خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33611"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
فضل العلم ومعلمه
الحلقة مفرغة
ابتدأ الله عز وجل هذه السورة بوعيد شديد لكل من أشرك بالله غيره، وأعرض عن وحيه الكريم الذي اختص به سبحانه من شاء من عباده ليكون حجة على الخلق ورادعاً من التجرؤ على الذي تفرد بالخلق التام، فخلق أعظم المخلوقات كالسموات والأرض، وأضعفها كهذا الإنسان الذي أصل خلقته نطقة قذرة يتحرز عنها كل من كان سليم الطبع، إلا أنه مع ذلك أبى إلا معاندة الخالق، وكفر النعم التي تتابع عليه من ربه، ومن أظهرها هذه الأنعام التي سخرها الله له، ففيها راحة بدنه بالدفء والأكل وحمل الأثقال، وفيها راحة نفسه بجمالها وبديع خلقها، رأفة منه سبحانه ورحمة.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما جزى نبياً عن نبوته، وصاحب رسالة عن رسالته، صلى الله عليه وعلى آله ومن سار على نهجه ومنواله.
أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني في الله: إن الله رفع في العلم قدر العلماء وفضلهم وشرفهم وزكاهم، فكانوا من الأتقياء السعداء.
فضل الله هذا العلم فجعله ميراث الأنبياء، فضل الله العلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).
وفضل الله العلم: (فما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم فيمن عنده) العلم رحِمٌ بين أهله، فيه اجتمعوا، ومن أجله تآلفوا وتناصحوا، ولقد وجبت محبة ربنا للمتحابين فيه والمتزاورين فيه والمتآخين فيه.
فضل الله العلم فرفع أهله الدرجات في الحياة والممات، مات الناس ومات العلماء فما ماتت مآثرهم:
مات العلماء فما ماتت مآثرهم وذهبوا فما ذهبت فضائلهم
نقشت على صفحات الصدور باقية في صحائف أعمالهم
من أراد أن يعرف قدر العلم فليعلم أنه الحكمة: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:269]
من أراد أن يعرف قدر العلم فليعلم أنه الخير والبر: (ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
من أراد أن يعرف فضل العلم: فليعلم أن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع.
سلامٌ على قومٍ عرفوا حقوق العلم وأهله، سلامٌ على كل من علَّم وعمل وعلم المسلمين فنفعه الله بعلمه ونفع به الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
أيها الأحبة في الله! لا يستطيع أحدٌ أن ينال فضل العلم إلا بأمور، إذا حصلها العبد كملت له فضيلة العلم:
الإخلاص في طلب العلم
إنه العلم الذي لا يمكن أن يجد أحدٌ حلاوته إلا بالإخلاص: (ومن تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله لينال به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) أهل العلم أغنى الناس بالله، وطالب العلم والعالم الذي ملأ الله قلبه بالآخرة تنصرف همته لله خالصة، أما طالب العلم الذي يريد وجه الله، مباركٌ له في علمه، وفيما يقوله ويسمعه ويكتبه، ومباركٌ له في كل خطوةٍ يخطوها، وفي كل كلمة يسمعها ويكتبها ويفهمها ويلقنها العباد، فالإخلاص مدار الأعمال كلها عليه، وما بقيت كتب السلف رحمهم الله، وكأنها كتبت بالأمس القريب إلا بالله جل جلاله ثم بإخلاصهم، نظر الله إلى قلوبهم فوجد فيها الإخلاص لوجهه وإرادة ما عنده سبحانه وتعالى، فبارك فيما قالوا وما عملوا وما علموا رحمهم الله برحمته الواسعة.
أيها الأحبة! من أخلص لله جل جلاله جعل الله القناعة أمام عينيه، فاغتنى بالله، وافتقر إلى الله، وذاق حلاوة المعاملة مع الله، ولا يستطيع العالم ولا طالب العلم أن يُصلح الناس حتى يصلح ما بينه وبين الله بالإخلاص، ومن أصلح ما بينه وبين الله فنظر الله إلى قلبه أنه يريد وجهه، وأراد ما عنده، فتح الله عليه أبواب الرحمة، وإذا فتحت أبواب الرحمة فلا يغلقها.
إذا أخلص العبد لله سبحانه سهل الله له طريق العلم، فجعله محبوباً عند العالم الذي يعلمه، موضوعاً له بالقبول حيثما كان وحيثما تكلم وحيثما سمع، ووضع الله له البركة في جميع ما يكون من أمره.
