خطب ومحاضرات
المشكلات الزوجية وعلاجها
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
إخواني: الزواج نعمة من نعم الله ومنة من مننه عز وجل، جعله الله تبارك وتعالى آية شاهدةً بوحدانيته، دالةً على عظمته وألوهيته، فيه السكن والرحمة، وفيه العفة للإنسان عن الحرام، والبعد عن إصابة الفواحش والآثام، الزواج وما الزواج؟ الذي تغض به الأبصار عن محارم الله، وتحفظ به الفروج عمَّا لا يرضي الله، هذه النعمة يجد فيها عبد الله الراحة والسكن، ويجدها رحمة من الله تبارك وتعالى إذا ترسّم هدي الكتاب، وأقام نفسه على مناهج الصواب.
الزواج إنما يكون نعمةً حقيقيةً يحفظ الإنسان بها دينه ويعصم بها نفسه عن الفتن، ويجد الراحة والسرور والدعة، إذا كان الزوج قد ترسّم هدي الكتاب والسنة وكانت الزوجة -كذلك- قد ترسّمت هدي الكتاب والسنة، فعاشر كل واحد منهما الآخر عشرةً صالحةً طيبةً مباركة مبنيةً على الشيمة والوفاء، مبنية على الذمة وحفظ العهود والمواثيق.
إن ترسّم الزوجين لمنهج الكتاب والسنة هو الطريق الحقيقي للسعادة الزوجية الحقيقية، فما من بيت من بيوت المسلمين يترسّم فيه الزوج وتترسّم فيه الزوجة هدي الكتاب والسنة إلا وجدت السعادة قد ضربت أطنابها في رحاب ذلك البيت المسلم، والعكس بالعكس، فمتى تنكب الزوجان أو تنكب أحدهما عن هدي الكتاب والسنة فانحرف عن صراط الله المستقيم، واعوجَّ عن هدي الدين القويم، عندها تنتهك حدود الله وتغشى محارم الله.
إذا نسيت تلك الآيات العظيمة وتلك العظات البليغة التي وعظ الله عز وجل بها كلا الزوجين، إذا رميت وراء الظهور وأصبح الزوج لا يبالي بأوامر الشرع ونواهيه، يخبط خبط عشواء في عشرته لأهله وزوجه، وأصبحت الزوجة لا تبالي بحقوق الله عز وجل في العشير، وأصبحت لا تبالي بأوامر الكتاب والسنة، عندها تفتح أبواب المشاكل على ذلك البيت المسلم، وعندها تغشى حدود الله فلا يبالي الزوج بما يقوله ولا تبالي الزوجة بقولها، ولا يبالي الزوج بما يفعله ولا تبالي الزوجة بفعلها.
إذا كان ذلك فإنك تدمع الدمعة الحارة على ذلك البيت المسلم؛ لأنه ما من عبد ينحرف عن منهج الكتاب والسنة في عشرته لأهله إلا أذاقه الله نكد الحياة وتنغص عليه العيش، وإذا فتحت المشاكل أبوابها على ذلك البيت المسلم فإن الإنسان يصيب الشقاء بعينه ويجد مرارة الحياة فتدمع الزوجة حين لا تنفع الدموع وتندم حين لا ينفع الندم، ويدمع الزوج حين لا تنفع الدموع ويندم حين لا ينفع الندم.
نعم. متى نسي كتاب الله، وغشيت حدود الله، وانتهكت محارم الله؛ ذاق الزوج سوط عذاب لا رحمة فيه، وأصبحت هذه الحياة التي كان من الفرض أن تكون حياة السعادة والراحة والدعة، إذا بها حياة جحيم لا يطاق.
وليت هذه المشاكل تقتصر على الزوج والزوجة، ليتها يعاني عناءها الزوج والزوجة؛ لأن بلاءها كان بسببهما، ولكن البلاء كل البلاء إذا تفشت هذه المشاكل فسرت إلى أب الزوجة وأمها، وإلى أب الزوج وأمه ثم إلى الأخ والأخت، ثم إلى الخلان والإخوان ثم الضحية البريئة تلك القلوب البريئة قلوب الأبناء والذرية، عندها تنظر إلى ذلك الابن الذي خلفته تلك الزوجة الظالمة أو ذلك الزوج الظالم، تنظر إليه وقد دمع دمعة حارةً من صميم قلبه وفؤاده لما يرى من تنكد العيش أمام أبيه وأمه، يبكي ولكن لا راحم لبكائه ويشتكي ولا أذن تصغي لشكواه.
