من سير الصالحات


الحلقة مفرغة

الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ألا هو العزيز الغفار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الصفوة الأخيار، وعلى جميع من التزم شرعه من الصفوة الأبرار:

السلام عليكن ورحمة الله وبركاته:

السلام على كل مؤمنة بالله .. السلام على كل منيبة إلى الله .. السلام على كل مهتدية بشرع الله .. السلام على تلك المرأة المؤمنة التي آمنت بربها، والتزمت بدينها، وسارت على نهج خالقها.

سلام على تلك المرأة المؤمنة التي أقبلت إذ أدبر الناس، وآمنت إذ كذب الناس، وجدّت في طاعة الله إذ استهزأ الناس.

السلام على ذلك القلب الذي وعى، والسلام على ذلك الفؤاد الذي رضي وبهدى الله اهتدى.

السلام عليكن إذ خرجتن إلى طاعة الله ومرضاته، خرج النساء إلى الأسواق وخرجتن إلى سوق الجنة، وخرج النساء إلى الرياض، وخرجتن إلى روضة من رياض الجنة، وباهت النساء بالأزياء وباهيتن بسربال التقوى، واستمسكتن بعروة الله الوثقى، هنيئاً لكن معشر المؤمنات! هنيئاً لكُنَّ معشر الصالحات الداعيات! هنيئاً لكن على الإيمان والثبات! هنيئاً لكن على الجد في الحسنات والمرضات!

بيَّض الله وجهكن، ونور الله قلوبكن في زمان الغربة الذي تباعد عن زمان الوحي، وقفت الصالحة أمام تيارات فكرية، ومذاهب هدامة لكي تعلنها صريحة قلباً وقالباً أن لا إله إلا الله فعاشت مع الله، مع أوامره إذ التزمتها، ونواهيه إذ ابتعدت عنها.

وقفت الواحدة أمام هذه الفتن والمحن فثبتت بتثبيت الله، واعتصمت بحبل الله، فطوبى لذلك الإيمان، وطوبى لذلك الجنان، وطوبى للصدق في العبودية للرحمن.

يا فتاة الإسلام: إن هذه رحمة من الله أسداها إليك، ومنة تفضل بها عليك، إن الله تبارك وتعالى قد رحمك بهذه الهداية التي حرمها كثيراً من النساء، رحمك بهذه الهداية التي عاش قلبك أحاسيسها، وارتاح فؤادك لمعانيها، فسرت بتلك الخطا راضية أي الرضا، سرت على طاعة الله ومرضاته ومحبته.

امتلأت القلوب حباً للدنيا وامتلأ قلبك حباً للصالحات، امتلأت قلوب النساء حباً للماجنات الداعرات وامتلأ قلبك حباً للصالحات الداعيات، امتلأت قلوب النساء محبة لهذه الدنيا وفتنة بزهرتها، وامتلأ قلبك حباً للآخرة وسعياً لتحصيلها، طوبى لتلك العين منك إذ سحت بالدمع من خشية الله، وقد اكتحلت عيون النساء بمكاحيل الزينة، ولكن تزينت عينك بالعبرة من خشية الله، طاب للنساء أن يتجملن بالمظاهر وطاب لك -أمة الله- أن تتجملي بالجواهر! طوبى للإيمان! طوبى لسلوك سبيل الرحمن! طوبى لهذا العفاف؛ طوبى له وحسن مآب!

أخواتي المسلمات: إن المسلمة تحتاج في كل زمان ومكان إلى قدوة حسنة صالحة تسير على نهجها، وتسلك سبيلها، تحتاج إلى تلك النماذج الطيبة الطاهرة التي حملت المعادن الكريمة وقلوباً تعظم الله وجواهر تؤمن بلقاء الله وتعظمه وتجله، تحتاج إليها لكي تسير على نهجها، وتتخلق بأخلاقها وتتأدب بآدابها، وقد بين القرآن فضل القصة، وفضل الأسوة والقدوة، فبين أن فيها عبرة، وأنه بهدى الأخيار يُهتدى، وبحذوهم يُقتدى، وبسبيلهم يُربى.

لقد قصَّ الله عز وجل في كتابه قصص الصالحات، وبين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تلك المواقف المشرفة من تلك النماذج الطيبات الطاهرات من قرونٍ خلت، وأزمنة مضت؛ مضت بإيمان، وصبر ويقين بالرحمن، مضت تلك الخلوف الصالحة وقد سطرت في دواوين المجد عبراً لا تنسى، وذكريات توجب من الله عز وجل الرحمة والرضا، ومع هذه القرون الخالية، ومع تلك النماذج السامية، ومع ذلك الرعيل، ونسمة من عبير ذلك الجيل تسمو إلى هذه النماذج أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90].

