة.

وأنا أقول هذا الكلام حتى يتصور طالب العلم ويعرف كلام العلماء فيما سيأتي؛ لأنه ليس المراد أن نحفظ القديم، إنما المراد أن نفهم كيف نخرج المسائل المعاصرة على المسائل القديمة؛ لأننا إذا قرأنا الفقه بالطريقة القديمة فليست موجودة الآن، وإذا قرأنا بالطريقة الجديدة دون أن نخرج على القديم أصبحنا لا نحسن فهم هذه المسائل وتخريجها، فلا بد من الربط بين القديم والجديد وهذا ما يقوله العلماء، نبدأ من حيث انتهاء السلف رحمهم الله، أي: هم قعدوا لنا فنفهم تقعيدهم وتأصيلهم، ثم نخرج الموجود في زماننا على ما ذكروه.

نقول: المياه إذا جرت في الأرض تجري في عيون، فإذا حفر البئر في زمان فإنه يحفر بقدر معين ونسبة معينة، فإذا أصاب العين جاء الماء، وإذا لم يصب العين فلا ماء، فيمكن أن تجري العين وبينها وبين البئر الذي حُفر شبر واحد وهم لا يدرون، وقد يخسر مائة ألف أو مائتين ولا يجد الماء؛ لأن الله لم يوفقه على المجرى نفسه، فهذه العيون التي تجري في الأرض أشار الله تعالى إليها بقوله: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ [الفرقان:53].

ومن قدرة الله عز وجل أنه في بعض الأحيان تجري العينان متساوية مع بعضها، فتجري عين مالحة وعين عذبة في مجرى واحد أجراه الله جل جلاله، لا تستطيع أن تجد ملوحة الماء المالح الأجاج في الماء العذب الذي كالسكر، ولا تستطيع أن تجد عذوبة الماء العذب في الماء الأجاج فبينهما برزخ، لا يوجد بينهما حاجز ولا حائل لكن الله بقدرته وضع هذا البرزخ، وقد ذكر لي من رأى ذلك بعينه من المشايخ حينما كان صغيراً يقول: والله شربت فكان من جانب ماء عذب ومن ألذ وأعذب ما يكون، وجانب ملح أجاج لا تستطيع أن تدخله في فمك، وهذا من قدرة الله، ففي العصر الحديث هذه الآبار الارتوازية لا يستطيع العامل أن يدخل في البئر ويصلح شيئاً فتخريج الماء من الآبار الارتوازية على اصطلاح معين ما هو موجود في القديم.

النوع الثاني: الآبار القديمة وهي التي تحفر بقطر معين على حسب كثرة الماء في الأرض وقلته، ففي بعض الأحيان يكون الماء سطحياً، فقد يحفر مسافة الأربعة أمتار ويصبح بئراً يخرج منه الماء، ويسقى منه الزرع، ثم بعد ثلاث ساعات أو أربع ساعات يعود مرة ثانية ويمتلئ؛ لأن الماء كثير، فهذا البئر الذي هو ثلاثة أمتار أو أربعة أمتار يكفي لسقي المزرعة، لكن قد يكون السقي عن طريق السواني وهو الدلو، فهذا النوع من الآبار لا يمكن أن ينتفع به رب الأرض ولا يمكن أن يسقي منه إلا إذا قام العامل بتهيئة الأسباب لخروج الماء، وهذا يسلتزم في بعض الأحيان الحفر بالطريقة العادية القديمة، ويكون الحفر على العيون في أسفل البئر، وهذه العيون قد تضيق وتتسع، فيلزم العامل بتوسيع مجاري الماء ونطالبه بتنظيف هذا البئر إذا احتاج إلى تنظيف، ويقوم رب المزرعة بتنظيف البئر وإصلاحه، وفي بعض الأحيان تكون هناك عيون في جوانب البئر لتغذيته، فيحتاج إلى تصليح هذه الجوانب، فنطالب العامل باستصلاح هذه الجوانب.