إخواني: إذا فتحت أبواب المشاكل فإن القلوب تصطرع بفتحها، حتى إن العبد إذا بلي بالمشاكل الزوجية يحار حتى في صلاته ولا يستطيع عبادة ربه، كل ذلك مرارة يقاسيها وحرارة يعانيها كل من تنكب عن صراط الله واعوج عن هدي الله.
إنها المشاكل التي لا ترحم صغيراً ولا كبيراً، ولا تعرف جليلاً ولا حقيراً، إذا سرت في الأسر سرت كَسُرى النار في الهشيم لا رادع لها ولا موقف لها إلا رحمة من الله يتدارك بها عباده، إنها المشاكل التي أصبحت تعج بها بيوت المسلمين تلك البيوت الطيبة الطاهرة المباركة التي كانت معروفة بالسعادة والهناءة والراحة، أصبحت تعج بتلك المشاكل وتشتكي إلى الله صباح مساء من كلام لا يطيب لسامعه وكذلك أفعال لا ترضي من يراها.
كل ذلك -إخواني- هموم وغموم نعانيها، ونجد مرارتها في القلوب والسؤال: ما المخرج من هذه الفتن والمحن؟
لقد كانت بيوت المسلمين بيوتاً مليئةً بالراحة والدعة والسكون، حتى إنك قلَّ أن ترى قاضياً يفصل في قضية بين زوج وزوجه، كانت بيوت المسلمين إذا وقعت فيها المشاكل طفئت نارها في مهدها، وجدت عقولاً ورجالاً ووجدت نساءً بررةً صادقين يعرفون كيف يتصرفون ويحسنون التعامل مع هذه الفتن العظيمة والمشاكل الأليمة.
فلما تنكب العباد عن صراط الله وحاد الخلق عن طريق الله، جاءت هذه المشاكل بخيلها ورجلها، وأصبحت أُسر المسلمين تعاني هموماً وغموماً لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى، حينما فقدنا زوجاً يحفظ الذمم وحينما فقدنا زوجةً تحفظ حقوق العشير، وحينما فقدنا أماً تحفظ ابنتها وأباً يرعى ابنه، حينما فقدنا رجالاً صادقين صالحين يقربون المفترقين ويجمعون شمل المتباعدين، حينما فقدنا قلوباً رحيمة يؤلمها إذا رأت بيوت المسلمين تشتت سعت بتلك الخطوات العزيزة عند الله عز وجل، حينما فقدنا أولئك الصادقين وتنكدت الحياة وتغير الحال، فأصبح بعد رجال الصدق رجال الكذب، حتى أن الرجل إذا بلي بالمشكلة مع زوجته وجد صديقاً لا يذكره بربه ولا يصبره على شكواه، وجد من يلهب ضميره إلى الشكوى ويلهب قلبه إلى الأذية والإضرار، ووجدت الزوجة من يعينها على الإضرار ويعينها على الشقاق والأذية.
فلما تغيرت الحياة وتغير الناس بعد صلاح، وأصبحت الحياة على هذه الصفة، لم يكن من العجيب أن تعج مشاكلنا وأن تُملأ دور القضاء من هذه المشاكل المؤلمة المحزنة، حتى إنك إذا دخلت سمعت صراخاً وعويلاً، امرأة تناشد زوجها وتسب عشيرها، وزوجاً يناشد زوجه ويسب أهله وعرضه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
أهذه الأمة الطاهرة المباركة؟ أهذه الأمة التي تأدبت بكتاب الله، وكان لها أكمل منهج وجد على الأرض سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أتعيش هذه الآلام؟ أتعيش هذه الأحزان والأشجان؟
أحبتي في الله: من هذا كله نخلص إلى أهمية هذا الموضوع، أهمية طرحه، ومناقشته، أهمية فتح أبوابه لكي نعرف خباياه ولنأخذ من ذلك المعين الطيب المبارك؛ من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الدواء وأي الدواء، والعلاج وأي العلاج من كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود:1] من كتاب مبارك أنزله الله لكي نتدبره ونعرض عليه همومنا وغمومنا، فوالله ما من أمة أصابها حزن أو أصابتها مصيبة في دينها فعرضتها على كتاب ربها إلا وجدت علاجاً صالحاً لدائها وبلائها.
والسؤال ما هذه المشاكل؟ وكيف سيكون حديثنا عنها؟ لي في هذه المشاكل ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: ما هي أسباب هذه المشاكل؟
والنقطة الثانية: ما هو علاجها ودواؤها؟
والنقطة الثالثة: كيف يتصرف الزوج؟ وكيف تتصرف الزوجة؟ وكيف يتصرف القريب والصديق إذا بلي بإنسان بلي بهذه المشاكل؟ ومن الله أستمد العون والتوفيق.