تحب المرأة المؤمنة الصالحة سير الصالحات حتى يطمئن بذكرهن قلبها، ويسعد بالائتساء بهن قالبها، ومع ذلك الرعيل، ونسمة من عبير ذلك الجيل، نقف مع النساء الطاهرات من سلف هذه الأمة.

خديجة رضي الله عنها

وأول وقفة -مع الإيمان والثبات على الإيمان- مع امرأة آمنت بربها، ورضيت عن الله ورضي الله عنها، امرأة لا كالنساء، كاملةٌ، مطهرةًٌ، مختارةٌ من الله لنبيه، امرأة أحبها الله وأحبت الله، ورضيت عن الله ورضي الله عنها، إنها خديجة بنت خويلد التي أحبها الله عز وجل، وأحبها نبيه صلى الله عليه وسلم، أحبها الله حتى نزل جبريل الأمين يحمل سلام الله عليها، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن جبريل قال: (يا رسول الله! هذه خديجة قد جاءتك بإناء فيه إدام -أو شراب، أو طعام- فأقرئها من الله السلام ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب)

إنها خديجة .. مثال الإيمان، واليقين بالرحمن، إنها خديجة التي ثبت الله عز وجل بها أحب القلوب إليه، إنها خديجة التي واست رسول الله صلى الله عليه وسلم بمالها، وواسته بفؤادها إذ شاركته أحزانه، وشاطرته آماله وآلامه، ما جاءها خائفاً إلا أمنته بعد الله، ولا جاءها مهموماً محزوناً إلا بددت همومه وأحزانه بإذن الله، زوجة ونعم الزوجة! مؤمنة بالله عز وجل حقيقة الإيمان، ما إن جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخوف قد استولى عليه حتى قالت له: [كلا والله، لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق] فيا لله من امرأة! أتعجب من إيمانها وثباتها إذ هي تعاني وتقاسي عذابها في الله! أم تعجب من حكمتها وبيانها إذ ثبتت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم!

مضت هذه الطيبة الطاهرة إلى رحمة الله، ومضت إلى عفوه وغفرانه، ولكنها سطرت لأجيال المؤمنات ديواناً من المجد ائتست به صالحات وأي صالحات، مشى على دربها الفاضل نساءٌ مؤمنات قد بعن الدنيا واشترين الآخرة.

إن مضت خديجة الأمس فإن خديجة اليوم باقية، فكم من نساءٍ صالحات طاهرات نسمع عنهن في هذا الزمان قصصاً تعيد لنا ذكرى خديجة!

كم من زوجة صالحة الآن اهتدى زوجها على يدها، عرفته سبيل المساجد، وأقامته مع كل راكع وساجد، وحببته أن يكون مع الخير العابد.

إن ذهبت خديجة فقد أبقت لنا أمثالها، وإن ذهبت خديجة فقد أبقت لنا أشباهها، وإن واست خديجة الأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين والمال والنفس، فـخديجة اليوم تواسي زوجها وهو داعية إلى الله، فتضحي بمالها في سبيل الدعوة إلى الله، وتضحي بأوقاتها كي تعينه على مرضاة الله.

كم في زماننا من أشباه لتلك المرأة المؤمنة؟ قال الأب لابنته يوماً من الأيام: إن ابن عمك يريد الزواج منكِ. قالت له: يا أبتاه أتأمرني بذلك؟ قال: نعم. قالت: سمعاً وطاعة. وشاء الله ذلك الزواج، وما إن مضت أيامٌ يسيرة حتى تبدى لها ذلك الزوج وإذا به شيطانٌ مريد، من رحمة ربه شقي طريد، فما إن بلغ الخبر بذلك القلب الذي يعامل الله، وذلك الفؤاد الذي يرجو رحمة الله، حتى احتسبت المعونة من الله وقالت: لقد بررت أبي بزواجي منه، والله يعينني على هدايته.

فيا ألله من امرأة صالحة تفجرت ينابيع الحكمة على لسانها، فأخذت بمجامع ذلك الزوج إلى طاعة الله! وأخذت بمجامعه إلى محبة الله، وهدته إلى رضوان الله وطاعته، فما ذكر فضلها يوماً من الأيام إلا بكى اعترافاً بجميلها، وإقراراً بفضلها.