الله أكبر إذا أخلص طالب العلم فخرج من بيته وليس في قلبه إلا الله، فكتب الله له الخطوات والحركات والنفس وما يكون من جميع حاله وشأنه.
الله أكبر إذا خرج العالم من بيته، والداعية إلى الله والخطيب إلى مسجده، والواعظ إلى إخوانه وخلانه، يريد أن يعلمهم لله وفي الله وابتغاء ما عند الله جل جلاله، يتمنى من إخلاصه أن هذا العلم بينه وبين الله لا يطلع عليه أحدٌ سواه.
القيام بحقوق العلم
ولن يستطيع طالب العلم أن ينال العلم؛ من وجهه إلا إذا أدى حقوق العلم؛ ولن يستطيع العالم أن يجد لذة علمه فيكون علماً نافعاً مباركاً فيه إلا إذا أدى الحقوق التي عليه، فالحق الذي على العالم هو أن ينصح للأمة، وأن يكون صادقاً مع الله جل جلاله، مشفقاً على الخلق، فإن رسول الأمة صلى الله عليه وسلم ملأ الله قلبه بالرحمة فكان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوفاً رحيماً صلى الله عليه وسلم، كان عليه الصلاة والسلام رحمة للناس، فإذا كان العالم قد سكنت الرحمة في قلبه، وعرف حقوق الناس عليه، بذل لهم هذا العلم، وضحى وقدم الغالي والرخيص، والمهجة والنفس والنفيس؛ من أجل مرضاة الله سبحانه وتعالى، إن العالم عليه حقٌ وهو أن يعلِّم الجاهل، وإذا وقف الجاهل على بابه وجب عليه أن يعلِّمه، وأن يرشده، وأن يدله، وأن يأخذ بمجامع قلبه إلى الله سبحانه وتعالى، فإن كان مذنباً رغبه في التوبة والإنابة إلى الله، وإن كان مسيئاً رغبه في الإحسان وعمل أهل الإيمان حتى يفوز بالرحمة والجنان، وإن كان مخطئاً سدده وأرشده، ودله على ما فيه مرضاة الله جل جلاله.
إن العالم عليه أمانة عظيمة ومسئولية جليلة كريمة، أن يبذل كل ما يستطيع لتعليم الناس وتوجيههم، والله معه يسدده ويعينه ويوفقه، إن أهل الدنيا يعينون من وقف معهم في تجاراتهم وبيعهم وشرائهم فكيف بمن يتاجر مع الله، وابتغاء مرضاة الله.
قد يخرج العالم إلى درسه وموعظته مشتت الفكر من هموم الدنيا وأحزانها، ولكن الله يحبه ويحب علمه فيجمع الله له الأمر في قلبه، فيزيح عنه همه وغمه فيوفقه ويسدده، ومن نظر إلى أحوال العلماء وجد أن معهم من الله عوناً وظهيراً، وأن هذه العلوم والكتب والدروس والمواعظ وهذا الخير الكثير، لن يكون بحول أحدٍ ولا قوته كائنٌ من كان؛ إلا بحول الله وقوته سبحانه وتعالى.
العالم عليه أمانة عظيمة في توجيه الناس ودلالتهم للخير، وإن في قصص العلماء عظة وعبرة، خرجت ذات يوم مع الوالد رحمه الله برحمته الواسعة، بعد درسه بعد صلاة الظهر، وكان يوماً شديد الحر في الصيف، فاستوقفه رجلٌ من العامة وهو منهكٌ بعد درسه ما يقرب من ساعة إلا ربعاً في عز الظهيرة والشمس على رأسه والرجل يسأل ويناشده ويكرر المسألة، وهو يراوح بين القدم والأخرى، والله ما كهره ولا شتمه ولا طرده ولا مله ولا أشعره بالسآمة حتى قضى له جميع أمره، فانطلق الرجل وهو يثني ويبتهل إلى الله جل جلاله بالدعوات فلما ولى وانصرف كنت حديث السن قلت: يا أبي! إن هذا قد شق عليك -فضغط على يدي- وقال: والله يا بني لا يحل لي أن تبرح قدمي عن قدمه حتى أجيبه على سؤاله، إذا علم العالم أن الأمانة عظيمة والمسئولية كبيرة، بذل نفسه ووقته وعمره بالتجارة مع الله، فيسهر ليله وهو يعلم أن هذا السهر يخط في صحيفة عمله، ويضني جسده ويتعب فكره وهو يبحث عن المسائل، ويحل بإذن الله المعضلات والنوازل، والله يكتب أجرها لكي يراها أمام عينيه في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
أولها وأعظمها: إخلاص العمل لله جل جلاله، العلم لله، ويُراد به ما عند الله، ولا يزال العبد بخيرٍ إذا قال: قال لله، وإذا عمل: عمل لله، اصطفى الله العلم للآخرة، واصطفى أهله للآخرة، فهم معنا في الدنيا بأجسادهم، وهم في الآخرة فيما هم فيه من علومها النافعة، وأجورها الباقية.
