خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع باب صفة الصلاة [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [باب صفة الصلاة].
بعد أن تكلم المصنف رحمه الله على الأمور التي ينبغي على المكلف أن يحصلها قبل الصلاة شرع رحمه الله في بيان صفة الصلاة.
وصفة الشيء: حليته وما يتميز به، فقوله رحمه الله: (باب صفة الصلاة) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملةً من الأحكام والمسائل يستدل بها على هدي الصلاة.
وصفة الصلاة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يسمى صفة الكمال، وهذه الصفة هي أتم الصفتين وأكملها، وذلك أنها تشتمل على هدي النبي صلى الله عليه وسلم الكامل في صفة صلاته.
والقسم الثاني من صفة الصلاة: صفة الإجزاء، وهي الصفة التي ينبغي على المسلم أن يأتي بها كاملةً، فإن أخلّ بشيءٍ منها فإنه يعتبر مخلاً إما بركنٍ أو بواجب، فإن ترك الركن فإن صلاته تبطل ما لم يكن نسياناً وكان نسيانه مقارباً للصلاة في مسجده، فلو ترك ركناً وهو في المسجد، ثم ذكر قبل الخروج وأمكنه التدارك أتم صلاته، وصفة الإجزاء تشتمل على الأركان والواجبات، وقد يقتصر بعض العلماء فيها على الأركان وحدها.
ومن عادة العلماء رحمهم الله أنهم يعتنون بذكر وصف العبادة حتى يحكم على صلاة المكلف بكونها معتبرة أو غير معتبرة، وبعض العلماء يقدِّم على هذا الباب باباً، وهو باب آداب المشي إلى الصلاة، كما اعتنى به الإمام ابن قدامة رحمه الله في كتابه العمدة، وهكذا غيره من العلماء، ومنهم من يقتصر على ذكر الصفة ولا يذكر آداب المشي، والأكمل الاعتناء بآداب المشي في الصلاة، وهي تنحصر في أمورٍ من أهمها ما يلي:
استحضار النية
ذكر الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه خرج من بيته إلى صلاة الفجر، فدعا بثمان كلمات -كما في صحيح مسلم وغيره- وقال: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وأعطني نوراً)، فهذه ثمان كلمات من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الإنسان عند خروجه من بيته يريد التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فليحرص على هذا الذكر، فما أكثر فلاحه، وما أنجحه حين يخرج وهو يسأل الله أن يجعل في قلبه نوراً، ومن جعل الله في قلبه نوراً فإنه في أمنٍ وعافيةٍ من الفتن، وقال: (اجعل في لساني نوراً)، فلا يقول إلا خيراً، ولا يتكلم إلا بخير، ويعصم في كلامه، وإذا عُصِم الإنسان في كلامه ومنطقه كان على سدادٍ ورشاد، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [الأحزاب:70-71] فيحرص على هذه الأدعية النبوية، وهذا من آداب الخروج.
المشي راجلاً دون أن يركب
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، كثرة الخطا إلى المساجد)، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (إذا رفع العبد قدمه وهو ماضٍ إلى الصلاة لم يخط خطوةً إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة)، فهذا خيرٌ كثير.
وكان العلماء رحمهم الله يستحبون للإنسان إذا خرج إلى الصلاة أن لا يسرع، وأن يقارب الخطا حتى يكثر أجره بناءً على هذا الحديث، وأذكر من العلماء رحمهم الله من كان يمشي كأنه معقول الرجلين، يخفف من المشي حتى تكون خطاه أكثر وأجره عند الله أعظم؛ لظاهر هذا الحديث الثابت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
المشي إلى المسجد بالسكينة والوقار
أما عدم التشبيك بين الأصابع فلأنه في صلاة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبيك الأصابع في الصلاة؛ لأن اليهود إذا صلوا شبّكوا، فنهي المسلمون عن التشبيك حتى لا يتشبهوا باليهود، فإذا خرج إلى الصلاة يمتنع من تشبيك الأصابع، وقد جاء في حديث أبي داود تأكيد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما أن لا يشتد في سعيه فمعناه: لا يجري ولا يهرول، ولا يسعى حثيثاً حتى ولو سمع الإقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا أقيمت فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من أتى إلى الصلاة أن لا يسعى، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليأتها بسكينة ووقار)، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما خرج إلى الصلاة -أعني صلاة الاستسقاء- خرج متخشعاً متذللاً متبذلاً) صلوات الله وسلامه عليه.