إذاً: نحتاج أول شيء في البئر الذي يستسقى منه أن أن يقوم العامل بسقيه، ولو فرضنا أن الماء لا يستخرج من الآبار وإنما يأتي من العيون التي تجري على وجه الأرض، ويكون الماء كثيراً والعامل لا يحتاج إلى مكينة ولا يحتاج إلى بئر يصلح مجال الماء فيه، فنقول حينئذ: يلزم العامل بإصلاح مداخل الماء للمزرعة، فالمزرعة إذا كانت تطل على سيل أو على عين والتزم العامل أن يقوم بسقيها، نقول: يلزمك بموجب العقد أن تصلح مداخل الماء إلى المزرعة، وهذه المداخل عن طريقها يكثر الماء ويقل، فلو أن هذه المداخل وجد فيها أوساخ، ففي بعض الأحيان يوجد في مجاري السيول الشجر المتكسر الذي يجرفه السيل والأوساخ التي يأخذها السيل، فتأتي في المواضع المعينة وتسدها، فلو قال العامل: هذا ليس من شغلي؛ لأن عملي هو ما أشتغل به في داخل المزرعة نقول: كما أن المالك مطالب في البئر بتنظيفه فأنت مطالب بتهيئة مدخل الماء إلى المزرعة.

لكن ما سوى ذلك! كما في المواطير التي تسحب من السيول أو من الغدران، فلو أن رب المزرعة سألك فقال: أنا اتفقت مع العامل على أن يسقي المزرعة، وقد هيأت له الماطور، لكن الماطور يحتاج إلى عمل معين بحيث يكون دفعه للماء أكثر؟ تقول: إن كان هذا العمل مما يتصل بحسن إدارته والقيام عليه، وكان مما جرى العرف على أنه يقوم به العامل فإنه يلزم العامل، أما إذا كان مما لا دخل للعامل به، فأنت مطالب باستئجار من يقوم بذلك ولا نطالب به العامل.

إذاً هناك أمور تتصل بالنخلة نفسها يقوم بها العامل، وهناك أمور في أرض النخلة، وهناك أمور في جلب الماء إلى النخلة سواء كانت في الآبار نفسها أو فيما بين الآبار وبين حياض النخل من حين وصول الماء إليها، أو الجداول التي يجري فيها الماء ما بين العين وبين النخلة، أو الجداول التي يجري فيها الماء ما بين البئر أو البركة وما بين النخلة، هذه الجداول في بعض الأحيان تحتاج إلى قطع العشب؛ لأنه إذا جرى الماء نبت العشب بقدرة الله خاصة إذا كانت الجداول من طين، فينبت فيها العشب وإذا نبت فيها العشب حصل الضرر من وجهين:

الوجه الأول: أنه يعيق وصول الماء إلى النخل.

الوجه الثاني: أن هذا العشب يستنزف الماء لأنه يشرب من الماء فيأخذ نسبة منه.

فيطالب العامل بإزالة جميع الأعشاب، وهو مطالب بها بموجب عقد المساقاة، فإذاً لو سأل سائل عما هو مطالب به فيما بين مواضع الماء والوصول إلى النخلة؟ نقول: يطالب بتهيئة كل الأسباب لوصول الماء إلى النخل وسقيه على الوجه المعتبر، فهذه كلها التزامات نلزم بها العامل.

وقال رحمه الله: [ويلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة من حرث وسقي ودباغ].