أما المسألتان الأوليان ما هي أسباب المشاكل، وما هو علاجها في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأجمعهما في حديث واحد.
هذه المشاكل كل من نظر إليها وتدبر فيها وجدها ترجع إلى سبب واحد، جميع المشاكل الزوجية إذا تدبرت فيها ونظرت إليها نظرة المتأمل وجدتها تعود إلى سبب واحد، هذا السبب منه تولدت ومنه خرجت ونشأت، وما هو هذا السبب؟
هذا السبب هو: الإعراض عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي عناه الله تبارك وتعالى بقوله: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طـه:124] وعيد من الله، ما من عبد يريد الزواج أو يقع في الزواج وينحرف عن هدي الكتاب والسنة إلا أذاقه الله من الحياة الضنكة على قدر إعراضه عن كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لقد أدب الله الزوجة وأدب الزوج في القول وأدبهما في العمل، ورسم منهجاً سوياً وطريقاً قويماً وصراطاً مستقيما لا يضل ولا يزيغ عنه إلا هالك.
المعاشرة بالمعروف أو التسريح بإحسان أساس السعادة الزوجية
لو أن الزوج والزوجة سأل كل واحد منهما: ما هو هدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في عشرة الأزواج؟ لقد رسم هذا الكتاب الحياة الزوجية السعيدة في آية واحدة وهذا من إعجاز القرآن، جمع لك السعادة الزوجية في آية واحدة لو أن كل زوج عمل بهذه الآية والله ما وقعت مشكلة زوجية.
وما هي هذه الآية؟
يقول الله تبارك وتعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] إعجاز في اللفظ والبيان، إما أن تمسك بمعروف أو تسرح بإحسان، وصية من الله من فوق سبع سماوات، إذا أردت أن تعاشر وإذا أردت أن تدخل إلى بيت الزوجية فضع نصب عينيك هاتين الكلمتين، إما أن تمسك بمعروف وإما أن تسرح بإحسان.
ولذلك لا إمساك بإضرار: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231] ولو أن الأزواج أمسكوا بمعروف أو سرحوا بإحسان والله ما قامت مشكلة، إن أمسكها أمسكها مؤمناً صادقاً صالحاً براً سوياً في قوله وعمله، هذا هو المعروف الذي أمر الله به، وإن سرحها سرحها بإحسان، سرحها وهو لا ينسى ما بينه وبينها من العهود والمواثيق.
ولذلك السؤال: ما هو الإمساك بمعروف الذي أمرنا الله تبارك وتعالى إذا أمسكنا النساء أن نمسكهن على صفته؟
المعروف إذا أردت بيانه وأردت حقيقته في عشرة الأزواج؛ فانظر إلى سيرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فوالله ليس هناك زوج أبر ولا أوفى ولا أكمل سيرةً وهدياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاشر أزواجه، سيرة عطرة، والله إن بعض الأحاديث حينما تقف أمامها قد يستولي عليك الحزن من واقعك.
أمثلة توضح حقيقة المعاشرة بالمعروف
المثال الأول: تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى إليه الإناء فيه الشراب فيقسم عليَّ أن أشرب قبله -هل أحد أقسم على زوجته يوماً من الأيام أن تشرب قبله؟- قالت: فإذا شربت قبله أخذ الإناء فوضع فمه على المكان الذي وضعت فمي فيه -صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين- ثم يؤتى بالعرق من اللحم -العظم من اللحم- فيقسم عليَّ -يحلف بالله أنها تأكل قبله؛ لأنها كريمةٌ بنت كرام لا ترضى أن تتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترضى إلا إذا أقسم عليها، فيقسم عليها بالله أن تأكل قبله-قالت: فأنهسه فيأخذ العظم ويضع فمه حيث وضعت فمي) صلوات الله وسلامه عليه. من منا يفعل ذلك ولو يوماً واحداً يجبر به قلب تلك المرأة المسلمة التي بين يديه؟ هل أحد منا طبق هذه السنة؟
ولذلك لما بعد الناس عن هذه الرحمة ولما فقدت الرحمة في الحياة الزوجية أصبحت الحياة حياةً جافةً، أصبحت بيوت المسلمين لا تجد فيها الرحمة والحنان الذي يجب وينبغي أن يكون من أهم سمات الزوجية، ولذلك وصف الله الزوجة بأنها سكن ورحمة: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] المودة والرحمة طبقها النبي صلى الله عليه وسلم على أكمل صورة ومنهج.
الصورة الثانية والمثال الثاني: الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم براً رحيماً في معاشرته لأهله، تقول رضي الله عنها: (أتى الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد يوم العيد، فأحببت رؤياهم فقمت لأنظرهم وراء ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم -رسول الأمة يقوم على قدميه وساقيه من أجل صبية تنظر إلى قوم يلعبون- قالت رضي الله عنها: فهو يقول لي: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، فيقول: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، ثم تقول رضي الله عنها: فاقدروا قدر الصبية الجهلاء).