إنه العلم الذي لا يمكن أن يجد أحدٌ حلاوته إلا بالإخلاص: (ومن تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله لينال به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) أهل العلم أغنى الناس بالله، وطالب العلم والعالم الذي ملأ الله قلبه بالآخرة تنصرف همته لله خالصة، أما طالب العلم الذي يريد وجه الله، مباركٌ له في علمه، وفيما يقوله ويسمعه ويكتبه، ومباركٌ له في كل خطوةٍ يخطوها، وفي كل كلمة يسمعها ويكتبها ويفهمها ويلقنها العباد، فالإخلاص مدار الأعمال كلها عليه، وما بقيت كتب السلف رحمهم الله، وكأنها كتبت بالأمس القريب إلا بالله جل جلاله ثم بإخلاصهم، نظر الله إلى قلوبهم فوجد فيها الإخلاص لوجهه وإرادة ما عنده سبحانه وتعالى، فبارك فيما قالوا وما عملوا وما علموا رحمهم الله برحمته الواسعة.
أيها الأحبة! من أخلص لله جل جلاله جعل الله القناعة أمام عينيه، فاغتنى بالله، وافتقر إلى الله، وذاق حلاوة المعاملة مع الله، ولا يستطيع العالم ولا طالب العلم أن يُصلح الناس حتى يصلح ما بينه وبين الله بالإخلاص، ومن أصلح ما بينه وبين الله فنظر الله إلى قلبه أنه يريد وجهه، وأراد ما عنده، فتح الله عليه أبواب الرحمة، وإذا فتحت أبواب الرحمة فلا يغلقها.
إذا أخلص العبد لله سبحانه سهل الله له طريق العلم، فجعله محبوباً عند العالم الذي يعلمه، موضوعاً له بالقبول حيثما كان وحيثما تكلم وحيثما سمع، ووضع الله له البركة في جميع ما يكون من أمره.
الله أكبر إذا أخلص طالب العلم فخرج من بيته وليس في قلبه إلا الله، فكتب الله له الخطوات والحركات والنفس وما يكون من جميع حاله وشأنه.
الله أكبر إذا خرج العالم من بيته، والداعية إلى الله والخطيب إلى مسجده، والواعظ إلى إخوانه وخلانه، يريد أن يعلمهم لله وفي الله وابتغاء ما عند الله جل جلاله، يتمنى من إخلاصه أن هذا العلم بينه وبين الله لا يطلع عليه أحدٌ سواه.
أما الأمر الثاني فإن الله سبحانه وتعالى جعل للعلم حقوقاً عظيمة، من وفاها فإن الله سبحانه يبارك له في ذلك العلم.
ولن يستطيع طالب العلم أن ينال العلم؛ من وجهه إلا إذا أدى حقوق العلم؛ ولن يستطيع العالم أن يجد لذة علمه فيكون علماً نافعاً مباركاً فيه إلا إذا أدى الحقوق التي عليه، فالحق الذي على العالم هو أن ينصح للأمة، وأن يكون صادقاً مع الله جل جلاله، مشفقاً على الخلق، فإن رسول الأمة صلى الله عليه وسلم ملأ الله قلبه بالرحمة فكان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوفاً رحيماً صلى الله عليه وسلم، كان عليه الصلاة والسلام رحمة للناس، فإذا كان العالم قد سكنت الرحمة في قلبه، وعرف حقوق الناس عليه، بذل لهم هذا العلم، وضحى وقدم الغالي والرخيص، والمهجة والنفس والنفيس؛ من أجل مرضاة الله سبحانه وتعالى، إن العالم عليه حقٌ وهو أن يعلِّم الجاهل، وإذا وقف الجاهل على بابه وجب عليه أن يعلِّمه، وأن يرشده، وأن يدله، وأن يأخذ بمجامع قلبه إلى الله سبحانه وتعالى، فإن كان مذنباً رغبه في التوبة والإنابة إلى الله، وإن كان مسيئاً رغبه في الإحسان وعمل أهل الإيمان حتى يفوز بالرحمة والجنان، وإن كان مخطئاً سدده وأرشده، ودله على ما فيه مرضاة الله جل جلاله.
