خطب ومحاضرات
شرح زاد المستقنع باب شروط الصلاة [5]
الحلقة مفرغة
السدل في الصلاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ويكره في الصلاة السدل].
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السدل كما في حديث أبي داود الذي حسن العلماء إسناده: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن السدل في الصلاة)، وبين العلماء رحمهم الله هذا السدل وهو أن يرسل طرفي الرداء دون أن يضمهما أو يجعلهما على أحد عاتقيه، كما في الإحرام يكون الإزار لأسفل البدن، والرداء لأعلاه، فإذا جاء الإنسان يصلي فإنه إذا سدل يكون منفتح الصدر، وهذه الهيئة لا تليق والعبد واقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك لو دخل عليه إنسان يجله ويكرمه فإنه مباشرة سيضم ذلك الرداء، ولا يرى من نفسه أن يكشف صدره ما دام أمكنه أن يحجبه.
ولذلك يرمي بطرف الرداء إذا أراد أن يصلي، أو على الأقل يضمه، وإذا كان في غير الإحرام شَبَكه، فجعل له مشبكاً أو زَّرره إذا كان له أزراراً، لكن استُثنِي من هذا ما جرت العادة بلبسه مع وجود ما هو دونه مثل العباءة والبشت، فقد أجاز العلماء رحمهم الله أن يرسله؛ لأن العلة غير موجودة فيه، فإن السدل المراد به ما يؤدي إلى الانكشاف، ولذلك يقولون: ما كان معللاً فإنه يدور مع علة الحكم وجوداً وعدماً.
وبناءً على هذا لو كان جرى العرف أنه يُسدَل فلا حرج عليه أن يصلي سادلاً، ولكن مع هذا فالأكمل والأولى أنه يضُم طرفي عباءته حتى يكون ذلك أبعد عن الشبهة.
اشتمال الصماء في الصلاة
يقال: حجرةٌ صماء. إذا لم يكن فيها منفذ، واشتمال الصماء فيه أقوال للعلماء: أقواها وأولاها أن يأخذ الثوب ويتلحَّف به على وجهٍ لا يوجد فيه لليدين أو لأحدهما منفذ.
فبعض الناس في شدة البرد يأتي بالغطاء الذي هو الرداء على أعلى البدن، ويتوشح به على طريقة لا يستطيع أن يخرج يده لو دهمه عدو أو سبع، أو أرادته دابة أو هامة، فلا يستطيع أن يعاجل لدفع هذا الضرر، فنُهِي عن هذا الاشتمال، وهذا وجه.
وقيل: أن يأخذ الثوب ويتلحَّف به ويرده على عاتقيه فينكشف فرجه، قالوا: وهذا وجه من الأوجه التي نهي عنها.
وورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه تفسيره بالوجه الذي ذكرناه، وبناءً على ذلك، فإن قلنا: السدل هو أن يضم الثوب، ويكون الثوب أصم لا منفذ فيه تكون العلة خوف الضرر على الإنسان؛ لأنه ربما في بعض الأحيان خاصة إذا كان يمشي يفاجأ بحية أو سبع أو عدو، فإذا كان مشتملاً للصماء فلا يستطيع أن ينزع سلاحه، أو يكبح عدوه، ولا أن يدفع الضرر عنه، قالوا: فنُهِي عنها من أجل مضرة البدن.
والوجه الثاني: لخوف انكشاف العورة، فإذا التحف بالثوب الواحد فلو تحرك منه انكشفت عورته على الصورة التي ذكرناها، وكل هذه الصور منهي عنها، لكن الخلاف في المراد باشتمال الصماء، وهذا مثله نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة، فالإجماع منعقد على أن بيع الملامسة لا يجوز، سواءٌ أقلنا: الملامسة أن يقول له: أبيعك ثوبي على أن يقوم لمسك مقام نظرك، أم قلنا: أن يقول له: إذا لمست الثوب فهو عليك بعشرة، أو إذا لمست الثوب انقطع الخيار عنك، فكل هذه الصور في الأصل محرمة، لكن الخلاف أيها المراد بالحديث، فينبغي أن يُتَنَبه أن خلاف العلماء في اشتمال الصماء هنا إنما هو الخلاف في المراد بالحديث، لكن لو أن إنساناً التحف بالثوب بطريقة تنكشف بها العورة نقول: هذا حرام، سواءٌ أكان هو اشتمال الصماء أم لم يكن؛ لأن الشرع لا يجيز انكشاف العورة، ولا يجيز لبس الثياب على وجهٍ تنكشف به السوءة.