إنها خديجة اليوم التي تحتسب عند الله عز وجل في التأسي بتلك الطيبة الطاهرة، إنها خديجة اليوم مهما رأت من زوجها إعراضاً عن الله؛ كان قلبها أكمل ما يكون يقيناً بالله، وكان جنانها أقوى ما يكون ثباتاً على طاعة الله، إنها خديجة اليوم التي نطمع أن نرى أمثالها وأن نسمع ذكراها، فنضَّر الله وجهها، وكثَّر في المسلمين سوادها.

سمية رضي الله عنها

ومن خديجة إلى مقام الإيمان والتوحيد والصبر على الإيمان بالحميد المجيد، إلى سمية وهي تُكاد على الإيمان بالله، وتهان من أجل لا إله إلا الله، إلى تلك المرأة التي آمنت بربها، وصَدَّقت بوحدانية خالقها فقيدت إلى العذاب الذي يفضي بها إلى رحمة رب الأرباب، قيدت إلى العذاب الذي فيه مهانة الدنيا، ولكن مآله كرامة الآخرة، إنها سمية أول شهيدة في الإسلام، التي رضيت أن تنال العذاب، وأن ترى ما ترى من صنوف البلاء والمهانة في الله ولله، وكل ذلك من أجل أن يرضى عنها الله، فما وهنت في طاعته، وما ضعفت في سبيله، فيا له من قلب موحد لله! قلب سكن التوحيدُ بشعابه، ونزل إلى أعماق جذوره، فاهتدت بهدي ربها فلم تبتغ عن سبيله تحويلاً، ولا له بديلاً.

إنها سمية الأمس التي صبرت على طاعة الله ومحبته، وأوذيت في الله، وعايشت ما عايشت من البلاء والضنك في سبيل طاعة الله ومرضاته.

وأشباه سمية في عصرنا الحاضر كثير، وما زال الخير في الأمة، فكما أن الخير في الرجال فإن الخير موجود في النساء، فما زالت سمية في الأمة باقية .. إنها سمية التي تعيش بهدايتها وحيدة بين أسرة كاملة .. إنها سمية التي تعيش بإيمانها وطاعتها لربها وعفافها بين أخواتٍ وزميلاتٍ بعيدات عن الله .. إنها سمية اليوم التي تؤذى في لباسها فتصبر وتحتسب، وتؤذى في حيائها فتصبر وتحتسب، وتؤذى في شيمتها وعفتها فتصبر لوجه الله وتحتسب.

إنها سمية اليوم الصادقة مع ربها، الموقنة بلقاء خالقها .. إنها سمية اليوم التي لم تلتفت إلى مفاتن الأزياء، ولم يغرها ما غر غيرها من النساء .. إنها سمية التي أوذيت باللسان، فسمعت من الكلام ما كرهت ولكن رضيت بالله، ورضيت البقاء على طاعة الله ومحبته؛ فطوبى لها وحسن مآب!

عائشة رضي الله عنها

ومن سمية -التي قدمتُ لسبق شهادتها- إلى الصديقة بنت الصديق ، إلى المبرأة من فوق سبع سماوات، إلى امرأة سكن الإيمان قلبها، ونزل الإيمان واليقين بفؤادها؛ عائشة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صديقة بنت صديق، لست أدري ما الذي أختار لكِ من طهارتها وعفتها، أأختار لكِ إيماناً لا شك معه ولا مرية؟ أأختار لكِ جناناً مليئاً بمحبة الله؟ أأختار لكِ علماً وفضلاً وأدباً وخلقاً؟ إنها النجم الزاهر، والروض الناضر الذي يستهوي من رآه، ويستهوي من سمع أخباره، إنها عائشة التي تربت في بيت الصديق ، وفي بيت النبوة مع خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين.

مع عائشة التي رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وزوجاً محبوباً، أكرمته وأحبته فلما خُيرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت آية التخيير لنسائه، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : (إني مخيركِ في أمرٍ فلا تعجلي فيه حتى تراجعين فيه أباك وأمك) فما إن خيرها بين الدار الآخرة وبين أن يمتعها ويسرحها سراحاً جميلاً، حتى أبت وأصرت إلا البقاء معه صلى الله عليه وسلم، بل إنها أجابت مباشرة بأنها تختار الله ورسوله والدار الآخرة، وعجلت أن تخير والديها، فهو الأمر الذي لا يحتاج إلى خيار غير خيارٍ واحد، وهو الذي أحبته وارتضته، وهو اختيار رحمة الله ومحبته، عاشت هذه الطيبة الطاهرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالاً لكل زوجة وفية لزوجها، أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، أحبها لديانتها ولطهارتها، ولصلاحها وعفتها رضي الله عنها وأرضاها.