حرث الأرض

(من حرث) "من" بيانية، والقاعدة تقول: (يلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة)، أي: بعمل أي شيء فيه مصلحة للثمرة، مما جرى العرف أن العمال يقومون به من حرث وغيره، والحرث يسمى في زماننا وفي عرف الناس (العزق)، وصورته: أن تضرب الأرض بالمسحاة وتحفر، من أجل قلب بطنها إلى ظهرها، فالأرض إذا مضت عليها سنة أو سنتان أو أكثر من سنة وهي لم تقلب أصبحت صلبة، وحينئذ الجذور الموجودة في النخلة تمتص الماء بصعوبة، وإذا أصبحت صلبة قل نزول الماء إلى أسفل، وإذا قل نزول الماء إلى أسفل بقي الماء على وجه الحوض أكثر مدة فتبخر مع الشمس، ونزلت نسبة ضئيلة إلى عروق النخلة، فإذاً تحتاج الأرض إلى (العزق) والضرب بالمسحاة لأمرين:

الأمر الأول: تفكيك هذه التربة حتى تستطيع جذور النخلة أن تمتص الماء أكثر، ولذلك إذا ضربت بالمسحاة وأصبحت الأرض هشة بمجرد ما تسقيها يذهب الماء تماماً؛ لأن الأرض أصبحت مهيأة للسقي، فتشرب جذور النخلة بكثرة ويكون هذا فيه مصلحة للثمرة؛ لأنها إذا شربت بكثرة جادت ثمرتها وكثرت، يعني: كان من مصلحتها فيطالب بحرث الأرض.

الأمر الثاني: أن هذا الحرث يقتل الأعشاب الذي يسمى بـ(النجيب)، فهذا (النجيب) إذا انتشر في الأرض فإنه يشرب الماء على النخلة، وهذا يضر بكثرة الثمرة وجودتها لأن نسبة الماء التي تصل إليها قليلة، وتزاحم جذور العشب لجذور النخلة فلا يصل للنخلة إلا القليل، فنقول له: أنت مطالب بعزق الأرض، ثم تخرج هذا العشب أو (النجيب) من الأرض وتحرقه بالطريقة المعروفة المتبعة، ثم إذا حرث يقوم بالتسميد، والسماد يطالب به رب الأرض، ووضع السماد في الأرض يطالب به العامل، فإحضار السماد (الزبل) وكلفته وشراؤه إذا كان طاهراً على المالك، ونحن بينا في مسألة بيع السماد أنه إذا كان طاهراً فإنه يجوز بيعه، وإذا كان نجساً لا يجوز بيعه، فلو كان السماد فضلة إبل أو بقر أو غنم فهو طاهر؛ لكن لو كان من فضلة الحمير ونحوها مما هو نجس فلا يجوز شراؤه، فإذا وضع هذا السماد الطاهر في الأرض فإنه يجب حينئذ أن تكون مئونة إحضاره إلى الأرض وشراؤه على رب الأرض، وأما مئونة وضعه وتقسيمه على أحواض النخل فهذا على العامل.

سقي المزرعة

قال رحمه الله: [وسقي ].

وذلك على الصورة التي ذكرناها، فيطالب أول شيء بأمور في البئر نفسه، ويطالب بوصول الماء من البئر إلى النخل، وتصليح أحواض النخل، في زماننا، فتوجد جداول الإسمنت الموجودة في زماننا، لكن يطالب العامل بتقسيمها ورعاية الماء أثناء جريانه فيها، وسقي الأحواض مرتبة حتى يستطيع أن يعطي كل نخلة حقها من السقي.

زبار الأشجار

[وزبار]

وهو تقليم أطراف العنب، فإن العنب يقلم في كل سنة مرة، وهذا التقليم في فصول معينة من السنة تؤخذ أطراف العنب وتقص، فإذا قصت الأغصان اليابسة أنتجت وخرجت ونشط انتشار العنب وأصبح المحصول إذا انتشر العنب وامتد أكثر، وهذا من مصلحة الثمرة، لكن إذا بقيت أطراف العنب ولم تقلم ولم تزبر فإنها لا تزداد ثمرتها، فتبقى ثمرتها أقل مما إذا استصلحت، وهذا الزبار يسمى في زماننا تقليم العنب، وهو: أخذ الأطراف اليابسة الميتة ونحو ذلك حتى يكون ذلك أدعى لانتشاره.

