شرح زاد المستقنع باب الربا والصرف [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

حكم بيع الربوي مع اتحاد الجنس أو اختلافه

قال رحمه الله: [فإن اختلف الجنس جازت الثلاثة]

هناك ثلاث صور:

- الصورة الأولى: أن يكون البيع مع اتحاد الجنس والصنف، فيجري فيه الربا من وجهين.

- الصورة الثانية: أن يتحد الجنس ويختلف النوع، فيجري فيه الربا من وجه واحد.

- الصورة الثالثة: أن يختلف الجنسان، فلا يجري فيه ربا التفاضل ولا النسيئة.

فإذا اتفق الجنسان والصنفان حرم التفاضل والنسأ، وإذا اختلف الجنسان جاز أن يباع كيلاً، ووزناً، وجزافاً، فلا بأس بذلك ولا حرج فيه؛ لأنه لا يشترط فيه التماثل.

وقوله: [والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً]: هذا الجنس الأخص.

وقوله: [كبر ونحوه]: البر منه الشامي والحجازي، وغيرهما من الأنواع الأخرى، فهو جنس واحد ولكنه يشمل أنواعاً، وهناك بعض المطعومات يكون جنسها واحداً، وهناك الأجود والجيد والأوسط والرديء، فهو يشمل أنواعاً متعددة.

فعندما نقول: البر يشمل عدة أنواع، والذهب يشمل جيده ورديئه، فيشمل: السبائك والخام والحلي والمضروب؛ فالجميع لابد فيه من التماثل والتقابض إذا اتحد صنفه وجنسه.

وقوله: [وفروع الأجناس كالأدقة والأخباز والأدهان].

الدقيق يكون من البر ومن الشعير، فدقيق الشعير لا يبـاع بدقيق الشعير ولا يبـاع بشعير، ولو اختلف الدقيق؛ كدقيق من شعير مشرقي مثلاً بدقيق من شعير مغربي، فنقـول: إن اختلاف نوعيهما لا يمنع من الحكم الأصلي من وجوب التماثل فيهما، فلابد من بيعها متماثلة، ويكون ذلك يداً بيد.

وهكذا الأرز، فإن الأرز عدة أنواع، فلو أراد رجل أن يبادل كيساً من الأرز بكيس من نوع آخر، فنقول: فروع هذه الأجناس كل فرع منها إذا كان له اسم خاص وبيع بمثله فإنه يجب أن يباع يداً بيد، مثلاً بمثل، فالأرز أياً كان نوعه لابد فيه من التماثل، وهو جنس ويشمل أنواعاً عديدة، لكن يجب فيها التماثل جميعاً جيدها ورديئها وأوسطها.

وقوله: [واللحم أجناس باختلاف أصوله].

فهناك لحم إبل، ولحم بقر، ولحم غنم، ثم هذه الأنواع تحتها أنواع، فالإبل مثلاً هناك لحم لصغار الإبل، ولحم لكبار الإبل، أو لحم من إبل عرابية ولحم من إبل بختية، فالجميع يجب فيه التماثل، لكن لو بيع لحم إبل بلحم غنم، فنقول: إن فروع الأجناس أجناس، فلحم الإبل جنس ولحم الغنم جنس، فيجوز أن تبيع لحم الإبل بلحم الغنم متفاضلاً في الوزن، ولكن يداً بيد؛ لأنه مطعوم موزون.

فإذا سأل سائل عن بيع اللحم باللحم؟ فنقول: فيه تفصيل: فإن اتفقا فكانا من نوع واحد: كلحم إبل بلحم إبل، فيجب التمـاثل والتقابض، فهو صنف واحد، وأما إذا اختلف كلحم إبل بلحم بقر، أو لحم إبل بلحم غنم، فإن هذا جنس وهذا جنس، فيجوز التفاضل ويجب التقابض.

وقوله: [وكذا اللبن].

فهناك لبن البقر، ولبن الغنم، ولبن الإبل، فمثلاً: اللبن الذي يباع يوجد منه في السوق بالألتار، ويكتب على العلبة: نصف لتر، أو لتر، وهذا اللتر يكون من جنس المكيلات، فلو سأل سائل عن مبادلة كرتون من هذا النوع من الحليب بكرتونين من نوع آخر من نفس الحليب، لكن هذا حليب مراعٍ والآخر نوع آخر فنقول: ما دام أنه لبن بقر فيجب فيه التماثل والتقابض، الكرتون بالكرتون مع التماثل في الكيل، كمائة لتر بمائة لتر، ويكون يداً بيد.