يعني كم جلس من الوقت فما تذمر ولا قال: أنا أقف لك، ولا استحيا ولا تكبر صلوات الله وسلامه عليه، من منا يوماً من الأيام، لا نقول يقف لأجل أن تنظر امرأته إلى من يلعب! لكن نقول: يحرص -ولو يوماً في الشهر أو يوماً في السنة- على أن يدخل السرور إلى أهله، نعم فقدنا هذه السيرة العطرة، فقدنا الإحسان إلى الأهل ونريد حقوقنا كاملة، نمنع أزواجنا من العشرة الطيبة المباركة ونريد حقوقنا كاملة، ولذلك ليس غريباً لما فقدنا وشائج هذه الرحمة التي فعلها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن نرى الحياة المؤلمة.
أما المثال الثالث: فقد جاء الأسود بن يزيد هذا التابعي الجليل إلى أم المؤمنين عائشة -والحديث في صحيح البخاري - قال لها: (كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وما هو حاله؟ قالت رضي الله عنها: يكون في خدمة أهله) أي: إنه إذا رأى أهله بحاجةٍ إلى المساعدة وإلى المعاونة ساعدهم صلوات الله وسلامه عليه.
هل يوماً من الأيام كلفنا أزواجنا أمراً فوقفنا معهم وتأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعاشرنا بالمعروف على أكمل صورة ومنهج، أين أولئك البررة الأوفياء الذين يحسنون معاملة الأزواج، ويحسنون معاملة الزوجات، حتى تملك القلوب بإحسانهم ومودتهم وعطفهم وحنانهم؟! لا يمكن لهذه الحياة الزوجية أن تستقيم إلا بالرحمة، ولقد عرف ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فطبقه فكان من أهم سماته في عشرته أنه كان حليماً رحيماً بأهله وزوجه.
ومن هنا -أحبتي في الله- لو أن الأزواج عاشروا بالمعروف أو سرحوا بإحسان لما بقيت هذه المشاكل، انظر في أي مشكلة زوجية إما أن تجد زوجاً لا يعاشر بمعروف أو تجد زوجةً لا تعاشر بمعروف، أو تجد زوجاً يمسك ولا يطلق ويسرح بإحسان، أبداً لن تخرج عن هذه الثلاث القضايا التي هي محور كل مشكلة زوجية، إذا عرفنا أن أساس المشاكل يرجع إلى هذا السبب العظيم، فالمخرج والعلاج أن نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في معاشرته لأهله وزوجه، وأن نستلهم منها هذه المواقف الطيبة المباركة، وهذه الأخلاق الزاكية العطرة، حتى نخلف في قلوب من نعول ونخلف في قلوب زوجاتنا تلك المحبة التي تقوم عليها بيوت المسلمين، وتلك العاطفة التي تبنى عليها بيوت الزوجية السعيدة.
وكما عرفنا أن الإعراض عن الكتاب والسنة هو السبب الرئيسي لوجود هذه المشاكل فكيف نفصل هذا الإعراض؟
لو أن كل زوجٍ وكل زوجةٍ أرادت أن تدخل إلى بيت الزوجية، سألت: ما هي حقوق الزواج في كتاب الله؟ وما هي حقوق الزواج في سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
لو أن الزوج والزوجة سأل كل واحد منهما: ما هو هدي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في عشرة الأزواج؟ لقد رسم هذا الكتاب الحياة الزوجية السعيدة في آية واحدة وهذا من إعجاز القرآن، جمع لك السعادة الزوجية في آية واحدة لو أن كل زوج عمل بهذه الآية والله ما وقعت مشكلة زوجية.
وما هي هذه الآية؟
يقول الله تبارك وتعالى: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] إعجاز في اللفظ والبيان، إما أن تمسك بمعروف أو تسرح بإحسان، وصية من الله من فوق سبع سماوات، إذا أردت أن تعاشر وإذا أردت أن تدخل إلى بيت الزوجية فضع نصب عينيك هاتين الكلمتين، إما أن تمسك بمعروف وإما أن تسرح بإحسان.
ولذلك لا إمساك بإضرار: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231] ولو أن الأزواج أمسكوا بمعروف أو سرحوا بإحسان والله ما قامت مشكلة، إن أمسكها أمسكها مؤمناً صادقاً صالحاً براً سوياً في قوله وعمله، هذا هو المعروف الذي أمر الله به، وإن سرحها سرحها بإحسان، سرحها وهو لا ينسى ما بينه وبينها من العهود والمواثيق.