وعاشت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيشة الفقر؛ فقر الظاهر وغنى الجواهر، عاشت فقيرة في الظاهر ولكنها غنية بالله عز وجل، ثلاثة أشهر وما يوقد في بيتها نار، فرضيت بهذه العيشة لعلمها بأن رضوان الله عز وجل فيها، ماذا أختار لكِ من هذه الصالحة الطيبة الطاهرة المباركة الصديقة بنت الصديق التي عاشرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينٍ تراقب حركاته وسكناته، وسمعٍ يصغي لكل لفظ من حديثه، فكانت وعاءً من أوعية السنة، وحافظة من حفاظ الصحابة، وعت أكثر من ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنضر الله ذلك الوجه، ونضر الله -عز وجل- تلك الصورة التي حفظت للأمة دينها، وما اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من هديه داخل بيته إلا ورجعوا إلى الصديقة يختارونها حكماً بينهم، قال أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه: [ما اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرٍ ورجعوا إلى عائشة إلا وجدوا عندها خبراً وأثراً].

إنها عائشة علماً وأدباً وفضلاً ونبلاً، رسمت منهجاً للصالحات في المثابرة على محبة رب البريات بطلب العلم، فهي مثال لكل زوجة عالم، ومثال لكل زوجة داعية أن تتقي الله عز وجل في زوجها، رسمت المنهج الصالح بمعاشرة النبي الكريم ولخلفاء الأنبياء من العلماء العالمين، والدعاة المخلصين بصبرها على العيشة اليسيرة، وعفتها عن الغنى الذي يرديها ويهلكها، رضيت فأرضاها الله عز وجل برضاها، ونحن اليوم نعيش مع عائشة اليوم، نعيش مع تلك النماذج الحية من نساء مؤمنات صالحات طاهرات ذكرن عائشة في علمها وأدبها، فجعلنها قدوة بها يحتذى، وأمة بها يُقتدى.

نعيش اليوم مع تلك النماذج الطيبة الطاهرة، مع النساء الحافظات لكتاب الله، اللاتي خرجن إلى بيوت الله لحفظ آيات الله، نعيش مع عائشة اليوم وهي ساهرة في طلب العلم بعين ترجو رحمة الله، وهي تخط بيدٍ ترجو الفوز بالكرامة من الله، وهي تصغي بسمعٍ يطلب رضوان الله، نعيش مع عائشة اليوم تلك الداعية المخلصة التي نذرت نفسها للدعوة إلى الله، مع عائشة اليوم التي جرت محبة الدعوة في عروقها.

إنها عائشة الصالحة .. عائشة الفاضلة .. عائشة التي صبرت على البلاء، فأوذيت في أقدس شيء -بعد الإيمان- وهو عرضها فمست كرامتها، ولكن لتنال من الله رضواناً، وصفحاً من الرحمن وبراً وإحساناً، وقفت عائشة رضي الله عنها أيام محنة الإفك؛ ذلك الموقف العصيب الرهيب، ولكنها كانت أكبر من تلك المقالة حينما تعلقت بالله ولاذت به، واستعاذت بالله فكانت معه، قيل عنها ما قيل فبرأها الله عز وجل، وغار عليها إذ نزل آيات التنزيل، وما كانت تظن أن ينزل الله عز وجل فيها قرآناً إلى يوم الدين، فكل امرأة اليوم تؤمن بربها، فتؤذى في عرضها، تترسم نهج هذه الصالحة فتصبر لوجه الله، وتحتسب الأذية عند الله، وترجو في مصابها وبلائها المثوبة من الله.

عائشة اليوم تؤذى وتتهم في عرضها وعفتها ولكنها ثابتة لوجه الله، صادقة إيماناً بالله، تصبر على تلك المكائد، وتصبر على ما يروجه كل معاند وحاسد، تتمثل هدي تلك المرأة الصالحة، وتترسم خطى تلك الصديقة الفاضلة.

عائشة رضي الله عنها التي كانت مثالاً في الزكاة، ومثالاً في الجود والسخاء، فتحت لها أموال الدنيا فما التفتت إلى تلك الأموال، بعث إليها عبد الله بن الزبير رضي الله عنها وعنه مائة ألفٍ فجاءتها وهي صائمة لله، فما إن وقعت في يدها حتى تذكرت جنان الخلد التي ترجوها عند ربها؛ فبذلت تلك المائة في طاعة الله ومحبته، فرقت تلك المائة حتى أمسى المساء وما عندها منها شيء، فطلبت فطورها وطلبت شيئاً ترد به جوعها وظمأها، فإذا به لم يبق من المائة ألف شيء تطعم به طعاماً، ولكنها أبقت رضوان الله، والرجاء فيما عند الله، صامت لوجه الله عز وجل ذلك اليوم، وصامت مع صيام الجسد عن شهوة الدنيا وفتنتها وزهرتها، فبذلت ذلك المال كله لوجه الله حتى نسيت طعام فطورها! يا لله من قلب يؤمن بالله! ويا لله من فؤاد يرجو رحمة الله! ويا لله من صديقة تلتمس رضوان الله! قالت لها أم ذر : [هلا تركت من المائة ألف ما تفطرين به؟ فقالت: لا تلوميني، هلا ذكرتني؟] ذهلت عن الدنيا حينما تذكرت رحمة الله، ورجت الفوز بما عند الله.