لكن لو كان أحد الكرتونين من لبن البقر، والكرتون الآخر من لبن الإبل، فنقول: يجوز بيع الكرتون بالكرتونين والثلاثة؛ لأن الجنس واحد، ولكن النوع مختلف، فلا يشترط التماثل.

وقوله: [والشحم].

الشحم المأخوذ من بهيمة الأنعام يختلف، فهناك الشحم الذي يؤخذ من الإبل أو البقر أو الغنم، فإذا باع شحوم الإبل فيجب التماثل والتقابض، إذا كان بعضها ببعض، وكذلك البقر والغنم.

لكن لو أراد أن يبادل شحم الإبل بشحم الغنم، جاز التفاضل ووجب التقابض، إذاً: إذا ضبطت القاعدة فهذه كلها أمثلة تطبيقية على ما يشترط فيه التماثل والتقابض.

وقوله: [والكبد أجناس].

فالكُبود التي تكون من الإبل لها حكم، والكُبود التي تكون من البقر لها حكم، والكُبود التي تكون من الغنم لها حكم، فإذا باع كبود الإبل فتقول: إذا كان بعضها ببعض وجب التقابض والتماثل، وإن كانت كبود إبل بكبود بقر جاز التفاضل ولم يجز النسأ.

حكم بيع لحم بحيوان من جنسه وبغير جنسه

قال رحمه الله: [ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه].

فلو ذبح الجزار شاة، وأتى رجل وعنده شاة حية، فرغب في هذه الشاة المذبوحة، وأراد أن يعطيه الشاة الحية ويأخذ المذبوحة، ومعلوم أن الشاة وهي حية من المعدودات، واللحم بعد ذبحه موزون.

وبالمناسبة: فإن بيع الحيوانات بالوزن لا يجوز، وهذا نص عليه العلماء؛ وذلك لأنه من بيع الغرر؛ لأن الشاة قد تشرب الماء فيثقل وزنها، وقد يعطيها طعاماً فتثقل في الميزان، وهذا من الغرر، ومن ثم حرم العلماء بيع الحيوانات موزونة، لكن لو ذبحت فإنه يجوز بيعها موزونة.

والشاة والبقرة والناقة لهن أحوال، فهناك ما تسمى بالشاة الحلوب، والناقة الحلوب، وهناك الناقة الركوب، وهناك شاة يراد منها الحليب، وهناك ناقة يراد منها الحليب، ويقال لها: ناقة حلوب، وهناك ناقة تراد للركوب، ويقال لها: ناقة ركوب، وهناك ناقة أكولة فيها لحم طيب، وهذا يرجع إلى أهل الخبرة، فإنهم يرون فيها أوصافاً معينة ويبنون عليها أنها صالحة للأكل.

فهناك ما يطلب للأكل، وهناك ما يطلب للركوب، وهناك ما يطلب للحليب، ولذلك قال: (من جنسه).

وبعض العلماء يقول: الأصل في تحريم بيع الحيوان باللحم نسيئة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الحيوان باللحم نسيئة)، وهو مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب رحمه الله، وقد أجاز بعض العلماء بيع الحيوان باللحم، وقالوا: يجوز أن يبيعه متفاضلاً لا نسيئة؛ لأنه من جنس المطعوم، أما إذا باع الشاة المذبوحة بشاة أكولة، فإن المراد من الشاتين واحد، فحينئذٍ يمتنع، وأما إذا باع الشاة الأكولة بالشاة الحلوبة فإنه يجوز؛ لأن المقصود مختلف، وهذا وجه خرجه بعض العلماء، خاصة وأنهم يرون ضعف الحديث المرسل عن سعيد بن المسيب رحمه الله.

وقوله: [ويصح بغير جنسه]:

أي: إذا باع الحيوان بغير جنسه، فلو أن جزاراً قال لك: أعطني مائة رأس مذبوحة من الغنم وأعطيك بدلاً عنها خمسين رأساً من البقر، فنقول: يجوز؛ لأن جنس البقر غير جنس الغنم، فيجوز التفاضل، ولكن يجب أن يكون ذلك يداً بيد؛ لأن كلاً منهما من جنس المطعوم.

حكم بيع الحب بدقيقه أو سويقه

قال رحمه الله: [ولا يجوز بيع حب بدقيقه].