إن العالم عليه أمانة عظيمة ومسئولية جليلة كريمة، أن يبذل كل ما يستطيع لتعليم الناس وتوجيههم، والله معه يسدده ويعينه ويوفقه، إن أهل الدنيا يعينون من وقف معهم في تجاراتهم وبيعهم وشرائهم فكيف بمن يتاجر مع الله، وابتغاء مرضاة الله.
قد يخرج العالم إلى درسه وموعظته مشتت الفكر من هموم الدنيا وأحزانها، ولكن الله يحبه ويحب علمه فيجمع الله له الأمر في قلبه، فيزيح عنه همه وغمه فيوفقه ويسدده، ومن نظر إلى أحوال العلماء وجد أن معهم من الله عوناً وظهيراً، وأن هذه العلوم والكتب والدروس والمواعظ وهذا الخير الكثير، لن يكون بحول أحدٍ ولا قوته كائنٌ من كان؛ إلا بحول الله وقوته سبحانه وتعالى.
العالم عليه أمانة عظيمة في توجيه الناس ودلالتهم للخير، وإن في قصص العلماء عظة وعبرة، خرجت ذات يوم مع الوالد رحمه الله برحمته الواسعة، بعد درسه بعد صلاة الظهر، وكان يوماً شديد الحر في الصيف، فاستوقفه رجلٌ من العامة وهو منهكٌ بعد درسه ما يقرب من ساعة إلا ربعاً في عز الظهيرة والشمس على رأسه والرجل يسأل ويناشده ويكرر المسألة، وهو يراوح بين القدم والأخرى، والله ما كهره ولا شتمه ولا طرده ولا مله ولا أشعره بالسآمة حتى قضى له جميع أمره، فانطلق الرجل وهو يثني ويبتهل إلى الله جل جلاله بالدعوات فلما ولى وانصرف كنت حديث السن قلت: يا أبي! إن هذا قد شق عليك -فضغط على يدي- وقال: والله يا بني لا يحل لي أن تبرح قدمي عن قدمه حتى أجيبه على سؤاله، إذا علم العالم أن الأمانة عظيمة والمسئولية كبيرة، بذل نفسه ووقته وعمره بالتجارة مع الله، فيسهر ليله وهو يعلم أن هذا السهر يخط في صحيفة عمله، ويضني جسده ويتعب فكره وهو يبحث عن المسائل، ويحل بإذن الله المعضلات والنوازل، والله يكتب أجرها لكي يراها أمام عينيه في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
التضحية لهذه الأمة
سكون رحمة الأمة في قلب العالم
الرحمة: هي التي يقف فيها العالم للفقير، الرحمة: هي التي لا يمكن للعالم أن يميز فيها بين الناس فيرى الناس، في عينه سواسية لا فضل لأحدٍ على أحد إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، إنها الرحمة التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم، بل وعاتبه من فوق سبع سماوات حينما جاءه الأعمى وهو يخشى يريد أن يتزكى، فكان ما كان من رسول الأمة صلى الله عليه وسلم اجتهاداً في الخير فقال الله: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى [عبس:1-4] فالرحمة لا بد منها، وبها يستطيع العالم بإذن الله عز وجل أن يسع الناس بحلمه وعطفه وإحسانه وبره.
تلمس القلوب وتبيين الحق لها
تعليم الأمة الأفضل والأحسن
كذلك عليه حقٌ عظيم وهو: أن يبين للناس الأحكام، والمسائل العملية المتعلقة بالعبادات والمعاملات، فيبين هدي رسول صلى الله عليه وسلم في عبادته، في طهوره وصلاته، وكيفية أدائه للحقوق التي أوجبها الله عز وجل وفرضها، فيصف للناس صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنهم ينظرون إلى نبي الأمة صلى الله عليه وسلم في خشوعه وتذلـله وخضوعه، وموقفه بين يدي ربه، كيف كان يركع، ويسجد، ويقف مع كل صغيرة وكبيرة من هديه صلوات الله وسلامه عليه، إذا فعل ذلك نصح للأمة، وبين لها دينها وأقامها على الهدى من سبيلها، فأصبحت على خيرٍ ورحمة وفضلٍ كثير.