وذكرنا في المجلس الماضي أنه إذا استنبت العنب أرخى غصناً من أغصان العنب في الأرض، ثم حفر له ودفن طرفه وأخرج طرفه الآخر وقمله، فإذا قامت ما زالت تشتد، وهي تحتاج أن تترك حتى تزحف على الأرض مسافة متر مثلاً، حتى يكون ساقها قوياً ثم ترفع، وهي الجنة المعروشة، فهذا من خلق الله عز وجل.

فالعنب من الزروع التي لا بد لها من العريش، والعريش يحتاج مثلاً إلى أغصان الأثل أو ما يسمى بالطرفة الموجود في زماننا، ولذلك تجد في المزارع أنه لا بد من وجود الطرفة، فالطرف -الذي هو الأثل- يقص أغصانه ثم تقطع على طول متر أو مترين، ثم تقام في الأرض وتشجر فإذا رفعت الأغصان على العروش فذلك من أجل أمرين:

الأمر الأول: أنك تستطيع جني محصولها؛ لأنه لا يمكن لمحصول العنب أن يكون على الأرض، وإذا كان على الأرض فإنه يفسد، فيفسد بالماء أو يفسد بالآفات ونحوها، فيحتاج العنب إلى رفع، فنطالب العامل بعمل هذه العروش؛ لأنه من مصلحة الثمرة ثم نطالبه بتسقيفها، ثم توضع هذه العروش عليها بالصفة المعروفة عند أهل الخبرة، فالزبار في العنب يشمل التقليم وأيضاً مما يحتاجه العنب، فيطالب بتهيئة العروش وحمل هذه الأغصان من العنب على هذه العروش.

تلقيح النخيل

قال رحمه الله: [وتلقيح]

التلقيح، من اللقاح، والنخل بقدرة الله عز وجل لا بد أن يلقح، وبينا هذا في مسائل بيع النخلة إذا أبرت، وبينا صفة التأبير، فنقول للعامل: أنت مطالب بتأبير النخل ويسمى تغبير النخل.. وتلقيح النخل.. والتغبير؛ لأن العبرة بغبار الذكر، فالله بقدرته جعل النخيل على زوجين ذكر وأنثى، فالذكر يسمى بالفحول، ويخرج منه ما يسمى بالكيزان المغلقة والتي فيها مثل ماء الرجل وماء المرأة الذي هو اللقاح، كذلك هذا الغبار بالنسبة لأنثى النخيل مثل الماء الذي يكون بين الذكرين في الآدميين، فلا بد من هذا اللقاح.

وهذا اللقاح له عدة طرق، تارة يؤخذ من الفحول وينشر على الشمس حتى يتماسك؛ لأنه إذا كان طرياً تساقط غباره وذهب، فيقوم الفلاح بأخذ هذا العرجون الذي فيه أكثر من مائة مشجر من أشجاره، ثم تقطع واحدة واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً على حسب صغر حجمها وكبره، وبعد أن تقطع تنشر في الشمس حتى تضرب، فإذا ضربت بالشمس انكمشت، وإذا انكمشت حفظت الغبار الموجود فيها، وبعضهم يأخذه طرياً ويلقح به طرياً.

هذا الغبار يؤخذ من الفحول ويوضع في الإناث، وبعض الأحيان يكون الغبار من العام الماضي يحتاط به الفلاح؛ لأنه ربما خرجت العراجين من الإناث قبل أن يتيسر لها اللقاح فيحتاط بوضعه من العام الماضي لقاحاً.

فإذا أخرجت الفحول هذا اللقاح طولب العامل بترتيب هذا اللقاح وتصليحه وتهيئته لكي يلقح به، ثم إذا تشققت الإناث لقح كل نخلة بالعرف، إن كانت النخلة تحتاج إلى تعجيل عجل، وإن كانت تحتاج إلى تأخير أخر فهو مسئول عن أمرين:

الأمر الأول: لقاح النخلة.

والثاني: أن يلقح بالعدد والكمية والوقت والزمان المعروف عند أهل الخبرة.