إنها ذهبت ومضت وخلفت لنساء المؤمنين ذلك المثال الصادق لبذل المال لوجه الله واحتساب الأجر عند الله، ذهبت عائشة إلى رحمة الله ورضوانه، ولكنها رسمت المنهج لـعائشة اليوم حينما اقتدت بها وائتست، فكم نسمع من قصص تذكر بها! كم نسمع من قصص عن تلك الصالحة! وعن تلك المؤمنة الموقنة التي جددت عائشة الأمس رضي الله عن تلك وعن هذه رضواناً لا سخط بعده.

امرأة من نساء المؤمنين في العصر الحاضر كانت بنت ثري من الأثرياء، شاء الله عز وجل أن يقبض روحه فخلف الأموال الكثيرة، فجاءها زوجها مساء ذلك اليوم بتلك الورقة التي فيها خمسة ملايين من الريالات، فلما أخبرها الخبر وقال لها: هذا قسمك من ميراث أبيك. قالت: كم هو؟ قال: كذا وكذا. قالت: والله لا أطعم منه شيئاً وأيتام الأفغان يعانون الجوع، وأرامله يقاسون البرد والعناء. وقالت: والله لا يمسي هذا المال وعندي منه شيء، فخرجت منه ترجو رضوان الله، فيا لله من مؤمنة صابرة! ويا لله من مؤمنة صادقة! إنها قلوب الصادقات التي آمنت برب البريات، فنسيت عند الإيمان به حظوظ الدنيا وزهرتها، إنها أمثلة ونماذج حية بنقل الثقات عن تلك الصالحات اللاتي يُذكِّرن بـعائشة الأمس رضي الله عن الجميع وأرضاهن.

وأول وقفة -مع الإيمان والثبات على الإيمان- مع امرأة آمنت بربها، ورضيت عن الله ورضي الله عنها، امرأة لا كالنساء، كاملةٌ، مطهرةًٌ، مختارةٌ من الله لنبيه، امرأة أحبها الله وأحبت الله، ورضيت عن الله ورضي الله عنها، إنها خديجة بنت خويلد التي أحبها الله عز وجل، وأحبها نبيه صلى الله عليه وسلم، أحبها الله حتى نزل جبريل الأمين يحمل سلام الله عليها، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن جبريل قال: (يا رسول الله! هذه خديجة قد جاءتك بإناء فيه إدام -أو شراب، أو طعام- فأقرئها من الله السلام ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب)

إنها خديجة .. مثال الإيمان، واليقين بالرحمن، إنها خديجة التي ثبت الله عز وجل بها أحب القلوب إليه، إنها خديجة التي واست رسول الله صلى الله عليه وسلم بمالها، وواسته بفؤادها إذ شاركته أحزانه، وشاطرته آماله وآلامه، ما جاءها خائفاً إلا أمنته بعد الله، ولا جاءها مهموماً محزوناً إلا بددت همومه وأحزانه بإذن الله، زوجة ونعم الزوجة! مؤمنة بالله عز وجل حقيقة الإيمان، ما إن جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخوف قد استولى عليه حتى قالت له: [كلا والله، لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق] فيا لله من امرأة! أتعجب من إيمانها وثباتها إذ هي تعاني وتقاسي عذابها في الله! أم تعجب من حكمتها وبيانها إذ ثبتت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم!

مضت هذه الطيبة الطاهرة إلى رحمة الله، ومضت إلى عفوه وغفرانه، ولكنها سطرت لأجيال المؤمنات ديواناً من المجد ائتست به صالحات وأي صالحات، مشى على دربها الفاضل نساءٌ مؤمنات قد بعن الدنيا واشترين الآخرة.

إن مضت خديجة الأمس فإن خديجة اليوم باقية، فكم من نساءٍ صالحات طاهرات نسمع عنهن في هذا الزمان قصصاً تعيد لنا ذكرى خديجة!

كم من زوجة صالحة الآن اهتدى زوجها على يدها، عرفته سبيل المساجد، وأقامته مع كل راكع وساجد، وحببته أن يكون مع الخير العابد.