ولذلك السؤال: ما هو الإمساك بمعروف الذي أمرنا الله تبارك وتعالى إذا أمسكنا النساء أن نمسكهن على صفته؟
المعروف إذا أردت بيانه وأردت حقيقته في عشرة الأزواج؛ فانظر إلى سيرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فوالله ليس هناك زوج أبر ولا أوفى ولا أكمل سيرةً وهدياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاشر أزواجه، سيرة عطرة، والله إن بعض الأحاديث حينما تقف أمامها قد يستولي عليك الحزن من واقعك.
هذه ثلاثة أمثلة، ولو أننا استعرضنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته التي تفسر هذا المعروف لأخذنا جلسات وحق لهذه السنة أن تأخذها:
المثال الأول: تقول عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى إليه الإناء فيه الشراب فيقسم عليَّ أن أشرب قبله -هل أحد أقسم على زوجته يوماً من الأيام أن تشرب قبله؟- قالت: فإذا شربت قبله أخذ الإناء فوضع فمه على المكان الذي وضعت فمي فيه -صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين- ثم يؤتى بالعرق من اللحم -العظم من اللحم- فيقسم عليَّ -يحلف بالله أنها تأكل قبله؛ لأنها كريمةٌ بنت كرام لا ترضى أن تتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترضى إلا إذا أقسم عليها، فيقسم عليها بالله أن تأكل قبله-قالت: فأنهسه فيأخذ العظم ويضع فمه حيث وضعت فمي) صلوات الله وسلامه عليه. من منا يفعل ذلك ولو يوماً واحداً يجبر به قلب تلك المرأة المسلمة التي بين يديه؟ هل أحد منا طبق هذه السنة؟
ولذلك لما بعد الناس عن هذه الرحمة ولما فقدت الرحمة في الحياة الزوجية أصبحت الحياة حياةً جافةً، أصبحت بيوت المسلمين لا تجد فيها الرحمة والحنان الذي يجب وينبغي أن يكون من أهم سمات الزوجية، ولذلك وصف الله الزوجة بأنها سكن ورحمة: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21] المودة والرحمة طبقها النبي صلى الله عليه وسلم على أكمل صورة ومنهج.
الصورة الثانية والمثال الثاني: الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم براً رحيماً في معاشرته لأهله، تقول رضي الله عنها: (أتى الحبشة يلعبون بالحراب في المسجد يوم العيد، فأحببت رؤياهم فقمت لأنظرهم وراء ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم -رسول الأمة يقوم على قدميه وساقيه من أجل صبية تنظر إلى قوم يلعبون- قالت رضي الله عنها: فهو يقول لي: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، فيقول: هل فرغت؟ فأقول: لا بعد، ثم تقول رضي الله عنها: فاقدروا قدر الصبية الجهلاء).
يعني كم جلس من الوقت فما تذمر ولا قال: أنا أقف لك، ولا استحيا ولا تكبر صلوات الله وسلامه عليه، من منا يوماً من الأيام، لا نقول يقف لأجل أن تنظر امرأته إلى من يلعب! لكن نقول: يحرص -ولو يوماً في الشهر أو يوماً في السنة- على أن يدخل السرور إلى أهله، نعم فقدنا هذه السيرة العطرة، فقدنا الإحسان إلى الأهل ونريد حقوقنا كاملة، نمنع أزواجنا من العشرة الطيبة المباركة ونريد حقوقنا كاملة، ولذلك ليس غريباً لما فقدنا وشائج هذه الرحمة التي فعلها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن نرى الحياة المؤلمة.
أما المثال الثالث: فقد جاء الأسود بن يزيد هذا التابعي الجليل إلى أم المؤمنين عائشة -والحديث في صحيح البخاري - قال لها: (كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وما هو حاله؟ قالت رضي الله عنها: يكون في خدمة أهله) أي: إنه إذا رأى أهله بحاجةٍ إلى المساعدة وإلى المعاونة ساعدهم صلوات الله وسلامه عليه.
هل يوماً من الأيام كلفنا أزواجنا أمراً فوقفنا معهم وتأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعاشرنا بالمعروف على أكمل صورة ومنهج، أين أولئك البررة الأوفياء الذين يحسنون معاملة الأزواج، ويحسنون معاملة الزوجات، حتى تملك القلوب بإحسانهم ومودتهم وعطفهم وحنانهم؟! لا يمكن لهذه الحياة الزوجية أن تستقيم إلا بالرحمة، ولقد عرف ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فطبقه فكان من أهم سماته في عشرته أنه كان حليماً رحيماً بأهله وزوجه.