فقد تحتاج النخلة إلى يومين أو ثلاثة وهو ما يسمى بالتبريد فلا تلقح مباشرة، وإنما تؤخر يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة وهذا من مصلحة الثمرة، فلا يجوز أن يبكر ويلقح مباشرة بل ينتظر، فإذاً يفعل في اللقاح ما هو مقتفى ومعروف عند أهل الخبرة، فلو أن لرب المال بستاناً ليس فيه لقاح أي: ليس فيه ذكر وجاء العامل وقال: أنا مستعد أُلقح لكن لا يوجد لقاح ذكر؟

نقول لرب البستان: أنت مطالب بإحضار اللقاح، والعامل مطالب بوضع هذا اللقاح في النخل، فإذاً من حيث الأصل العامل ليس مطالباً بتأمين اللقاح، إنما هو مطالب بوضع اللقاح وتهيئته إن كان موجوداً في البستان.

تشميس الأرض والثمرة

[وتشميس]

"والتشميس" يشمل تشميس الأرض وتشميس الثمرة في بعض الأحيان إذا جذت، وقلنا إن المراد بتشميس الأرض يحتاج أن تعزق وتترك اليومين أو الثلاثة أو الأربعة من أجل أن تضربها الشمس وإذا ضربتها الشمس فهذا يقتل جراثيمها والأوساخ الموجودة فيها، ويهيئ بقدرة الله عز وجل صلاحها أكثر، وتغتذي بقدرة الله بهذه الشمس، وكم في هذه الشمس من أسرار، وفي أشعتها من حكم تحار فيها العقول، وأهل الأبحاث والدراسات -ولا يصح أن نقول علماء الشمس؛ لأن العلم وصف شرف مختص بالدين والشرع، وهذا هو المنبغي، فينبغي على أهل الشريعة إذا ذكروا العلم أن يخصوا به أهل العلم الشرعي، أما غيرهم فيقال: باحثين.. دارسين، وأما العلم فوصف شرف يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] هذا وصف شرف لا يقال إلا لمن علم العلم الذي أوصله إلى رضوان الله والجنة.

أما إنسان عنده خبرة ومعرفة بالدنيا فيقولون: علماء كذا، حتى أصبحنا لا نعرف شرف أهل العلم في الدين من أهل الدنيا، وأصبح وصف العلم مستوياً وكان إلى عهد قريب لا يعرف العلم إلا عند أهله، وإذا قيل: العالم خشعت القلوب من ذكره؛ لأن المراد به عالم الآخرة، فهذا ينبغي أن يُفهم.

فنقول: دارسين، باحثين في أشعة الشمس، فهم يقولون: إن هناك من الفوائد ما تغتذي به الأرض وتنتفع به من شعاع الشمس، ويكون سبباً في صلاح الثمرة سواء كانت للنخيل أو المزروعات الأخرى.

فالتشميس مطالب به، وقد ذكره المصنف رحمه الله ودرج أهل الفلاحة والزراعة على أنهم يشمسون الأراضي من أجل استصلاحها، وفي بعض الأحيان يكون التشميس للثمرة، فالثمرة إذا جذت وقطعت تكون مستوية، ولكن فيها الطري وهذا الطري يحتاج إلى تشميس، فبقدرة الله تقوم أشعة الشمس بسحب الطراوة وتبقى الثمرة يابسة نوعاً ما، وهذا التماسك واليبس الذي يكون فيها بقدرة الله عز وجل بقوة الشمس، وفي بعض الأحيان أشعة الشمس تجعل اليابس مائعاً وليناً.

وهذه قدرة تحار فيها العقول فيمكن أن تضع ثمرة فتصبح بعد يبسها لينة بالشمس، وممكن أن تضع ثمرة وهي لينة فتصبح بأشعة الشمس يابسة، وكل من تعاطى الفلاحة يعرف ذلك، وهذا كله يدل على عظمة الله سبحانه وتعالى، وأن الله حينما وضع هذه الشمس وضعها بقدرة وبترتيب عجيب بديع، حتى إن تشميس الثمرة يحتاج إلى طريقة معينة وأيام معينة حتى يتحقق جفافها.