إن ذهبت خديجة فقد أبقت لنا أمثالها، وإن ذهبت خديجة فقد أبقت لنا أشباهها، وإن واست خديجة الأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين والمال والنفس، فـخديجة اليوم تواسي زوجها وهو داعية إلى الله، فتضحي بمالها في سبيل الدعوة إلى الله، وتضحي بأوقاتها كي تعينه على مرضاة الله.

كم في زماننا من أشباه لتلك المرأة المؤمنة؟ قال الأب لابنته يوماً من الأيام: إن ابن عمك يريد الزواج منكِ. قالت له: يا أبتاه أتأمرني بذلك؟ قال: نعم. قالت: سمعاً وطاعة. وشاء الله ذلك الزواج، وما إن مضت أيامٌ يسيرة حتى تبدى لها ذلك الزوج وإذا به شيطانٌ مريد، من رحمة ربه شقي طريد، فما إن بلغ الخبر بذلك القلب الذي يعامل الله، وذلك الفؤاد الذي يرجو رحمة الله، حتى احتسبت المعونة من الله وقالت: لقد بررت أبي بزواجي منه، والله يعينني على هدايته.

فيا ألله من امرأة صالحة تفجرت ينابيع الحكمة على لسانها، فأخذت بمجامع ذلك الزوج إلى طاعة الله! وأخذت بمجامعه إلى محبة الله، وهدته إلى رضوان الله وطاعته، فما ذكر فضلها يوماً من الأيام إلا بكى اعترافاً بجميلها، وإقراراً بفضلها.

إنها خديجة اليوم التي تحتسب عند الله عز وجل في التأسي بتلك الطيبة الطاهرة، إنها خديجة اليوم مهما رأت من زوجها إعراضاً عن الله؛ كان قلبها أكمل ما يكون يقيناً بالله، وكان جنانها أقوى ما يكون ثباتاً على طاعة الله، إنها خديجة اليوم التي نطمع أن نرى أمثالها وأن نسمع ذكراها، فنضَّر الله وجهها، وكثَّر في المسلمين سوادها.

ومن خديجة إلى مقام الإيمان والتوحيد والصبر على الإيمان بالحميد المجيد، إلى سمية وهي تُكاد على الإيمان بالله، وتهان من أجل لا إله إلا الله، إلى تلك المرأة التي آمنت بربها، وصَدَّقت بوحدانية خالقها فقيدت إلى العذاب الذي يفضي بها إلى رحمة رب الأرباب، قيدت إلى العذاب الذي فيه مهانة الدنيا، ولكن مآله كرامة الآخرة، إنها سمية أول شهيدة في الإسلام، التي رضيت أن تنال العذاب، وأن ترى ما ترى من صنوف البلاء والمهانة في الله ولله، وكل ذلك من أجل أن يرضى عنها الله، فما وهنت في طاعته، وما ضعفت في سبيله، فيا له من قلب موحد لله! قلب سكن التوحيدُ بشعابه، ونزل إلى أعماق جذوره، فاهتدت بهدي ربها فلم تبتغ عن سبيله تحويلاً، ولا له بديلاً.

إنها سمية الأمس التي صبرت على طاعة الله ومحبته، وأوذيت في الله، وعايشت ما عايشت من البلاء والضنك في سبيل طاعة الله ومرضاته.

وأشباه سمية في عصرنا الحاضر كثير، وما زال الخير في الأمة، فكما أن الخير في الرجال فإن الخير موجود في النساء، فما زالت سمية في الأمة باقية .. إنها سمية التي تعيش بهدايتها وحيدة بين أسرة كاملة .. إنها سمية التي تعيش بإيمانها وطاعتها لربها وعفافها بين أخواتٍ وزميلاتٍ بعيدات عن الله .. إنها سمية اليوم التي تؤذى في لباسها فتصبر وتحتسب، وتؤذى في حيائها فتصبر وتحتسب، وتؤذى في شيمتها وعفتها فتصبر لوجه الله وتحتسب.

إنها سمية اليوم الصادقة مع ربها، الموقنة بلقاء خالقها .. إنها سمية اليوم التي لم تلتفت إلى مفاتن الأزياء، ولم يغرها ما غر غيرها من النساء .. إنها سمية التي أوذيت باللسان، فسمعت من الكلام ما كرهت ولكن رضيت بالله، ورضيت البقاء على طاعة الله ومحبته؛ فطوبى لها وحسن مآب!