ومن هنا -أحبتي في الله- لو أن الأزواج عاشروا بالمعروف أو سرحوا بإحسان لما بقيت هذه المشاكل، انظر في أي مشكلة زوجية إما أن تجد زوجاً لا يعاشر بمعروف أو تجد زوجةً لا تعاشر بمعروف، أو تجد زوجاً يمسك ولا يطلق ويسرح بإحسان، أبداً لن تخرج عن هذه الثلاث القضايا التي هي محور كل مشكلة زوجية، إذا عرفنا أن أساس المشاكل يرجع إلى هذا السبب العظيم، فالمخرج والعلاج أن نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في معاشرته لأهله وزوجه، وأن نستلهم منها هذه المواقف الطيبة المباركة، وهذه الأخلاق الزاكية العطرة، حتى نخلف في قلوب من نعول ونخلف في قلوب زوجاتنا تلك المحبة التي تقوم عليها بيوت المسلمين، وتلك العاطفة التي تبنى عليها بيوت الزوجية السعيدة.
وكما عرفنا أن الإعراض عن الكتاب والسنة هو السبب الرئيسي لوجود هذه المشاكل فكيف نفصل هذا الإعراض؟
نظرت إلى الأسباب التي توجب المشاكل الزوجية فوجدتها أسباباً عديدة ولكنني سأختار بعض هذه الأسباب وأقسمها على قسمين:
القسم الأول: أسباب تسبق الزواج.
القسم الثاني: أسباب تكون في الزواج.
أما الأسباب التي تسبق الزواج.
الإكراه على الزواج بمن لا يرغبه أحد الطرفين
لذلك ينبغي على كل ولي امرأة أن يتقي الله عز وجل فيها، وألا يزوجها إلا لمن فيه الصلاح والدين وترغبه المرأة، فإذا اعترضت المرأة على الزواج فينبغي عليه ألا يستعجل وأن ينظر في اعتراضها، فإن كان له سبب وعذر يقبل شرعاً فالحمد لله وحيهلاً، وأما إذا كان لا تعذر فيه شرعاً فينبغي عليه إحسان المعاملة حتى تقبل على ذلك الزوج وترضاه، وهذا السبب قد بين النبي صلى الله عليه وسلم علاجه وبين دواءه فقال فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: (البكر تستأذن وإذنها صماتها والثيب تستأمر) وفي رواية عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والثيب أحق بنفسها من وليها) كل هذا لكي يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تستقيم بيوت المسلمين ولا يستقيم الزواج إلا إذا كان الزوج قد رضي من تزوجها وكذلك الزوجة.
سوء التربية
فلذلك -أحبتي في الله- تربية الأبناء وتربية البنات تربيةً صالحةً مستقيمةً أمرٌ من الأهمية بمكان.
وحسبي أن أذكر صورة عجيبة تعتبر من أهم الأسباب التي توجب فساد الزوج على زوجه والزوجة على زوجها، هذه الصورة أن بعض الآباء إذا أراد ابنه أن يدخل على امرأته جلس معه وأعطاه أشنع صورة عن المرأة ونفره من زوجته، وقال له: لن تستقيم لك حياة الزوجية إلا إذا عبست في وجهها وضربتها وآذيتها، وإياك أن تفعل وإياك أن تفعل، فيلقنه ويجعل الزواج في نظره شراً لا بد منه، ما الذي تنتظر من هذا الابن؟ ما الذي ينتظر من ابن دخل بهذه الأفكار؟ وكذلك الأم، ويا للأسف! حينما فقد المسلمون أمهات صالحات، بدلاً من أن كانت المرأة تجلس مع ابنتها تصبرها وتعللها وتبين لها حقوق بعلها، وتهديها إلى الصراط السوي في معاشرة زوجها، لما تغيرت الأمهات وأصبحت الأم تلقن ابنتها الأفكار الرديئة، يا ابنتي إياكِ أن تخضعي له .. إياكِ أن تكوني ذليلة .. إياكِ .. إياكِ، ثم تكون النتائج بعد ذلك على رأس الزوج والزوجة، والله ثم والله ما من أب يربي ابنه على ذلك وما من أم تربي بنتها على ذلك إلا لقيت ربها ولقي الأب ربه بجميع الأوزار التي ترتبت على كلامه، والله ما من مشكلة نتجت عن ذلك الكلام الخاطئ إلا وسيحمل وزرها أمام الله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13].
فلذلك إذا كان الأب لا يحسن تربية ابنه فإنه تكون النتائج والعواقب الوخيمة على تلك الزوجة المظلومة، وإذا كانت الأم لم تحسن تربية ابنتها فإنها ستكون العواقب الوخيمة على ذلك الزوج المظلوم.