عرفنا الضابط وهو اشتراط التماثل، وهنا صور يقع فيها التفاضل لعدم القدرة على التماثل والتكافؤ بين الصنفين في الصنف الواحد إذا بيع بعضه ببعض، فمثلاً: الحب بالدقيق، فإن الحب ليس كالدقيق، فالدقيق يقع بعضه على بعض فيكون مسدوداً بأجرام الدقيق أكثر من الذي يسد بالحبوب، ومن هنا لا يحصل التكافؤ بين الحب والدقيق.

ولو سأل سائل وقال: أنتم تقولون: يشترط التماثل، والصاع بالصاع يجوز، فلو أنني أخذت حباً وطحنته، وأردت أن أبادله بحب غير مطحون صاع بصاع، فهل يجوز؟ فنقول: لا يجوز؛ لأنه لما طحن اختلف عن غير المطحون، وموقعهما في الصاع وفي الكيل ليس بمتكافئ.

ومن هنا لا تتحقق المماثلة المشروطة شرعاً، فإنه إذا قال: صاع بصاع، أو مد بمد، فهذا لا يكفي وحده؛ بل لابد من التماثل على الصفة التي ذكرناها، فلو سأل عن بيع الدقيق بالحب؟ فنقول: لا يجوز، ولو اتفقا كيلاً؛ كصاع بصاع ومد بمد؛ بل لابد من التماثل بينهما.

وقوله: [ولا سويقه، ولا نيئه بمطبوخه].

إذا لت السويق بالنار وحبس عليها فسوف يذهب جزء من الدقيق، حتى لو أخذ السويق وبودل بالدقيق فليس بينهما تكافئ، ومن هنا قالوا: لا يجوز بيعه بالحب، ولا بيعه أيضاً بالدقيق؛ لأنه يختلف؛ فإنه المحموس ليس كغير المحموس؛ لأن النار تستنفذ وتستهلك منه، وهذا وهو الذي جعله يقول: (ولا نيئه بمطبوخه)، فلو سأل سائل عن بيع اللحم وقال: هل نبيع اللحم المطبوخ باللحم الني؟ فنقول: لا يجوز؛ لأنهما وإن تماثلا في الوزن فإن اللحم المطبوخ قد استنفذ وأهلكته النار، فلا يصل إلى قدر الني إلا بأضعافه في بعض الأحيان، كالحب مع المطحون.

حكم بيع الأصل بعصيره

قال رحمه الله: [وأصله بعصيره].

فلو قال قائل: أريد أن أبادل عصير البرتقال بحبوبه، فنقول: لا يجوز؛ لأن العصير خالص البرتقال، والحبوب فيها الخالص وفيها غير الخالص، فحينئذٍ الألياف الموجـودة في البرتقال زائدة على العصير، فلا يقع التكافؤ في الوزن، حتى لو وزن العصير مع البرتقال موزوناً، وقال: نأخذ القشر ونضاعف البرتقال في الوزن، فنقول: لايجوز.

وكذلك الجزر إذا كان يباع وزناً فهو مطعوم موزون يجري فيه الربا، فلو أراد أن يأخذ الجزر ويعصره ثم يبادله بغير المعصور، فإنه لا يجوز؛ لأن التماثل لا يتحقق.

حكم بيع الحب الخالص بالمشوب

قال رحمه الله: [وخالصه بمشوبه].

فلا يجوز بيع الحب الخالص بالحب المشوب، وهكذا إذا لم يدس حصاد الحب، فإن الحب إذا حصد يجعل في (البيدر) وبعد ذلك يداس وينقح، فمثلاً: قبل أن يخلص من الشوائب جاء رجل وقال: أنا أشتري منك هذا الحب الموجود المدوس الذي لم يصف بعد بهذا الحب الموجود، نكيل هذا ونكيل هذا، ألستم تقولون: إن الشرط (الكيل والتماثل)؟ فنعطي مائة كيلة بمائة كيلة، فنقول: لا. إنهما وإن اتفقا كيلاً لكن وجود الشوب يمنع من التماثل.

إذاً: وجود الشوب، ووجود النار كما في المطبوخ، وعدم التصفية، والعصر، كل ذلك لا يتحقق به التماثل، فقالوا: لا يباع إلا بمثله.