ومن سمية -التي قدمتُ لسبق شهادتها- إلى الصديقة بنت الصديق ، إلى المبرأة من فوق سبع سماوات، إلى امرأة سكن الإيمان قلبها، ونزل الإيمان واليقين بفؤادها؛ عائشة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صديقة بنت صديق، لست أدري ما الذي أختار لكِ من طهارتها وعفتها، أأختار لكِ إيماناً لا شك معه ولا مرية؟ أأختار لكِ جناناً مليئاً بمحبة الله؟ أأختار لكِ علماً وفضلاً وأدباً وخلقاً؟ إنها النجم الزاهر، والروض الناضر الذي يستهوي من رآه، ويستهوي من سمع أخباره، إنها عائشة التي تربت في بيت الصديق ، وفي بيت النبوة مع خاتم الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين.

مع عائشة التي رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً وزوجاً محبوباً، أكرمته وأحبته فلما خُيرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت آية التخيير لنسائه، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : (إني مخيركِ في أمرٍ فلا تعجلي فيه حتى تراجعين فيه أباك وأمك) فما إن خيرها بين الدار الآخرة وبين أن يمتعها ويسرحها سراحاً جميلاً، حتى أبت وأصرت إلا البقاء معه صلى الله عليه وسلم، بل إنها أجابت مباشرة بأنها تختار الله ورسوله والدار الآخرة، وعجلت أن تخير والديها، فهو الأمر الذي لا يحتاج إلى خيار غير خيارٍ واحد، وهو الذي أحبته وارتضته، وهو اختيار رحمة الله ومحبته، عاشت هذه الطيبة الطاهرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مثالاً لكل زوجة وفية لزوجها، أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، أحبها لديانتها ولطهارتها، ولصلاحها وعفتها رضي الله عنها وأرضاها.

وعاشت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيشة الفقر؛ فقر الظاهر وغنى الجواهر، عاشت فقيرة في الظاهر ولكنها غنية بالله عز وجل، ثلاثة أشهر وما يوقد في بيتها نار، فرضيت بهذه العيشة لعلمها بأن رضوان الله عز وجل فيها، ماذا أختار لكِ من هذه الصالحة الطيبة الطاهرة المباركة الصديقة بنت الصديق التي عاشرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينٍ تراقب حركاته وسكناته، وسمعٍ يصغي لكل لفظ من حديثه، فكانت وعاءً من أوعية السنة، وحافظة من حفاظ الصحابة، وعت أكثر من ألف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنضر الله ذلك الوجه، ونضر الله -عز وجل- تلك الصورة التي حفظت للأمة دينها، وما اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من هديه داخل بيته إلا ورجعوا إلى الصديقة يختارونها حكماً بينهم، قال أبو موسى رضي الله عنه وأرضاه: [ما اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرٍ ورجعوا إلى عائشة إلا وجدوا عندها خبراً وأثراً].

إنها عائشة علماً وأدباً وفضلاً ونبلاً، رسمت منهجاً للصالحات في المثابرة على محبة رب البريات بطلب العلم، فهي مثال لكل زوجة عالم، ومثال لكل زوجة داعية أن تتقي الله عز وجل في زوجها، رسمت المنهج الصالح بمعاشرة النبي الكريم ولخلفاء الأنبياء من العلماء العالمين، والدعاة المخلصين بصبرها على العيشة اليسيرة، وعفتها عن الغنى الذي يرديها ويهلكها، رضيت فأرضاها الله عز وجل برضاها، ونحن اليوم نعيش مع عائشة اليوم، نعيش مع تلك النماذج الحية من نساء مؤمنات صالحات طاهرات ذكرن عائشة في علمها وأدبها، فجعلنها قدوة بها يحتذى، وأمة بها يُقتدى.

نعيش اليوم مع تلك النماذج الطيبة الطاهرة، مع النساء الحافظات لكتاب الله، اللاتي خرجن إلى بيوت الله لحفظ آيات الله، نعيش مع عائشة اليوم وهي ساهرة في طلب العلم بعين ترجو رحمة الله، وهي تخط بيدٍ ترجو الفوز بالكرامة من الله، وهي تصغي بسمعٍ يطلب رضوان الله، نعيش مع عائشة اليوم تلك الداعية المخلصة التي نذرت نفسها للدعوة إلى الله، مع عائشة اليوم التي جرت محبة الدعوة في عروقها.