كذلك لو قلنا: إن اشتمال الصماء لا يشمل التلحف بالثوب، فإن التلحف بالثوب على وجهٍ لا يتمكن الإنسان معه من دفع العدو أو الدابة أو الهامة منهيٌ عنه؛ لمكان الضرر بالبدن.
تغطية الوجه في الصلاة
ذلك لأنه ورد حديث أبي داود في النهي عن تغطية الوجه في الصلاة، ولأنه إذا غطى وجهه في الصلاة شابه اليهود، فإن اليهود في معابدهم يغطون، فنُهِي عن هذا لئلا يكون فيه مشابهة لليهود، كما نهي عن التشبيك لمن عَمِد إلى الصلاة، أو جلس في الصلاة ينتظرها، أو كان في الصلاة؛ لأن فيه مشابهةً لليهود.
وكذلك أيضاً لأنه إذا غطى وجهه في الصلاة فإنه يمنعه من مباشرة السجود عليه، والسجود على الجبهة والأنف مقصودٌ في حديث السبعة الأعظم التي أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها كما في حديث ابن عباس في الصحيح.
وضع اللثام على الفم والأنف في الصلاة
أي: يستوي أن يغطي وجهه كليةً، أو جزئياً فيجعل اللثام على أنفه، أو يجعله على فهمه، قال بعض العلماء: إنه إذا جعل اللثام على فمه منع من خروج الحروف وإحسان القراءة، ومنع من تبينها إذا كان إماماً، فنهي عن هذا من أجل هذا الوجه.
وقال العلماء: إن المقام بين يدي الله في الصلاة مقام هيبةٍ وإجلالٍ وتعظيمٍ لله عز وجل وتوقير، فإذا تلثَّم فإن هذا لا يتناسب مع حال المصلي الواقف بين يدي الله عز وجل.
كف الكم ولفه في الصلاة
كف الكم ولفه تلك الصورتان منهيٌ عنهما.
وكف الكم هو أنه إذا أراد أن يسجد ضم كف كمه إليه؛ لأنه إذا سجد ربما اتسخ الكم، قالوا: إن هذا كف الكم.
وأما لفه فصورته أن يلفه حتى يَنْشَمِر ويرتفع إلى العَضُد أو إلى نصف الساعد، فهذه الصورة لا تليق بمن وقف بين يدي الله؛ لأنها صورة العمل، والعامل إذا أراد أن يقوم بمهنته وعمله كفَّ ثوبه، وكذلك لَفَّ الثوب، ولذلك نهي عن هذا الكف؛ لأنه لا يليق بمقام العبد بين يدي الله، ولذلك لو دُعِيَ إنسانٍ ليدخل على إنسانٍ يجله ويكرمه ويعظمه لما دخل مشمر اليدين؛ لأنها هيئة لا تليق بالدخول على العظيم أو من يراد تعظيمه، ولله المثل الأعلى، فناسب أن يكون موقف الإنسان بين يدي الله عز وجل على غير هذه الصورة.
وهذا يقع فيه كثير من الناس بسبب الخطأ والجهل، فهم يتوضئون، ثم يأتون مباشرة وقد حسر أحدهم عن ذراعيه، فيكبر ويصلي وهو حاسر الذراعين، وهذا -كما قلنا- لا يليق بالمصلي أن يفعله، والأدهى من ذلك أنه أثناء الصلاة يفك هذا اللفاف عن يديه، وهذا اشتغال، ولا ينبغي للإنسان أن يشتغل به إلا في حالة واحدة، وهي أن ينسى ذلك، ثم يتذكر في الصلاة، قالوا: فإنه يتعاطاه من باب تحصيل الواجب، وهو أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كف الثوب يقتضي خروجه عن هذه الصورة فيُلزم به.