فالتشميس يطالب به العامل، والسبب في مطالبته مصلحة الثمرة، فإن كان التشميس للأرض فهذا يكون في الحراثة، يعزق الأرض ويتركها أسبوعاً، أو يتركها ثلاثة أيام، أو أربعة أيام، على حسب الفصول؛ لأنه يحتاج إلى سقي، وأما بالنسبة لتشميس الثمرة، فتشميس الثمرة على الصفة التي ذكرناها إذا كانت الثمرة تحتاج إلى تيبيس وفيها طراوة؛ لأنه لا يمكن بيع التمر إلا بعد يبسه، ولا يمكن إخراج الزكاة من التمر إلى بعد يبسه واكتمال نضجه، وهذا يستلزم أن توضع في الشمس خاصة إذا جذت الثمرة قبل تمام النضج.

ومعلوم أن النخل بقدرة الله عز وجل إذا استوت تكون بلحاً، ثم تكون رطباً، تبدأ تذبل من أسفلها ويسري فيها الرطب من الأسفل، وهناك بلح يسري فيه الرطب من أعلى، وهناك بلح يسري فيه الرطب من النصف، حارت عقول الباحثين في هذا حتى يعلمهم الله أن هناك قدرة وأن هناك إلهاً؛ لأنه لو كانت الأمور تجري بالطبيعة مثلما يقولون -الأمور طبيعية والحياة طبيعية- لأتت الرطب إما من أسفل وإما من أعلى وإما من الوسط، لكن تحار! تأتي إلى الروثان فتجده يأتيه الرطب من أسفل، وتأتي مثلاً إلى الربيعة فيأتيها الرطب من أسفل ومن فوق، ومن على جنب ومن جميع الجوانب، وقد تأتي في الربيعة لذعة يسيرة مثل حبة الذُرة، ثم لا يأتي آخر النهار إلا وهي مستوية، وتأتي إلى الروثانة تمكث يومين كاملين وقد رطب أسفلها، لا يمكن أن يزيد شعرة واحدة، كل هذه دلائل وحدانية الله عز وجل وقدرته! والشاهد أن الرطب إذا سرى في الثمرة واكتمل نضجها فإنها تصير تمراً، وهي المرحلة الأخيرة عند صيرورتها تمراً، وهناك مراحل:

المرحلة الأولى: أن يثمر العرش من النخلة فيصبح مستوياً، وإذا استوى واكتمل استواؤه وهو أخضر، فالفلاح الجيد الذي عنده خبرة لا يبادر بمجرد رؤيته أسود -يعني تمراً- إلى قطعه، بل ينتظر إلى أن ييبس العرش، فإذا يبس العرش تماماً وأصبح العرجون يابساً فتلك جودة تمره؛ لكن قد يستعجل الشخص بأن يكون مثلاً قرب زمن الأمطار فيخشى على التمر فيبادر بقصه، فإذا بادر بقصه فحينئذ يكون بقي ربع العرجون طرياً لم يكتمل يبسه، فإذا جئنا نكيل في الصاع أو نخرج الزكاة أو نقسم لم نستطع؛ لأن هذا القدر لا يمكن وضعه في الصاع؛ لأنه لم ييبس، فهذا القدر يحتاج إلى تيبيس، فنقول للفلاح: أنت مطالب بتشميسه حتى يكتمل، وعندئذ يمكن الانتفاع به، فمسألة التشميس إن كانت للثمرة فالغالب أن المراد بها ما بعد الجذاذ، فإذا قال له: جذ النخلة وبكر، واتفقا على أن يجذا مبكرين، فحينئذ يطالب بالتشميس حتى يكون ذلك أدعى ليبس الثمرة وكمال الانتفاع بها.