كذلك على العالم أن ينصح للأمة فيجمع القلوب على دين الله جل جلاله، فالنصيحة واجبة على العلماء فعليهم أن يجمعوا الناس ولا يفرقوهم، وأن يحببوا بعضهم إلى بعض ويؤلفوا بينهم ولا يشتتوهم، فإن الله جمعنا بالإسلام، وألف بين أرواحنا بالقرآن، الله ربنا والإسلام ديننا، وخير خلق الله صلى الله عليه وسلم نبينا ورسولنا فلماذا نختلف، ونفترق فيدعوهم إلى الأصل الأصيل من كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبين للناس هذا الأمر الذي عليه صلاح العباد، من اجتماع الكلمة وتآلف القلوب، فيكون حريصاً على ذلك أيما حرص؛ لأن الله امتن على نبيه صلى الله عليه وسلم باجتماع الكلمة، وتآلف الأرواح، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم، مبيناً حقيقة الإسلام والإيمان: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد) لا يمكن للمسلمين أن يكونوا كمثل الجسد الواحد، إلا إذا كان العلماء والدعاة والهداة إلى الله على قلب رجلٍ واحد يقولون بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعملون بذلك ويحتكمون إليه، هذا من أعظم الواجبات وآكد الحقوق والأمانات على العلماء ؛ لأن الأمة إذا تشتت وتفرق جمعها؛ فإن القلوب تمتلئ بالضغائن فيتشتت الخلق ويصبح علم الإنسان في بعض الأحيان وبالاً عليه -نسأل الله السلامة والعافية- ينصح المسلم لإخوانه المسلمين ويجمع كلمتهم على الخير والبر.
انظر إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه صاحب السوادين والنعلين كان رضي الله عنه وأرضاه، الصحابي الوحيد الذي يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون استئذان، يقول له: (أذنت لك أن تسمع سوادي حتى أنهاك وأن ترفع الحجاب) فكان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في ليله ونهاره رضي الله عنه وأرضاه، وجعل أعالي الفردوس مسكنه ومثواه، هذا الصحابي الجليل مع علمه وفضله يقول فيه حذيفة : [ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم، أن ابن أم عبد أعلمهم وأقربهم هدياً وسمتاً ودلاً برسول الله صلى الله عليه وسلم] كان أعلم الصحابة بالسنة وأعلمهم بهديه، ومع ذلك لما صلى عثمان رضي الله تعالى عنه بالمسلمين وذلك في حجته الأخيرة وأتم الصلاة، أتم الصلاة عبد الله بن مسعود وراءه فقيل له في ذلك، فقال رضي الله عنه: [الخلاف شر] فآثر أن تجتمع الكلمة على عثمان رضي الله عنه وأرضاه وهذا من علمه وفقهه.
وكذلك عمر بن الخطاب يراجع أبا بكر رضي الله عن الجميع وأرضاهم، فهو يراجعه في المسألة ويقول: (كيف تقاتل قوماً يشهدون أن لا إله إلا الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله).
فقال له أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: [والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة وإنها لقرينتها في كتاب الله].
قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [فما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر لذلك فعلمت أنه الحق] اجتماع قلوب العلماء وائتلافها على الكتاب والسنة وعلى الهدي الصالح لسلف الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، ورحمهم الله برحمته الواسعة، أمرٌ مطلوب ومحببٌ ومرغوب، لن تجد الأمة في عز مكانتها ولا قوة شأنها إلا إذا اعتصمت بكتاب ربها وأتلفت أرواحها دفاعاً عن دينها، وأما الشتات والفرقة وغير ذلك مما لا تحمد عاقبته فإنه ضياعٌ للكلمة، وذهابٌ للهيبة، وسببٌ للفشل، قال الله سبحانه وتعالى: وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].
أول ما ينبغي على العالم: أن يضحي لهذه الأمة، وأن يبذل من وقته وجهده وفكره وتعبه ما يرجو به رحمة الله سبحانه وتعالى.