إنها عائشة الصالحة .. عائشة الفاضلة .. عائشة التي صبرت على البلاء، فأوذيت في أقدس شيء -بعد الإيمان- وهو عرضها فمست كرامتها، ولكن لتنال من الله رضواناً، وصفحاً من الرحمن وبراً وإحساناً، وقفت عائشة رضي الله عنها أيام محنة الإفك؛ ذلك الموقف العصيب الرهيب، ولكنها كانت أكبر من تلك المقالة حينما تعلقت بالله ولاذت به، واستعاذت بالله فكانت معه، قيل عنها ما قيل فبرأها الله عز وجل، وغار عليها إذ نزل آيات التنزيل، وما كانت تظن أن ينزل الله عز وجل فيها قرآناً إلى يوم الدين، فكل امرأة اليوم تؤمن بربها، فتؤذى في عرضها، تترسم نهج هذه الصالحة فتصبر لوجه الله، وتحتسب الأذية عند الله، وترجو في مصابها وبلائها المثوبة من الله.

عائشة اليوم تؤذى وتتهم في عرضها وعفتها ولكنها ثابتة لوجه الله، صادقة إيماناً بالله، تصبر على تلك المكائد، وتصبر على ما يروجه كل معاند وحاسد، تتمثل هدي تلك المرأة الصالحة، وتترسم خطى تلك الصديقة الفاضلة.

عائشة رضي الله عنها التي كانت مثالاً في الزكاة، ومثالاً في الجود والسخاء، فتحت لها أموال الدنيا فما التفتت إلى تلك الأموال، بعث إليها عبد الله بن الزبير رضي الله عنها وعنه مائة ألفٍ فجاءتها وهي صائمة لله، فما إن وقعت في يدها حتى تذكرت جنان الخلد التي ترجوها عند ربها؛ فبذلت تلك المائة في طاعة الله ومحبته، فرقت تلك المائة حتى أمسى المساء وما عندها منها شيء، فطلبت فطورها وطلبت شيئاً ترد به جوعها وظمأها، فإذا به لم يبق من المائة ألف شيء تطعم به طعاماً، ولكنها أبقت رضوان الله، والرجاء فيما عند الله، صامت لوجه الله عز وجل ذلك اليوم، وصامت مع صيام الجسد عن شهوة الدنيا وفتنتها وزهرتها، فبذلت ذلك المال كله لوجه الله حتى نسيت طعام فطورها! يا لله من قلب يؤمن بالله! ويا لله من فؤاد يرجو رحمة الله! ويا لله من صديقة تلتمس رضوان الله! قالت لها أم ذر : [هلا تركت من المائة ألف ما تفطرين به؟ فقالت: لا تلوميني، هلا ذكرتني؟] ذهلت عن الدنيا حينما تذكرت رحمة الله، ورجت الفوز بما عند الله.

إنها ذهبت ومضت وخلفت لنساء المؤمنين ذلك المثال الصادق لبذل المال لوجه الله واحتساب الأجر عند الله، ذهبت عائشة إلى رحمة الله ورضوانه، ولكنها رسمت المنهج لـعائشة اليوم حينما اقتدت بها وائتست، فكم نسمع من قصص تذكر بها! كم نسمع من قصص عن تلك الصالحة! وعن تلك المؤمنة الموقنة التي جددت عائشة الأمس رضي الله عن تلك وعن هذه رضواناً لا سخط بعده.

امرأة من نساء المؤمنين في العصر الحاضر كانت بنت ثري من الأثرياء، شاء الله عز وجل أن يقبض روحه فخلف الأموال الكثيرة، فجاءها زوجها مساء ذلك اليوم بتلك الورقة التي فيها خمسة ملايين من الريالات، فلما أخبرها الخبر وقال لها: هذا قسمك من ميراث أبيك. قالت: كم هو؟ قال: كذا وكذا. قالت: والله لا أطعم منه شيئاً وأيتام الأفغان يعانون الجوع، وأرامله يقاسون البرد والعناء. وقالت: والله لا يمسي هذا المال وعندي منه شيء، فخرجت منه ترجو رضوان الله، فيا لله من مؤمنة صابرة! ويا لله من مؤمنة صادقة! إنها قلوب الصادقات التي آمنت برب البريات، فنسيت عند الإيمان به حظوظ الدنيا وزهرتها، إنها أمثلة ونماذج حية بنقل الثقات عن تلك الصالحات اللاتي يُذكِّرن بـعائشة الأمس رضي الله عن الجميع وأرضاهن.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المشكلات الزوجية وعلاجها 3459 استماع
رسالة إلى الدعاة 3432 استماع
وصية نبوية 3324 استماع
أهم الحقوق 3302 استماع
توجيه الدعاة إلى الله تعالى 3214 استماع
كيف نواجه الفتن؟ 3161 استماع
حقيقة الالتزام 3140 استماع
وصايا للصائمين والقائمين 3080 استماع
الوصايا الذهبية 3038 استماع
مناقشة لرسالة الدكتوراه (2) 3005 استماع