إصلاح موضع الشجر

قال رحمه الله: [ وإصلاح موضعه ]

أي: وإصلاح مواضع النخيل، فيطالب بإصلاحها مثل ما ذكرنا بالعزق ورفع العقوم وغير ذلك.

إصلاح جداول الماء وطرقها

قال رحمه الله: [وطرق الماء]

التي هي الجداول والماذيانات ونحو ذلك، يطالب بتنظيفها من العشب، ويطالب بتنظيفها من الأشياء التي تعيق وصول الماء، ويطالب بسد الحفر، ويطالب باستصلاح فتحات الماء على الأحواض ونحو ذلك.

فيفضل لطالب العلم -وأنا أوصي بذلك كثيراً- أن يخرج ويتعرف على هذه الفلاحة من باب معرفة الأحكام، فتخرج وتنظر وتسأل الفلاح، فإنك حينما تنظر إلى الأئمة ومشايخ الإسلام رحمة الله عليهم عندما يتكلمون عن هذه الأشياء تجد أنهم كانوا يعرفون كل شيء، فانظر المصنف يقول: (زبار وحرث وتشميس) كيف عرف هذا؟ ما عرفوه إلا بسؤال أهل الخبرة، وإذا كان قد تعاطى بعضهم الفلاحة، فممكن في بعض الأحيان أن يكون الإنسان عنده خبرة إذا تعاطى الأشياء، لكن كون طالب العلم يتكلم عن شيء يفهمه ويعرفه فهذا شيء طيب جداً، وهذا أدعى إلى معرفة الحكم الشرعي، وبه يستطيع أن يتصور كلام العلماء رحمة الله عليهم.

الحصاد

قال رحمه الله: [ وحصاد ونحوه ]

والحصاد حصاد الثمر الذي هو مثلاً جذاذ النخل، فلو أن العامل مكث ما يقرب من أحد عشر شهراً وهو يسقي النخيل ويقوم عليه، ثم اكتمل نضج النخيل، فجاء لرب البستان وقال له: إني قد سقيت والعقد بيني وبينك عقد مساقاة، فالآن قص الثمرة عليك، وليس بيني وبينك أي شرط، فبعض العلماء يقول: الجذاذ نصفه على العامل، ونصفه على رب المال مناصفة، فكل واحد منهما يجذ حقه، هذا مذهب بعض العلماء، وأن العامل ليس مطالباً بالجذاذ.

وقال بعض العلماء: العامل مطالب بالجذاذ، ثم يقسم الحق على ما اتفقا عليه، وإن كان الأقوى في الحقيقة أن العامل مطالب بالجذاذ، وبناء على ذلك نقول للعامل: أنت الذي تطالب بجذ النخيل، ثم بعد جذه يفعل ما في مصلحته من التشميس أو نحوه من التفصيل الذي ذكرناه.

فالعنب يحتاج إلى قص، تعرفون أن العنب الذي تروه في السوق وتشاهدونه يكون على أطراف أغصان، وهذه الأغصان تحمل ثمرة العنب، وتتصل ثمرة العنب بالأغصان بواسطة الخيط المعروف ما بين الثمرة وما بين الغصن، وهذا الخيط يقص ويقلم ويقطع، ثم تؤخذ ثمرة العنب وتزبب ويكون هذا أشبه بجذ ثمرة النخيل، فيطالب العامل فقط بقص هذا القدر من المحصول ولا يطالب بتفريقه، إنما يطالب فقط بالقص، ثم صيرورة العنب زبيباً هذه تحتاج إلى نظر، من حيث الأصل فالجذاذ يكون للعنب، لكن إذا أرادوا أن يقسموا العنب فلا يمكن تقسيمه إلا إذا كان زبيباً، أما لو قسم عنباً وهو موجود على حاله ووضعه لا يمكن إلا عن طريق الخرص وهذا يحتاج إلى أهل الخبرة فيقولون مثلاً: هذه العشرة العروش من العنب ثلاثة منها محصولها يعادل السبعة الباقية، فيعطى كل منهما حقه بالقسم، أو تقص ثم يقسم بينهما بالطريقة التي تقوم بتنشيفه وصيرورته زبيباً، أو ينتظر حتى ييبس فإذا صار زبيباً فقسمه سهل لأن الزبيب يمكن كيله وقسمته بين العامل وبين رب المال.