شد الوسط في الصلاة
كان قديماً إذا فُتِحت بلاد الكفار وفيها قومٌ من أهل الكتاب من أهل الذمة يُلزَمُون بلبس معين يختص بهم حتى لا يشابه المسلمين؛ لأن لهم أحكاماً تخصهم، فربما أنهم لو اختلطوا بالمسلمين ولبسوا لباسهم سُلِّمَ عليهم وعوملوا معاملة المسلمين، وذلك تكريمٌ لهم، والشرع قصد إهانتهم كما قال تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18]، فلذلك الكفار إذا كانوا تحت حكم المسلمين يُذلون، وهذا أصل شرعي في حدود اشتمل عليها كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل الذمة، والذي شرحه الإمام ابن القيم في كتابه النفيس: (أحكام أهل الذمة).
فمن هذه الأحكام أنه يُشَد وسطهم بالزنار، وهو نوع من اللباس يجمع على وسطهم حتى يتميزوا عن المسلمين، ويكون هذا علامة لهم على أنهم من أهل الكتاب، فلا تُعطَى لهم أحكام المسلمين في الظاهر، فإذا أراد أن يصلي المصلي لا يشد وسطه كالزنار، أي: كشد الزنار.
أما لبس الزنار ذاته فإنه منهي عنه؛ لأن فيه مشابهة للكفار، ولا تجوز مشابهتهم.
لكن لو صلى الإنسان فلا ينبغي أن يصلي وقد رفع ثوبه أو شمَر وسطه، ويستوي في ذلك أن يرفع طرف الثوب ويضمه، مثلما يفعله بعض العمال أثناء عملهم، حيث يرفع الطرف الأسفل ثم يشد الوسط، أو يجعل الثوب مرخياً ويأتي بعمامته ويشدها في الوسط، كمن أراد أن يحمل شيئاً حتى يتمكن من حمله بقوة الوسط، فيجعل في وسطه حزاماً أو عمامةً، فهذا منهي عنه، لكن لو كان اللباس يُحتاج إليه، كإنسان يعمل في حدادة أو نجارة، ويلبس البنطال واحتاج أن يشده بحزام، لخوف انكشاف عورته، فلربما انحسر هذا الساتر عن عورته لو لم يشد، فحينئذٍ لا حرج عليه، إنما المراد بالشد الذي ينبئ عن الصورة الناقصة في المصلِّي، مثلما يقع في الثياب يُوضَع في وسطها ما يُشَد، أما لو كان من طبيعة اللباس فهذا مستثنىً ولا حرج فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول المصنف رحمه الله: [ويكره في الصلاة السدل].
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السدل كما في حديث أبي داود الذي حسن العلماء إسناده: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن السدل في الصلاة)، وبين العلماء رحمهم الله هذا السدل وهو أن يرسل طرفي الرداء دون أن يضمهما أو يجعلهما على أحد عاتقيه، كما في الإحرام يكون الإزار لأسفل البدن، والرداء لأعلاه، فإذا جاء الإنسان يصلي فإنه إذا سدل يكون منفتح الصدر، وهذه الهيئة لا تليق والعبد واقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك لو دخل عليه إنسان يجله ويكرمه فإنه مباشرة سيضم ذلك الرداء، ولا يرى من نفسه أن يكشف صدره ما دام أمكنه أن يحجبه.
ولذلك يرمي بطرف الرداء إذا أراد أن يصلي، أو على الأقل يضمه، وإذا كان في غير الإحرام شَبَكه، فجعل له مشبكاً أو زَّرره إذا كان له أزراراً، لكن استُثنِي من هذا ما جرت العادة بلبسه مع وجود ما هو دونه مثل العباءة والبشت، فقد أجاز العلماء رحمهم الله أن يرسله؛ لأن العلة غير موجودة فيه، فإن السدل المراد به ما يؤدي إلى الانكشاف، ولذلك يقولون: ما كان معللاً فإنه يدور مع علة الحكم وجوداً وعدماً.
وبناءً على هذا لو كان جرى العرف أنه يُسدَل فلا حرج عليه أن يصلي سادلاً، ولكن مع هذا فالأكمل والأولى أنه يضُم طرفي عباءته حتى يكون ذلك أبعد عن الشبهة.
قال رحمه الله تعالى: [واشتمال الصماء]
يقال: حجرةٌ صماء. إذا لم يكن فيها منفذ، واشتمال الصماء فيه أقوال للعلماء: أقواها وأولاها أن يأخذ الثوب ويتلحَّف به على وجهٍ لا يوجد فيه لليدين أو لأحدهما منفذ.