لذلك -أحبتي في الله!- علاج هذه المشكلة وعلاج هذا السبب بينه النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا إلى تربية الأبناء والبنات حتى رغب شرع الله في التربية الحسنة قال صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن، وأدبهن فأحسن تأديبهن، إلا كن له حجاباً من النار) فإذا ربت الأم ابنتها على الكلام الطيب وخرجت تلك البنت سويةً في أفكارها، مستقيمةً في نظرتها؛ فإنها سرعان ما تطبق ذلك في عشرتها لزوجها، لقد ربت أمهات -وأي أمهات- بناتهن على الإحسان إلى الزوج وكانت تلك البنت وفيةً بارةً، ولها مثل أجر ابنتها في إحسانها إلى زوجها، ولذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبل الجنة أن تحسن المرأة عشرة زوجها، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) لذلك أحبتي في الله! تربية الأبناء والبنات أمر من الأهمية بمكان.
المغالاة في المهور
إذا تكلف الزوج وأصبح يعاني من ذلك المال الذي دفعه مهراً لزوجته، ويعاني كذلك في كلفة زواجه من امرأته، فإنه سيدخل إلى بيت الزوجية مثقلاً بالديون وهمومها، مثقلاً بالديون وغمومها، وكيف تنتظر من إنسان مثقل بالدين أن يحسن العشرة لزوجه وأهله، لذلك فإنه ما من إنسان يبذخ في زواجه، إلا وجدت العاقبة السيئة لذلك البذخ، والزوج إذا دفع مالاً كثيراً في زواجه من امرأته نظر إليها وكأنها خادمةٌ اشتراها، وقدمت عليه إذا دفع مالاً كثيراً يحس أن له حقاً كبيراً على الزوجة، ومن هنا إذا حصل من الزوجة أي خطأ فإنه ينظر إليه وكأنه جريمة لا تغتفر، ومن هنا ينشأ سبب هذه المشاكل، فلا يمكن أن يتنازل عن حقه بعد ذلك العناء وبعد ذلك المال الباهظ الذي دفعه في زواجه.
لذلك -أحبتي في الله- أشار النبي صلى الله عليه وسلم وأشار هدي السلف إلى علاج هذه المشكلة، حينما بيَّن صلى الله عليه وسلم: (أن أبرك النساء أيسرهن مئونة) ولذلك قال بعض العلماء: من الدلائل التي يُظن فيها البركة للزوجين في زواجهما، ويُظن أن تبقى تلك العشرة؛ أن يبتدأ الزواج بكلفة يسيرة، فإذا ابتدأ الزوج زواجه بكلفة يسيرة بارك الله له في زواجه، أما إذا ابتدأه بالإسراف والبذخ وحارب الله من أول ساعة في زواجه فما الذي تنتظر؟!!
لذلك -أحبتي في الله!- الإسراف في المهور والمغالاة فيها، والمغالاة في حفلات الزواج؛ كل ذلك يعين على المشاكل ويفتح بابها ويهيئ لدى الزوج عاملاً نفسياً للانتقام من زوجته والتضييق عليها، فينبغي للمسلم الذي يراقب الله ويرجو البركة في زواجه من الله أن يبتعد عن الإسراف والبذخ.
فأولها: إكراه الزوج على الزواج وإكراه الزوجة على الزواج بمن لا يريد ولا يرغب، لأن إكراه الزوج على الزواج وإكراه الزوجة على الزواج ممن لا ترغبه ولا تحبه، ضرب من الخطأ بيّن، إن العشير إذا عاشر من لا يحب عشرته فإنه نافر عنه من أول لحظة، ولا يمكن لبيت زوجية أن يقوم وقد وجدت النفرة بين الزوج وزوجته، لا يمكن أن تستقيم بيوت الزوجية والرجل كاره لزوجته وكذلك المرأة كارهةٌ لزوجها.
لذلك ينبغي على كل ولي امرأة أن يتقي الله عز وجل فيها، وألا يزوجها إلا لمن فيه الصلاح والدين وترغبه المرأة، فإذا اعترضت المرأة على الزواج فينبغي عليه ألا يستعجل وأن ينظر في اعتراضها، فإن كان له سبب وعذر يقبل شرعاً فالحمد لله وحيهلاً، وأما إذا كان لا تعذر فيه شرعاً فينبغي عليه إحسان المعاملة حتى تقبل على ذلك الزوج وترضاه، وهذا السبب قد بين النبي صلى الله عليه وسلم علاجه وبين دواءه فقال فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: (البكر تستأذن وإذنها صماتها والثيب تستأمر) وفي رواية عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (والثيب أحق بنفسها من وليها) كل هذا لكي يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تستقيم بيوت المسلمين ولا يستقيم الزواج إلا إذا كان الزوج قد رضي من تزوجها وكذلك الزوجة.