(من حرث) "من" بيانية، والقاعدة تقول: (يلزم العامل كل ما فيه صلاح الثمرة)، أي: بعمل أي شيء فيه مصلحة للثمرة، مما جرى العرف أن العمال يقومون به من حرث وغيره، والحرث يسمى في زماننا وفي عرف الناس (العزق)، وصورته: أن تضرب الأرض بالمسحاة وتحفر، من أجل قلب بطنها إلى ظهرها، فالأرض إذا مضت عليها سنة أو سنتان أو أكثر من سنة وهي لم تقلب أصبحت صلبة، وحينئذ الجذور الموجودة في النخلة تمتص الماء بصعوبة، وإذا أصبحت صلبة قل نزول الماء إلى أسفل، وإذا قل نزول الماء إلى أسفل بقي الماء على وجه الحوض أكثر مدة فتبخر مع الشمس، ونزلت نسبة ضئيلة إلى عروق النخلة، فإذاً تحتاج الأرض إلى (العزق) والضرب بالمسحاة لأمرين:

الأمر الأول: تفكيك هذه التربة حتى تستطيع جذور النخلة أن تمتص الماء أكثر، ولذلك إذا ضربت بالمسحاة وأصبحت الأرض هشة بمجرد ما تسقيها يذهب الماء تماماً؛ لأن الأرض أصبحت مهيأة للسقي، فتشرب جذور النخلة بكثرة ويكون هذا فيه مصلحة للثمرة؛ لأنها إذا شربت بكثرة جادت ثمرتها وكثرت، يعني: كان من مصلحتها فيطالب بحرث الأرض.

الأمر الثاني: أن هذا الحرث يقتل الأعشاب الذي يسمى بـ(النجيب)، فهذا (النجيب) إذا انتشر في الأرض فإنه يشرب الماء على النخلة، وهذا يضر بكثرة الثمرة وجودتها لأن نسبة الماء التي تصل إليها قليلة، وتزاحم جذور العشب لجذور النخلة فلا يصل للنخلة إلا القليل، فنقول له: أنت مطالب بعزق الأرض، ثم تخرج هذا العشب أو (النجيب) من الأرض وتحرقه بالطريقة المعروفة المتبعة، ثم إذا حرث يقوم بالتسميد، والسماد يطالب به رب الأرض، ووضع السماد في الأرض يطالب به العامل، فإحضار السماد (الزبل) وكلفته وشراؤه إذا كان طاهراً على المالك، ونحن بينا في مسألة بيع السماد أنه إذا كان طاهراً فإنه يجوز بيعه، وإذا كان نجساً لا يجوز بيعه، فلو كان السماد فضلة إبل أو بقر أو غنم فهو طاهر؛ لكن لو كان من فضلة الحمير ونحوها مما هو نجس فلا يجوز شراؤه، فإذا وضع هذا السماد الطاهر في الأرض فإنه يجب حينئذ أن تكون مئونة إحضاره إلى الأرض وشراؤه على رب الأرض، وأما مئونة وضعه وتقسيمه على أحواض النخل فهذا على العامل.

قال رحمه الله: [وسقي ].

وذلك على الصورة التي ذكرناها، فيطالب أول شيء بأمور في البئر نفسه، ويطالب بوصول الماء من البئر إلى النخل، وتصليح أحواض النخل، في زماننا، فتوجد جداول الإسمنت الموجودة في زماننا، لكن يطالب العامل بتقسيمها ورعاية الماء أثناء جريانه فيها، وسقي الأحواض مرتبة حتى يستطيع أن يعطي كل نخلة حقها من السقي.