لكن لو قال أنه يريد أن يبيع عصير البرتقال بعصيره، فهل يجوز أم لا؟ نقول: يجوز إذا تماثلا، فإذا كان العصير يباع مثلاً بالكاسات، والكاسات أشبه باللتر، وتحقق التماثل في الكاسات، فلا بأس. والبرتقال أنواع، فهذا حلو، وهذا وسط بين الحلو والحامض، فإذا بادل به فيجوز إذا كان يداً بيد؛ لأنه تحقق بيع هذا العصير بهذا العصير، لكن إذا كان بأليافه مع عصيره فإنه لا يتحقق التماثل.

حكم بيع الرطب باليابس

قال رحمه الله: [ورطبه بيابسه].

وهكذا الرطب واليابس؛ لأن الضابط هو عدم وجود التكافؤ؛ لأن اليابس تستهلكه الشمس، فالتمر إذا كان في بداية الاستواء قبل أن ينشف يكون رطباً، أو يكون على نصف استواء الرطب، لم يكتمل استواؤه بعد، فإذا أراد أن يبادل الرطب باليابس فلا يجوز؛ لأن اليابس تستنفذ الحرارة منه وتستخلصه، بخلاف الرطب، فإن الماء الموجود فيه أكثر من اليابس.

والدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بيع الرطب بالتمر؟ قال عليه الصلاة والسلام: (أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم. قال: فلا إذاً) وهذا الحديث هو قاعدة هذه المسألة؛ فهكذا مسألة الني والمطبوخ، فإن المطبوخ إذا طبخ نقص، وفي بعض الأحيان يزداد المطبوخ إذا كان مخلوطاً بغيره، وإذا استنفد ذلك الغير فإنه يثقل، والعدل أن يكون على صفة يؤمن فيها التفاضل، فإذا كان نياً بني معاً مطبوخ بمطبوخ معاً، وهكذا بالنسبة لبقية الأشياء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (أينقص الرطب إذا يبس؟) نبه على العلة التي من أجلها حرم بيع الرطب بالتمر، وهو عدم وجود التماثل المطلوب.

حكم بيع الربوي بجنسه إذا استويا

قال رحمه الله: [ويجوز بيع دقيقه بدقيقه] أي: دقيق الحب بدقيق الحب [إذا استويا في النعومة]، إذاً: مدار المسألة كلها في التماثل فقط، فإذا طحن الدقيق فإنه يطحن الطحنة الأولى والطحنة الثانية، فإذا طحن الطحنة الثانية فإنه يكون أخف بكثير، وأكثر نعومة من الطحنة الأولى، وربما طحن بآلات يكون الطحن فيها أكثر نعومة من غيرها، فالآلات القديمة ليست كالآلات الحديثة.

إذاً: الدقيق بالدقيق يجوز بيع بعضه ببعض إذا كان مثلاً بمثل، يداً بيد، أما إذا اختلفا في النعومة، وكان أحد الدقيقين أكثر نعومة من الآخر، فإنه يقع فيه ما يقع في بيع الحب بالدقيق، فمثلاً: الجريش يطحن بعض الطحن وليس كل الطحن، وتبقى أجرام الحبوب فيه، فهذا الجريش لا يجوز بيعه بالدقيق، ولا يجوز بيعه بالحب، لكن إذا بيع بجريش طحن طحنة في مستواه جاز، وهكذا بالنسبة للدقيق الذي هو أكثر نعومة إذا طحن طحنة كاملة يفصل فيه: فإن طحن مرتين أو ثلاثاً وكانت نعومته أكثر، فلا يباع إلا بما هو ناعم أكثر؛ حتى يتحقق التماثل المطلوب شرعاً والمأمور به كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: [ومطبوخه بمطبوخه] أي: إذا تساويا في الطبخ [وخبزه بخبزه إذا استويا في النشاف] وذلك حتى يتحقق العدل، أما إذا اختلفا في الطبخ واختلفا في النشاف فإنه لا يجوز؛ لأنه يفضي إلى التفاضل المنهي عنه شرعاً.

وقوله: [وعصيره بعصيره ورطبه برطبه]، أي: يجوز بيع العصير بالعصير إذا استويا في العصر، ويجوز بيع الرطب بالرطب إذا استويا رطوبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نبه في حديث المزابنة على تحريم المزابنة لعدم وجود التماثل، ومفهـوم ذلك: أنه إذا وجد التماثل جاز، والعلة التي من أجلها حرم بيع المطبـوخ بالني، وبيع العصير بغيره، وبيع الدقيق بالحب، إنما هي خوف التفـاضل، لكن إذا زالت هذه العلة لاستوائهما نعومة أو طبخاً أو عصراً؛ جاز البيع وصح.