فلا بد من العناية بهذه الآداب.
وقد يقال: هل الأفضل أن يركب الإنسان حتى يحصل الصف الأول في المسجد، أو الأفضل أن يمشي فيحصل فضل السعي إلى المسجد؟
فإن الإنسان لو مشى قد يكون بعيداً عن المسجد، بحيث لو مشى على قدميه ربما فاته الصف الأول، وإذا ركب سيارته أو دابته أدرك الصف الأول، فهل الأفضل مشيه إلى الصلاة تحصيلاً لهذه الفضائل، أو تبكيره بالركوب وفوات فضل المشي عليه بإدراك الصف الأول؟
في هذه المسألة وجهان للعلماء: أقواهما أنه يركب، فيكون فضل الصف الأول مقدّماً على فضل المشي، ووجه هذا الترجيح أن القاعدة: (إذا تعارضت الفضائل قدمت الفضيلة المتصلة على الفضيلة المنفصلة)، فإن المشي إلى الصلاة فضيلة منفصلة عن الصلاة، والصف الأول فضيلة متصلة بالصلاة، ولذلك تقدم الفضيلة المتصلة على الفضيلة المنفصلة، فالأفضل له أن يركب، ولكن كما قال بعض العلماء رحمة الله عليهم: يستحب له أن يجعل في نيته أنه لولا ضيق الوقت لمشى على قدميه، حتى يكتب له الفضلان.
ذكر الدعاء المأثور عند دخول المسجد
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلين اختصما في المسجد ورفعا أصواتهما، فلما جاء إليهما قال: ممن أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، أي: لمكان حرمة المسجد وأذية الناس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فلا بد للإنسان أن يراعي هذه الآداب، ولذلك نبّه العلماء رحمهم الله على أنه كلما كان الإنسان متعاطياً للسنة حريصاً عليها كلما كان موفقاً للقبول في صلاته، وينبغي نصح الناس وتوجيههم إلى عدم الإخلال بهذه السنن، وبيان ما ينبغي من التزامه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصةً فيما يتعلق بكفّ الأذى.
صلاة تحية المسجد
فإذا حضرت الصلاة فحينئذٍ يبتدئ بمراعاة ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) ، فإذا أقيمت الصلاة فإنه يمتنع من التنفل، ويمتنع من إحداث صلاة النافلة بعد إقامة الصلاة.
أولاً: ينبغي للمكلف إذا أراد أن يذهب إلى المسجد للصلاة أن يستحضر النية، وهي قصد وجه الله عز وجل بخروجه إلى المسجد، وهذه النية معتبرة للحكم بكونه في قربة وعبادة، وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلاة الرجل تضعّف على صلاته في بيته وسوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأصبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة)، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يخرجه إلا الصلاة)؛ لأن الناس منهم من يذهب إلى المسجد للآخرة، ومنهم من يذهب للدنيا، ومنهم من يذهب جامعاً بين الدنيا والآخرة، فمن خرج وقصده الآخرة كأن يخرج وقصده العبادة والتقرب لله، وشغل الوقت في طاعة الله، وأداء ما افترض الله عليه فهو في قربة، ومثاب من خروجه إلى رجوعه إلى بيته، حتى ورد في الخبر أنه لو هلك فعلى الله أجره، بمعنى أنه لو أصابته مصيبة فمات في طريقه إلى المسجد، أو أصابته بلية فإن أجره على الله، ولذلك كانوا يعتبرون من حسن الخاتمة موت الإنسان في خروجه إلى الصلاة، أو خروجه إلى المسجد؛ لأنها طاعةٌ وقربة، فإذا خرج يستحضر النية.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] | 3705 استماع |
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] | 3620 استماع |
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق | 3441 استماع |
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] | 3374 استماع |
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة | 3339 استماع |
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] | 3320 استماع |
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] | 3273 استماع |
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] | 3228 استماع |
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص | 3186 استماع |
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] | 3169 استماع |