فبعض الناس في شدة البرد يأتي بالغطاء الذي هو الرداء على أعلى البدن، ويتوشح به على طريقة لا يستطيع أن يخرج يده لو دهمه عدو أو سبع، أو أرادته دابة أو هامة، فلا يستطيع أن يعاجل لدفع هذا الضرر، فنُهِي عن هذا الاشتمال، وهذا وجه.
وقيل: أن يأخذ الثوب ويتلحَّف به ويرده على عاتقيه فينكشف فرجه، قالوا: وهذا وجه من الأوجه التي نهي عنها.
وورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه تفسيره بالوجه الذي ذكرناه، وبناءً على ذلك، فإن قلنا: السدل هو أن يضم الثوب، ويكون الثوب أصم لا منفذ فيه تكون العلة خوف الضرر على الإنسان؛ لأنه ربما في بعض الأحيان خاصة إذا كان يمشي يفاجأ بحية أو سبع أو عدو، فإذا كان مشتملاً للصماء فلا يستطيع أن ينزع سلاحه، أو يكبح عدوه، ولا أن يدفع الضرر عنه، قالوا: فنُهِي عنها من أجل مضرة البدن.
والوجه الثاني: لخوف انكشاف العورة، فإذا التحف بالثوب الواحد فلو تحرك منه انكشفت عورته على الصورة التي ذكرناها، وكل هذه الصور منهي عنها، لكن الخلاف في المراد باشتمال الصماء، وهذا مثله نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة، فالإجماع منعقد على أن بيع الملامسة لا يجوز، سواءٌ أقلنا: الملامسة أن يقول له: أبيعك ثوبي على أن يقوم لمسك مقام نظرك، أم قلنا: أن يقول له: إذا لمست الثوب فهو عليك بعشرة، أو إذا لمست الثوب انقطع الخيار عنك، فكل هذه الصور في الأصل محرمة، لكن الخلاف أيها المراد بالحديث، فينبغي أن يُتَنَبه أن خلاف العلماء في اشتمال الصماء هنا إنما هو الخلاف في المراد بالحديث، لكن لو أن إنساناً التحف بالثوب بطريقة تنكشف بها العورة نقول: هذا حرام، سواءٌ أكان هو اشتمال الصماء أم لم يكن؛ لأن الشرع لا يجيز انكشاف العورة، ولا يجيز لبس الثياب على وجهٍ تنكشف به السوءة.
كذلك لو قلنا: إن اشتمال الصماء لا يشمل التلحف بالثوب، فإن التلحف بالثوب على وجهٍ لا يتمكن الإنسان معه من دفع العدو أو الدابة أو الهامة منهيٌ عنه؛ لمكان الضرر بالبدن.
قال رحمه الله تعالى: [وتغطية وجهه].
ذلك لأنه ورد حديث أبي داود في النهي عن تغطية الوجه في الصلاة، ولأنه إذا غطى وجهه في الصلاة شابه اليهود، فإن اليهود في معابدهم يغطون، فنُهِي عن هذا لئلا يكون فيه مشابهة لليهود، كما نهي عن التشبيك لمن عَمِد إلى الصلاة، أو جلس في الصلاة ينتظرها، أو كان في الصلاة؛ لأن فيه مشابهةً لليهود.
وكذلك أيضاً لأنه إذا غطى وجهه في الصلاة فإنه يمنعه من مباشرة السجود عليه، والسجود على الجبهة والأنف مقصودٌ في حديث السبعة الأعظم التي أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود عليها كما في حديث ابن عباس في الصحيح.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح زاد المستقنع كتاب البيع [4] | 3704 استماع |
شرح زاد المستقنع باب الرجعة [1] | 3620 استماع |
شرح زاد المستقنع باب ما يختلف به عدد الطلاق | 3441 استماع |
شرح زاد المستقنع باب صلاة التطوع [3] | 3374 استماع |
شرح زاد المستقنع واجبات الصلاة | 3339 استماع |
شرح زاد المستقنع باب الإجارة [10] | 3320 استماع |
شرح زاد المستقنع باب التيمم [1] | 3273 استماع |
شرح زاد المستقنع باب صوم التطوع [2] | 3228 استماع |
شرح زاد المستقنع باب شروط القصاص | 3186 استماع |
شرح زاد المستقنع باب نفقة الأقارب والمماليك [6] | 3169 استماع |