قال رحمه الله: [فإن اختلف الجنس جازت الثلاثة]

هناك ثلاث صور:

- الصورة الأولى: أن يكون البيع مع اتحاد الجنس والصنف، فيجري فيه الربا من وجهين.

- الصورة الثانية: أن يتحد الجنس ويختلف النوع، فيجري فيه الربا من وجه واحد.

- الصورة الثالثة: أن يختلف الجنسان، فلا يجري فيه ربا التفاضل ولا النسيئة.

فإذا اتفق الجنسان والصنفان حرم التفاضل والنسأ، وإذا اختلف الجنسان جاز أن يباع كيلاً، ووزناً، وجزافاً، فلا بأس بذلك ولا حرج فيه؛ لأنه لا يشترط فيه التماثل.

وقوله: [والجنس ما له اسم خاص يشمل أنواعاً]: هذا الجنس الأخص.

وقوله: [كبر ونحوه]: البر منه الشامي والحجازي، وغيرهما من الأنواع الأخرى، فهو جنس واحد ولكنه يشمل أنواعاً، وهناك بعض المطعومات يكون جنسها واحداً، وهناك الأجود والجيد والأوسط والرديء، فهو يشمل أنواعاً متعددة.

فعندما نقول: البر يشمل عدة أنواع، والذهب يشمل جيده ورديئه، فيشمل: السبائك والخام والحلي والمضروب؛ فالجميع لابد فيه من التماثل والتقابض إذا اتحد صنفه وجنسه.

وقوله: [وفروع الأجناس كالأدقة والأخباز والأدهان].

الدقيق يكون من البر ومن الشعير، فدقيق الشعير لا يبـاع بدقيق الشعير ولا يبـاع بشعير، ولو اختلف الدقيق؛ كدقيق من شعير مشرقي مثلاً بدقيق من شعير مغربي، فنقـول: إن اختلاف نوعيهما لا يمنع من الحكم الأصلي من وجوب التماثل فيهما، فلابد من بيعها متماثلة، ويكون ذلك يداً بيد.

وهكذا الأرز، فإن الأرز عدة أنواع، فلو أراد رجل أن يبادل كيساً من الأرز بكيس من نوع آخر، فنقول: فروع هذه الأجناس كل فرع منها إذا كان له اسم خاص وبيع بمثله فإنه يجب أن يباع يداً بيد، مثلاً بمثل، فالأرز أياً كان نوعه لابد فيه من التماثل، وهو جنس ويشمل أنواعاً عديدة، لكن يجب فيها التماثل جميعاً جيدها ورديئها وأوسطها.

وقوله: [واللحم أجناس باختلاف أصوله].

فهناك لحم إبل، ولحم بقر، ولحم غنم، ثم هذه الأنواع تحتها أنواع، فالإبل مثلاً هناك لحم لصغار الإبل، ولحم لكبار الإبل، أو لحم من إبل عرابية ولحم من إبل بختية، فالجميع يجب فيه التماثل، لكن لو بيع لحم إبل بلحم غنم، فنقول: إن فروع الأجناس أجناس، فلحم الإبل جنس ولحم الغنم جنس، فيجوز أن تبيع لحم الإبل بلحم الغنم متفاضلاً في الوزن، ولكن يداً بيد؛ لأنه مطعوم موزون.

فإذا سأل سائل عن بيع اللحم باللحم؟ فنقول: فيه تفصيل: فإن اتفقا فكانا من نوع واحد: كلحم إبل بلحم إبل، فيجب التمـاثل والتقابض، فهو صنف واحد، وأما إذا اختلف كلحم إبل بلحم بقر، أو لحم إبل بلحم غنم، فإن هذا جنس وهذا جنس، فيجوز التفاضل ويجب التقابض.

وقوله: [وكذا اللبن].

فهناك لبن البقر، ولبن الغنم، ولبن الإبل، فمثلاً: اللبن الذي يباع يوجد منه في السوق بالألتار، ويكتب على العلبة: نصف لتر، أو لتر، وهذا اللتر يكون من جنس المكيلات، فلو سأل سائل عن مبادلة كرتون من هذا النوع من الحليب بكرتونين من نوع آخر من نفس الحليب، لكن هذا حليب مراعٍ والآخر نوع آخر فنقول: ما دام أنه لبن بقر فيجب فيه التماثل والتقابض، الكرتون بالكرتون مع التماثل في الكيل، كمائة لتر بمائة لتر، ويكون يداً بيد.