السبب الثاني الذي يسبق الزواج ويكون قبل الزواج: سوء التربية، إن الشخص إذا نشأ نشأة غير مستقيمة، وقصَّر الأب أو قصرت الأم في تربية ابنها وابنتها؛ فإن الذي يجني عواقب سوء التربية هو ذلك الابن بعد سنين طالت أم قصرت، قل لي بربك: إذا كان الابن ينشأ في بيت مليء بالخصام والسباب، إذا نشأ الابن على يد أب لا يحسن معاملة زوجته ولا يحسن بِر زوجته، فظاً غليظاً مؤذياً لا يتقي الله والرحم، كيف سيكون حاله وكيف سيتصرف مع أهله؟ لا شك أنه سيعامل أهله بمثل ما عامل به والده أهله.
فلذلك -أحبتي في الله- تربية الأبناء وتربية البنات تربيةً صالحةً مستقيمةً أمرٌ من الأهمية بمكان.
وحسبي أن أذكر صورة عجيبة تعتبر من أهم الأسباب التي توجب فساد الزوج على زوجه والزوجة على زوجها، هذه الصورة أن بعض الآباء إذا أراد ابنه أن يدخل على امرأته جلس معه وأعطاه أشنع صورة عن المرأة ونفره من زوجته، وقال له: لن تستقيم لك حياة الزوجية إلا إذا عبست في وجهها وضربتها وآذيتها، وإياك أن تفعل وإياك أن تفعل، فيلقنه ويجعل الزواج في نظره شراً لا بد منه، ما الذي تنتظر من هذا الابن؟ ما الذي ينتظر من ابن دخل بهذه الأفكار؟ وكذلك الأم، ويا للأسف! حينما فقد المسلمون أمهات صالحات، بدلاً من أن كانت المرأة تجلس مع ابنتها تصبرها وتعللها وتبين لها حقوق بعلها، وتهديها إلى الصراط السوي في معاشرة زوجها، لما تغيرت الأمهات وأصبحت الأم تلقن ابنتها الأفكار الرديئة، يا ابنتي إياكِ أن تخضعي له .. إياكِ أن تكوني ذليلة .. إياكِ .. إياكِ، ثم تكون النتائج بعد ذلك على رأس الزوج والزوجة، والله ثم والله ما من أب يربي ابنه على ذلك وما من أم تربي بنتها على ذلك إلا لقيت ربها ولقي الأب ربه بجميع الأوزار التي ترتبت على كلامه، والله ما من مشكلة نتجت عن ذلك الكلام الخاطئ إلا وسيحمل وزرها أمام الله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت:13].
فلذلك إذا كان الأب لا يحسن تربية ابنه فإنه تكون النتائج والعواقب الوخيمة على تلك الزوجة المظلومة، وإذا كانت الأم لم تحسن تربية ابنتها فإنها ستكون العواقب الوخيمة على ذلك الزوج المظلوم.
لذلك -أحبتي في الله!- علاج هذه المشكلة وعلاج هذا السبب بينه النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا إلى تربية الأبناء والبنات حتى رغب شرع الله في التربية الحسنة قال صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي بشيء من هذه البنات فرباهن فأحسن تربيتهن، وأدبهن فأحسن تأديبهن، إلا كن له حجاباً من النار) فإذا ربت الأم ابنتها على الكلام الطيب وخرجت تلك البنت سويةً في أفكارها، مستقيمةً في نظرتها؛ فإنها سرعان ما تطبق ذلك في عشرتها لزوجها، لقد ربت أمهات -وأي أمهات- بناتهن على الإحسان إلى الزوج وكانت تلك البنت وفيةً بارةً، ولها مثل أجر ابنتها في إحسانها إلى زوجها، ولذلك بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبل الجنة أن تحسن المرأة عشرة زوجها، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) لذلك أحبتي في الله! تربية الأبناء والبنات أمر من الأهمية بمكان.
استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رسالة إلى الدعاة | 3434 استماع |
وصية نبوية | 3327 استماع |
أهم الحقوق | 3305 استماع |
توجيه الدعاة إلى الله تعالى | 3215 استماع |
كيف نواجه الفتن؟ | 3166 استماع |
حقيقة الالتزام | 3144 استماع |
وصايا للصائمين والقائمين | 3086 استماع |
الوصايا الذهبية | 3039 استماع |
مناقشة لرسالة الدكتوراه (2) | 3006 استماع |
من سير الصالحات | 3000 استماع |