لكن لو كان أحد الكرتونين من لبن البقر، والكرتون الآخر من لبن الإبل، فنقول: يجوز بيع الكرتون بالكرتونين والثلاثة؛ لأن الجنس واحد، ولكن النوع مختلف، فلا يشترط التماثل.

وقوله: [والشحم].

الشحم المأخوذ من بهيمة الأنعام يختلف، فهناك الشحم الذي يؤخذ من الإبل أو البقر أو الغنم، فإذا باع شحوم الإبل فيجب التماثل والتقابض، إذا كان بعضها ببعض، وكذلك البقر والغنم.

لكن لو أراد أن يبادل شحم الإبل بشحم الغنم، جاز التفاضل ووجب التقابض، إذاً: إذا ضبطت القاعدة فهذه كلها أمثلة تطبيقية على ما يشترط فيه التماثل والتقابض.

وقوله: [والكبد أجناس].

فالكُبود التي تكون من الإبل لها حكم، والكُبود التي تكون من البقر لها حكم، والكُبود التي تكون من الغنم لها حكم، فإذا باع كبود الإبل فتقول: إذا كان بعضها ببعض وجب التقابض والتماثل، وإن كانت كبود إبل بكبود بقر جاز التفاضل ولم يجز النسأ.

قال رحمه الله: [ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه].

فلو ذبح الجزار شاة، وأتى رجل وعنده شاة حية، فرغب في هذه الشاة المذبوحة، وأراد أن يعطيه الشاة الحية ويأخذ المذبوحة، ومعلوم أن الشاة وهي حية من المعدودات، واللحم بعد ذبحه موزون.

وبالمناسبة: فإن بيع الحيوانات بالوزن لا يجوز، وهذا نص عليه العلماء؛ وذلك لأنه من بيع الغرر؛ لأن الشاة قد تشرب الماء فيثقل وزنها، وقد يعطيها طعاماً فتثقل في الميزان، وهذا من الغرر، ومن ثم حرم العلماء بيع الحيوانات موزونة، لكن لو ذبحت فإنه يجوز بيعها موزونة.

والشاة والبقرة والناقة لهن أحوال، فهناك ما تسمى بالشاة الحلوب، والناقة الحلوب، وهناك الناقة الركوب، وهناك شاة يراد منها الحليب، وهناك ناقة يراد منها الحليب، ويقال لها: ناقة حلوب، وهناك ناقة تراد للركوب، ويقال لها: ناقة ركوب، وهناك ناقة أكولة فيها لحم طيب، وهذا يرجع إلى أهل الخبرة، فإنهم يرون فيها أوصافاً معينة ويبنون عليها أنها صالحة للأكل.

فهناك ما يطلب للأكل، وهناك ما يطلب للركوب، وهناك ما يطلب للحليب، ولذلك قال: (من جنسه).

وبعض العلماء يقول: الأصل في تحريم بيع الحيوان باللحم نسيئة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الحيوان باللحم نسيئة)، وهو مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب رحمه الله، وقد أجاز بعض العلماء بيع الحيوان باللحم، وقالوا: يجوز أن يبيعه متفاضلاً لا نسيئة؛ لأنه من جنس المطعوم، أما إذا باع الشاة المذبوحة بشاة أكولة، فإن المراد من الشاتين واحد، فحينئذٍ يمتنع، وأما إذا باع الشاة الأكولة بالشاة الحلوبة فإنه يجوز؛ لأن المقصود مختلف، وهذا وجه خرجه بعض العلماء، خاصة وأنهم يرون ضعف الحديث المرسل عن سعيد بن المسيب رحمه الله.

وقوله: [ويصح بغير جنسه]:

أي: إذا باع الحيوان بغير جنسه، فلو أن جزاراً قال لك: أعطني مائة رأس مذبوحة من الغنم وأعطيك بدلاً عنها خمسين رأساً من البقر، فنقول: يجوز؛ لأن جنس البقر غير جنس الغنم، فيجوز التفاضل، ولكن يجب أن يكون ذلك يداً بيد؛ لأن كلاً منهما من جنس المطعوم.